"شتات" مليكة لعجاج

"شتات" مليكة لعجاج
الإثنين 11 مارس 2019 - 05:39

يعتقد كثير من الناس أن العملية التعليمية تنتهي بانتهاء الحصص الدراسية وعودة التلاميذ إلى منازلهم. غير أن الحقيقة غير ذلك، وكل عارف بأسرار هذا المجال يدرك أن الأنشطة الموازية التي يمارسها التلاميذ خارج الحصص المقررة، تعطيهم شحنات قوية للإقبال على التحصيل الدراسي، وتجعلهم يفرغون طاقاتهم الزائدة في ما ينفع ويجدي، ويقوي وعيهم وإدراكهم لخطورة مطبات الحياة. إيمانا بهذا المبدأ، ينطلق العديد من المربيات والمربين لإعطاء الحياة المدرسية نكهة أخرى تسمها اللذة والحب عوض النفور والهروب والاحساس بالملل.

الأستاذة مليكة لعجاج أستاذة اللغة الفرنسية بالثانوية الإعدادية مولاي سليمان بمدينة تيزنيت، تدرك هذه الحقيقة، وتكد وتتعب من أجل جعل المدرسة فضاء يحن إليه تلامذتها فور مغادرته. فقد ركبت كل التحديات لمحاربة اليأس في نفوسهم، وردم مستنقعات الخيبة التي تبتلع المراهقين في مرحلتي التعليم الثانوي الإعدادي خاصة.

اختارت الأستاذة مليكة لعجاج أسلحتها بعناية وذكاء، ولقيت مبادراتها إقبالاً كبيراً من التلاميذ والأساتذة والأمهات والآباء وأولي الأمور. حيث عزفت على الأوتار الحساسة في نفوس التلاميذ، ما جعلهم يتنافسون في الإقبال على المشاركة الكثيفة في أنشطتها المتنوعة.

وكان الصوت والصورة من أدواتها التربوية المتعددة.. ونظراً لتجربتها في كتابة السيناريو والإخراج المسرحي، اقتحمت مجال السينما بتصوير أفلام تربوية قصيرة. فهي تدرك ما للفيلم التربوي من آثار إيجابية قوية على نفوس التلاميذ، فاستطاعت بذلك تغيير عدد من السلوكات السليبة التي كانوا ضحية لها بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تحيط بهم.

كان آخر فيلم تربوي قصير تنتجه وتخرجه الأستاذة مليكة لعجاج بعنوان: “شتات”، و قد عمل معها الأستاذ جمال بولحيارا مساعداً في الإخراج وبدعم من جمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالثانوية الإعدادية مولاي سليمان بمدينة تيزنيت، وهذه الثانوية الإعدادية تزخر بأساتذة أكفاء بكل تخصصاتهم، ويرومون دائما ما فيه مصلحة الناشئة.

يتناول الفيلم المذكور التفكك الأسري الذي يولد تخلي الوالدين عن دورهما التربوي، ما يؤدي بالأبناء إلى الارتماء بين أحضان الانحراف بأشكاله. ونحن نعرف أن الأسرة هي الدوحة الوارفة التي يأوي إليها الطفل ويحتمي بها من عواصف الحياة وزوابعها القاسية. وإذا سقطت تلك الدوحة، سيجد نفسه في العراء، وذلك ما سيغرس في أعماقه ندوباً لا تندمل، فيركب مطية اليأس والإحباط، ولسوف ينعكس ذلك على تحصيله الدراسي، وعلى معاملاته الاجتماعية، وعلى حياته في المستقبل.

بطل فيلم” شتات” تلميذ مراهق عانى من التفكك الأسري بشدة، فأبوه قد طلق أمه، فعاش انفصاماً نفسياً ولد في أعماق كيانه صراعاً مريراً جعله محبطاً وفاقداً كل أمل في الحياة. فهرب من والديه المنفصلين معتقداً أنه بذلك يهرب من واقعه المرير، ولكي يتوج ذلك الهروب أخذ يفكر في الهجرة السرية، فوضع خطة لذلك، لكن العواقب كانت وخيمة، وسوف تكتشفها المشاهدون حين يتم عرض الفيلم.

عن أهداف إنتاج الفيلم التربوي تؤكد الأستاذة مليكة لعجاج أن في ذلك ترسيخاً للقيم النبيلة في نفوس التلاميذ، وتوعيتهم بضرورة التشبث بالدراسة، وتقبل الواقع المعيش والتحلي بروح التحدي للتغلب على كل الصعاب، وفيه أيضا رسالة مبطنة لأولياء أمور التلاميذ مفادها أن المدرسة وحدها لايمكن أن تقوم بدورها في التربية ما لم تؤازرها الأسرة، وأنجع الحلول لتربية ناشئة قوية ومنتجة تأتي من البيت، فالتماسك الأسري المشبع بالحب والحنان يغدي ويسقي مشاتل الأمل في نفوس الأبناء.

إن فيلم ” شتات” يوجه الناشئة إلى ضرورة الابتعاد عن تيارات الانحراف الجارفة، ويغرس في كيانهم المعاني الحقيقية للمواطنة والعمل المشترك الذي يرسخ قيم التضامن والعمل المشترك لدى المتعلمين. كما أن تقريبهم إلى العمل السينمائي مهم جداً، وذلك بحضورهم ورشات السيناريو والإخراج والماكياج والتصوير…إلخ.

لم يكن إنجاز الأستاذة مليكة لعجاج للفيلم التربوي “شتات” سهلاً أبداً، فقد واجهت صعوبات كبيرة تتمثل في عامل الوقت، حيث تضطر إلى الاشتغال في التصوير خارج أوقات عملها وفي أوقات فراغ التلاميذ الممثلين. كما أن ضعف الإمكانيات اللوجيستيكية كان حجر عثرة، ففضاءات التصوير تبعد عن مدينة تيزنيت بكيلومترات عدة. وقد بذلت مجهودات جبارة إلى جانب فريق العمل حتى خرج ” شتات” إلى النور. وبذلك حق لنا القول: إن الأستاذة مليكة لعجاج تحارب بالصوت والصورة.. أجل.. إنها تحارب بؤر اليأس والاحباط ومكامن الانحراف في نفوس الشباب عن طريق إنتاج أفلام تربوية هادفة.

* حسن المددي – شاعر وروائي مغربي

‫تعليقات الزوار

4
  • الحسن العبد بن محمد الحياني
    الإثنين 11 مارس 2019 - 07:12

    مقال حكيم فيه قول جميل وثناء حسن من لدن صاحبه المرموق الفاضل، وتبقى هذه مواكبة لكل ما هو جميل لتجنب الرداءة في الفن الساقط والشهرة الزائفة، من لم يشكر الناس لم يشكر الله، الأستاذة الكريمة بادرت بمحض ارادتها الى خلق نشاط ثقافي-فني بمؤسستها التعليمية لتحبب الى تلاميذها الثقافة من جهة، ولتعدل بعض السلوكيات وتقوم الاعوجاج الذي يحول دون التلقين والتعلم في ظروف مناسبة ومواتية، هنيئا لها بهذا الضمير المهني الحي وبتفانيها في خدمة أبنائنا وفلذات أكبادنا الذين هم في أشد الحاجة الى مثل هذه الأنشطة الموازية لتجنب الملل والتعب والشغب، وهي بذلك مليكة ملكت قلوب الجميع والشكر موصول للإعلام الهادف والملتزم بقضايا الأمة والوطن وكل انسان على وجه هذه البسيطة بما فيه من يخالف الرأي،ويبقى الهدف الأسمى والغاية القصوى هي بناء حضارة إنسانية كبرى متخلقة بفضائل السمو والتعالي وصالحة تسع الجميع وتسعد الخلق كله، وهذا لن يتسنى الا بإعداد جيل جديد يحافظ على الموروث الحضاري الإنساني ويجتهد بعقله بمثل هذه المبادرات المباركة وبشكل يرضي الحق سبحانه ويوافق النص القرآني ليسعد في الدارين ويفرح برضا الله غاية كل عارف محب.

  • الحسن العبد بن محمد الحياني
    الإثنين 11 مارس 2019 - 16:51

    عدنا والعود أحمد؛والمناسبة هي كوني كأستاذ سابق للغة الفرنسية بعدة فضاءات تربوية ببلادنا التقيت في مساري التعليمي -التعلمي-التربوي بخيرة أبناء هذا الوطن،جند الخفاء؛وأود مع مناسبة طرح هذا المقال الشيق إبداء الرأي في رجل تربية وتعليم بكل أمانة وصدق؛وهذه ليست تزكية في حقه أو مجاملة،بل شهادة "وإياكم وشهادة الزور"، من قول الرسول صلى الله عليه وسلم؛إنه الأستاذ لطفي الإدريسي بالتانوية التأهيلية الأدارسة بفاس؛أستاذ مادة اللغة الفرنسية حاضر بشكل كلي في المؤسسة بل أعطاها إشعاعا بلغ صداه خارج محيطها وتجد وراءه السيد بنموسى المدير،زوروا هذه المؤسسة كإعلام هادف بناء وكمغاربة غيورين على الشأن التربوي وستلمسون صدق ما نذهب إليه؛الرجل يستحق زيارة إعلامية من هسبريس والتفاتة شكر من أحرار هذا الوطن؛ويبقى جزاء دار الآخرة هو الجزاء؛هنيئا لرجالات كل القطاعات ونتمنى النجاح للجميع؛عندما كنت تلميذا كنت دائما أسمع رجال التربية والتعليم إلى أن شاء الله فزاولت مهمة التدريس رويجل في البداية إلى جانبهم فتعلمت الرجولة والآن ولله الحمد؛لا نزكي أنفسنا،بدأنا نشعر بقيمة الرجلة؛وقديما قيل :" ماشي غير أجي وكن رجلا الرجل".

  • جامع الراضي
    السبت 16 مارس 2019 - 09:36

    الاستاذة مليكة استاذة مثابرة ومحترمة ومتواضعة تستحق كل التشجيع والدعم .
    تحياتي لكم استاذتي

  • نورة
    الإثنين 13 ماي 2019 - 00:11

    انها استاذتي اتمنى لها التوفيق في حياتها الفنية او التعليمية وانا اتقدم باحر التهاني لها على فوزها بالجائزة

صوت وصورة
ملفات هسبريس | ثورة البيتكوين الثانية
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 11:00

ملفات هسبريس | ثورة البيتكوين الثانية

صوت وصورة
إفطار رمضاني داخل كنيسة
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 09:31 2

إفطار رمضاني داخل كنيسة

صوت وصورة
حقيقة خلاف زياش ودياز
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:58 5

حقيقة خلاف زياش ودياز

صوت وصورة
هشاشة "سوق النور" في سلا
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:30 1

هشاشة "سوق النور" في سلا

صوت وصورة
الركراكي والنجاعة الهجومية
الإثنين 25 مارس 2024 - 23:04 1

الركراكي والنجاعة الهجومية

صوت وصورة
كاريزما | محمد الريفي
الإثنين 25 مارس 2024 - 22:30

كاريزما | محمد الريفي