السلطانُ والمهرجُ ورؤوسُ الصغار...؟

السلطانُ والمهرجُ ورؤوسُ الصغار...؟
الجمعة 14 شتنبر 2018 - 07:52

حكاياتُ المهرجِ والملك، أو قصصُ الملكِ والمهرج، ليستْ جديدةً أبداً…!؟

إن عددَ خرجاتِ المهرجِ عندنا، كلما فاضَ عن لسانِ الملك قولُ في التعليم، أو عن التعليم، أو بجوارِ التربيةِ والتعليم… يؤكدُ استمرارَ تدفقِ هذه الحكايات، وكذا التوالدَ المتواصلَ لمهنةِ المهرجِ في تاريخنا المعاصر…!

بهذه المناسبةِ فقط، والسيد عيوش شاهداً، تحضرني واحدةً من أجملِ حكاياتِ المهرجِ والملك أو من قصصِ الملكِ والمهرجِ، سوف أرويها لكم ولكن، على سبيلِ التوطئةِ وتعديلِ المزاج:

في غابرِ الزمن، وقبل أنْ تصيرَ مهنةُ المهرجِ في متناولِ مَنْ هَب ودَب من الدخلاء، يُحكى أن الملكَ قد خرجَ يوماً، متخفياً متفقداً أحوالَ الناس، فطافَ أرجاءَ العاصمةِ، ورأى بأم عينيه أصنافَ معاناةِ الناس وحجمَ تدهورِ أحوالِ البلد، ثم تألم ألماً شديداً لما رأى ولما سمع…؟

وحين استلقى الملكُ في آخرِ المساءِ فوق فراشه المريحِ في قصره، أحس بالعياءِ وشعرَ بالوجعِ ينغُلُ شديداً في جسده وروحه من أخمصِ قدميه، وذلك من سوءِ حالِ الطرق ومن كثرةِ ما مشى، فنادى على المهرج، شاكياً له حالَ رِجليْه، ثم طالبه بأنْ تُستصدرَ التعليماتُ والأوامرُ باسمه، كي تُفرشَ بالجلدِ المريحِ كل شوارعِ وطرقِ وأزقةِ المدينة، حتى إنْ خرجَ في الغدِ لاستكمالِ تفقدِ أحوالِ الناس، سلِمتْ قدماه من أوجاعِ الألمِ والعياء…

قال كبيرُ البَصاصين ومَنْ معه؛ مِنَ الآن نحولُ كل شبرٍ في العاصمةِ وغيرِ العاصمة، جلداً ناعماً مرصوصاً، يا أيها السلطان العظيم، ثم انصرفواْ للتنفيذ… أما مهرجُ السلطان، فقد ظل صامتاً بعضَ الوقت، ثم قال للملك؛ لماذا لا نكتفي بوضعِ الجلدِ في قدميك، وكفى المملكة شر الجلدِ والتجليدِ والمُجلدين…؟

راقتِ الفكرةُ الملكَ كثيراً، فوضعواْ الجلدَ على رجليه وطافَ العاصمةَ وكل البلد، بلا وجع… وفورَ عودته للقصر، علمَ أن كل الناسِ قد فعلواْ مثله… ويُقالُ فيما يُقال، أن اختراعَ الحذاء قد بدأ من هنا… وأن الحكمةَ في أنْ يبدأَ الحاكمُ من إصلاحِ نفسه، فيصيرَ قدوةَ لكل الناس، قد انطلقتْ من هنا أيضاً…

آنذاك، كان المهرجُ أصيلاً، يقدرُ حجمَ وثقلَ المهامِ الملقاةِ على عاتقه، يُرَوقُ مزاجَ الحاكمِ… وإنْ اضطر لإسداءِ النصحِ مرةً، جاءتِ النصيحةُ حباً في الملك وحباً في إصلاحِ أحوالِ الناسِ والبلاد، كي يظل الملكُ عادلاً حصيفاً محبوباً في سجل التاريخِ وذاكرةِ وطنه وشعبه… بيد أن الأمرَ يبدو اليوم، في زمنِ التطفلِ والمتطفلين والطفيليين، كما لو أن يدَ الردةِ والرداءةِ قد امتدتْ لتطالَ كل شيء، بما في ذلك مهنة مهرجِ الملك المنقرضة…!؟

ولعل حالُ التعليمِ عندنا، وقد صارَ تاريخه تاريخَ أزماتٍ أو تأزيماتٍ منذ الاستقلال، لم يعدْ يحتمل لا خردةَ العطار ولا مقصَ الحجام ولا دارجةَ المهرجِ أيضاً…

إن القسطَ الأعظمَ من مشكلِ التعليمِ ببلادنا يوجد في محيطه، والقسطُ الباقي يوجدُ في السياساتِ والاختياراتِ وفي المنهاجِ أيضاً.. أما بخصوصِ مسألةِ اللغاتِ عموماً وقضايا لغةِ تدريسِ العلومِ خصوصاً، فالتركيزُ عليها بمعزلٍ عن التوجه لإصلاحِ محيطِ التربيةِ والتعليم واستصلاحِ السياساتِ والاختياراتِ والمنهاجِ أيضاً، فكمثلِ مَنْ يحرثُ بالدجاجةِ، إنْ تُركتْ نَقبتِ الزرع، وإنْ ضُربتْ ماتتْ…!؟

لا أريدُ هنا، لا رأس العطار، ولا رأسَ الحجام أو المهرجِ مثلاً… سيما، وأننا قد تعبنا من خردواتِ فرنسا والتبعيةِ العمياء وغيرها، ومن نشاطِ مقص الحجامِ على رؤوسِ اليتامى، ومن دوارجِ المهرجِ المعاصر وخرجاته المسمومة…!؟

ولنا أنْ نتساءل، هنا والآن، على سبيلِ الافتراضِ فقط؛ ماذا كان سيحصل لو نَحا ملكُ ذاك الزمان منحَى فرشِ الطرقاتِ والأزقةِ جلداً رحمةً بكعبيه، عوض أنْ يكتفي بوضعِ الجلدِ على أخمصِ قدميه…؟ ألنْ يكونَ المصيرُ ساخراً وشبيهاً بمآلِ الدعوةِ إلى فرشِ مسالكِ تعليمنا بالدوارجِ، عربيةً أو أمازيغيةً كانتْ، وذلك في سياقِ محاولاتِ إرجاعِ البلادِ والعبادِ إلى عهودِ ما قبل ظهورِ اللغة والأبجدية على حد سواء…؟ وأيضاً في إطارِ ما يريده العطارون والحجامون القدامى والمهرجون المُحْدثون لتعليمنا وللبلدِ كله، من إغراقِ الغريق أو الإلهاءِ عن إنقادِ الغريق…!؟

على المحيطِ أنْ ينفتحَ على التعليمِ، وليس العكس… على الإصلاحِ الحقيقي العميقِ أنْ يمتد لأعماقِ هذا المحيط ولمعالجةِ أسبابِ الداء عوض الأعراض… وإلى إصلاحَ واستصلاحَ مفاصل الدولة والمجتمع، قبل كل شيءٍ وأي شيء… ولحظتئذٍ فقط قد تنبثقُ أسئلةُ تعليمنا الحقيقية، أما والحالُ على ما هو عليه، فيُرجى أنْ يُتركَ تعليمنا على ما هو عليه (…)، ذلك أن حالَ هذا التعليمِ ليس سيئاً أو سوداوياً كما قد نتصور… لكن حال هذا المحيط، أعني حالَ محيطِ التعليمِ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، ليس أبداً على أحسنِ ما يُرام…!؟

‫تعليقات الزوار

7
  • non au barah
    الجمعة 14 شتنبر 2018 - 11:41

    des milliards et des milliards de dh ont été dépensé par l'état pour former les cadres dans les langues structurées, l'arabe fousha et la langue française,par exemple la formation d'un médecin coûte plus de 150 millions de cts,
    et voilà le publicitaire barah ,payé par le makhzen qui veut retourner en arrière en imposant la darija à l'école,
    pourquoi les oulamas ,exigeants,de leurs étudiants dans leurs formations en langue arabe,gardent le silence devant le barah Ayouch qui veut annuler l'apprentissage de la langue arabe enracinée depuis 10 siècles dans notre pays,
    alors le réveil s'impose, c'est un devoir national pour dire non et niet au mouharije Ayouch ,
    la médiocrité de Ayouche doit être effacée une fois pour toutes

  • عبد الرحيم فتح الخير
    الجمعة 14 شتنبر 2018 - 12:08

    الثورة التعليمية ليست التطبيع مع التدريج ، ومحاولة الإرتقاء به باعتباره مكونا من مكونات الهوية المغربية . فتلك معركة لانفع يرجى منها ، ومجرد إلهاء وهدر للطاقات . الإرتقاء الحقيقي هو القطيعة مع التعليم التقليدي ، وصياغة نظام جديد . تعليم بمثابة تكوين إجباري عن طريق دمج تعلم المهن مع اكتساب اللغة في نفس الآن ، تلقين منتج ومقررات حية مسايرة لروح العصر ، تعلم الأطفال فنون الطبخ والفلاحة والملاحة والميكانيك مقررات تصالح التلميذ مع ذاته منذ نعومة أظافره . كفى من قصص الثعلب المكار والأرنب الكسول .

  • ارتقوا فالأسفل مزدحم
    الجمعة 14 شتنبر 2018 - 15:09

    أطفال اليوم ليسوا أطفال الستينيات كنا نلج الصف الأول الدارسي ونحن في السابعة ونحن نجد صعوبة في العد من واحد لعشرة كنا أبناء أميين تركوا كل أمور تعليمنا للمسيد والمعلم الآن اختلف الوضع تماما فكل الآباء يجيدون القراءة والكتابة ويجيدون أكثر من لغة أبناء اليوم يعايشون التكنلوجيا من سنتهم الأولى ويتعلمون اللغات الأجنبية من سن الثالثة وبالتالي وجب أن تساير المقررات الدراسية هذا الواقع كفى من قصص العفريت النفريت والطفل الذي يرفض أكل البطاطس نريد ثورة تعليمية حقيقة نريد القطيعة مع التعريب نريد لأبنائنا تربية تواكب عصر ما بعد عصر الحكواتي .

  • moussa ibn noussair
    الجمعة 14 شتنبر 2018 - 16:25

    إلى رقم 3

    تقول في تعليقك ما يلي: (( نريد ثورة تعليمية حقيقة، نريد القطيعة مع التعريب..)).

    إذن، طبقا لتعليقك، الهدف هو القطيعة مع التعريب، بعبارة أوضح، ضرب العربية ومن بعدها الإسلام واجتثاثهما من المغرب، لاستنبات التمزيغ والتفرنيس والوثنية العرقية بدلا عنهما، هذا المخطط المقصود وليس شيئا آخر.

    الوضوح جيد. مرة أخرى أشكرك عليه، حتى إن كان وضوحك نابعا من بلادتك المفرطة يا رفيق وعزي المسعور..

  • هارب من الحجيم
    الجمعة 14 شتنبر 2018 - 17:10

    إلى (موسى) أولا العربية ليست لغة القرآن لوحده فقتله كانت لسان العرب ولغة المعلقات بالتالي يبقى القول بقداستها مجرد حيلة لاتنطلي إلا على السذاج من العوام ثم إن الإسلام كإديولوجية قادر على حماية نفسه إن كان مواكبا للعصر ولاحظوظ له إن رأت القاعدة ( المثقفة ) أنه لايواكب العصر فلا تكن غبيا وتدافع فقط من باب الدفاع.

  • ahmed
    الجمعة 14 شتنبر 2018 - 17:51

    دائما ابدا الملك سيد رقعة الشطرنج المحتوية توابع تدافع و ان كانت القصة حكاية فالشطرنج لعبة لا ككل اللعب l…l بمعنى قضية التدريس ما هي قضية تهريج في الاصل حتى نمهد بهذا لذاك

  • الرياحي
    الجمعة 14 شتنبر 2018 - 20:01

    مقال جيد وقصة رائعة بل هي خريطة الطريق ومنهج لمن يأخد العبرة و لكل من يزعم الإصلاح .التربية بالمثل وليس بالتهريج والهروب ودون ذلك كلام الليل والمقاهي وملئ الفراغ .التعليم لا يصلح عن معزل لأنه فقط وجه من وجوه المجتمع وإصلاحه كمادة خام عبث ومضيعة للفلوس والوقت.
    الجندي لا يموت من أجل الوطن بل من أجل قائده وإن كان قائده نصاب جبان تركه لمصيره إن لم يطعنه من الخلف وهرب.لما يكن المثل سيئ لص جبان نصاب "حكار" مبتذل ماكر غشاش مفترس فلا تحلم صديقي محمد
    مودتي

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز