آفة "إعادة النشر الآلي" في المنصات الاجتماعية.. دراسة حالة

آفة "إعادة النشر الآلي" في المنصات الاجتماعية.. دراسة حالة
الأربعاء 31 أكتوبر 2018 - 02:31

ربما تكون أيها القارئ من بين الذين يعتبرون الوزير الصهيوني “نتنياهو” مجرم حرب وإسرائيل عدوة الشعوب، لكن هل خطر ببالك أن تكون قد انخرطت يوما في الترويج المجاني لخطاب “نتنياهو” ولمقولة “إسرائيل العظمى” دون وعي منك؟ قد تتسرع في الإجابة بالنفي، لكن إذا سبق لك أن شاهدت وشاركت وعبرت بالإعجاب عن مقطع “فيديو” يحمل عنوان “نتنياهو يعترف: إسرائيل تغزو العالم”، يروج هذه الأيام، فقد وقعت ضحية تضليل ذكي. كيف ذلك؟.

مقطع “الفيديو” المشار إليه يروج اليوم بشكل واسع في شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة عبر “المسنجر”، وقد تتوصل به من عدة أشخاص. وبعد مشاهدة “الفيديو” لا تقف عند أي تصريح يفيد بحديث “نتنياهو” عن “الغزو”! ما يطرح الأسئلة حول دوافع نشره وترويجه، خاصة في أوساط إسلاميين وعلمانيين، أعداء “إسرائيل”.

ومن خلال بحث سريع حول “الفيديو”، يشمل طبيعة النشاط الذي قدم فيه “نتنياهو” كلمته، والمؤسسة التي احتضنته، وبعضا من مساره حتى دخل حلبة الترويج، نكتشف كيف يتم الإيقاع بنا بشكل سهل وفظيع. وذلك البحث كشف معطيات نستعرض أهمها بتركيز كما يلي:

الأول: كلمة نتنياهو التي أخذ مقطع منها في “الفيديو” المشار إليه سابقا ألقاها في مؤتمر “آيباك” “AIPAC”، بواشنطن بتاريخ 5 مارس 2018. و”AIPAC”هي الحروف الأولى للكلمات المكونة للاسم ” American Israel Public AffairsCommittee”، أي “لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية”؛ وهو اسم مجموعة ضغط تأسست سنة 1951، وتشتغل مع الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري والمستقلين من أجل اعتماد سياسات عمومية تساهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية.

وتنظم هذه المجموعة مؤتمرا سنويا تحت اسم ” AIPAC Policy Conférence” يحضره قادة وخبراء من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

الثاني: كلمة نتنياهو المشار إليها نشرت بالكامل على الموقع الإلكتروني الخاص بمجموعة “AIPAC” بتاريخ 5 مارس 2018، ونشرت عبر “يوتوب” بتاريخ 6 مارس 2018 من طرف (i24NEWS) وهي قناة تلفزيونية إسرائيلية دولية، يوجد مقرها داخل الكيان. وكلا الشريطين باللغة الإنجليزية من غير دبلجة عربية.

الثالث: الشريط المدبلج الذي يروج في مواقع التواصل الاجتماعي تم إطلاقه بعد أزيد من 7 أشهر من كلمة “نتنياهو”، وهو مقطع لا يمثل من حيث مدته سوى 20% من مدة الشريط الأصلي، وهو مصحوب بدبلجة عربية جيدة تنم عن حرفية عالية، واقتصر في كلمة “نتانياهو” على الجانب الذي يتحدث فيه الوزير الأول الإسرائيلي عن الثورة الصناعية التي أحدثتها “إسرائيل” في العالم، وتظهر “إسرائيل” كقوة اقتصادية وعلمية مؤثرة؛ إذ أظهر من خلالها كيف أن التكنولوجيا الإسرائيلية هي التي تقود العام اليوم، وقال: “إن إسرائيل أصبحت تقود العالم في مجال الأمن الإلكتروني”، وأشار إلى حاجة الناس مثلا إلى الأمن عن ودائعهم البنكية، مبرزا أن “إسرائيل” هي التي توفر الآن ذلك الأمن. بينما تحدث نتنياهو في كلمته الأصلية عن مواضيع أخرى تهم السياسة الإسرائيلية في الشرق الأوسط وإيران وعن قضايا أخرى سوف تثير الحساسية وتشوش بالتالي على رسائل “إسرائيل العظمى”.

الرابع: الفيديو المدبلج الذي يتداوله المغاربة اليوم عبر “المسنجر” بالخصوص نشرته صفحة “فجر العقل” على فيسبوك، بتاريخ 15 أكتوبر 2018؛ وهي الصفحة هي التي وضعت له العنوان الترويجي الجديد: “نتنياهو يعترف: إسرائيل تغزو العالم”.

نتنياهو لم يقل أبدا في كلمته تلك إن إسرائيل تغزو العالم، بل قال إنها تقود العالم. وهذه الصفحة أنشئت بتاريخ 22 يوليوز 2014، وحافظت على اسمها كما هو، وتقدم نفسها ضمن مجموعة “الللادينيون”، وأغلب التعليقات المنتقدة لها تتهمها بكونها ضد الإسلام، وأنها تعمل على التشكيك فيه، وهناك معلقون يتهمونها بخدمة إسرائيل.

الخامس: المقطع المدبلج نفسه نشرته قناة “رجل الإمارات” على يوتوب قبل أن تنشره صفحة “فجر العقل”، وذلك بتاريخ 13 أكتوبر 2018، لكنها حافظت على العنوان الأصلي (نتنياهو: إسرائيل تقود العالم). وقناة “رجل الإمارات” أنشئت على “يوتوب” في 7 مارس 2007. وهذا المقطع الأصلي المدبلج نجده أيضا في عدة مواقع إخبارية، خلاف المقطع المعنون بـ”إسرائيل تغزو العالم” الذي تنفرد به صفحة “فجر العقل”.

السادس: مقارنة الرواج الذي حققه “الفيديو” على صفحة “فجر العقل” والذي حققه في قناة “رجل الإمارات” تؤكد خطورة لعبة العناوين في الصحافة؛ ففي صفحة “فجر العقل” التي اعتمدت كلمة “غزو” في العنوان حصد الفيديو 1.9 ملايين مشاهدة، و36 ألفا و774 مشاركة، و11 ألف إعجاب، و4 آلاف و200 تعليق؛ فيما لم ينل في قناة “رجل الإمارات” التي اعتمدت كلمة “تقود” في العنوان سوى 4 آلاف و962 مشاهدة و39 إعجابا.

السابع: ملاحظة مهمة، وهي أن الاهتمام بكلام “نتنياهو” المتعلق بالقوة التكنلوجية، وخاصة المتعلقة بالأمن الرقمي، تمت عبر موجتين، الأولى طبيعية، قادتها وسائل الإعلام مثل “الجزيرة”، ومواقع إخبارية. وكانت تلك الموجة خلال شهر مارس، وهذا أمر طبيعي له علاقة بوظيفة الإخبار. أما الموجة الثانية، والتي نحن بصدد الحديث عنها فتحركت خلال شهر أكتوبر، وبدأتها قناة “رجل الإمارات” الإلكترونية، لكن أكبر من روج لها هي صفحة “فجر العقل” التي نسجت علاقات قوية في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك. وهو ما يفيد بأننا أمام عملية اختراق يرجح أن تكون المخابرات الإسرائيلية خلفها.

الثامن: لم يسعف البحث في الوقوف عن مصدر الدبلجة، فالنسخ المدبلجة الرائجة لا تختلف سوى على مستوى العنوان، إذ تنفرد صفحة “فجر العقل” كما أشرنا إلى ذلك بعنوان أكثر إثارة. لكن المستوى الجيد للدبلجة يؤكد وجود رغبة في نقل مضامين الشريط الذي يعزز فكرة “إسرائيل العظمى” إلى القارئ العربي، سواء من باب تعزيز الاختراق الفكري والنفسي، أو من باب الحرب النفسية على أعداء “إسرائيل”، وهو ما يرجح فرضية وقوف المخابرات الصهيونية خلف الموجة الثانية من ترويج كلمة “نتنياهو”.

التاسع: صفحة “فجر العقل”، كما سبقت الإشارة، نجحت في ترويج كلمة نتنياهو التي قدم فيها “إسرائيل” على أنها قوة تقود العالم باللعب على العنوان، والفرق بين الأمرين واضح، فكلمة تقود لن تثير القارئ العربي الرافض لإسرائيل، لكن كلمة تغزو تحمل إثارة ستدفع كثيرين، وخاصة الإسلاميون وغيرهم ممن يعارضون السياسة الإسرائيلية إلى استهلاك مضمون “الفيديو” بحثا عن فهم كيف تغزو إسرائيل العالم؟.

وهكذا نجد أننا في الواقع نروج بيننا “فيديو” يخدم إسرائيل على المدى البعيد، من خلال حملة ذكية يرجح أن تكون خلفها المخابرات الصهيونية وعملاؤها، ونساهم بغير وعي في إنجاح الاختراق اللاشعوري الصهيوني. وهذا يؤكد ظاهرة سبق أن تناولناها بمناسبة ترويج بعض الإسلاميين لـ”فيديو” حول كلمة خبيرة غربية تنتقد الإسلام عكس ما يخبر به العنوان. وفي الحالة التي نحن بصددها نجد أيضا عملية ترويج مجانية لكلمة نتنياهو الذي لا يتردد كثيرون ممن انخرطوا في ترويج كلمته فينعته بالعدو والجزار والقتال والمجرم…

إن الحالة التي قمنا بدراستها بشكل مقتضب تضعنا أمام أحد أخطر السلوكات المدمرة التي تنتشر بين مستهلكي المضامين الرائجة على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يمكن للشخص أن يقع في فخ ترويج مضامين تكون ضده أو ضد وطنه وقيمه دون علم. وقد أكدت بعض الدراسات أن رواد شبكات التواصل الاجتماعي ينخرطون في نشر التضليل من غير وعي منهم، بسبب عادات “إعادة النشر التلقائي” أحيانا حتى دون الاطلاع على المضمون. وهذه الحقيقة من العناصر الأساسية التي يراهن عليها المتلاعبون بالرأي العام، لأهداف سياسية أو إيديولوجية أو استخباراتية، كما يراهن عليها الساعون إلى توسيع قاعدة المعجبين والمتفاعلين مع ما ينشرون لأهداف نفعية مادية أو معنوية.

فمتى يرتقي سلوكنا في منصات التواصل الاجتماعي ونتوب من عادة التوزيع الآلي لكل ما يقع بين أيدينا؟.

‫تعليقات الزوار

1
  • محمد
    الأربعاء 31 أكتوبر 2018 - 09:13

    للاسف ما جاء في الفيديو من معلومات صحيح، وهو يظهر ان اسرائيل انما تتفوق علينا بالعلم وأن العرب يتأخرون بالجهل. هم "أهل كتاب" وعلاقتهم بالعلم والكتب واضحة، ونحن أمة إقرأ ولا يجمعنا بالقراء" إلا الاحسان".
    لا أرى في ترويجه لفضح واقعنا البئيس أي بأس، رغم أني أعبر إسرائيل عدوا غاصبا مصيره طال الزمن أو قصر الزوال.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة