مستشفى في خدمة السجناء بَدَل المواطنين

مستشفى في خدمة السجناء بَدَل المواطنين
الثلاثاء 12 مارس 2019 - 06:14

بينما يناضل المواطن يوميا عبر وسائط مختلفة لتحسين جودة الخدمات الصحية التي يقدمها المستشفى الإقليمي، بادرت إدارة المستشفى في الاتجاه المعاكس إلى تقليص أسرّتها ضد مصلحة المواطن دافع الضرائب، لفائدة السجناء، إذ تعاملهم بمنطق الأفضلية لتلميع صورة الدولة في سياق احترام حقوق الإنسان وتطبيق المواثيق الدولية، بينما تهمل الدولة في مُنٓمْنَم المستشفى حقوق المواطن العادي عبر حرمانه جزئيا من الاستفادة من خدمات طبية لائقة، إذ يظل هذا المواطن الطليق مهمشا يعاني سوء تدبير المرفق الصحي وضعف الحكامة… ترى ماذا يحدث بمستشفى محمد الخامس؟ هل تحوّل إلى عنابر لفائدة السجناء؟

فوجئت، خلال زيارتي الأخيرة لمستشفى محمد الخامس، بأن التشوير لا يعكس حقيقة التقسيم الخاص بأجنحة التخصصات الطبية؛ فبينما أنا أنتظر طبيبا أمام جناح جراحة الأعصاب والدماغ، لاحظت أن الباب مقفلا، ثم جاء شرطي يدقه بعنف، فتأسفت كثيراً من إزعاجه لمرضى قسم جراحة الدماغ. وفور دخول الرشطي، خرجت ممرضة، ثم أقفلت الباب من ورائها، فسألتها عن الطبيب المعالج في الجناح، نظرت إلي باستغراب، وتعجبت من سؤالي، وكأنني ضيف من كوكب آخر، فقالت: “هذا جناح خاص بنزلاء السجن (détenus)، وخا التشوير يقول عكس ذلك!” فهمت آنذاك لماذا تم إغلاق باب عنبر السجن، فذهبت أركض إلى القسم المجاور الخاص بالأنف والحنجرة، فوجدت ضوضاء عارمة، ثم سألت الممرضات عن الطبيب، فكان الجواب شافيا، إذ وضحن لي بأن الجناح يضم الرأس بأكمله، أي أن إدارة المستشفى أعادت تقسيم التخصصات الطبية بطريقة الجزارة، فتحول المستشفى إلى سلخانة تضم قسما خاصا بالرأس، مفصولا عن الجسد، وهذا القسم تم فيه تجميع تخصصات الحنجرة والأنف وجراحة الدماغ والجهاز العصبي… بينما انفرد السجناء بجناح بأكمله، يستفيدون من الخدمات الطبية في جميع التخصصات.

كيف نقبل نحن المواطنون والمجتمع المدني هذا الحيف الذي يطالنا، ونحن المنضبطون سلوكيا ودافعو ضرائب، إذ نحرم من حقنا في جناح متخصص بجراحة الدماغ والجهاز العصبي، بينما يحظى السجين المعتقل بأفضلية عنا ويحتل الجناح، ناهيك عن استفادته من العلاج بدون مواعيد، إذ ينقل فورا إلى المستشفى عند مرضه دون أن يخضع إلى نظام الرونديفو الذي قد يدوم لشهور بالنسبة إلى المواطن العادي، خصوصا إذا تعلق الأمر بتخصصات يشرف عليها طبيب واحد، كطبيب القلب مثلا، إذ كم من طبيب قلب تتوفر عليه مستشفى محمد الخامس؟ وهو المفروض أن يلبي حاجيات إقليم بأكمله، ولا داعي للخوض في تفاصيل الصراعات الخفية بين بعض الأطباء التي تنهك جهودهم في خلافات، قد تضيع الفرصة عن المواطن للتطبيب بروح الفريق المتماسك، ونناشد هؤلاء مراجعة مواقفهم اتجاه بعضهم البعض؛ لأن الصحة لا تقاس بثمن، فهم أهل الأمانة، وعليهم أن يؤدوها بإخلاص.

نحن نناشد إدارة مستشفى محمد الخامس وكافة المتدخلين المحليين بإعادة النظر في تقسيم المستشفى بخطاطة السجن، فهذا ليس عنبرا بمستشفى، حتى يتم تجميع السجناء فيه عشوائيا دون مراعاة التخصصات، كما نحثهم على التفكير بحلول بديلة في أقرب الآجال لإعادة الأمور إلى نصابها، إذ لا يجب التفكير في حلول ترقيعية على حساب صحة المواطن؛ فإذا كانت إدارة السجون والشرطة تعاني من نقص في الموارد البشرية، فهذا ليس مبررا لاحتلال قسم جراحة الدماغ وتحويله لفائدة السجناء بأقل عدد من الحراس.

لماذا لا نفكر في حلول بنيوية؟ عوض إهمال البناية القديمة لمستشفى محمد الخامس مثلا، أو تفويتها مستقبلا لسماسرة العقار، لماذا لا يتم ترميم البناية على شكل عنابر مستشفى خاص بالسجناء، بتعاون مع إدارة السجون؟ ولماذا لا يتم إضافة عنابر خاصة بالسجناء بمستشفى الحمرة الجديد؟

إن حرمان المواطنين من حقهم في التطبيب بقسم جراحة الدماغ، وتكديسهم عشوائيا في قسم جراحة الأنف والحنجرة، يعد انتهاكا جسيما لحق المواطن في التطبيب اللائق، والخدمة ذات الجودة المطلوبة؛ لأن هذا المواطن المريض لا ذنب له.. وبالتالي فهو غير معني بالخصاص في أطر السجون أو أسلاك الشرطة، حتى يدفع كلفة الحل بإهدار حقه في العلاج. ما معنى أن يتحوّل قسم الأنف والحنجرة إلى قسم الرأس، يضم تخصصات متعددة، وكأننا في سوق جزارة! هل نفهم من هذا التقسيم الجديد أن مستشفى محمد الخامس سيلغي التقسيم العلمي للتخصصات، ويعتمد مقاربة سوقية سلخانية جديدة في التشوير وتقسيم التخصصات؟ هل سنُفاجأ غدا بأقسام تضم إضافة إلى الرأس، قسم “الفّاد”، وقسم “الكرواع”، وقسم “السكيطة”… كفانا استخفافا بعامة الشعب، فهُم نواعير سلمية البقاء!

*جامعة أبي شعيب الدكالي/ الجديدة

‫تعليقات الزوار

3
  • الدولة تكافئ المذنبين
    الثلاثاء 12 مارس 2019 - 07:37

    يا أخي ليس الاستشفاء فقط، التعليم المجاني، التغذية، الحملات الاجتماعية، رعاية الأطفال، ثم بعد ذلك العفو الملكي والاستفادة من تمويلات مشاريع …لقد أصبح السجناء في بلادنا يعاملون أفضل من الطلقاء، وكأنما الدولة تكافئ من يخرقون القانون بينما هي منهمكة في قمع بقية الشعب…

    وطبعا كل هذا موجه لخدمة المشرملين والمغتصبين وغيرهم من المجرمين، أما سجناء الضمير والمناضلين فكلامهم آخر…

    لسنا ضد حقوق السجناء واستفادتهم من خدمات لائقة، لكن ذلك يجب أن يكون تناسبيا مع توفير نفس الخدمات لعموم المواطنين وأن لا يكون ذلك على حساب بقية المواطنين ممن يحترمون القوانين ويكدون في طلب لقمة العيش الحلال ويدفعون الضرائب…ثم يواجهون بالردائة ويضطرون لشراء كل الخدمات الاجتماعية…

    هذه بلاد فقدت عقلها…

  • mohammed
    الثلاثاء 12 مارس 2019 - 09:19

    إنه الباراديغم العولمي الجديد، وهو سبب خراب أوروبا وانتفاضة الشعوب الأوروبية، وهو يطبق في بلادنا للأسف الشديد وبوضوح شديد.

    باختصار استغلال المواطنين المنضبطين الذين يكدون ويجدون ويحترمون القوانين ويؤدون الضرائب (استغلالهم) كقطيع من العبيد لتوليد الثروة والموراد والإمعان في تضريبهم وتفقيرهم وإرغامهم على السداد مقابل جميع الخدمات…وبالمقابل الإغداق بسخاء على الفئات العاطلة (الطفيليات الإجتماعية) كالجانحين والمهاجرين السريين وتمتيعهم بكل الامتيازات والتمييز الإيجابي…وفي حالة احتجاج او مجرد تبرم المواطن العامل يتهم بالعنصرية والتطرف ومعاداة حقوق الإنسان والمهاجرين.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة