الديمقراطية، كما رسمتها القواميس الأكاديمية...

الديمقراطية، كما رسمتها القواميس الأكاديمية...
الأربعاء 27 مارس 2019 - 14:24

الديمقراطية، كلمة يونانية الأصل، مشتقة من لفظين يونانيين هما: (Domos) الشعب و(karatos) سلطة، أي سلطة الشعب.

تاريخيا، ظهرت هذه المفردة لأول مرة، في كتاب “تاريخ حرب البيلوبونيزا” للمؤلف الإغريقي “توسيديدس”(1).

وحسب المؤرخين، فإن كلمة الديمقراطية، بمفاهيمها التأسيسية، لم تكن في العهد اليوناني (قبل ألفي سنة وعدة قرون) محل إجماع الفلاسفة والمثقفين والفقهاء والسياسيين.

أفلاطون، لم يكن يرى فيها سوى حكم الرعاع المجبولين على التجاوزات والمستعدين للاستسلام للسلطة المستبدة، بينما كان أرسطو يرى أن النظام النموذجي للحكم هو نظام أرستقراطي محدود، ينصت إلى مطالب الجمهور، وهو ما يعني في نظره أن الديمقراطية والحكم خطان متوازيان، من الصعب إدماجهما في اتجاه واحد.

وتعود بدايات الديمقراطية، كنظام سياسي إلى الدولة المدينة، حيث مارس المواطنين مهام السلطة التشريعية مباشرة دونما فصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقد أمكن الإغريق ممارسة هذا النوع من النظام دون معارضة بعض المفكرين والفلاسفة الذين اتفقوا مع أفلاطون، ليقارنوا هذا النوع من التنظيم الاجتماعي بـ “حكم الرعاع” الذي يتأثر بالخطابة التي تحرك عواطف الجماهير أكثر من تأثره بالفكر النير والخاص بالقلة/ النخبة أو بالملك الفيلسوف، كما جاء في جمهورية الفيلسوف اليوناني السالف الذكر.

في القواميس الفلسفية، تعني الديمقراطية “حكم الشعب بالشعب وللشعب”، وتعني أيضا “الحرية السياسية” وهذه الأخيرة لن تتحقق ولن تؤتي ثمارها، إلا إذا ارتكزت على ترتيبات نظامية معينة، وأسندت على ضمانات قانونية وواقعية محددة، وهي في كل الأنظمة الحديثة والقديمة تقوم على أساس فكري واحد، هو أن السلطة في الدولة ترجع إلى الشعب، وأنه (أي الشعب) وحده صاحب السيادة، أي أن الديمقراطية في النهاية هي مبدأ السيادة الشعبية.

وفي القواميس السياسية، تعني الديمقراطية، نظام سياسي/ اجتماعي، يقيم العلاقة بين أفراد المجتمع والدولة، وفق مبادئ المساواة بين المواطنين، ومشاركتهم الحرة في صنع التشريعات التي تنظم الحياة العامة، وهو ما يعني سياسيا، أن الشعب في الديمقراطية، هو صاحب السيادة ومصدر الشرعية (2).

ويقصد بالديمقراطية، في غالبية القواميس القانونية والفقهية المعاصرة، النظام السياسي الذي يكون فيه للشعب نصيب في حكم إقليم الدولة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

الديمقراطية المباشرة، هي النظام الذي بمقتضاه يحكم الشعب نفسه، وهو نظام –في نظر العديد من فقهاء القانون- يستحيل تطبيقه إلا في المجتمعات الصغيرة المقلة، كالمدن الإغريقية، لهذا لا مكان له في البلدان الفسيحة وكثيفة السكان.

أما الديمقراطية الشبه مباشرة، فهي في نظر الفقهاء، نظام الحكم الذي يشترك فيه الشعب، عن طريق ممثلين أو عن طريق الاستفتاء أو الاقتراع أو الاعتراض الشعبي، ويعرف عادة باسم الديمقراطية النيابية.

والأساس في الحكم الديمقراطي، أن لكل فرد بالغ شريف من الحقوق، ما لأي فرد آخر، من حق الانتخاب والترشح، إلى حق الاشتراك في شؤون الدولة العامة (3).

ولأن للديمقراطية مكونات عديدة، ركزت المدارس الاجتماعية المختلفة على بعضها، على حساب المكونات الأخرى، فأصبحت للديمقراطية مدارس واتجاهات متداخلة ومتباعدة، ينتمي بعضها إلى الكتل السياسية، وبعضها الآخر يرتبط بالمذاهب والعقائد السياسية، ويمكن حصر أهم اتجاهات ومدارس الديمقراطية في التالي:

أ/ الديمقراطية الاشتراكية، وهو اتجاه نبع في بداياته، عن اتباع الأممية الثانية (أي أحزاب الاشتراكيين الديمقراطيين التي تطالب بتحقيق الاشتراكية عن طريق البرلمان، وهي أحزاب ترجع اشتراكيتها إلى مصادر غير ماركسية، وتختلف عن الأحزاب الشيوعية في فكرة الصراع الطبقي والطريق إلى تحقيق الاشتراكية (4).

ب/ الديمقراطية الشعبية، وهو الاتجاه الذي أعلنت عنه الأحزاب الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، كما في فيتنام الشمالية والصين الشعبية، ولد هذا الاتجاه على يد حركات المقاومة التي كانت تقودها الأحزاب الشيوعية ضد النازية.

ج/ الديمقراطية الغير مباشرة، وهو اتجاه ديمقراطي، يعمل على انتخاب برلمان، يمارس السلطة التشريعية نيابة عن الشعب صاحب السيادة وباسمه، ولكن مع ذلك يحتفظ الشعب لنفسه بحق ممارسة السلطة ضمن حدود ينص عليها الدستور إذا ما فشل البرلمان في تحقيق الأهداف المثقف عليها.

وهناك ثلاث طرق معروفة في هذا المجال:

– حق الاعتراض الشعبي

– حق الاقتراح الشعبي

– حق الاستفتاء الشعبي

د/ الديمقراطية المباشرة، في صورتها النظرية الكاملة، تعني أن الشعب باعتباره صاحب السيادة، يجب أن يمارس هو بنفسه جميع سلطات الدولة، تشريعية وتنفيذية وقضائية، وذلك على أساس، إن السيادة لا تقبل أن ينيبها الشعب أو يفوضها إلى مندوبين.

هـ/ الديمقراطية المسيحية: تسمد أهدافها وقيمها من الأحزاب المسيحية الغربية، التي تنادي، بمذهب سياسي واقتصادي واجتماعي مستوحى من الإنجيل، وتعلن أنها تهدف أساسا إلى تحسين أحوال الطبقات الشعبية مع توفير الكرامة لها.

وقد نشأت هذه الأحزاب بألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا وهولندا بين الحربين العالميتين الأولى والثانية كرد فعل على تصاعد الحركة الاشتراكية في أوروبا، وكمحاولة للوقوف في وجه مدها المتنامي خلال تلك الفترة.

وتقول المراجع التاريخية التي اهتمت بهذا الاتجاه، أن الأحزاب الديمقراطية المسيحية، لم تتوفق في الزمن الراهن، في الوصول إلى الحكم لتنفيذ مخططاتها، لذلك تراجعت لتبقى من الأحزاب الثانوية في الفضاء السياسي الأوروبي، لا يتجاوز تأثيرها الدراسات التاريخية والسياسية الأكاديمية بالجهات المختصة.

و/ الديمقراطية النيابية: تؤكد فلسفيا وقانونيا وسياسيا، أن الشعب هو صاحب السيادة، ولكنه لا يقوم بنفسه بممارسة السلطة التشريعية وإنما يعهد بها إلى نواب عنه ينتخبهم لمدة معينة، وبشروط معينة، وينيبهم عنه في ممارسة هذه السلطة باسمه.

والديمقراطية النيابية، هي نظام سياسي، يقوم أساسا على برلمان أو مجلس نيابي منتخب يتولى الحكم بالنيابة عن الشعب الذي يختار أعضاءه، ويطلق على هذا الصنف من الديمقراطية، في عالم اليوم الديمقراطية الغربية، لأنها أصبحت هي نظام الحكم السائد في الدول الغربية، مثل فرنسا/ بريطانيا/ الولايات المتحدة الأمريكية.

ومما تتميز به هذه الديمقراطية، التفريق بين ثلاثة وظائف رئيسية للدولة، وهي: الوظيفة التشريعية، ويقصد بها وضع القوانين، والوظيفة التنفيذية وتضمن سير العمل في الدولة على أساس القوانين التشريعية، والوظيفة القضائية، ويقصد بها الفصل في المنازعات على أساس القوانين الصادرة عن الهيئة التشريعية، وهو المبدأ الذي يعرف باسم فصل السلطات (5).

1-جاك مونيي/ مفاهيم سياسية دار لوروا باريس 1960.

2 – عبد الوهاب الكيالي/ موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر (1981) بيروت/ ص: 750.

3 – أحمد عطية الله/ القاموس السياسي (الطبعة الثانية 1968)/ ص: 548، دار النهضة العربية/ القاهرة.

4 – عبد الوهاب الكيالي/ المرجع السابق ص: 755.

5 – احمد عطية الله، المرجع السابق، ص: 548.

‫تعليقات الزوار

6
  • Saccco
    الأربعاء 27 مارس 2019 - 17:29

    كان مشروع الليبرالي الكلاسيكي يطمح الى مشروع إنساني كبديل عن النظام الارستقراطي الذي إرتكز على اللا مساواة والعبودية فالمشروع الليبيرالي كان يتوخى الحرية والمساواة وسن قوانين تدفع في إتجاه حريات الفرد وكذا علاقته بالآخرين سياسيا وقانونيا واقتصلديا كاقتصاد السوق (الطلب والعرض) فكان النظام الديمقراطي يجسد هذه المبادئ بحيث الدولة لها اهمية كبرى في مراقبة التوازن بين مختلف الفاعلين
    فإذا كان الليبرليون الكلاسيكيون مجملهم فلاسفة فأن"النيوليبراليون" اليوم هم منتوجSilicon Valley أي التكنورأسماليين والذين يرون ان المشروع الليبرالي بديمقراطيته ودور دولته هو مشروع اكل عليه الظهر وشرب
    وانتقل الاقتصاد من التعديل بين الطلب والعرض الى تنظيم عالمي مالي بنكي لا شيء يوجد خارج هذا النظام والذي هو نظام مالي صرف حوّل كل شيء الى سلعة لها قيمة يحددها السوق ولا شيء غير السوق لذا هذه الكارتيل المالي يسعى الى إنهاء دور الدولة في التدخل في الاقتصاد والمال وكذا العائلة والنقابات والاحزاب السياسية وجمعيات حقوقية..ولا يهم الا الربح المالي
    فلا غروة ان قرارا من صندوق النقد الدولي قادر على تدمير بلد بكامله

  • الديمقواطية الحقة .
    الأربعاء 27 مارس 2019 - 20:16

    الديمقراطية هي عدم تزوير المحاضر لفاءدة المنعم عليهم هكذا جهارا ودون حياء . الديمقراطية هي التي تجعل جامع القمامة يصاحب الأستاذ الجامعي والمحامي ويتزوج ابنة رءيس الوزراء ويعالج بالمجان ويعامل كإنسان . وحتى ذالكم اليوم كل ديمقراطية مسخ صورية وأنتم بخير . وأخيرا رسالة الى الحكام كونوا على يقين أن المواطن لن يحبكم ولن يحترمكم وهو يخافكم ويخاف مكركم قد ينافقكم اتقاء شركم ولكنه قطعا لن يحبكم ولن يخلص لكم .

  • Peace
    الخميس 28 مارس 2019 - 11:56

    انا في نظري ان السياسيين او ما يسمون المثقفين المغاربة اغلبهم ليس لهم تكوين في العلوم السياسية و التاريخ و الجغرافيا السياسية و العلوم الانسانية المرتبطة بها كعلم الاجتماع و العلوم الدينية و القانونية و الاقتصادية… بل متشبعين فقط باديولوجية معينة يريدن فرضها على المجتمع فرضا, لانهم يعتبرونها هي الاحسن للجميع, بالاضافة الى انهم يتنافسون على الحكم و الهيمنة السياسية.

  • جزائري بسيط
    الخميس 28 مارس 2019 - 12:17

    الديمقراطية عند العرب سبق للمرحوم القدافي أن شرحها و معناه : ديمو الكراسي و لكي نفهم المعنى الحقيقي لتكريس الديمقراطية و ليس فقط رفع شعاراتها, ألقي نظرة بسيطة على الديمقراطية في ظل الملكية عند الجارة الإسبانية و البريطانية كمثال عن المماليك التي يسود فيه الملك ولا يحكم,
    -ولكن عندما يصبح رب المقلة هو الآمر الناهي فيصبح كلامك هدا أستادنا الفاظل مجرد حكاية ماقبل النوم وقد أتعبت نفسك لكتابة هاته الأسطر.
    – أستادي الفاظل, عندما يحتج المعلم و يحتج الطبيب و المحامي و القاضي و الصحفي ويرد على إحتجاجهم "بالقرمة" فأنت محظوظ سيدي أن كانت لك الجرئة حتى على الكتابة .
    – ولخير دليل على ديمقراطية الشعارات مثلا , بلدي الحبيب, الجزائــــــــر, رجل يحكم ربع قرن, رجل يحكم ولا يستطيع الكلام, رجل بنى عشرات الجامعات وشبابه بدون عمل, رجل بنى عشرات المستشفيات و هو يعالج في الخارج, ناهيك عن الوزراء بصفة سراق, و الأحزاب السياسية بصفة كلاب سلوقية تلهث وراء الكراسي و الأطماع الشخصية, ووووو. هرمنا ونحن في سن العشرين.

  • Peace
    الخميس 28 مارس 2019 - 12:45

    و من قال لك ان الملكية في اسبانيا و ابريطانيا و غيرها تسود و لا تحكم?! و ان هناك ديموقراطية حقيقية كما تدعي?!

    مثالين بسيطين يظهران عكس ما تقول:

    اقليم كتالونيا صوت بالاجماع للاستقلال عن اسبانيا. هل تم ذلك فعلا.

    البريطانيون صوتوا على الخروج من الاتحاد الاوروبي, و مفاوضات البريكسيت ما تزال الى حد الان تعرقل و لا يجدون حلا و يريدون اعادة الاستفتاء او الغاء البريكسيت نهائيا. و اذا قررت العائلة الملكية شيئا فانه ينفذ على الفور او تتم مراوغة الشعب مدة معينة, حتى يتم تحقيق ما قررته الملكة.

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 11

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 8

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير