ماذا يعني أن نكون مناضلين اليوم؟

ماذا يعني أن نكون مناضلين اليوم؟
الجمعة 25 يناير 2019 - 22:55

كلُّ الوقائع والأحداث والمؤشرات، منذ عدة سنوات، تسائل تآكل الممارسات النضالية القديمة؛ بل تسائل حتى الالتزام السياسي أمام وفرة وحيوية العديد من الشرائح والفئات الاجتماعية وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني. فهل نحن أمام أكبر تجديد لطرق المشاركة والحضور في الفضاءات العمومية ومحو أشكال النضال العتيقة؟ عن هذا التجديد وعن هذا التنوع في الممارسات والتطبيقات، أريد أن أتحدث.

في الواقع، ربما أصبح النضال في ومن خلال الانخراط في الفضاءات العمومية هو السائد، بعد أن كان يحدده الانخراط المسبق في الحزب والنقابة من منطلق إيديولوجي معين. وهذا تحول جذري يجب أخذه بعين الاعتبار.

فبعدما ضعفت مجتمعات التنشئة السياسة، أصبح النضال تحدده وضعية الناس الاجتماعية وليس أفكارهم الإيديولوجية من خلال الانخراط في تنظيم قائم الذات.

من جهة أخرى، إننا اليوم أمام تحول وطني وعالمي، مجتمعي وديموغرافي، يمكننا تقييمه من حيث التشدد في التعامل مع الواقع الذي ينتجه وليس بالضرورة من خلال توجه نضالي تصبح طريقة العمل والتفكير فيه مركزية، وتتحول الممارسة النضالية إلى ممارسة لا يتحكم فيها الانتماء المسبق.

النضال، اليوم، لا يمر بالضرورة عبر الإيديولوجية، أو ربما بدون الائتمان لها. النضال، اليوم، تحكمه جاذبية الواقع الاجتماعي وليس المجال السياسي. الحدود باتت سهلة الاختراق، وتفرق بين الالتزام العمومي وبين الالتزام السياسي؛ فالتطوع الجمعوي والسياسي أصبح متجاوزا، ويفتح أمامنا إشكالات جديدة تهم المشاركة العمومية.

إن الوضعية باتت جد معقدة، وواهم من يعتقد أن الأمور ما زالت تسير بالمنطق السابق؛ فلا منظور التحولات الاجتماعية الراديكالية العميقة، ولا الممارسة الجماعية للفعل قادران على تحديد معايير محددات مفهوم النضال اليوم. إن بعض الممارسات التطوعية أصبحت فعلا نضاليا متميزا ومميزا، في الوقت الذي كان يتم تصنيفه سابقا في خانة العمل الخيري الإحساني والاجتماعي (حالات المرضى، المهاجرين، المعطلين، ضحايا العمل الجنسي، والـ “بدون مأوى”، الخ)، وهي الآن تحصد الاعتراف العمومي والرسمي.

إن أشكال الفعل كما تظهر في الفضاء العام، وأحيانا بقوة، لا يمكن أن تحجب المحافظة على أشكال الفعل القديمة؛ فهناك محاولات متعددة للعديد من الحركات التي “تحتل” الفضاء العمومي، في الوقت الذي أصبحت فيه المقرات الحزبية والنقابية والجمعوية فارغة من مناضليها.

هذه الحركات أصبحنا نسميها اليوم بالحركات الاجتماعية الجديدة، بالإضافة إلى حركات أخرى ذات طابع جهوي، إقليمي، إيكولوجي، شبابي ونسائي، وحقوقي، مثلا.

إذن، هناك أشكال جديدة ومتنوعة للفعل الاجتماعي ولـ”احتلال” الفضاء العمومي، بعيدة كل البعد عن الفعل السياسي الحزبي أو النقابي الكلاسيكي؛ وهو ما يجب أخذه بعين الاعتبار، وأخذ العبر منه.

إن حركة “قادمون وقادرون – مغرب المستقبل” أسست وخرجت من رحم هذا التحول، للتفكير في أشكال جديدة للفعل والعمل، جماعية ومجموعاتية وفردية. ما يهمنا هو كيف يناضلون الناس اليوم قبل أن نهتم بما يحركهم. نحن نعلم جيدا بأن الفعل النضالي يجب أن يحقق نتائج ملموسة على المدى القريب، وأن هذا الفعل يجب أن يكون له صدى عمومي، حتى يتبناه الفاعل السياسي في مستوى من المستويات؛ لكننا على وعي تام بأن هناك فاعلين ليس لهم أي صوت في الفضاء السياسي، هؤلاء يجب التفكير فيهم كذلك.

إننا نناضل اليوم في عالم غير مستقر وغير واضح المعالم، وهو ما أجج فقدان الثقة في الأحزاب السياسية وفي النقابات وجمعيات المجتمع المدني، بفعل تذبذبها وغموضها، وبسبب تخليها عن جزء كبير من أهدافها، ألا وهو النضال الأخلاقي. فكل الدراسات والإحصائيات تثبت فقدانها للقاعدة البشرية والشعبية وابتعاد الناس عنها، في حين نجد إطارات جمعوية واجتماعية متجذرة داخل الأحياء السكنية، وموجودة في القرى والمداشر والمدن الصغرى والمتوسطة، وتقدم خدمات مباشرة للساكنة.

إن ذوي الحقوق لم يعد لهم نفس النضال الطويل المدى، ولم يعودوا يثقون في المستقبل، يريدون من يحقق أمالهم وتطلعاتهم اليوم قبل الغد. وهذا هو الباب الذي اقتحمه الخطاب الشعبوي ليدغدغ عواطف الناس ويسكن عظامهم. بالإضافة إلى عامل التردد كسمة تلازم الكثيرين في كل مراحل حياتهم، وخاصة لدى فئة الشباب والنساء بسبب البطالة والهشاشة والاستبعاد الاجتماعي وعدم الإنصاف والمناصفة. كذلك بالنسبة إلى الهويات الجماعية والفردية، التي أصبحت غير مطمئنة على مستقبلها بسبب الأعطاب الحاصلة في “المصعد الاجتماعي”.

*أستاذ باحث في علم الاجتماع بجامعة مولاي إسماعيل مكناس وفاعل مدني وحقوقي

‫تعليقات الزوار

2
  • Omar
    السبت 26 يناير 2019 - 09:05

    Certes on pourrait parler aujourd´hui plutôt de “ACTIVISTES´´ au lieu de“MILITANTS´´ mais cela devrait nous mener àconsiderer ce phénomène comme enrichissement des formes traditionnelles de lutte.
    Pour ce qui relève des partis politiques(gauche) leur crise est dûe à la distanciation qu´ils ont eux mêmes crée avec ceux qu´ils pretendent representer…les causes sont diverses et à mon avis la principale est l´abscence de démocratie interne où les appareils sont là pour l´éternel,ce qui n´est pas d´ailleurs étranger au mode et à la structure socio-politique du Bled.
    Réformisme ou révolution? tout simplement accumulation d´aquis et c´est une grande école afin que le politique suive..merci

  • محمد بلحسن
    السبت 26 يناير 2019 - 11:10

    موضوع مهم. شكرا لكاتب المقال و لهسبريس على جودة التحليل و السخاء الفكري.
    تجربتي المتواضعة في العمل السياسي ألخصها في بضع سطور:
    إلى حدود 26 يناير 2000 كنت مشغول في الحقل الهندسي و بالضبط بأوراش الطرق و الطرق السيارة في إطار مسيرة تكوينية و مهنية انطلقت في 1979.
    ابتداء من 27 يناير 2000 وجدت نفسي أبتعد عن الحقل الهندسي متوجها نحو ميادين السياسة … كنت مقتنع بوجود فرق شاسع بين الممارسة السياسية بالمغرب مقارنة مع الشقيقة السنغال التي اشتغلت فوق ترابها طيلة 4 سنوات كنت معجب جدا بالممارسة السياسية و علاقتها بتدبير أوراش التجهيزات الأساسية في بيئة قانونية تتميز بوجود قانون يجرم الغنى الفاحش السريع منذ 1981 أو 1982 … من 27 يناير 2000 إلى 26 يناير 2009 أي طيلة 9 سنوات حاولت الاندماج في صفوف 3 أحزاب سياسية هي الاستقلال و جبهة القوى الديموقراطية و التقدم و الاشتراكية و لكن بقيت أحن للعقلية السنغالية التي كانت أقرب لتجسيد الجوانب النبيلة في السياسة على أرض الواقع.
    ابتداء من 27 يناير 2009 تولدت عندي رغبة في الالتحاق بـ PAM
    إلى يومنا 26 يناير 2019 لازلت حائر و قادر على تبيان حاجتنا لتجارب السنغال

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات