وُغول الموظف الحلزون في الإدارة المغربية

وُغول الموظف الحلزون في الإدارة المغربية
الخميس 31 يناير 2019 - 03:45

تعيش الإدارة المغربية اليوم في أكناف جماعات وسائطية ضاغطة تتحكم في عصب التسيير الإداري، وتستقطب موظفين أقنانا من كل شعبة وقسم، وتتسم هذه الجماعات بالقوة الضاغطة التي تمكنها من توجيه دفة التسيير الإداري في الاتجاه الذي يلائم مصالحها. ويعي جل مديري الإدارات والمؤسسات بالمغرب خطورة هذه الجماعات، إذ في غالب الأحيان ما يقوم المدير بالتحالف معها، حتى يتمكن من التسيير السلس للإدارة بدون مشاكل، وقد يصبح عضوا فيها، بسبب الإغراءات المتاحة، هذا إن لم يكن المدير في الأصل سوى ناطق باسم الجماعة. ترى كيف يمكن تعريف هذا النوع من الجماعات؟ هل هي نمو وتطور طبيعي ناتج عن توطين ديمقراطية فتية ببلد متخلف؟ هل تحاكي نموذج اللوبي الوسيط الذي يشكل إحدى دعائم مشروعية المؤسسات الديمقراطية؟ أم هي مولود تاريخي خرج من أحشاء المجتمع المغربي في لحظة من تاريخه، وتحظى بمشروعية راسخة في مخيلة الجماهير المغربية؟

ما نعيشه اليوم من جدلية القن والسيد بالإدارة المغربية تدفعنا إلى تأطير مفهوم الجماعة الضاغطة بما يوفره لنا حقل الخيال الرمزي بالمجتمع المغربي، إذ تعتبر في نظرنا هذه الجماعات عبارة عن تحالفات مصلحية، لا تعكس أي تيار فكري، أو إرادة جماعية إيجابية. كما أنها لا تؤمن بالعمل الديمقراطي، ولا تتوفر على إيديولوجيا معينة، همها الوحيد يتلخص في خدمة مصالح الأفراد التي تتشكل منها. وهذا ينطبق مع الأسف حتى على تلك الجماعات التي تسربت إلى الحقل الأكاديمي بالجامعة المغربية، إذ تقطنها اليوم ائتلافات مصلحية بدون مذهب واضح، فتستقي نفوذها من معرفة عميقة للأفراد، والتمردات، والمساومات والتحالفات، ولما لا وهي التي تستطيع شراء ولاء أستاذ مقابل استعمال زمن يسهل تنقله من مدينة إلى أخرى. إنها مأساة وجودية بالجامعة المغربية، حيث تجد تحالفات مصالح بدون تيارات فكرية، بينما تفيض الجامعة الأوروبية بمدارس فكرية من كل حدب وصوب !

هذا التعريف يحيلنا مباشرة إلى المؤسسة المخزنية وسلوكها التاريخي باعتبارها تحالف مصالح، كما جاء على لسان واتوربوري؛ فاستمرار منطق التحالف المصلحي بدون مذهب بالإدارة المغربية يؤكد تجذر المخيال المخزني بالثقافة المغربية، حيث تم اختطاف الإدارة من لدن بطانة مخزنية، لا يهمها تطوير المؤسسة بقدر ما يهمّها الحفاظ على الامتيازات القائمة، والتصدي لحركات التغيير… وهذا لا يعني بالضرورة أن هذه الجماعات تحظى بتزكية مخزنية؛ لكنها تعمل بمنطق التحالفات المخرنية القائمة، إذ لا تتوفر على مشروع مؤسسة، ولا يهمها مصير وطن، ولا تبحث سوى عن التموقع في دواليب السلطة والاستفادة من امتيازاتها (الكويميلا).

قبل أن نخوض في سرد خصائص هذه الجماعات، حبذا لو اصطلحنا عليها اسما يحمل دلالات ثقافية، ويلخص تحركاتها ومواقفها المتقلبة حسب سوق المصالح؛ فهذه تعتبر جماعات “حلزونية” بامتياز، من فصيلة الرخويات، تعيش بدون عمود فقري يُثبِّت هويتها ومواقفها، فهي قادرة على تغيير شكلها ومواقعها حسب الظروف. كما تتوارى عن الأنظار وتختفي داخل قواقعها، فتعمل في صمت، وتحتمي بصدفة الجماعة الحلزونية، ذلك الدرع الواقي من “فوضى” تيارات التغيير. ترى ما هي خصائص الجماعة الحلزونية التي أوغلت في التحكم بدواليب الإدارة المغربية؟

– يتمتع الحلزون بقدرة كبيرة على الاختراق والانتشار، إذ يستقطب الولاءات والأقنان (التابعين/ الخاضعين) في كل قسم وشعبة، حتى يتمكن من التحكم في عصب الإدارة.

– لا يتعامل الحلزون بمنطق الأخلاق والعواطف، إذ يضحّي بحفنة القيم التي تعلمها بالمدارس في سبيل خدمة مصالح أفراد الجماعة.

– أنتج الحلزون قاموسا خاصا به، يتمحور حول الهيبة والخدمة والولاء والذوبان في الجماعة.

– يعمل الحلزون على إرباك الخصوم والأغلبية الصامتة عبر خلق النزاعات ورعايتها.

– يحتفل الحلزون برخويات الجماعة بينما يقوم بإذلال الخصوم.

– يتبادل المعلومات والمناصب، للحفاظ على المكتسبات، فتكلست المكتسبات، حتى أصبحت حقوقا تنتزع!

– يحب الحلزون التكرار ويكره الابتكار، فهو عدو المنافسة، لأنها تُعطّل التحالف، وتمنح الخصم فرصة ولوج مساحة السلطة.

– يتأسى الحلزون بالمواقف الرخوة، القابلة للتمطيط، إذ يبادل مواقف وآراء بنقائضها حسب الاقتضاء، ويغيّرها كما يغيّر أقمصة النوم.

وتتسم الجماعة الحلزونية بعلاقات القوة بين الأفراد حسب الموارد والرساميل التي يتوفر عليها كل عضو ينتسب إلى الجماعة، ويرأس هذه الجماعة “حلزون كبير”، يتمتع برساميل اجتماعية واقتصادية ورمزية مهمة، إذ يقيم علاقات داخل المؤسسة وخارجها، لكي تُسهل له عملية التسيير وصرف الميزانيات والاستفادة الناعمة من الامتيازات، ولا يهم الجماعة الحلزونية ما إذا كان هذا الحلزون يتوفر على رأسمال ثقافي مميز، ما دامت الجماعة قادرة على الاحتفاء به كمثقف، وتلميع صورته بوصفه كبير المثقفين بالمؤسسة! وما يميز هذه الجماعة الحلزونية هو تلك المراتب التي يحتلها الأفراد، إذ لا تعاملهم على قدم المساواة، بل يحتل الفرد مكانته داخل الجماعة تبعا للموارد التي يتوفر عليها. فعادة ما يحتل المرتبة الدونية أولئك المنبطحون التابعون، حلازين أقنان يتم استقطابهم بأبخس الامتيازات، إذ يتزلف الحلزون القن أحيانا لرئيسه، فقط طمعا في رضاه، ويتلقف أي فتات امتيازات وبقاشيش إكراميات تافهة، ترمى في وجهه.

أبهذا الموظف القن ستضاهي الإدارة المغربية قيم السوق الرأسمالية المتعلقة بالمنافسة والأداء والإنتاجية؟ هل تعوّل الإدارة المغربية على النهضة والإقلاع بواسطة الولاء بدلا من الأداء؟ متى كانت الحلازين الأقنان تشكل إرادة جماعية قوية قادرة على التفاعل الإيجابي مع تيارات التغيير؟

*جامعة أبي شعيب الدكالي

‫تعليقات الزوار

2
  • محمد بلحسن
    الخميس 31 يناير 2019 - 07:24

    أشعر أن الأستاذ الجامعي المتخصص في الآداب و العلوم الإنسانية قادر على إنجاح أوراش إصلاح الإدارات و المقاولات العمومية بكتابات دقيقة تحث المهندس و الطبيب و الأستاذ و المحامي و القاضي و الخبير و المربي و القائد و الباشا و العامل و الوالي و السياسي و غيرهم على مساءلة الضمير المهني و رفض لعب دور الموظف الـحـلــزون. يحتاج ذلك الأستاذ لزملائه المتخصصين في الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و غيرها من المواد العلمية لإسعاد المغاربة و سكان العالم بأكبر اختراع سيعرفه القرن الحادي و العشرين:
    ADM = Analyseur des Détournements Monétaires
    انطلاقا من تحليل مخبري شبيه بذلك التحليل الذي يحدد نسبة السكر في الدم تصبح عملية تحديد هوية الموظف الحلزون في متناول هيئات المجتمع المدني و مؤسسات الرقابة المالية العمومية مثلا.
    التحليل "أ. د . م" (ADM) سيعيد, على الصعيد الدولي الكرامة الانسانية لكل ما كان على قيد الحياة يقدس المال العام و يسهر على حسن استعماله خدمة للصالح العام.
    ذلك الاختراع سيبرز قبل نهاية القرن الحالي بـــالـــمـــغــــرب في إطار عمل تشاركي دولي متخذين قطاع البناء و الأشغال العمومية حلبة للتجارب.

  • مغربي
    الخميس 31 يناير 2019 - 09:56

    السؤال هو من سيحمي الموضف الرخو و هو بدون قوقعة من المدير الحلزون بقوقعته و منضومته الحلزونية التي تحميه و لقد شهدنا نمادج من موضفين معلمين و قضاة وممرضين و دكاترة حاولو مواجهة مدرائهم فكان مصيرهم الاندارات و الطرد و المحاكمة و لا احد سأل عنهم ولا دافع عنهم من سيقتدي بهم بعد دالك

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 92

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 86

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة