الشأن الديني ومحاربة التطرف

الشأن الديني ومحاربة التطرف
الثلاثاء 5 فبراير 2019 - 15:17

مكافحة الإرهاب من خلال تكوين الدعاة الدينيين

لعل أبرز دلالة على التأثير المميز للمغرب في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل هو إسهامه في مكافحة الإرهاب والتطرف؛ وذلك من خلال تكوين الأئمة الدينين وفق التجربة المغربية الخاصة بإصلاح الشأن الديني.

في السنوات الأخيرة، تم تسجيل إقبال متزايد بهذا الخصوص من قبل بلدان غرب إفريقيا ومنطقة الساحل. وتزامنا مع زيارة الملك محمد السادس إلى مالي في شتنبر 2013، وافقت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية على توفير التكوين لخمسمائة إمام مالي، وكان الغرض من هذا التكوين الذي دام سنتين هو جعل هؤلاء الأئمة قادرين على نشر الاعتدال لدى العامة، ولديهم القوة والاستعداد للمشاركة في المنافسات الدينية لدحض وجهات النظر المتطرفة.

توجهت دول أخرى، مثل غينيا كوناكري، وكوت ديفوار، ونيجيريا، وتونس، وليبيا، صوب المغرب للحصول على التكوين نفسه لأئمة ودعاة من أجل الاستفادة من التجربة المغربية في التصدي للتطرف من خلال الحوار والتواصل.

وبغية الاستجابة للزيادة الكبيرة في الطلب على هذا التكوين، أنشأ المغرب “معهد محمد السادس لتكوين الأئمة” في مارس 2015، الذي سيوفر تكوينا يصل إلى 1000 مرشح.

وبعد بضعة أشهر، وبالضبط مع مطلع شهر يوليوز 2015، افتتح الملك محمد السادس مؤسسة دينية أخرى بإفريقيا، أطلق عليها “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة”.

ووفقا للظهير الملكي (رقم 75-15-1) الصادر في الرباط، تهدف هذه المؤسسة إلى تنسيق جهود العلماء المسلمين الأفارقة، لإنتاج ونشر أفكار التسامح على أسس القيم الإسلامية، وإحياء التراث الثقافي الإسلامي المشترك، والقيام بالبحوث العلمية في الدراسات الإسلامية، وتخطيط وبرمجة الفعاليات العلمية.

ورغم أن اختصاصات المؤسسة لن تشمل إصدار الفتاوى، فمن المرجح أن تؤدي هذه المبادرة إلى تعزيز النفوذ المغربي داخل المجتمعات الإسلامية الإفريقية.

إن الإصلاح المغربي الناجح للشؤون الدينية الذي انطلق مباشرة بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في الدار البيضاء عام 2003، جعل البلد رائدا في هذا المجال على صعيد العالم الإسلامي؛ إذ تصدى بمهارة وحزم للتطرف الديني وللإرهاب. وشكلت إعادة تنظيم المؤسسات والشؤون الدينية جزء مهما من استراتيجية الحكومة المغربية في مكافحته.

وتتضمن بعض الجوانب الرئيسية لهذا الإصلاح:

تدريب وتثقيف العاملين في الحقل الديني، ولا يقتصر الأمر على الأئمة (القادة)، بل يشمل كذلك المرشدين والمرشدات.

إطلاق محطات تلفزيونية وإذاعية بهدف محاربة تأثير القنوات الفضائية الدينية التي تروج للفكر المتشدد والطائفية، والتي تبث انطلاقا من الشرق الأوسط وإيران.

التنصيص على أنه لا يسمح بإصدار الفتاوى إلا للذين حصلوا على موافقة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الإسلامية المغربية، حتى يتسنى محاصرة الدعاة “الراديكالين”، وبالتالي فالمؤسسات المخول لها إصدار هكذا فتاوى هي المجلس الأعلى للعلماء، ومجالس العلماء الإقليميين.

وهناك عامل آخر دفع حكومات دول غرب إفريقيا إلى طلب المساعدة المغرية في الشؤون الدينية، يتمثل في الأواصر التاريخية القوية للمغرب مع مجتمعات المنطقة، ويأتي في مقدمتها التصوف والطرقية التي تعود إلى قرون مضت.

وتتميز التجربة المغربية بكونها معتدلة ومرنة من حيث تنوع وطبيعة مصادرها المتاحة للعلماء لممارسة الاجتهاد القاضي بإعادة تفسير المبادئ الإسلامية لتقديم إجابات شرعية للقضايا المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية.

ويبرز هنا دور المذهب المالكي المعتمد بالمغرب، الذي هو بمثابة مدرسة شرعية إسلامية تتفوق على المذاهب الثلاثة الأخرى من حيث استيعاب التقاليد المحلية للمجتمعات الإسلامية، بعد مطابقتها للتعاليم والنصوص الأساسية.

التعاون المشترك مع الشركاء الإقليميين والدوليين

على الرغم من الاستعداد للمساهمة في تعزيز السلام والأمن في المنطقة، فإن المسؤولين المغاربة يدركون محدودية إمكانيات بلدهم أمام الحاجيات المعقدة لدول غرب إفريقيا، التي تتجاوز القدرات التقنية والبشرية والمالية للمغرب لوحده.

إن انتشار الجماعات المسلحة في المنطقة، التي يرتبط الكثير منها “بتنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي”، وكذا المنظمات الإرهابية الأخرى، يشكل تحديا رئيسيا يواجه المنطقة، الأمر الذي يتطلب تكوين قوات مدربة ومجهزة جيدا، لا يقتصر تواجدها على بلد واحد بل يشمل كل بلدان منطقة الساحل وغرب إفريقيا، لأن تهديد هذه المنظمات الإرهابية عابر للحدود.

تشكل “بوكو حرام”، على سبيل المثال، تهديدا رئيسيا لكل دول غرب إفريقيا، مع التأكيد على وجود روابط لها مع تنظيم القاعدة بالغرب الإسلامي، ومنظمات إرهابية أخرى.

إن القدرات العسكرية القائمة والموظفة تبقى قاصرة أمام هذه التحديات الكبيرة، خصوصا لما تتميز به المنطقة من شساعة الصحراء ووعورة التضاريس، بل إن أغلب جيوش المنطقة (غرب إفريقيا) ضعيفة التجهيز والتدريب بما يستجيب للتحديات المعروضة.

ويدرك المغرب أكثر من غيره أن هذه البلدان تبقى عاجزة عن تحقيق المطلوب لوحدها، وبالتالي الإيمان بضرورة العمل مع الشركاء الدوليين والإقليميين، وفق منهجية واضحة ومضبوطة تتيح التعاون كذلك لجمع المعلومات وتوظيف الخبرات والموارد بمختلف أنواعها.

ويستلزم إصلاح القوات المسلحة في بلدان غرب إفريقيا بذل جهود كبيرة لتمكينها من القيام بدور أكثر فعالية في مواجهة التحديات الأمنية الحالية والمستقبلية، التي تواجه مجتمعاتها ودولها. ونتيجة لذلك، أصبح قطاعا ذا أولوية في مجال السياسات من أجل الحفاظ على الاستقرار وتحقيق النمو الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة (غرب إفريقيا).

ومن نافلة القول إن القوات المسلحة والوكالات الأمنية قد كانت مصابة بالوهن وغياب المهنية، إضافة إلى عقود من عدم الاستقرار نتيجة الانقلابات المتكررة.

ويمكن للمغرب أن يضطلع بدور هام مع الشركاء الدوليين الآخرين في تقديم المساعدة العسكرية إلى بلدان غرب إفريقيا. ويمكنه أيضا الاستفادة من توظيف تواصله اللغوي، وفهمه للثقافات العسكرية، وعلاقاته السياسية، وتزايد حضوره الاقتصادي، كي يصبح مركزا للمانحين الدوليين وللمنظمات، وتقديم المساعدة في مجال إصلاح قطاع الأمن ببلدان غرب إفريقيا.

يتطلب تعزيز القطاع الأمني فهم كيفية عمل المؤسسات المحلية، وبناء علاقات مع أصحاب المصالح المحليين الرئيسيين، بمن فيهم الجهات الفاعلة في المجتمع المدني.

وأخذا بالاعتبار هذه العوامل، فإن المغرب سيكون في وضع جيد، خصوصا من خلال الشراكة والدعم الذي سيحظى به من قبل كبار الشركاء الدوليين، حيث توفير التدريب الخاص، وبناء القدرات والمساعدة التي ستلبي حاجيات كل قوة مسلحة بكل بلد من المنطقة على حدة.

*أستاذ التعليم العالي

‫تعليقات الزوار

4
  • MOHAMMED MEKNOUNI
    الثلاثاء 5 فبراير 2019 - 16:38

    علينا أن نعترف بأن الشأن الديني في المغرب أصبع غير منضبط وبإستحضار الفصل 41 من الدستور الذي ينص على أن الملك أمير المؤمنين وفي هذا القول الفصل بالنسبة للدين الإسلامي الذي قوضت تعاليمه وأفرغت في دهاليزالإسلام السياسي الذي أصبحت من خلاه مجموعة من أعضائه تصول وتجول وتدخل من تشاء إلى الجنة أو النار وعليه يجب وضع ضوابط جديدة من وزارة الأوقاف الذي أضحى من اللازم إبعادوزيرها من مسؤولياته لأن على الجميع أن يعلم أن أمر الإنتخابات أصبح محسوما من طرف أئمة المساجد ومؤذنيها ولا شك ستظهر عواقب ما أتذرع به أثناء محاكمة حامي الدين وخاصة إن تم إعتقاله أثناء المحاكمة لأن هناك تغول على الشعب المغربي وعلى الأحزاب السياسية أن تعاود النظر في تعاملها مع المواطن المغربي وتهبط للميدان لمقارعة الحزب الإخواني الذي أصبح خزانه الإنتخابي مملوء وحركة التوحيد والإصلاح (( رويدة الإنقاذ ) أتمنى أن أكون مخطئاـ

  • ahmed arawendi
    الأربعاء 6 فبراير 2019 - 09:24

    وماذا يفيد إنشاء مثل هذه المؤسسات فهاهي دار الإفتاء المغربية المعتدلة المالكية تخرج علينا بفتوى وجوب قتل المرتد!!
    هل هذا الفقه المالكي "الزوين" يخالف المدارس الأخرى في:
    الردة
    الإرث
    القوامة
    العبودية
    ….
    باراكا ما دوخو على المغاربة!
    كون المغرب فيه تساهل نسبي لا في القانون الجنائي و لا في الأحوال المدنية و لا في الممارسة الاجتماعية هو ناتج عن الحياد عن المذهب المالكي و ليس بفضل هذه المدرسة الفقهية.
    الإسلام عاش 14 قرنا فوق ثلاث قارات و خلف على طول هذا التاريخ و رغم إختلاف الحاضنات الثقافية نفس السلوكيات , سلوكيات تتسم بقهر الناس, بانتاج الحروب لا الأهلية و لا الخارجية و باستحالة بناء حضارة حقيقية…
    ألا يمكن اعتبارنا مجانينا لو سولت لنا أنفسنا أن نعطيه 1400 سنة إضافية!!!
    عندما نفكر في العالم الذي نريد أن نحيا فيه يكفي أن ننظر لأنفسنا و لرفاقنا في المواطنة و أن نفكر سويا في حلول مشاكلنا فلدينا من المعرفة و الوعي ما لم يتوفر لأبي حنظلة عام جوج في صحراء السعودية.
    توقفوا عن تمثيل فيلم الرسالة و عيشوا حياة حقيقية كنساء و رجال حقيقيين

  • الحسين
    الأربعاء 6 فبراير 2019 - 10:52

    ولماذا لا يتكلم احد عن التطرف الا ديني العلماني الالحادي الاستئصالي في المغرب الذي يجد عونا من الدولة من الإعلام وغيره.
    هناك علمانيين يتطاولون على كل المقدسات باسم حرية التعبير ويعتبرون أن الإسلام والتدين دخيل على المجتمع المغربي. ويحب إلغاء التربية الإسلامية وإغلاق المدارس العتيقة .
    وان الدين في نظرهم هي أضرحة والتصوف البدعي الخ.

  • ahmed arawendi
    الأربعاء 6 فبراير 2019 - 18:03

    سيدي 3 – الحسين
    اللادينيون ينتقدون فقط ما لا يرونه صحيحا فلاهم يمتلكون قضاءا و لا شرطة و لا جلادين يجلدون و يفرشخون و يقطعون رؤوس المرتدين عن الإسلام. هم فقط يقولون أن إله الكون من المستحيل أن يكون هو من أباح اغتصاب سبي أوطاس [النساء اية 24] في قرآنه أو بقتل المرتدين أو أن يضاجع رجل في 54 طفلة ف ال9 ثم يسميه زواجا…
    فالمسلمين هم من يملك السلطة و الأغلبية ويلحقون شتى أنواع الأذى (حسب الدولة) باللادينيين.
    نعم, الإسلام هو دين دخيل على المغرب لأنه دخل بواسطة السيف و القتل والاغتصاب و السبي, فمن يريد تبجيل مُغتصبي أجداده فذلك شأنه!!
    ديانات المغرب الطبيعة هي الوثنية و اليهودية و المسيحية.
    ليس من حق المسلم أن يقول أنه من حقه ممارسة العنف ضد إنسان آخر فقط لأنه انتقد دينه و جرح مشاعره المسلمون يجرحون مشاعر الآخرين ليل نهار و مع ذلك لا تسقط السماء فوق رؤوسنا…
    (أولا المسلم كيحلل لراسو داك شي لي كاي حرمو على لخرين حيت هوا الزوين!)

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس