جليد الاحتقان التعليمي..

جليد الاحتقان التعليمي..
السبت 2 مارس 2019 - 07:11

كشف الإضراب الوطني الأخير، وقبله الإضراب الوحدوي مطلع شهر يناير الماضي، عمق الاحتقان المستشري وسط الشغيلة التعليمية بكل فئاتها، بدءا بملف الأساتذة المحاصرين في ما أضحى يعرف بـ”الزنزانة 9″، وملف الأساتذة ضحايا النظامين الأساسيين، مرورا بملف هيئة الإدارة التربوية وهيئة التفتيش التربوي وملفات حاملي الشهادات وأطر التوجيه والتخطيط … وهي ملفات ازدادت تعقيدا واحتقانا ببروز ملف “التعاقد” الذي غير من “مورفولوجية” المدرسة العمومية، وهذه الملفات وغيرها، وإن تباينت مشاكلها ومطالبها بين كل فئة وأخـــرى، فهي تشكل مرآة عاكسة لواقع حال شغيلة تعليمية سئمت وضاقت ذرعا من الانتظار…

ملفات ساخنة تحتضن بين طياتها مشاكل فئوية بالجملة، لا يمكن في جميع الحالات تجاوزها أو تجاهلها أو التعامل معها ككرة تتم دحرجتها متى تعالى صوت الاحتجاج وتوهج لهب الاحتقان، أو مواجهتها بمفردات “الوعد” و”الوعيد” و”القمع” و”التضييق” و”التسويف” و”التماطل”؛ وذلك لاعتبارات متعددة المستويات، أولها: إرادة الدولة في إصلاح منظومة التربية والتكوين بعد فشل ذريع للتجارب الإصلاحية السابقة (الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المخطط الاستعجالي) التي بدل الارتقاء بالمدرسة العمومية، ألقت بها في مستنقع “الأزمة” و”الرداءة” رغم الإمكانيات المهمة التي رصدت لها، وضيعت على البلد فرص النهوض والارتقاء، ثانيها: التوجه الرسمي الرامي إلى بلورة ”مشروع تنموي جديد” لا يمكن تصوره أو كسب رهانه بمعزل عن تعليم ناجع وفعال ومنصف، ثالثها: الرهان على نساء ورجال التعليم من أجل ضمان استقرار المدرسة العمومية وإنجاح مختلف الرؤى الإصلاحية، من منطلق أن “الإصلاح” و”الاحتقان” مستقيمان لا يلتقيان…

لذلك، لا مناص اليوم من الإصغاء إلى نبض الشارع “التعليمي” وتقدير حجم وتداعيات “الاحتجاجات” المتوالية، ليس فقط على واقع ومستقبل المدرسة العمومية، بل وعلى “الأمن المجتمعي” الذي يعد لبنة أساسية من لبنات “الرأسمال اللامادي” الوطني، وهذا يفرض إرادة رسمية قادرة على تقديم الدواء الناجع بعيدا عن المسكنات أو المساحيق التي تزول مع إشراقة شمس الصباح وتكشف عن عمق الندوب والجروح، ونقابات موحدة وصامدة ومؤثرة تدافع عن المطالب بدون تهاون، بعيدا عن الحسابات والمصالح الضيقة والتشرذم غير المبرر، وإذا كانت المشاكل القائمة تبدو اليوم مثل “قطعة جليد”، فذوبانها يبقى رهينا بالتعجيل بتنزيل “نظام أساسي خاص بنساء ورجال التعليم” محفــز ومنصف و”متوافق عليه” بين “الوزارة الوصية” و”الفرقاء الاجتماعيين” (النقابات)، قادر على كسر “شوكة الانكسار” وفتح آمال عريضة، تقطع بشكل لا رجعة فيه مع مفردات “النضال” و”الاحتجاج” و”الإحباط” و”الاحتقان”…

غير هذا ستبقى “المدرسة العمومية” بمثابة “عملة” بوجهين مختلفين: وجه “الإصلاح” ووجه “الاحتقان”، وهي علاقة “شاذة” قد تجعلهما يتعايشان جنبا إلى جنب على مضض، لكنهما لن يتجانسا أبدا …وفي جميع الحالات، فالأسرة التعليمية لا تطلب إلا “رد الاعتبار” على غرار الشغيلة في عدد من القطاعات، وتمكينها من كل الشروط المحفزة على العمل والخلق والابتكار، والإسهام بكل تفان ونكران ذات في بناء أجيال الغد، ومن خلالها في بناء الوطن الذي لا يمكن الارتقاء به إلا بالتعليم وتحت ظلال التعليم، عسى أن تتم الالتفاتة إلى “الرأسمال البشري” التعليمي، حماية لبيضة “الإصلاح” من أن تطالها مخالب “الاحتجاج” …وعسى -أيضا- أن تلوح في الأفق “شمس” ساخنة، قادرة على تذويب “جليد الاحتقان” …بعيدا عن لغة الحسابات وعبث المزايدات، وتؤسس لمناخ سليم، يجعل من “التعليم” رافعة حقيقية لكسب رهان التنمية الشاملة…

*أستاذ،باحث في القانون وقضايا التربية والتكوين.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

1
  • أستاذ الإجتماعيات
    السبت 2 مارس 2019 - 14:59

    أضيف و أقول: حتى، و بتفائل غبي و أبله، بلغت الإرادة السياسية أقصاها
    و أصبح واقع المدرسة المغربية و أساتذتها كمستوى المدرسة و المدرسين في الدول الإسكندنافية، فإن المجتمع المغربي المتخلف و الحاقد على نساء و رجال التعليم لن يتغير، و سيبقى لدينا بشر ينجبون عينة من التلاميذ الهمج
    و الفوضويين و الكارهين للمدرسة و من يعملون فيها، لا رغبة لهم في التعلم.
    الوضع أعقد من ذلك بكثير، فمهنة التدريس أصبحت جحيما لا يطاق،
    و الأستاذات و الأساتذة يعيشون أسوأ مشاعر الإحباط و الشعور بالعجز، و حتى لو تقاضى الأستاذ أجرة تفوق 30 ألف درهم شهريا، هذا لن يغير ظروف العمل و لن يشجع الأستاذة أو الأستاذ على تجاوز تلك المشاعر السلبية.

    أنا شخصيا، ندمت ندما شديدا عندما أتيحت لي منذ سنوات طويلة فرصة ذهبية للهجرة لشمال أوروبا، و ترددت و فضلت البقاء في مهنة الذل و الضياع.
    أعتبر نفسي غبيا و أحمقا لأنني ضيعت فرصة كهذه.

    بالعربية تاعْرابتْ: ما بقا ما يعجب في هاذ البلاد و ماليها و في هاذ الحرفة ديال الويل.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين