اتفاق الصخيرات الخيار الأفضل لحل الأزمة الليبية

اتفاق الصخيرات الخيار الأفضل لحل الأزمة الليبية
الأحد 7 أبريل 2019 - 17:52

تقف ليبيا الآن في مفترق طرق؛ فإما أن يتغلب السلام، وإما أن يستمر الاقتتال، وتتفاقم الفوضى واللا استقرار، وتتوسع أكثر رقعة نفوذ التنظيمات الإرهابية المهددة لأمن واستقرار المنطقة ودول والجوار، إلى درجة أن هناك من وضع ليبيا على أجندة المناطق الإستراتيجية ذات درجة المخاطر المرتفعة على جنوب أوروبا والممر البحري المتوسطي.

ولا شك في أن الليبيين ينتظرون بفارغ الصبر حدوث استقرار بالبلاد وقيام دولة لها سيادة على جميع أقاليمها، وإقرار دستور لتنظيم السلط بليبيا ووقف الفوضى العارمة.

ويأمل الكثيرون من المتتبعين على الصعيد الدولي في أن ينجح الفرقاء في إنهاء حالة الفوضى؛ فالوضع في البلاد لم يعد يحتمل، وأن الشعب الليبي يتطلع إلى دولة استقرار وأمن وتنمية وقيادة رشيدة تجنبه وليات الحروب، التي قد تستفيد منها شركات بيع الأسلحة والشركات النفطية، وأيضا الجماعات المتطرفة التي قد تستغل الفوضى لتوسيع رقعة نفوذها، في الوقت الذي يطمح الشعب الليبي إلى الأمن والاستقرار والتنمية والحكامة الرشيدة.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن ليبيا الآن تتجاذبها عدة أطراف إقليمية، يحاول كل طرف تقديم حلول للأزمة في ظل ظروف جد معقدة بسبب حدة الصراع بين الأطراف السياسية وصعوبة التوصل إلى حل توافقي.

ونشير، في هذا الصدد، إلى أن المملكة المغربية لعبت دورا رائدا في دعم مسلسل المفاوضات الليبية وتقريب وجهات النظر لإنهاء الخلافات وتشكيل حكومة وفاق وطني تحظى بتزكية البرلمان الليبي. وهذا الدور المتقدم، الذي يقوم به المغرب من خلال سياسته الخارجية، يندرج في إطار التزامه بالحفاظ على مبدأي السلم والأمن بالمنطقة العربية، وحتى على الصعيد الدولي.

كما أن سياسته في مجال مكافحة الإرهاب تجعله يعي كل الوعي لقطع الطريق أمام التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم “داعش” للامتداد في شمال افريقيا وبالتالي إلى أوروبا، وبالخصوص عن طرق ليبيا التي توجد بها خلايا إرهابية، قد تنتعش وتتقوى في ظل الأزمة.

فضلا عن ذلك، فإن المغرب اكتسب مرجعية دولية في هذا النوع من المبادرات السلمية الرامية إلى فض النزاعات، إضافة إلى الثقة في مؤسسات المغرب وتجربته المستقرة وعلاقة المغرب بشخصيات ليبية مؤثرة، وامتداداته ذات الطبيعة الاجتماعية والدينية داخل ليبيا، والعلاقات التاريخية والإنسانية القوية التي تربطه مع الشعب الليبي؛ وهو ما يجعله أن يكون مؤهلا أكثر كي يلعب دورا محوريا في هذا الملف وتحقيق الاستقرار ووحدة البلدان المغاربية.

ولا ننسى في هذا الخصوص الدور المحوري الذي لعبه المغرب للوصول إلى اتفاق الصخيرات في يوم 17 ديسمبر 2015، حيث وقعت وفود عن المؤتمر الوطني العام بطرابلس ومجلس النواب المنعقد في طبرق شرقي البلاد والنواب المقاطعين لجلسات هذا المجلس، إضافة إلى وفد عن المستقلين، وبحضور المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون، على اتفاق يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة ومجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة لإعادة الإعمار وأخرى لصياغة الدستور ومجلس الدفاع والأمن. وهذا الاتفاق تم بإشراف أممي، حيث سبق لمجلس الأمن الدولي التأكيد على أنه يبقى الإطار الوحيد القابل للاستمرار لوضع حد للأزمة السياسية في ليبيا في انتظار إجراء انتخابات.

غير أن بعض الدول العربية قامت بخلط الأوراق ونسف ما تم الاتفاق بشأنه بالصخيرات، من خلال سعيها إلى دعم الخيار العسكري لحفتر وقواته على حساب الاتفاق السياسي، على الرغم من أنها كانت هناك مبادرة مشتركة في صيغة إعلان وقعه في 20 فبراير2017، في لقاء بتونس، وزراء خارجية كل من الجزائر ومصر وتونس تدعم التسوية السياسية الشاملة في ليبيا، حيث تقوم المبادرة على ستة مرتكزات؛ من بينها التمسك بسيادة الدولة الليبية ووحدتها الترابية وبالحل السياسي كمخرج وحيد للأزمة الليبية، على قاعدة الاتفاق السياسي الليبي الموقع بالصخيرات في 17 ديسمبر 2015 باعتباره إطارا مرجعيا.

إن قوات الفريق خليفة حفتر، الرافض لاتفاق الصخيرات والمدعوم من قبل بعض الدول العربية، ذات الأهداف الجيو – الإستراتيجية بالمنطقة، تمكنت من إخراج خصومها من بنغازي والاستيلاء على جزء كبير من “الهلال النفطي” في خليج سرت، مع إنتاجه من النفط والغاز، ومنشآت تكرير وتصدير النفط، وهي الآن تزحف إلى ليبيا للاستيلاء على السلطة بالعاصمة.

وموازاة مع ذلك، لاحظنا أن المجلس الرئاسي، بصفته سلطة تنفيذية مؤقتة يقوده فايز السراج، لم يحقق تقدماً كبيراً في معالجة القضايا اليومية مثل أزمة السيولة النقدية وانقطاع المياه والكهرباء كهرباء تؤدي إلى مزيد من انعدام الثقة.

هذا التصعيد العسكري من جانب قوات حفتر أثار قلقا دوليا من تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بليبيا التي تعيش في الوقت الراهن انقسامات حادة؛ فكل من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والإمارات سارعت إلى التعبير عن قلقها البالغ من التصعيد العسكري في ليبيا، معتبرة أن تهديد حفتر بعمل عسكري أحادي لن يؤدي إلا إلى المجازفة بجر ليبيا نحو الفوضى وتعميق الانقسامات.

إن الدعم الذي تقدمه كل من مصر وروسيا إلى الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر من شأنه أن يسهم في تعميق الأزمة السياسية وإحداث المزيد من الانقسامات بين المكونات السياسية في ليبيا؛ ناهيك على أن تعدد المبادرات حول الأزمة الراهنة في ليبيا، سواء من الداخل أو الخارج، لن يوحّد الجهود الدولية الرامية إلى إيجاد تسوية للأزمة.

وعلى هذا الأساس، يظل الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات الخيار الأفضل والعنصر الأساسي لتسوية الأزمة الليبية، وممكن أن يقطع الطريق للتدخل الأجنبي، ويتصدى، من جهة أخرى، لتوسع نفوذ تنظيم الجماعات المتطرفة، علما بأن المغرب مؤهل أكثر من أي دولة على المستوى الإقليمي في أن يسهم في دعم الاستقرار والأمن بليبيا وتجنب المزيد من المواجهات العسكرية ومنع الانهيار الاقتصادي، وكذلك تعريض آفاق تحقيق السلام للخطر على نحو أكبر.

إن فشل عملية السلام وتصاعد الصدامات والخلافات بين الفرقاء السياسيين والعسكريين بليبيا من شأنهما أن يفجرا العنف بالبلاد وأن يعطيا للجماعات المتطرفة فرصة لتجميع قواها والتوسع أكثر، وبالتالي فإن الأولوية القصوى والعاجلة تتمثل في منع هذا الانفجار الاجتماعي الذي يبدو أن احتمالاته تتعاظم.

* مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية

‫تعليقات الزوار

1
  • Peace
    الأحد 7 أبريل 2019 - 20:45

    للاسف اتفاق الصخيرات كان في طريق جيد لحل الازمة و عدم قيام حرب او تفاقم و تغلغل الجمعات المسلحة في ليبيا و ايجاد حل سلمي و حضاري, خصوصا ان ليبيا تنتمي للاتحاد المغاربي و شمال افريقيا و كل ما يحدث هناك يمكن ن يؤثر على المنطقة كلها, و لكن لا اعرف من وراء نسف هذا الاتفاق او عرقلته و خلق ازمة في المنطقة, على روسيا ترك المغرب العربي في سلام و عدم خلق الفوضى و الحروب في المنطقة, اما مصر فهي ربما مضطرة و قرارها ليس بيدها.

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 6

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس