مظاهر العنف لدى السياسيين المغاربة

مظاهر العنف لدى السياسيين المغاربة
الخميس 25 أبريل 2019 - 17:18

من جميل المعاني في القاموس المحيط اسم “النطيح”، وهو الصفة الثابتة للمفعول من فعل نطح. والطريف أن النطيح ذاك مضروب بالقرن لا غيره، دون أن يصاب في مقتل.

كما أن لغتنا المجبولة على الاستيلاد والاستزادة جعلت من ولد النطيح مشؤوما، وهي صفة تشتد كلما زاد الاقتراب من المصاب والتصق به.

العنوان الكبير هو لواقعة النطح أو موقعة النطيحة التي اشتبكت فيها السياسة بالشراسة، وتبادلت فيها الأطراف الاتهامات وسوء اقتسام الغنائم في غزوات تقسيم الكعكات!

فبينما تحتمل التجاذبات السياسية في بناء الأفكار والمشاريع والحوار الديمقراطي، بين الفاعلين السياسيين والنخب المجتمعية التي تمثل المواطنين في المؤسسات المنتخبة، القدرة على تجسير النظريات وتطوير الإمكانيات لأجل إعادة بناء السياسات العامة والسلوكيات الاجتماعية، في إطار ما يمكن تسميته بتدارس التبادلات والتفاعلات بين مختلف الجهات الحزبية السياسية الفاعلة، يستمر العبث بمقدرات الشعب ونخبه الواعية بالظرفية الراهنة والمستجدات الدقيقة التي تمر بها بلادنا، بتعميق الجراحات وتكديس الخيبات وتمريغ تاريخ وحضارة في وحل الرداءة والبؤس والانحراف.

لا بد أن لهذا العنف المثير الذي تنفضح رزاياه يوما بعد يوم، بين نواب الأمة ومنتخبي الشعب، ما يكشف عن كميات ثقيلة من الوضاعة الفكرية والكفاءة المختلسة، تنم عن فرادة لا يستطيع أحد منا التنكر لنمطيتها وخروجها عن المألوف الإنساني والتقارب المفقود.

ولا يمكن تحت كل الافتراضات المحتملة أن ينتج عن رد فعل عنف مضاد عنف آخر أكثر منه وأحط، سوى الصور الملتبسة التي تعاينها ومضات الأقلام المنكتبة تحت حدود مليئة بالعتمات والتراجعات. أكيد أن صورة الناطح المدثر بأعتى قرون التجريف والتغول سيتم تعليبها بابتسامات مغبونة محرفة. والأغرب أن يطوق المشهد الدراماتيكي بأغلفة سيامية غامضة، فيها من البهارات الثقافية والتلوينات الهامسة ما تجعلها تحت سهام العيون المتلصصة والأقفال السود!.

الضحية طبعا هو المتتبع لهذه الدائرة المغلقة، التي ما تكاد تغلي بين الأحراش المخزنية والأوكار الحزبوية حتى تنطفئ تحت وقع الفضائح والشنائع والمنكرات، حتى جرى بين ألسن العوام مثال هو حمال أوجه، يقول: “لَيْسَ لَهُ ناطح وَلاَ خَابِطٌ، أَيْ لَيْسَ لَهُ جَمَلٌ وَلاَ نَعْجَةٌ”.

يعني ما تثيره مشاهد العنف بين ممثلي الشعب في مناسبات عديدة، والتي تحتمل حدوث صراعات لا تتسرب أسبابها وتداعياتها إلا في الحدود الضيقة جدا، تحتاج لوقفات تأملية في مصائر قيم الوفاء بالالتزامات وتحديد مرجعيات هذه القيم ضمن أهداف دقيقة ومحددة، بالإضافة إلى ترتيب الجزاءات عن طريق مراقبة المعنيين ومحاسبة المسببين وتحقيق الحد الأدنى من الإنصاف والعدالة في نشر الحقائق والمعلومات.

إذا كانت السياسة عند هؤلاء الأدعياء واقعا قائما بذاته مستقلا عن المجتمع، ولا تستجلي تمثلاته الجمعية، وليست شكلا من أشكال الفعل الإنساني، بما هو فعل يرمي إلى تحقيق مثل أعلى يتمحور حول قيم العدالة الاجتماعية والمساواة ـ حسب مفهوم دوركايم ـ فإن التمثلات المشتركة تستعصي وتتحول إلى معبر معزول عن القرار المؤسسي، وعن الفعل الحاسم للتنمية؛ وبالتالي نحن أمام ظاهرة احتكار لسلطة موهومة، أو كما سماها ماكس فيبر استعمال العنف اللامشروع في السلطة كوظيفة اجتماعية منتخبة.

إن شعور الناس بالسخط العمومي إزاء مشاهد التنميط السياسوي الذي تمتهنه النخب الحزبوية في مغرب اليوم هو جزء من الانفعال الجمعي الذي يجعل من الإحباط النفسي ورد الفعل الانفعالي الذي يتحقق بدرجات متفاوتة، وينشأ عنه نفور قوي من المشاركة السياسية والفهم الخاطئ لمبدئية العلاقة المجتمعية بالنظام السياسي القائم، وكذا وجود تصور جماعي لكل ما هو مشروع ومباح في منظومة تدبير شؤون الحكم والسياسة في البلاد.

