قراءة تفكيكية لمصطلح "المقاومة" وعلاقته بالممارسة

قراءة تفكيكية لمصطلح "المقاومة" وعلاقته بالممارسة
الأربعاء 11 شتنبر 2019 - 11:59

يبدو أن الأمور تنزلق بوعي أو بدون وعي لتجريم المقاومة بشكل عام دون التمييز بين الحق في مقاومة الاحتلال كحق مقدس، ما دام الاحتلال قائماً، من جانب، وممارسة المقاومة من طرف البعض بطريقة ملتبسة وخارج السياق الوطني العام وأحياناً لغايات حزبية ومصلحية تسيء للمقاومة وللوطن، من جانب آخر. وهنا لا نتحدث عن تجريم المقاومة من طرف تل أبيب وواشنطن ودول أوروبية، بل أيضا انتقادها وحتى إدانتها من طرف أنظمة عربية وكُتاب ومثقفين عرب وفلسطينيين.

ما جرى في جنوب لبنان بين حزب الله وإسرائيل من مواجهات محدودة ومضبوطة، إذ كان كلا الطرفين معني بعدم التصعيد ووصول الأمر إلى مرحلة الحرب المفتوحة، يشبه ما يجري على حدود قطاع غزة من مواجهات محدودة بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال، ومحاولة الطرفين أيضاً عدم الانزلاق لحرب مفتوحة؛ وفي الحالتين صرحت المقاومة بأنها سترد على أي عدوان إسرائيلي عليها. والسؤال الذي يفرض نفسه: ماذا لو لم تعتد إسرائيل على لبنان، وخصوصاً على حزب الله، ولم تعتد على قطاع غزة ومواقع المقاومة؟.

ردود الفعل المؤيدة والمعارضة، سواء لسلوك حزب الله أو لسلوك المقاومة في قطاع غزة، تستحضر موضوع المقاومة من حيث المفهوم ومن حيث الوظيفة والدور. ويحتاج الأمر إلى تفكيك المصطلح بناء على الممارسة وليس مجرد تفكيك لغوي خالص.

فهل انتقال حركات المقاومة من إستراتيجية الهجوم لتحرير الأرض المحتلة إلى إستراتيجية الدفاع عن نفسها وعما بحوزتها من مناطق نفوذ يدخل في سياق مفهوم ووظيفة المقاومة كحركة تحرر وطني؟ وهل المقاومة خرجت عن سياقها ومفهومها الأصلي وتحولت إلى مجرد أداة لتحقيق مصالح حزبية أو أجندة خارجية ضيقة، وبالتالي يجب وقفها كما يقول المنتقدون، والذين وصل بهم الأمر إلى درجة تجريمها؟ أم أن للمقاومة وظيفة ودورا وطنيا وقوميا ودينيا لمواجهة حالة الاستسلام والتطبيع وللحفاظ على إرادة الصمود والممانعة؟.

في سياق التعريف اللغوي والاصطلاحي فإن المقاومة أو حركة المقاومة تعني حركة شعبية لمقاومة الاحتلال، تهدف إلى الحرية والاستقلال، وتندرج في الفقه والشرعية الدولية في سياق حق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عن نفسها. وفي السياق التاريخي لظهور مصطلح المقاومة فإن كل جماعة حملت اسم المقاومة كانت حركة تحرر وطني في حالة اشتباك مع جيش الاحتلال، سواء سمينا هذه الحالة بالعمل الفدائي أو حرب التحرير الشعبية أو حرب العصابات والمغاوير أو العمل الجهادي. هكذا كان الأمر بالنسبة لحركات التحرر في أوروبا في مواجهة الاحتلال النازي، أو حركات المقاومة في بلدان العالم الثالث ضد الاستعمار، كجبهة التحرير الفيتنامية وجبهة التحرير الجزائرية، وحركة المقاومة اللبنانية، عندما كانت إسرائيل تحتل مناطق في جنوب لبنان الخ.

الأمر نفسه في فلسطين، حيث ارتبط اسم المقاومة بداية بالعمل الفدائي أو الجهادي لتحرير فلسطين، وكل الأحزاب الفلسطينية حملت أسماء تدل على الربط ما بين المقاومة وتحرير فلسطين، فمنظمة التحرير الفلسطينية اسمها دال عليها، كما أن ميثاقها الوطني –قبل أن يتم تعديله بعد توقيع اتفاقية أوسلو- أكد أن هدف العمل الفدائي أو المقاومة المسلحة هو تحرير كل فلسطين. الأمر نفسه ينطبق على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وجبهة التحرير العربية، وحركة التحرر الوطني الفلسطيني “فتح” الخ، حتى الحركات الإسلامية، كحركة المقاومة الإسلامية والجهاد الإسلامي، فإن مواثيقها تؤكد أن هدفها تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.

وعلى هذا الأساس فإن أي جماعة تحمل السلاح ولا يكون هدفها تحرير أراضيها المحتلة ولا تعبر عن إرادة الجماهير الشعبية تسقط عنها صفة (حركة مقاومة)، بما يحمله المصطلح من رمزية، بل وقدسية واحترام. لكن في الوقت نفسه فإن مفهوم المقاومة لا يقتصر فقط على المقاومة المسلحة، بل يمكن للمقاومة أن تأخذ أشكالاً أخرى لمواجهة الاحتلال، أو تجمع بين أشكال متعددة، كالمقاومة السلمية أو العصيان المدني أو المقاطعة أو المقاومة الثقافية والفكرية الخ؛ وذلك حسب خصوصية كل مجتمع وحسب موازين القوى وبما ترتئيه القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة.

بالإضافة إلى ما سبق فإن المقاومة لا تأخذ معناها الحقيقي إلا إذا كانت تعبر عن الإرادة الشعبية وتشتغل في إطار إستراتيجية وطنية شاملة، بحيث لا يجوز احتكار أو مصادرة الحق في المقاومة من طرف حزب بعينه، كما سيكون من الخطورة داخل البلد الواحد أن تعلن جماعة أنها حركة مقاومة مسلحة وتمارسها بالفعل بينما بقية الأحزاب وغالبية الشعب لا توافقها الرأي. كما سيكون من الخطورة ممارسة حزب بعينه للمقاومة المسلحة دون إذن أو على الأقل تنسيق من قيادة الشعب، سواء كانت حكومة كما هو الأمر في لبنان، أو كانت سلطة وطنية وحكومة كما هو الأمر في فلسطين، والأدهى من ذلك أن يتحول سلاح المقاومة إلى أداة قمع وترهيب للشعب أو لمحاربة القوى والأحزاب الأخرى.

لا نريد هنا أن نسهب في الحديث عن الحالة اللبنانية ونموذج ومفهوم حزب الله للمقاومة ولجبهة المقاومة والصمود التي يقول الحزب إنها تمتد من حزب الله إلى حماس والجهاد في فلسطين، إلى إيران وسوريا والعراق واليمن، فللمقاومة في لبنان بعض الخصوصية عن الحالة الفلسطينية، لأن إسرائيل لا تحتل لبنان الآن؛ وبالتالي يمكن أن تندرج المقاومة في لبنان كما يقول حزب الله في سياق المقاومة الدفاعية أو مقاومة التصدي للعدوان أو مقاومة التطبيع والاستسلام الخ، أما في فلسطين فالأمر مختلف.

في الحالة الفلسطينية، وفي قطاع غزة تحديداً، لا يجوز أن تتبنى حركات المقاومة إستراتيجية المقاومة الدفاعية، أي إن مهمتها مقتصرة على مواجهة أي عدوان على قطاع غزة، وكأن ما يجري من عدوان واحتلال شامل لكل فلسطين خارج عن صلاحيات حركات المقاومة. ولأن هكذا قول يوحي بأن هدف حركة حماس ومن يواليها كان منذ البداية “تحرير” قطاع غزة وإقامة دولة أو إمارة فيه، في هذه الحالة فقط يمكن للمقاومة أن تكون دفاعية ما دام إنجاز الهدف قد تم!.

المقاومة في قطاع غزة أصبحت حالة ملتبسة ومنفلتة ومقتصرة على مسيرات ومظاهرات وصواريخ عبثية ومسميات هزلية، كوحدات الكاوشوك والإرباك الليلي الخ، ما جعلها ممجوجة ومثيرة للسخرية عندما تضبط إيقاعها حسب زيارة السفير القطري وما يجلب معه أو يعد به من مال. ومع ذلك لا يمكن تجريم الحق في المقاومة لمجرد ممارستها بطريقة خاطئة من طرف حركات المقاومة، كما لا يمكن وقفها أو التخلي عنها لأن حركة حماس تريد ذلك ووقعت اتفاقية هدنة مع إسرائيل.

وأخيرا فإن المطلوب التأكيد على الحق في مقاومة الاحتلال وممارسة هذا الحق في كل ربوع الوطن المحتل، في إطار إستراتيجية وطنية تضبط مفهوم المقاومة وشكلها ووظيفتها، وخصوصاً أن كل المساعي الفلسطينية للتوصل إلى سلام عادل وصلت إلى طريق مسدود، وتوقف المقاومة في هذه الحالة تعني الاستسلام لمشيئة الاحتلال أو الاعتراف بأن فلسطين ليست محتلة، مع العمل على تصويب الممارسة الخاطئة التي تزهق أرواح الشباب وتلحق الدمار في قطاع غزة دون أي مربح وطني لا آنياً ولا مستقبلياً. كما يجب على حركة حماس أن تتوقف عن محاولة مصادرتها لحق المقاومة أو توظيفها لأغراض ومصالح حزبية أو لخدمة أجندة غير وطنية، وعليها أن تتذكر أنها استنكرت ورفضت مطالب السلطة الوطنية في عهدي أبو عمار وأبو مازن بهدنة مؤقتة، واعتبرت المقاومة حقا مقدسا وممارستها لا تخضع للمساومة، وأن أي هدنة مرفوضة لأنها تتعارض مع الحق في المقاومة، معتبرة الهدنة أو التهدئة قبل زوال الاحتلال خيانة وطنية الخ.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

1
  • ادريس
    الجمعة 13 شتنبر 2019 - 15:04

    نعم التحليل من أستاذ موضوعي دامت لكم الصحة ونتمنى لفلسطين الحرية

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 8

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء