عذرا ليوطي....

عذرا ليوطي....
الإثنين 23 نونبر 2020 - 19:40

احتفى المغاربة يوم 18 نونبر بعيد الاستقلال الذي يؤرخ لبداية بناء الدولة الوطنية بمقوماتها السيادية والهوياتية. ومع توالي السنين بدأ الاهتمام بالذكرى يتراجع ويتوارى خلف ضغط الأحداث اليومية المتكررة، وبدأت الذاكرة تفقد تدريجيا عنفوان الحدث ومفصليته في تاريخ الوطن والأمة. فعيد الاستقلال لم يكن حدثا عابرا في تاريخ الوطن بل هو مناسبة ليجتمع الشعب حول قيمه ومبادئه ودلالاته، ويحيي ذكرى رموزه الوطنية التي ناضلت من أجل وجود هذا الوطن.

فباستثناء بعض المظاهر الفلكلورية هنا وهناك، وقلة من البرامج في القنوات الرسمية، لن تجد للحدث ذكرا في المنتديات الأكاديمية والمدنية. لكن الأدهى أن يأخذ النقاش الإعلامي والأكاديمي بل والسياسي مسارا تراجع فيه أحداث الاستقلال باعتبارها تاريخا مغلوطا: فوثيقة 11 يناير ليست هي وثيقة الاستقلال الحقيقية، ورموز المقاومة والتحرير الذين ضحوا بأنفسهم لم يكونوا إلا خدما للبورجوازية والطبقيةـ بل الأدهى أن المارشال ليوطي الذي قاد حرب الحماية ينبغي أن يمنح صفات المجد والعلم والصلاح وينصب له تمثال في العاصمة الاقتصادية… فكل عناصر الذاكرة التي بنى عليها المغاربة انتماءهم ووجودهم ومشتركهم الجمعي غدت قابلة للمراجعة في زمن التشظي. فالعبارة التي قالها جورج سپيلمان منافحا عن الجنرال ليوطي بأنه: “أراد أن يضمن ازدهار المغرب عبر تحسين جودة خيراته الطبيعية وعبر وضع حد لتطاحن العائلات الكبرى، وأن يقضي على الأوبئة المتعاقبة والدورية”، مازال يتردد معناها في العديد من الكتابات المعاصرة. فقد خصصت مجلة زمان ملف عدد شهر غشت الماضي للحديث عن “الوجه الحقيقي للماريشال” حسب تعبيرها.

الغاية هي إبراز صورة وردية لزعيم دافع عن الملكية وحدَث الإدارة، حتى لقب بمهندس المغرب الحديث، وحافظ على دين المغاربة وعقائدهم. فليوطي ليس مجرد عسكري قاد جيوش الحماية بل صاحب رؤية فكرية: فبالنسبة له الفعل العسكري ينبغي أن يكون مرافقا للفعلين السياسي والاجتماعي. بل أكثر من ذلك، تمثل منهج بونابرت في حملته على مصر وغدا عاشقا للشرق كسلفه، حيث منع المساس بتقاليد البلد وثقافته ونظامه السياسي. فكما ادعى بونابرت إسلامه أمام شيوخ الأزهر، فقد عمل الماريشال على الدفاع عن الإسلام، حيث عمل على تجريم الإفطار العلني خلال شهر رمضان، أو منع بيع الخمور لغير المسلمين، حتى أن الفقهاء قرؤوا اللطيف دعاء لشفائه. فليوطي ليس رجل استعمار وحماية بل مفكرا منافحا عن الدين والملكية وعاشقا للبلد.

ونتيجة لهذا العشق فقد طلب أن يدفن بالرباط، وهو ما تحقق لمدة وجيزة قبل أن ينقل رفاته إلى وطنه. هذه الصورة الوردية التي بدأت تتردد في الكتابات الإعلامية والصحفية والتي تقدم المقيم العام للحماية الفرنسية باعتباره رمزا للتحديث والحفاظ على الملكية واحترام الإسلام تجعلنا نتساءل عن الدافع الحقيقي وراء استعادتها: هل هو علمي بحثي أم محاولة لصياغة تاريخ جديد للمغرب تتماهى فيه الذاكرة مع واقع الارتماء في أحضان الاستلاب الثقافي؟ فاستنساخ التجربة المشرقية في التعامل مع بونابرت الذي ادعى كل ما نسب إلى ليوطي لاحقا من دفاع عن الوطن والدين، يؤكد أن معين الفكرة واحد.

فإن كان تاريخ الحملة الفرنسية على مصر قد تم تفكيكه لمعرفة الحقائق الثاوية وراء شعارات بونابرت والتي تتمثل في الصراع مع العثمانيين والإنجليز ومحاولة استمالة السكان المحليين، فإن اعتماد جل المنافحين عن ليوطي على وثائق فرنسية ذات نزوع استعماري، يثبت أن الغاية هي مسح التاريخ الدموي لأول مقيم عام للسلطات الفرنسية. فالرجل الذي استقبل في فاس بما سمي بأيام فاس الدامية (أبريل 1912) التي خلفت حوالي 600 قتيل، مما جعله يغير العاصمة نحو الرباط، ليس بغية التحديث كما تزعم الكتابات الاستعمارية، بل هروبا من غليان العاصمة العلمية.

كما أن دفاعه عن التقاليد والملكية ليس قناعة فكرية بل هو جزء من مسار استعماري لإخضاع أبناء الوطن واستمالتهم للإدارة الاستعمارية. فهو القائل بأن “الطريقة المعقولة، والوحيدة، والأنسب، والتي أرسلتني فرنسا من أجلها، أنا وليس شخصا آخر غيري، هي اللعب الدائم على حبلي السياسة والقوة..”، لكن محاولة تجميل صورته وتقديمه لأبناء المغرب باعتباره منقذا ومحدثا ومنافحا عن الثوابت الوطنية لدرجة أن يقول أحد الأساتذة: “لو خيرت بين موسى ابن نصير وليوطي لاخترت ليوطي” هي محاولة لتغيير مسار التاريخ الوطني وحذف التاريخ الدموي الاستعماري لفرنسا التي لا تزال مصرة على استعادة ماضيها في كل حين. وما نخشاه أن يأتي علينا يوم نطالب بالاعتذار لليوطي ومن معه.

‫تعليقات الزوار

13
  • التاريخ الموضوعي
    الإثنين 23 نونبر 2020 - 20:12

    ليوطي شخصية تاريخية لها إيجابياتها و سلبياتها : إعطاء صورة وردية عنه مرفوض و شيطنته أيضاً كما يفعل الكاتب هو أمر مرفوض فإذا الأبحاث الموضوعية هي من سترسم لنا كيف كان حقا بعيدا عن أي تحامل لكن ما هو موجود يثبت في الواقع أن ليوطي انتهج سياسة أكثر اعتدالا بل و السلطات الفرنسية عامة كانت سياساتها أكثر اعتدالا ربما نتيجة الخبرة و تقدم الدراسات الأكاديمية بما أن المغرب سقط متأخرا في أيدي فرنسا! و عموماً الاستعمار الفرنسي في المغرب كان أكثر "لطفا" بالمقارنة مع الجزائر و الهند و أقل توحشا من الاستعمار الإيطالي و البلجيكي لكل من ليبيا و الكونغو

  • خليل
    الإثنين 23 نونبر 2020 - 20:22

    البربريست هم أكثر من يترحم على ليوطي وأيام الاستعمار، فلا يهمهم أن يكون المغرب مستقلا أم محتلا بقدرما يهمهم ألا تأخذ اللغة العربية مكانتها الحقيقية كلغة المغاربة منذ أزيد من 1000 عام، فهم يفضلون أن تسود بالمغرب اللغة الفرنسية أو أية لغة أخرى حتى لو كانت الصينية، المهم شعارهم لا وألف لا للغة العربية، وهو حقد غير مبرر أبدا ولا نجد له تفسيرا، مع العلم أن أجدادهم البربر قد اختاروا اللغة العربية كلغة رسمية منذ أمد بعيد دون أن يفرضها عليهم أحد، فهل كان المرابطون والموحدون بربرا أم عربا؟؟

  • محب و متتبع و غيور
    الإثنين 23 نونبر 2020 - 21:58

    حيا الله الاستاذ الكريم الوطني المغربي فؤاد ابوعلي الذي مازال على الطريق ينافح ويدافع على الهوية المغربية الاصيلة وعن مؤسسات وطنية تربوية تعليمية وعن لغة الوطن اللغة العربية التي ارسو معالمها و درسوا بها اجيال منذ الادارسة و الموحدين الامازيغيين و المرابطين الى العلويين الهاشميين في عصرنا الحالي الذي ظهر المفرنسين اتباع جنيرال العسكري ليوطي ثم ظهور حركة عنصرية امازيغية تكره كل ماهو عربي ولو كان القران او الاسلام ويفضلون لغة ليوطي على لغة محمد ''ص''

  • كمال //
    الإثنين 23 نونبر 2020 - 22:49

    رغم ذلك فاليوطي هو الان جزء من الماضي البعيد وكان يكن الاحترام لمؤسسات الدولة المغربية لانها عريقة و ليس نتاج تقسيم استعماري كما هو الشان بالنسبة لباقي الدول العربية الاخرى
    لكن ما يهمنا ، من كل هذا ، هو ان مُعظم الذين يهاجمون الثقافة الفرنسية ابنائهم يدرسون في البعثات و المدارس الاجنبية و باللغة الفرنسية
    وهنـــأ تكمن المفارقة
    وهذا هو صلب الموضوع و الباقي يبقى مجرد كلام لا قيمة له

  • ملح الأرض .
    الإثنين 23 نونبر 2020 - 23:30

    نعتذر لروح الفقيد ليوطي عن ما جاء بالمقال ونتمى أن يرقد في سلام كما عاش في سلام ونبرأ إلى ذويه وآل بيته من كل قلوبنا أن تنعم روحه التي امتزجت مع تراب المملكة الشريف بالطمأنينة والسكن . وجعل سعيه في ميزان حسناته وأسكنه الملكوت .

  • العروبي
    الإثنين 23 نونبر 2020 - 23:45

    للاسف لم يعد هناك ما يحكي عن الاستعمار وما فعله من سلب الاراضي والمساهمة في الهجرة القروية ومنع المغاربة من دخول احياء بالدار البيضاء -سكان درب غلف في اتجاه المعاريف او الوازيس أو بوسيجور وفيرم بروتون-، وتطويق الاحياء والاسطح بدرب الكبير ودرب السلطان، وجعل المغاربة خدما لدى المعمرين، وتشجيع الكريانات، واستغلال ثروات البلاد، والعمل على توطين المعمرين، وادخال السلوكات المنحرفة، واعدام الوطنيين ونفيهم، ومحاولة التفريق بين العرب والبربر، ….الخ

  • العربي العربي
    الثلاثاء 24 نونبر 2020 - 15:36

    لا اعتقد ان هناك في العالم شعب عانى من الغرب كما عانى الشعب الياباني
    فالامريكان بعد ان قتلوا و شردوا الملايين من اليابانيين و محو من الخريطة اليابانية مدينتين كبيرتين ….بسلاح الدمار الشامل و رغم الطريقة التي احتقر بها الامريكان اليابانيين سواء على مستوى محتوى وثيقة الاستسلام او على مستوى الطريقة التي كان يتعمل بها الامريكي مع الياباني ….
    رغم كل هذا كان الياباني حينما يوجه اليه الامريكي الكلام يُجيب نعم سيدي !!؟
    ليس خوفا او استيلابا او إعجابا بالامريكان بل لانهم ادركوا ان الحقد و الغضب لن ينفعهم و عليهم ان يوفروا كل طاقاتهم و تركيزهم على الاسباب التي جعلت الامريكان يتفوقون عليهم وهي الاهتمام بالعلوم و الانضباط و العمل بجد .

  • ايت واعش
    الثلاثاء 24 نونبر 2020 - 17:01

    ليس ليوطي وحده من كان مستعمرا قبله كثيرون كانوا اكثر دموية ووحشية حتى بتعبير مؤرخيهم ،.ليوطي استعمرنا باسم الحضارة وقبله استعمرنا اخرون باسم الله ونشر الدين ولو بالرعب ، اذا كنا لا نمجد الاستعمار فحق علينا ان نكون موضوعيين ونتحدت عن كل استعمار ونرفضه وندم افعاله، يا سيدي الكريم ندفع الان ثمن السقوط في احضان البعث والناصرية ..ندفع الثمن جنوبا ومات الكثيىرون نتيجة افكار البعث الشرقية والى الان نكافح وندافع ..عسكريا دبلوماسيا ووو..حتى لا تاكلنا افكار البعث التي زرعها بعثيونا في تندوف تنفيدا لفكرة حمقاء من عبد الناصر وغيىره ، المشكلة في المثقف المغربي انه يتخندق وراء قناعاته ولا يصححها ولا يحدثها رغم قدمها بل يظل يحارب للاخير ولو تغير العالم، مهما تغير الشرق وجرت مياه كثيرة تحت الجسر وسقط البعث فلا يزال قوميو المغرب مصرون على احيائه رغم اننا لم نرى من دول اابعث سوى الخدلان والخراب والهلاك، اذا كانت الامم تحتفي بماضيها القديم ومنها مصر ناصر ..فاننها هنا نقزم البلد ثقافيا وتاريخيا كما تحاول اجندة البعث تقزيمه جغرافيا …ومن يقول ان الامازيغ يحبون ليوطي فهو كذاب حاقد .

  • Aboulyasm
    الثلاثاء 24 نونبر 2020 - 19:26

    انا من مواليد نهاية الحماية والان متقا عد.
    احاول احيانا ان اتصور المغرب(وكذا الجزاءر او تونس مثلا)،كيف كانت ستكون حالته الان،ا حسنا ام العكس؟ لو لم توقع معاهدة ثلاثين مارس ١٩١٢.

  • محمد**المغرب
    الأربعاء 25 نونبر 2020 - 08:59

    السيد ايت واعش
    اظن ان عندك خلط يبن الناصرية والبعثية. وححتى الاولى كان بدىء تفكيكها مع نشوء مسكل الصحراء.
    موقف حزب البعث العراقي كان واضحا : ادلى به علنا ورسميا المرحوم صدام وهو ضد التفتيت والتشدرم وانشاء كيانات قبلية ومع وحدة المغرب الترابية.
    هدا الموقف رد عليه المرحوم الحسن الثاني بزيارة الى العراق لتقديم الشكر مباشر للعراق.وكانت الزيارة الاولى للمرحوم لهدا البلد.

  • سولوه
    الخميس 26 نونبر 2020 - 07:57

    لان نسى واقع المغرب ايام السبا.ححققت الحماية انجازات السلم لجميع ربوع الوطن.العمران لقد انشات دور في شتى مدن المغرب .وفتحت طرق عدة وجاءت بالسك .والمواصلات الحديثة وجاءت بالبريد .واستثمرت في الفلاحة وادخلت التقنيات وفتحت المدارس.ثم استقل المغرب وزاد في التنمية في مجلات الفلاحة والصيد والتعليم والصحة وبناء السدود وعاش ملك البلاد ودام تقدم الوطن ولنستحظر الشعار الله الوطن الملك.

  • naifs,non
    الخميس 26 نونبر 2020 - 08:24

    on accuse le protectorat de tous les maux ,ce sont les mêmes accusations à répétitions,
    mais alors,les écoles équipées les routes,les hôpitaux,les banques,les immeubles,la formation de milliers de cadres marocains,qui a fait tout ,ce sont encore des accusations,assez ,nos problemes qui existent aujourd"hui doivent être traités au lieu de raconter des histoires passées,raconter vos histoires aux naifs

  • سولوه
    الخميس 26 نونبر 2020 - 12:25

    شوف خذ العلم باي لغة شئت المهم ان تتقدم.اللي واعر هو الجمود الذي يورث الجهل و التاخر والانبطاح وزد امور لا حاجة لذكرها.رد الاخبار كييف كان ايام السبا .

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة