تداعيات "كورونا" الاجتماعية على الصحة النفسية

تداعيات "كورونا" الاجتماعية على الصحة النفسية
الخميس 9 أبريل 2020 - 10:13

يلاحظ المتتبع لمجريات الأحداث في العالم جراء تفشي وباء كورونا أن هناك فئة من المواطنين لا تلتزم بالأوامر الرسمية ولا بالضوابط الاحترازية التي تفرضها الدولة؛ بل تضربها بعرض الحائط، وتفسد كل المخططات لمواجهة ذروة الأزمة الصحية العالمية. لماذا لا يلتزم البعض بالضوابط القانونية والعالم كله في حالة استنفار وبائية؟ الأكيد أننا لسنا أمام حدث عابر؛ بل في مرحلة عصيبة من تاريخ الإنسانية والتي تتطلب القراءة والتحليل وطرح الأسئلة، من قبيل: كيف يمكننا مواجهة الهشاشة النفسية والوسواس القهري والتدبير الجماعي للصحة النفسية للمواطنين؟

في الدول النامية، اعتبر البعض الحجر الصحي في مساحة ضيقة تقييدا للحريات الفردية في التنقل والتنزه، حيث تعرض الأشخاص الذين لم ينجحوا في التعامل مع هذا الإجراء الاستثنائي إلى ضغوط نفسية حادة واكتئاب. أما في مجتمع لا يزال سرطان الأمية ينهش فرائصه وبراثين الفقر تتوغل فيه، ورغم كوننا أمام خطر كاسح، فإن البعض لا يزال لا يأخذ الإعلان عن حالة الطوارئ بمحمل الجد؛ بل هناك شبه “عصيان مدني” في بعض الأحياء الشعبية الموبوءة بالاحتقان والتي يصعب التحكم في سلوكاتها.

تحت وطأة وسواس أخذ الاحتياط والعزل عن الأهل أو فقدان أحدهم والهوس والريبة من تفشي الجائحة، أصبحت الذاكرة الشعبية تلجأ إلى الخرافات ظهرت معها وصفات سحرية للعلاج تضرب أعمق الأبحاث المخبرية. كما نشطت معتقدات يظن أصحابها أنهم يملكون مفتاح الحقيقة، ورؤى تبشر بالانفراج واللجوء إلى بركات الصالحين وبروز مبشرين مخلصين للإنسانية من الهلاك على شكل أنبياء.

أحيانا، لتخفيف الضغوط، تنسج مستملحات لتصريف الاحتقان. كما أصبح الرأي العام يتلقى في كل ساعة وحين وابلا من الأخبار الزائفة والشائعات المغرضة والحملات التحريضية والتضليلية، عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي تقوم بتفريغ الشحنات السلبية. وهذا نوع من الاستسلام والتهويل والهلع، الذي وقع في فخه البعض والذي يجب مواجهته بالانضباط والجدية والوثوقية بالمصادر الرسمية لكي لا يتم ترويع الناس وتضعف مناعتهم النفسية.

كل المجتمعات وقت الأزمات العصيبة تعرف حالات ذهان، ومن لم يتمكن من مجاراة الحجر أو ما يقع من أحداث عصية على الفهم كالتهديد بالموت أو كفقدان الشغل المفاجئين يصاب بتشنجات أو اكتئاب، ويمكن في الحالات القصوى الوقوع في الإدمان أو الإقدام على وأد الذات، وهذا ما يفسر ظاهرة الانتحار. إن أي علامات للتشنج والانفجار السلوكي تعبر عن خلل في نظام البيئة النفسية المجتمعية، وبروز السلوك الشاذ هو رمز للاهتزاز النفسي والتمرد على النظام العام الذي تلزمه مرافقة سيكولوجية للمجموعات.

الأكيد أن العالم سيعرف تحولات مفصلية وتغيرات تلامس الأنماط الاستهلاكية، بعد أن ثبت أن الرأسمالية والفردانية المتوحشة لم تنتج غير مجتمع متمزق تكبر فيه الهوة يوما عن يوم بين الأغنياء والفقراء الذين يصارعون الحياة من أجل قوتهم اليومي. لذلك، فالخروج من البيت بالنسبة إليهم هو مسألة حياة أو موت، مع ما يصاحب ذلك من شعور بالذنب من إمكانية حمل الفيروس. وإن الدعم في هاته الظروف ليس إلا إجراء استثنائيا من أجل ضمان السلامة الجسدية. والأخطر هو الخوف من نظرة الآخر التي تدفع بعض المصابين إلى عدم التصريح بالإصابة بأعراض المرض خوفا من حمل لعنة المجتمع، والإشكال هو أن يكون عدد ضحايا الجوع أكبر بكثير من عدد ضحايا الجائحة، ناهيك على أننا سنواجه بتحديات أخرى أكثر وقعا؛ من قبيل اندحار الاقتصاد يلزمنا بتدبير اقتصاد تضامني خاص بالطوارئ يسعى إلى التكفل باستمرارية عمل القطاعات الإنتاجية لضمان الأمن الغذائي للجميع.

علينا المصالحة مع أنماط سلوكية من ثوابت ثقافتنا التقليدية المجتمعية، وإعادة ترتيب المجتمع وتشكيل العلاقات الإنسانية ليكون قوامها التآزر والتلاحم والتعاضد في الأفراح كما في المآتم، والعودة إلى نمط رمزية سلطة “الجماعة” لمواجهة الأزمات.

كلنا في سفينة واحدة، وأمام التحديات التي تواجهنا علينا كل من موقعه الحفاظ على معنويات مرتفعة، والتحلي باليقظة، والمساهمة في التوعية وبروح التضامن المجتمعي لنشر ثقافة الثقة في قدرات الدولة على تخطي الصعاب وفي ممارسة صلاحياتها في إطار العنف المشروع، مع الانخراط الكلي للمواطن في الحفاظ على هيبة الدولة في انتظار الانفراج.

*باحثة في علم الاجتماع السياسي

‫تعليقات الزوار

3
  • AHMED
    الخميس 9 أبريل 2020 - 15:58

    حينما تنتهي الأزمة إن شاء الله أتمنى أن يتحول صندوق كورونا إلى صندوق للزكارة بشكل دائم لتصريف الزكاة لمن يستحقها من الفقراءو المحتاجين

  • رجاء جويشات
    الخميس 9 أبريل 2020 - 18:17

    شكرا لك خالتي الغالية فعلا ستتغير نضرتنا للحياة بعدما تزول هده الجائحة إنشاء الله ما علينا سوى الإلتزام .

  • صفاء جويشات
    الجمعة 10 أبريل 2020 - 08:01

    أنا متأكدة أنها أزمة و سوف تنتهي إنشاء الله ولكن المشكل هل ستتغير نضرة المجتمع ويغير الكثير منا تصرفاته الغير لائقة تجاه المجتمع ؟ سؤال يطرح نفسه وسوف نرى النتيجة بعد هذا الوباء إنشاء الله لانه من الضروري أخذ العبرة والالتزام . موفقة أستاذة .

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب