دور المرأة المغربية في مواجهة كورونا

دور المرأة المغربية في مواجهة كورونا
الجمعة 17 أبريل 2020 - 12:41

تواجه المملكة المغربية ككل دول العالم خطر فيروس كورونا المستجد؛ هذه الجائحة التي تصدت لها الدولة المغربية باتخاذ عدة إجراءات احترازية وتدابير وقائية تمثلت في إغلاق الحدود وتوقيف جميع الرحلات الجوية وإغلاق كل الأماكن التي تشهد تجمعات بشرية، مع فرض حجر صحي مصحوب بقواعد السلامة الصحية. ومن الطبيعي أن هذه الإجراءات استلزمت تعبئة شاملة لكل مرافق الدولة.

وإذا كانت جميع المصالح الإدارية للدولة المغربية تجندت لتجنيب المواطن المغربي والمواطنة المغربية مخاطر هذا الفيروس غير المرئي وغير المتوقع invisible et imprévisible، فإن نوعا من هذه الأطقم التي توجد في الخطوط الأمامية برزت بشكل متميز ونالت إعجاب كافة المغاربة، بل أشادت بها مجموعة من وسائل الإعلام الدولية، إن الأمر يتعلق بالمرأة المغربية، المرأة الطبيبة والممرضة والشرطية والدركية والجندية والأستاذة والقاضية والقائدة…إذ أمام هذه المأساة توحدت كلمة المرأة المغربية التي أبانت عن كفاءة عالية وحس وطني كبير وجدية حازمة جعلت صوتها يرتفع عاليا ليشنف مسامع من يسعوا إلى تقزيم دورها واختزاله في ما هو أدنى بكثير مما تستحقه عن جدارة؛ في حين أن هذه المرأة الحرة أبانت عن وطنيتها الصادقة على امتداد تاريخ هذه الأمة المجيد.

في حقيقة الأمر ما دفعني إلى الحديث في هذه المقالة عن دور المرأة ومساهمتها الفعالة في مواجهة جائحة -كورونا كوفيد 19- هو سؤال سبق للإعلامي المتميز في القناة الثانية جامع كلحسن أن طرحه علي في حلقة برنامج مباشرة معكم بتاريخ 04 شتنبر 2019، الذي ناقش موضوع “التجنيد العسكري”، وتعلق بـ”الخلفيات التي تفسر إقبال الفتيات على التجنيد العسكري وبعدد فاق التوقعات”.

وفي جوابي عن السؤال المذكور قدمت قراءة استأنست بالتذكير بوضعية المرأة بالمغرب خلال السنوات الأخيرة، وبالضبط خلال العقدين الأخيرين، وهي المدة التي صادفت العشرين سنة من حكم صاحب الجلالة محمد السادس، التي شهدت تقدما ملموسا بعدما راكمت المرأة عديدا من المكتسبات الدستورية والتشريعية والسياسية والحقوقية والثقافية، في تجربة متفردة على صعيد المنطقة العربية والإفريقية.

وقد شكل الحضور اللافت للنساء في مختلف مناحي الحياة مصدر إشعاع للتجربة المغربية في محيطها الإقليمي والقاري، بعدما بصمت على حضور متميز في كل المجالات من خلال تواجدها في أسمى المناصب وفي كافة الميادين؛ حتى تلك التي كانت عبر التاريخ حكرا على الرجال وآخرها مهنة العدول، بعد القرار الملكي السامي فتح خطة العدالة في وجه المرأة المغربية لولوج مهنة التوثيق العدلي.

ولفهم وتفسير هذا التطور المهم الذي مس وضعية المرأة المغربية قمت بطرح الأسئلة التالية:

من –بفتح الميم- من المغاربة كان يتخيل يوما أن المرأة ستتمكن من تملك قرار الزواج وعقد قرانها بدون الحاجة إلى وصي بالنسبة للبالغات والحق في الطلاق وتدبير الثروة الخاصة بالأزواج؟ فضلا عن التدابير المتقدمة الخاصة بتعديل قانون الجنسية الذي ضمن مساواة كاملة بين الرجل والمرأة في منح الأطفال من زوج أجنبي الجنسية المغربية.

من اعتقد يوما أنه ستتم المصادقة على القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء؟.

ومن توقع يوما أن المغرب سيسن قانونا يمنع تشغيل الفتيات العاملات بالبيوت البالغ عمرهن أقل من ست عشرة سنة.

أضف إلى كل هذه الترسانة القانونية والثقافية التي جاءت لفائدة المرأة المغربية ما حمله دستور فاتح يوليوز 2011 في فصله 19 الذي نص على المساواة والمناصفة. وذكرت -للأمانة- بأن هذه الخطوات الجبارة على درب هذا المسار القانوني والثقافي أقدم عليها جلال الملك محمد السادس لأنه لا أحد من الفاعلين السياسين تجرأ يوما على تقديم مشاريع قوانين في هذا الاتجاه! ومن المؤكد أن هذه التشريعات القانونية والدستورية أحدثت تغيرا على مستوى البنية الفكرية للمجتمع المغربي، وإن ظلت الصور النمطية تجاه المرأة حاضرة وتستلزم “تفكيك البنية الثقافية” القائمة لدى فئات المجتمع المغربي؛ وهذا يتطلب، عملا جادا على مستوى الوعي الجمعي، وذلك من خلال النهوض بالتعليم والارتقاء بالمدرسة وتأهيل الإعلام.

هذه المكتسبات القانونية والتشريعية هي التي أسست لظهور المرأة المغربية في مناسبات عدة وفي مجالات متعددة بمستوى من المسؤولية وبوطنية عالية، وهو ما يفسر مساهمتها بكل حزم إلى جانب الرجل في مواجه جائحة كورونا، إلى درجة جعلها تنال احترام المجتمع المغربي ووسائل الإعلام الدولية بتفانيها في العمل وقدرتها على التأطير والتعبئة وفرض احترام قواعد السلامة الصحية وتقديم الخدمات الطبية على الوجه المطلوب وأكثر.

وهذه الخطوات الجبارة على درب تمكين المرأة من كل حقوقها ككائن اجتماعي كامل الأهلية تشكل إستراتيجية تنموية مهمة جدا، خاصة أنها تضمن للمغرب أن يستمر في التوجه نحو التحديث والحداثة، لأنه إذا كان المغفور له الحسن الثاني يعتبر مؤسس الدولة الوطنية فوريث عرشه جلالة الملك محمد السادس هو من أخذ على عاتقه تحديث المجتمع المغربي؛ وتعتبر المرأة المغربية إحدى الضمانات الأساسية لنجاح هذا المشروع التحديثي والحداثي، ومن تتصدى لكل محاولات تكريس وضعيتها التقليدية خدمة لتصورات تنتمي إلى عصور بائدة.

والمرأة المغربية هي من ستوجد في الخطوط الأمامية للدفاع عن مسلسل يضمن للمغرب مكانة من بين الدول الأقوى الثلاثين في العالم في المستقبل القريب، التي وضع لها قائد البلاد المشاريع الكبرى المهيكلة.

ويبقى الاشتغال على الجانب الثقافي المرتبط بالذهنيات السائدة لدى شرائح واسعة في المجتمع ضروريا أمام استمرار ثقل التمثلات السلبية والأحكام المسبقة حول المرأة وكذا الصور النمطية، وهي كلها عوامل تحد من دينامية تطور المجتمع وتعيق ترسيخ وترجمة قيم المساواة والمناصفة في الواقع بما يقوي من مكانة النساء بشكل أكبر في كافة المؤسسات.

إنه لا أحد من ذوي التفكير العقلاني يجادل اليوم في أن المرأة تعتبر شريكا أساسيا في تحقيق التنمية وتطوير المجتمع. وقد شهد العقدان من هذا القرن الواحد والعشرين اهتماما متزايدا بالدور الذي تضطلع به المرأة داخل المجتمع المغربي، خصوصا أنه من باب الوهم الاعتقاد أنه يمكن الحديث عن أي تحولات أو تقدم دون دور فاعل للمرأة.

هذه بعض الخلفيات القانونية والتشريعية والثقافية التي تسمح بفهم تميز المرأة المغربية وهي تمارس مسؤوليتها في مختلف قطاعات الدولة في مواجهة هذه الجائحة التي تسبب فيها فيروس كورونا- كوفيد 19. يبقى فقط على النخبة المثقفة والنخبة السياسية أن تعملا على رسملة هذه المكتسبات المهمة جدا بعد اختفاء الوباء، وسد الباب أمام كل من يتاجر بالدين لتحجيم دور المرأة.

*باحث في السوسيولوجيا

‫تعليقات الزوار

1
  • مصطفى الرياحي
    الجمعة 17 أبريل 2020 - 22:42

    التاريخ لا يذكر التفاصيل والسياسي العظيم هو من يغير حياة الناس وليس بالضرورة أن يكون وزيرا أو نائبا فمثلا الكاتب فيكتوز هيكو رجل الدولة بإمتياز إميل زولا, شارل ذي كول, ميشيل روكار , محمد السادس , منديلا …رجالات الدولة إذ هم غيروا مجرى تاريخ أممهم إلى الأحسن وكل هؤلاء واجهوا معارضة قوية من طرف القوات الرجعية المتخلفة فنحن نتذكر هيستيرية إخوان المغرب وتظاهراتهم المليونية في قضية المدونة 2003 وهاهي المرأة وزيرة ,وعاملة ولية قايدة ورئيسة مؤسسات كبرى رغم أنف الإخوان وتزبيدهم ووعيدهم
    تحياتي أستاذ بلمير

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة