ظواهر تعانق مناسباتنا
يكاد المرء يجزم بأن شريحة واسعة من المغاربة لا تتبضع ولا تتنقل.. بكثافة إلا في المناسبات الدينية، مما ينجم عنه عادة ظاهرة الازدحام الخانق والبغيض؛ تشتد وطأته كلما توغل المرء داخل الأسواق، أو ولج إلى محطات النقل العمومي، أو قصد شبابيك التذاكر، وحتى شبابيك الأبناك. ازدحام تترجمه الرغبة الجامحة في أن نقضي أوطارنا، سواء باقتناء كبش العيد وملابس الأطفال أو حيازة طاكسي أو اقتناء تذكرة سفر، أو البحث عن قرض بنكي أو شخصي نغطي به حاجياتنا؛ انسجاما مع عادات المجتمع وتقاليده، وإلا صرنا في أعين هذا الأخير خارج الركب.
هل الزحام غدا طقسا لأفراحنا؟
كلما اقتربنا من مناسبة دينية استهلاكية كرمضان وعيدي الفطر والأضحى .. تمطرنا السلطات الحكومية بسيل من البيانات والتصريحات؛ تركز فيها على “الوفرة”، و”تأمين الأسواق”، و”تقنين الأسعار” … لكن آثارها الميدانية بالكاد تظل غائبة أو تجرفها حرارة الأسواق والتهاب الأسعار، وارتفاع منسوب الطلب قياسا مع العرض… وهكذا، يغرق المواطن ويتخبط ويتيه وسط أمواج الزحام لعله يظفر بطلبه حتى ولو كان بأسعار حارقة. وكم من أشخاص يغريهم تقمص أدوار بطولية في اقتناء أشياء مفقودة أو عزيزة المنال، إما بوسائل عضلية مدعمة بقاموس “الزنقا”، أو بتحريك البقشيش مقابل الظفر بعلبة كارطون من الحليب !
كائنات تقتات بالزحام
لاحظت وأنا أعبر الطريق الفاصل بين تمارة والرباط، وبالقرب من المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله ازدحاما منقطع النظير لمئات الجماهير، فأفادني أحدهم بأن “.. الناس بايْتين يوماينْ …حرصا منهم على اقتناء تذاكر مقابلة الوداد والترجي التونسي.. ذهاب “، وأردف صاحبي قائلا وكان سمسارا مناسباتيا “… قلّبت بالعرق الناشف ولا اجْبرت لّبيعلي كارني واحد”..
حينما تضيق الأسواق بالزوار والمتبضعين يتدخل “السماسرة” والمضاربون بغرض التوسط لك في بضاعة أو اقتناء تذكرة.. وهكذا يتولد الزحام ويأخذ في التعاظم، لتنشأ عنه بيئة حيوية “لأصحاب النشل والخطف والسرقة والتمويه والنصب والاحتيال ..”، أما إذا ولجت سوقا واقتربت من صاحب البضاعة ألفته أشبه “بالروبوط”؛ مبرمج فقط على تناول النقود وكلمة “آشْ باغي”، وقد تحلّق الناس من حوله، واللهفة/ اللهطا واللغط تسود أعينهم جاحظة باتجاه هذه البضاعة أو تلك، غير مبالين بجيوبهم المترعة في وجه أنامل رقيقة وناعمة !
حضور السلطات باهت وغير فعال
نعم يجب القول، بكامل الأسف الشديد، إننا شعب “ألِف العصا”؛ لا ننتظم ولا نحترم الصف ولا نصبر ولا “ندخلو سوق ارْيوسنا ..” ولا .. ولا .. إلا بحضور “العصا” الشريفة التي لا يجرؤ أحد على “خرق النظام” في حضورها.. وكم منا يبتهج لحضور العصا، لأنه يعلم أن “الماتش” سيمر في سلام وسلاسة؛ لكن أحيانا وخاصة أمام بعض الحالات تحضر العصا في بداية المشوار لتختفي في نهايته، مثال صلاة العيد مؤخرا؛ تحضر العصا ممثلة برجال الأمن/ الدرك/ القوات المساعدة… تحضر في اصطفاف الناس/ المصلين، وركن سياراتهم في البداية، إلا أنها سرعان ما تختفي تحت حر أشعة الشمس ليتحول الفراغ من الصلاة إلى جحيم لا يطاق بين السيارات واختناق الطرق.
عندما ينتشر الجهل والامية والخرافة والشعودة والسحر والنفاق في مجتمع ما كالمغرب فلننتظر الا الظواهر الاجتماعية الغريبة والخطيرة والكاريثية والتخريبية. وهذا ما يحدث الان في المغرب والقادم هو اسوء. ومن يزرع الرياح يحصد الا العواصف.
والشاعر العربي احمد شوقي قال في قصيدة له:
انما الامم الاخلاق ما بقيت
فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا.
إني أضم صوتي إلى موحند في التعليق الأول، فالأمية والجهل حينما يكتسحان شعبا بكامله تقريباً فلا تتنتظر منه الا الأسوأ والأخطر وأضيف أنه في غياب العصا كما أشار الكاتب فلن يتمكن أحد من التعامل والتواصل مع هؤلاء القوم، أنظر فقط حوادث قتل مميتة جراء خلاف بسيط وتافه وأحيانا لا يتعدى خمسة دراهم، وإذا حاولت الدفاع عن حقك فعليك أن تكون متوفراً على سانتور نوار من خمس نجوم، اللهفة هي عنوان أعيادنا وكأننا لن نعيش بعدها وشكراً
صدق المتنبي منذ قرون حينما قال "ياأمة ضحكت من جهلها الأمم.. "وكأن الجهل آفة ملازمة لنا من أبد بعيد، والأمة التي تشيع فيها قيم الجهل و الخرافة لا أمل في قيادتها إلا بالعصا،،،
قرائتك أستاذي تحيلني دائما إلى الشاعر "أحمد مطر " لكي أفسر الماء بالمطر فلا حاجة لنا ب"إبليس" إنه رحل وما عاد له دور في هذا الوطن لا في" محطة ولاد زيان" ولا في سوق كزولة إنه ترك وصية
شعب لا كبقية الشعوب، وصدق من قال إذا أردت معرفة شعب ما فانظر أعياده كيف يمضيها! نحن أصبحنا نخشى اقتراب الأعياد ليس خوفاً من الاقتصاد ولا خوفاً من ضايقة اليد ولكن خوفاً من الحوادث والاصطدامات الدامية، أشبه بسيارة منعدمة الفرامل والأضواء…! هذه السيارة ستطحن كل من صادفته في طريقها، وخاصة أن صاحبها سيكون هو الآخر خاصاه شيحاجا فعقلو… قضية التربية المنعدمة وما تدير ياسلام سلم
كم تعجبني تعاليق الأخ الرياحي قيدوم هسبريس، وتعاليقه لها دلالة خاصة فهو يذهب إلى العمق، ما زلت أذكر له تعليقا عن الفساد بوصفه "الحاج الفساد "وهو يتجول في الشوارع والأسواق والناس تتسابق إلى تحيته، واليوم يعود الأستاذ الرياحي ليؤكد بأن إبليس لما غادر محطة أولاد زياد ومحطات أخرى، خشي القوم ورواده وأنصاره بأن المكان سيبقى شاغرا وسيشكو من انعدام القضايا، لكنه التفت إليهم مخاطباً "… لا تقلقوا فقد تركت وصية!! " والله هذا واقعنا المر كشعب خربته الأمية وبلغت إلى عظمه، نحن في كل مناسبة نكون على موعد مع حوادث مميتة وقضايا تافهة واحتقان الشوارع، فعلاً مما يدل على أن إبليس ترك فينا جيوشا ضخمة تفعل فينا ما تفعل، وتحياتي
القطعان تعشق التدافع والازدحام وتتهافت على كل ما يتحلق حوله الآخرون وتعرض عن المعروض دون جوقة وتدافع .. افتتح طبيب شاب تخرج حديثاً عيادة لطب الأسنان وارتأى ان ينظم المواعيد للزوار كما رأى في أروبا حيث درس لكن والده الداهية العارف بعقلية خير أمة أوصاه ألا يفعل وان يترك الزوار يتوافدون ويتزاحمون في قاعة الانتظار معلّلاً ذلك بما هو شائع لدى معظمنا عندما نلج قاعة انتظار تغصّ بالزوار ولا نجد حتى مقعداً فارغاً " طبيب واعر عليه النفاد ما تلقاش بلاصتك " اما إن هو ضبط الأمور وحدد للمرضى مواعيد دقيقة تفادياً للازدحام وطول الانتظار فسيُصبِح " طبيب عيّان غير كايتشمّش والعيادة كتصفّر "
الرياحي .. Kitab مبارك عواشركم
نحن شعب لا نعير للزمن أهمية، ونأكل ونقضي مصالحنا ونسافر وننام ونلتقي الأصدقاء لكن بدون برمجة نحن شعب يعشق الصدفة ويعيش عليها طيلة حياته، بينما التقدم البشري منح للزمن معنى آخر هو حسن المعيشة ومواجهة طوارئ الحياة، لكن المغاربة لا يتحركون إلا دفعة واحدة في التسوق في الأسفار في… مما ينجم عنه ازدحام وحوادث… إنها باختصار الثقافة التي تختصر أشياء كثيرة من ضمنها تنظيم الوقت وبرمجة الحياة ولو بتفاصيل مملة.
تحية أخي الرواقي، فعلاً لم يكن يدور في خلدي أن هناك من البشر ما يشبه في سلوكه سلوك القطعان حتى صرح أحد الأساتذة في السوسيولوجا وهو يجيب عن سؤال الزحام واحتكاك الناس ببعضهم محيلا على قطيع الماشية فهي تهتدي داخله ويصعب على خروف مثلاً أن يسير لوحده ويتحاشى الاحتكاك بآخرين، وهذا ما صرت ألمسه أحيانا وأنا أحاول عبور طريق عريض فإذا بي ألاحظ شخصاً ترك كل الاتجاهات وقصدني ليعبر محاذيا لي إلى درجة الاحتكاك، أفلا نسمي هذا سلوكاً همجيا ربما يفوق سلوك القطيع الذي له ضوابط غريزية، وتحياتي
…..اعزكم الله فقد نكون اقلية ممن ينظر الى هكذا حالة بهذه الدرجة
–
من التطير و الشؤوم فغالبية الناس سعيدة و رائقة المزاج بين الزحام
–
و مشاعر اللهفة و قضاء و قدر لكسايد عامة المغاربة تنظر الى كل
–
هذه الامور من مظاهر "l'ambiance" الذي لا غنى عنه في اي عيد او
–
مناسبة " دينية" اذكر اني سمعت من بني وطني حين كنت في جماهرية
–
القذافي ضمن الجالية المجلية هناك تذمرا كبيرا مما اسموه "برود" الاجواء
–
و موت الاحتفالية " الدينية" حتى ان بعضهم كانوا يضبطون اجازتهم مع حلول
–
مواسم "لامبيانس" في الختام اشكر المبدع عبد اللطيف مجدوب الذي نجح
–
في استقدام معلقين كبيرين افتقدنا مشاركاتهما منذ مدة ( الرياحي- و الرواقي)
–
و تحياتي لخير جليس في هسبريس kitab
نحن شعب معظمه ذاهب إلى الهمجية، لماذا؟ حينما تنعدم التربية بجميع مستوياتها، ثانيا نحن لا نعترف ببعضنا، الغرور يقتلنا والأنانية الفارغة سيدة مواقفنا، ثم ماذا آخر؟ نكره القانون والانضباط ونعشق الفوضى والصدفة والشخير والكسل، شعب هذه مواصفاته لا يمكن أن تنتظر منه الا الأسوأ، وربما بدأنا نشاهد ونسمع بسلوكات شاذة بين المغاربة أكثرها مميتة.
الازدحام والتدافع والتسابق تجده في كل ارض عربية حللت بها لاحظ ان الدين الاسلامي يدعو الى التسامح والرفق بالاخر ومساعدة الضعيف لكن ما نراه في الديار المقدسة من التسابق والتزاحم وواحد يدوس على الاخر بشكل همجي يجعلنا نقول اللهم اغفر لعبادك فانهم لا يعلمون. لايعلمون من الاسلام الا القشور اذن لاغرابة عندما ترى ما ترى في واقع الامة العربية التي نحن جزء منها
موضوع قيم يستحق القراءة، وهو ذو علاقة وطيدة بمدى تآكل واضمحلال وسائل التربية عندنا.