تعجبني مقولة لدوركايم وردت في كتابه “الأشكال الأولية للحياة الدينية” يقول فيها: “المجتمع سلطة تنظم الأفراد”، حيث تكون العلامات النسقية التي تحدد سلطة الانضباط مرهونة بمدى التزام الأفراد بقيم تلك الالتزامات والحدود والمعتقدات الداعمة لعمليات التفاعل الاجتماعي؛ في حين تكون مخالفة هذه الأولويات ضمن المشاعر المشتركة الجماعية مطبا وخطورة انحرافية تستلزم إعادة صياغة القواعد والمعايير التي تنطوي عليها سلطة الجماعة أو المجتمع.

فإذن هذا العنف الممارس الذي تنفذه فعاليات منتخبة هو نتاج وضع غير صحي وخارج عن النسق الطبيعي لروح الفعل المجتمعي، بل إنه يمثل بعدا استهتاريا غنائميا مرفوضا، مادامت التوابع الأيديولوجية والشخصية قائمة عليه.

وفي المقابل لازالت مظاهر تفجير هذا العنف والعنف المضاد تستولي على اللغة العنيفة المتبادلة، مع ما يضمر في بنية الدولة المخزنية من التقصير والتأفف وضعف القابلية لكبح المظاهر إياها. ولعمري إنها شكل من أشكال التطبيع مع الرداءة والفساد السياسي وتكريس نظريات البناء الفوقي للسلطة الاستبدادية التي تشكل عصب الدولة في شكلها النمطي الجديد، الذي يرهن أسبقية تأمين استمرارها وتغولها، ركوبا على الشكل الديمقراطي الأسمى، حيث “إنه بمجرد أن تبلغ المجتمعات السياسية درجة معينة من التعقيد، لم يعد بإمكانها أن تشتغل بشكل جماعي، لأداء وظيفة الضبط الاجتماعي، إلا من خلال تدخل الدولة”ـ بتعبير دوركايم ـ دائما.

وهذا هو لب الحقيقة، فصناعة الأراجوزات والحفاظ على حد أدنى من “التقشاب السياسي” و”النطح والردح” هو أسلوب تهريجي يفضي في الغالب إلى إقبار العملية السياسية برمتها، بما فيها تلك التي تقوم على التداول والتوافق والانفتاح، ما يعني باختصار مسخ القواعد الكبرى التي تقوم عليها مبدئية الدمقرطة والحوار الديمقراطي، وتغليب السقط في القول والتعبير والرأي، وتقليم أظافر الحرية الصحافية ووجهات النظر السديدة ومعارضة كولسة شؤون تدبير البلاد.

‫تعليقات الزوار

2
  • عبد الرحيم فتح الخير .
    الخميس 25 أبريل 2019 - 18:35

    قناعتنا العربية منذ زمن بعيد قائمة على الأبيض أو الأسود مثل الأفلام العربية القديمة فالذي ليس معك هو بالضرورة إسقاطا ضدك ، وهذا هو التطرف بعينه. التطرف مع الشيء أو التطرف ضده .
    فالقول بالطيب الذي لا يخطىء مطلقا والشرير لا يصيب مطلقا ، ثقافة أغبياء لأنها مريحة وتعفي المرء من عناء التفكير والتأمل والتدبر . رغم أن الحياة مبنية على النسبية والاحتمالات التي قد تخطىء أو تصيب فلا وجود في الدنيا ليقين مؤكد إلا الموت. أو ضلال مؤكد إلا البعث . ولاتوجد سعادة مطلقة ولا شقاء مطلق لا في الدنيا ولا هناك كما هو زعم السماء .
    لكن العرب بثقافتهم المتطرفة حكموا على الدنيا بمتضاربة هذا مؤمن وهذا كافر ، وهذا خير وهذا شرير ، هذا وطني وهذا خائن وعميل ، وهذا حكم الله ، وهذا حكم الشيطان . حتى إن منهم من يزعم أن الله يبعث الوحيش حتى ليقتص للنطيحة من ناطحتها ثم يقول عودا ترابا . أليست هذه عبثية حتى في البعث نفسه .

  • à distance...
    الجمعة 26 أبريل 2019 - 08:43

    العنف مع كامل الاسف احدى ميزاتنا كمجتمع…في البيت…في مدارسنا ناهيك عما يجري بالمجالات العمومية سواء بالادارات او في الشوارع.
    الدولة عنيفة في تعاملها مع الرعايا اولا تعتبر الاجور الزهيدة …غياب صحة و تعليم ناجعين وغيرها من اسباب الاهات عنفا …واكبر عنف المس بكرامة الرعية واعتبارها قاصرة.
    فلا غرابة ان غياب الحوار واحترام الراي الاخر بل واحترام الاخر في خياراته لايمكن ان يعوض الا بالعنف…عنف بكل الاشكال…وما السياسيون عندنا الا انتاج المجتمع …ربما عندما نكتسب صفة المواطنة وخلال المسار سنترك شيئا فشيئا هده الحمولة العنيفة

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات