إبليس على الزناد

إبليس على الزناد
الأربعاء 15 أبريل 2020 - 23:56

كما سبق الحديث في مقال لنا أن جائحة كورونا قد يطويها النسيان غدا أو بعد غد، مادامت هذه الجائحة تحت سيطرة الإنسان بإيجاد الدواء لهذا الداء. بيد أن العبرة ليس في تجاوزها وإنما في أن نجعل من الحجر الصحي لحظات من التأمل لاستخلاص العبر والدروس، واستدراك ما يمكن استدراكه قبل أن تفلت الأمور من أيدينا وبالتالي قد ننزلق إلى ما هو أخطر من فيروس كورونا.

ومن حقنا أن نطرح هذه المخاوف لا لكوننا متشائمين فنحن أبعد من أن نكون كذلك، ولكن الواقعية تقتضي منا أن نكون على بينة من أمرنا. ومن جملة ما ينبغي أن يشد الانتباه بعد كل هذا الذي كشفت عنه هذه الأيام العصيبة أن عالمنا بات تحت رحمة المجانين منا. إبليس ماسك بالزناد ونحن عن ذلك غافلون. يحدثنا إبليس هنا عن الديمقراطية ويحدثنا المارد من هنالك عن القيم الإنسانية. وما هي إلا رسائل تستغفل الناس، فالنفس الشريرة واحدة لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالقيم بقدر إيمانها بالمصالح ولو بإبادة البشر.

خطران محدقان بهذا الكوكب وبكل البشر إذا حق فيهم هذا القول وإذا أجاز قاموس إبليس آدميتهم. هذان الخطران هما: أولا حرب نووية تأتي على الأخضر واليابس بسبب وجود مجانين يتحكمون في أزرار الضغط، وثانيا ارتفاع حرارة الأرض بسبب اختلال بيئي ناتج عن جشع بشري.

أولا: حرب نووية غير مستبعدة

العالم كما هو في تركيبته الحالية أصيب باختلالات عميقة في المفاهيم وفي القيم وكذلك في موازين القوة التي كان من المفترض أن يتم تقاسمها للحفاظ على توازن في المنظومة الدولية. أصبحت الفوضى سيدة الموقف وأصبح القوي هو من له الحق في قيادة هذا العالم ولو على حساب الآخرين. ومالكو القوة ليسوا أسوياء، الإفراط والتفريط والمجازفة لغتهم التي يخاطبون بها العالم. وعلى أيديهم قد يأتي الخراب والدمار. دول مارقة على قلتها باتت اليوم وغدا مصدر إزعاج للبشرية جمعاء في لحظة قد يشتد بينها الصراع لينفجر الوضع على رأس الجميع.

العالم كما يبدو اليوم على كف عفريت أو عفاريت. والسلاح النووي بات في أيادي قيادات مخبولة لا يؤتمن جانبها. قيادات تتصارع في ما بينها في حرب إقصائية على من سيتولى العالم. الولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسها دونالد ترامب لن تقبل بأن تتغير موازين القوة أو تؤول الريادة إلى غيرها من الدول الآسيوية وعلى رأسها الصين. وقد تعددت الحروب الإقصائية بين البلدين في العديد من المحافل الدولية، منها المنظمة العالمية للتجارة ومؤتمر دول الأطراف الذي يعنى بالتطبيق السليم للاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالمجال النووي أو غيرها من المجالات الأخرى وعلى رأسها البيئة. لكن هذا الخلاف الذي كان محصورا في دهاليز المؤتمرات انفجر ليعلن عن نفسه وعلى الملأ، إلى أي حد تكمن خطورته بعد هذا الذي كشف عنه وباء كورونا. وإذا شعر الأمريكان أنهم في لحظة ما قد أصبحوا متجاوزين فلا مناص لهم من التهديد بحرب نووية “علي وعلى أعدائي” لإجبار الصين والإتيان بها إلى طاولة المفاوضات للتفاهم على كيفية إدارة العالم. ولكن ما هو هامش قبول أو امتناع الصين عن ذلك، فهي ليست وحدها التي تناصب العداء لأمريكا، هناك كوريا الشمالية وهناك إيران وهي نمارد لها ما لها من ترسانة نووية لطالما كانت موضع مساءلة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية. فهل آن الأوان للمواجهة بين تلك الأطراف من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثانية؟ وهل هناك هامش لتحرك بقية العالم من منع هذه الكارثة لا قدر الله؟ سيناريو ينبغي استحضاره ويخطئ من يعتقد أننا نهول الأشياء ونعطيها أكثر مما تستحق. ومن الحكمة أن نتوقع الأسوأ ليتجند المجتمع الدولي ككل في خطوة استباقية، من أجل تجنب نهاية العالم عوض الاستهانة بالأمور، ونؤخذ على حين غرة بعد أن يكون المجانين قد فعلوا فينا ما لم تفعله كورونا وأخواتها التي سبقتها. وسنقول عندئذ أن ما أجبرك على المر سوى الأمر منه.

ثانيا: خطر ارتفاع درجة الحرارة

تحسس العالم خطورة ما يتهدد كوكبنا الأرضي منذ أن دعت الأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر عالمي بـ”ريو دي جينرو” الأرجنتين عام 1992 أطلق عليه “قمة الأرض” حضرته 189 دولة. وكانت هذه القمة نقطة انطلاق للعديد من المؤتمرات العالمية التي باتت تعقد سنويا بدءا من عام 1995 في برلين مرورا بمؤتمر مراكش عام 2001 إلى غاية آخر مؤتمر وهو المؤتمر الخامس والعشرين الذي عقد عام 2019 بالشيلي. وتوزعت انشغالات اهتمام كل هذه المؤتمرات بالدرجة الأولى على دراسة مخاطر الإشكاليات البيئية من تلوث صناعي يترجم في الفضاء إلى انبعاثات غاز الكربون مما قد يتسبب في تخريب طبقة الأوزون أي الغشاء الذي يلف ويحمي كوكبنا الأرضي. وقد بدأت مخاطر هذا التلوث من خلال ما أصبحنا نعيشه من تغيرات مناخية تأخذ منحى مدمرا لجميع الكائنات بتزايد مهول في ارتفاع درجة الحرارة. فالثقوب المحدثة في طبقة الأوزون تسببت في خلل بيئي من خلال أشعة الشمس التي بدأت تصل إلى الأرض من دون حجاب يحد أو يقلل من درجة الحرارة.

وبحسب الدراسات العلمية في مجال البيئة، فإن البشرية مهددة بالأرض المحروقة وهو ما عرف عنه في بدايات هذا الخطر بتزايد ظاهرة التصحر وتمدد هذه الظاهرة بزحفها على المناطق الخضراء. ولأن الإنسان على جشعه المعهود له ضلع في تفاقم هذه الظاهرة، من خلال تدميره للطبيعة وللثروة الغابوية والأشجار التي تعد المتنفس والأوكسيجين المنعش لهذه الأرض. إننا نخنق هذا الكوكب كما تخنقنا اليوم هذه الجائحة ونستعين بالتنفس الاصطناعي، فهل نحن قادرون على أن نغيث الأرض بمثل هذه الأجهزة؟ وثالثة الأثافي وهي الشر الذي ما بعده شر أن الأرض لن تقف معاناتها عند حدود ارتفاع الحرارة بل قد يطاردها الطوفان الهادر بذوبان القطب المتجمد لتغرق الأرض بأكملها بعد أن تضاف مياه القطب إلى مياه المحيطات والبحار التي تشكل أصلا ثلاثة أرباع الكرة الأرضية. ولكم أن تتصوروا المشاهد المرعبة التي ستوجد عليها الأرض بعد هذا الذوبان. إنها نهاية العالم، ولا حيلة للإنسان بعد ذلك ولن يجد أرضا يخر عليها ساجدا للحق سبحانه.

هذا هو المصير الذي قد ينتهي إليه من لم يحترم نواميس الطبيعة القائمة على توازنات دقيقة كما أرادها الله لهذا الكون. وهناك من تأخذه العزة بالنفس إلى حد الغرور ويرفض أن يصدق سيناريو من هذا القبيل، لكننا قد نسائله من كان منا يخطر بباله أن تسجن البشرية بأكملها في بيوتها وفي لحظة واحدة، من كان منا يتصور أن نخلي الشوارع للحيوانات حتى للمتوحشة منها، من كان منا يرى في نفسه يوما ما حاملا لكمامة ويعقد عليها الأمل لإنقاذ حياته. ومن لم يرد أن يصدق نحيله على ما قاله الحق سبحانه في العديد من سور القرآن الكريم التي تتحدث عن الطوفان. وتلك آيات الله لمن أراد أن يتعظ. ففرعون الطاغوت وجنوده أرسل عليهم الله الطوفان بعد أن عاثوا في الأرض فسادا، ثم نجاه الله ليكون عبرة لمن بعده، مصداقا لقوله تعالى “فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون”. تلك واحدة من الآيات الكريمة التي تحدث فيها الحق سبحانه عن ذلك الطوفان في عهد فرعون ومن قبله سيدنا نوح عليه السلام. وحينما نجا الله فرعون قال ليكون آية أي عبرة للعالمين لأن الله وهو العالم يعلم أن فرعون ليس هو الطاغوت الأخير بل لكل زمان طغاته، وطغاة زماننا هذا هم الأباليس الذين يتحكمون في هذا العالم، هم الماسكون بالأزرار النووية، هم العابثون بالأرض ومن عليها. وقد آن الأوان ليصحو الضمير العالمي ولتتفجر فينا إنسانيتنا ينبوعا لإيقاف هذا المصير المشؤوم. وإذا أصابنا العجز والتقاعس فلن تنفعنا دعواتنا التي لا نرفعها على المآذن والكنائس إلا في فترة الأزمات، ونخادع أنفسنا ولكننا لا نخادع الله بدعوات نسأله رياء بأن يرفع عنا هذا الوباء، ونقر بعد أن جاءتنا آيات من فرعون وتمود ونقول بأننا قد ظلمنا أنفسنا إن لم ترحمنا وتغفر لنا سنكون من الخاسرين. هذا هو حال الأمة في النفاق والرياء فينا من يقيم الصلاة في المسجد ويعاهد الله في السجود لكن بعد أول خطوة له خارج المسجد يتنكر لكل ما عاهد الله به.

*دبلوماسي سابق

‫تعليقات الزوار

1
  • Karim
    الخميس 16 أبريل 2020 - 16:41

    l'auteur écrit et je cite: "
    تلك واحدة من الآيات الكريمة التي تحدث فيها الحق سبحانه عن ذلك الطوفان في عهد فرعون ومن قبله سيدنا نوح عليه السلام. وحينما نجا الله فرعون قال ليكون آية أي عبرة للعالمين
    Il est donc question d'un pharaon mais lequel? Il y a eu des centaines de pharaons et de dynasties pharaoniques à travers l'histoire. D'ailleurs, les croyants ne font que répéter des histoires inventées par les hébreux judaïsés ou païens, qui avaient souffert du joug pharaonique. Et les musulmans ne font que répéter les mêmes histoires hébraïques. J'ose mettre au défit tout musulman de nous dire le nom du pharaon cité dans les écrits sacrés tant chez les musulmans, juifs ou chrétiens

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج