خريبكة: هي ليست تحت الأَرض فقط .. إِنها فوقها كذلك

خريبكة: هي ليست تحت الأَرض فقط .. إِنها فوقها كذلك
السبت 15 شتنبر 2018 - 18:28

كلُّ المؤشرات، وخاصّةً منها الاقتصاديّة، تُشير إِلى أن خريبكة تملك كل المؤهلات التي تجعل منها عاصمة عالمية للفوسفاط تساهم في ضمان الأمن الغذائي العالمي، وتتوفر على إمكانيّات ماليّة محترمة (غلاف الأجور الذي توزعه مجموعة الفوسفاط وتحويلات أبناء خريبكة بالمهجر…) تمدها بقوة شرائيّة واستهلاكية هامّة من شأنها أن تَسْتلفِتَ الأنْظار وتَجْتَذِب الاستثمار…

هو صحيح كذلك أن مدينة الغبار تعاني من اختلالات شتّى على مستوى الحكامة (غياب الكفاءات المنتجة للحلولِ والأفكار) وخاصّة تلك المرتبطة بالإنتاجات المتواضعة للديموقراطيّة العدديّة، وعلى مستوى الرؤية الاستراتيجيّة (غياب الوضوح والمشاريع الكبرى الكفيلة بتنويع الأنشطة وخلق فرص الشُّغل وتأْهيل المجال الحضري…).

بين المؤهلات والاختلالاتِ تظهر بعض الإضاءات لبعض الفاعلين وخاصّة على المستوى الاجتماعي… ونخصّ بالذِّكرِ هنا برامج المكتب الشريف للفوسفاط (تطوير بيئة ريادة الأعمال عبر “مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط” Fondation OCP و”خريبكة سكيلس”Khouribga Skils) ومشاريع المبادرة الوطنيّة للتنميّة البشريّة…

كما كان إحداثُ النَّقل الحضري بخريبكة شهادة حيَّة على نجاح كل المشاريع التي تساهم فيها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في إطار شبكة مع السلطات العمومية وفاعلين آخرين…

كما يجدر الذكر أن بين ثنايا هذه المؤهلات والاختلالات والإضاءات يعشش وضع يتسم باحتجاجِ بعض الفعالِيات واعتراضِ بعضِ الفئات على كل شيء تقريباً…

ومن حق المرء أن يتساءل عن أسباب ثقافة الاحتِجاج هذه… أهي نابعة من تمرُّد للفئة التي تُعاني بدرك الهرم الاقتصادي؟ أم هي موقف سياسي لفئات تحمل مظلُومياتٍ وتتوق إِلى العدالة الاجتماعية؟

أم هي ثقافة زرعتها وثمنتها المواقف من سياسة إدارة الفوسفاط التي تُوَاجَه على الدّوام بعدم الرضى والمحكوم عليها مسبقاً وفي كل الأحوال، عن حق أو بغير حقّ، بأنها لا تحترم “العقل الشَّعبي” ولا تستحضر مطالب الناس؟…

أم هي الطبيعة التقنية لالتِزامات مسؤولي الاستغلالياتِ المنجميّة تفرض التركيز على ما تحت الأرض وعدم الاكتراث بمن فوقها؟

أم هو الفرد، كيفما كان مستواه، يهوى التصرف بعواطفه ويصبح لا مسؤولا وسط الجموع فيحتَج ليرفع عن نفسيته ضغطاً توَلَّد عن الإحساس بالظلم؟

أم هي، في نهاية المطاف، من دواعي الاختلالات والرّداءة التي تفرض على المدينة “سياسات” لا تشبه انشغالات وهموم الساكنة ولا تستجيب لانتِظاراتها؟

هي تساؤلات من بين أُخرى كثيرة أشهد بِأنها تفرض نفسها ويستنشقها أهل خريبكةَ… مع الغُبار.

إنها استفسارات تحسيسيّة في اتجاه “النخبةِ” الغائبة والمُغيَّبة… وهي استفهامات موجَّهة إلى كل من يهمه أَمر المدينة من أَجل تدارك الفرص الاقتصادية قبل فوات الأوان…

وحتى يُأْخذ محتوى هذه السطور على محمل الجد كانَ لابد من الإتيان بما يفيد ويُجيز “قساوة” هذا الانتقاد… فحقّ لنا أن نطرح التساؤلات التالية:

هل من العدالة الاجتماعيةِ أن يهان أَهل عاصمة الفوسفاط باسم مدنيَّة الإِسمنت المسلحِ بالعشوائية ورداءة البانوراما ومعاش أدنى يرتكز على استرزاق اللَّقط؟

هل من “الحقِّ” أَن يُسمَح باكتساحِ الأرصفة واستِغلاِل الملك العمومي والتَّرخيص للأكشاك الحديدية وقتل جمالِية الفضاءات بدعوى “العدالة الاجتِماعية” وتحسينِ الموارد المالية؟ وما العدالة الاجتماعية يا ترى؟

هل من المدَنيةِ أَن يُسْتَمْلَكَ الرصيف كله… فيصير الراجلون عُرضة للعجلات… ويختل السير والجولان ويبكي الشَّهْبَنْدَرُ من سوء حظ الواجهات… ولا ينزعج المُختار؟ !

هل من الحقِّ أَن يُفرَض على سائقي “المدينة” تحمُّل السير خلف العربات المجرورة؟

هل من القانون أَن تسود “الشَّعبَوِيَّةُ” ويُترَك الحبل علَى غارب “العُرَّامِ” لِيتصرَّف على هوَاه إزاء الأَضواء الثلاثية؟

هل من المدَنية أَن تصير “المدينة” سوقاً قروِيَّة… “علَى حَدّْ الشُّوفْ”؟

هل من التحضّر أن تُستحدَث الأسوَاق خارج النَّواميس وكل المقاييس من أجل سوَاد عيون الكُتل المُسَوَّمَة… فتتحوَّل التجارةُ إلى حرفة من لا حرفة له… ويُرضِع المُختَار فَوْضاه عَلَّها تصِير خلَّاقَة… فتبدُو البدوِيَّة عاشقةُ الأَسواق مجالاً خصباً يُتيح رِبَا الأَرزاق في جنة السهل الممنوع.

هل من الحقِّ أن يهتمّ “المُخْتارُون” حصريّاً بِهَوَى الكُتل النَّاخبة؟ وهل من المسؤولية أن تغيب النخبة بكل تلاوينها؟

وهل؟… وهل؟… ثُّمّ أَلفُ هل؟… هي تساؤلات تجد بالتأْكيد أَجوبة لَها بينَ ثنايا التجهيزات والمشاريع الكبرى الغائبة عن “المدينة” وهوامشها القَروية…

يُحسبُ الباقي استخلاصه بالمليارات… لكن المُلزمينَ غيرُ مُلْزَمِين… فتُؤَجّل “المشارِيع” بدعوى شُحِّ الاعتمادات… فيُزهِر السِّدر بحُفر زُقاق “المنطقة الصناعية”… وَلا يُلزَم من صوتُه غال؟

يُرَصُّ اللَّبِنُ المُحرَقُ على ضوء النجوم في غفلة مِمَّن يرى النجم يسبَح في السماء ولَا يفضح العشوائي… فَيَتِمُّ إِعمار الأرض في غِيّاب المعايير… و يحمل الأعمى مطلَب الكهرباء والماء عَلَّهُ يرتدُّ بصيراً يوم الاستحقَاق…

أبابيل يحتل طير البداوة اقتصاديات “المدينة ” لِيُرَسِّخ طابعها القروي لأجل كراسي يأْتي بها تعطيل الوعي الجماعي واغتصاب جماليةِ الأرجاء وتفويت فرص الغِنَى العام.

بين “الحاكم” و”المُختار” ضاعت صيغة الشراكةِ بين الخاص والعامّ… وبين حب المضاربة العقاريّة وغيابِ الحسّ الاستراتيجي وبين عجز الديموقراطيّةِ العدديّة تمّت التضحيّة بجماليّة “المدينة”…

وبين الشّنآن الواضح بين مكوِّناتِ القائمينَ على الشَّأْن المحلي يصير الاستثناء قاعدة تغيب عنها المصلحة العامّة…

يُغَيَّبُ الاقتصادي… لِيركب السِياسي على صهوة الاجتِماعي… فتُردّد الأرض صداها في خَباياها مُحتجّة ضد “التحكُّم” و”التمكُّن” … ومُتسائلةً: إلى متى أيتها القرية الكبرى؟

*باحث اقتصادي وفاعل جمعوي

‫تعليقات الزوار

4
  • Mehdi
    السبت 15 شتنبر 2018 - 19:20

    خريبكة قد ماتت منذ زمن .. يستخرج من أرضها الملايير ولا ندري أين تدهب كل هده الأموال ! هدا سؤال يحيرني؟ …. لكن الحمد لله على نعمة الموت لن نسامحكم إلى يوم الدين

  • احمد الخريبكي
    السبت 15 شتنبر 2018 - 20:21

    يتساءل البعض علاش خريبكة راجعة اللور ومحاصرة؟
    الجواب: في الستينات كانت "اتحادية" يعني تابعة للاتحاء الاشتراكي للقوات الاشعبية ومن بعد اصبحت في يد حزب العدالة بلا تنمية
    خريبكة غنية بمواردها وجبايتها وجميع الاحزاب تريد "الكعكة" فهي محاصرة ان لم تتغير اراء الساكنة

  • Mounir
    السبت 15 شتنبر 2018 - 20:58

    Salam, je suis d'accord en grande partie avec votre analyse. Khouribga n'a jamais connu de vrai stratèges capables de gérer cette ville et de profiter de ses atouts, et Dieu sait ils sont nombreux. Malgré tout ça on garde toujours espoir et Khouribga reste Toujours dans mon cœur .

  • اعيدو تشغيل الفرنسيين
    الأحد 16 شتنبر 2018 - 21:34

    بعد قوانين المغربة بداية السبعينيات غادررجال الاعمال والمهندسون والاطباء الفرنسيون واغلقت الكنيسة ابوابها.عشرسنوات بعد ذلك انهارمستوى الخدمات الصحية وتحولت ثانوية ابن ياسين من مركزاشعاع تربوي الى الفوضى العارمة .التجارة اصبحت فوق الارصفة وفي منتصف الطرق.فرق كرة اليد والسلة والطاءرة والمستطيلة كلها غادرت القسم الاول .الجودو والدراجات في خبركان.الم يحن الوقت لاعادة ادخال الفرنسيين بهندسة الفوسفاط والتعليم والصحة والرياضة؟

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين