خطاب المسؤولية

خطاب المسؤولية
الثلاثاء 31 يوليوز 2018 - 23:41

أثلج صدري كثيرا خطاب العرش، الذي استطاع أن ينفذ إلى لب الأزمة التي نعيشها حاليا خاصة في شقها الاجتماعي، فكان أحسن جواب لمن كان بالأمس من موقعه الحكومي ينكر وجود أزمة أصلا.

فمن خلال خطاب العرش يكون جلالة الملك قد وضع بين أيدينا تصورا شموليا حول أزمة اجتماعية بكل مكوناتها وتركيبتها، من فشل التعليم إلى الواقع المرير لقطاع الصحة، مرورا بسوء الخدمات الاجتماعية واضطراب أسس الاقتصاد الاجتماعي، فطرح أسئلة محورية حول هذا الموضوع، وتجاوزها إلى تقديم بعض من الحلول وكثير من التوجيهات، وهذا يؤكد أن لجلالة الملك إلماما شاملا واطلاعا دقيقا بمتطلبات الوضع الاجتماعي بكل تجلياتها.

فهذا الخطاب، بقدر ما هو خطاب مسؤولية فهو أيضا إدانة فعلية لعجز الحكومة عن مواجهة ملف يدخل في صميم وظيفتها، وأبانت عن عجز كبير عند التعامل معه، سواء بضعفها في ابتكار أفكار جديدة للنهوض به، أو بسبب إفشال الحوار الاجتماعي، أو كذلك بسوء تدبيره لتفرع مصادر إدارته.

لكن دعونا نتجاوز عجز الحكومة حتى لا نحاكمها من خلال هذا الخطاب، ولنكون عمليين، علينا أن ندرك حكومة وبرلمانا، أغلبية ومعارضة، أن جلالة الملك فتح ملفات واضحة، ومن خلالها وضع بين أيدينا جدول أعمال دقيق، يفرض علينا التعامل مع مضمونه بشجاعة سياسية ونزاهة فكرية، ولاسيما دعوته إلى وضع ميثاق جديد للاستثمار، وما يفرضه ذلك الورش من ضرورة الخروج من منطق التفكير الفئوي الحزبي والحسابات السياسية أو الرأسمالية الضيقة، إلى التفكير لفائدة الجميع من أجل الرفع من مستوى الاقتصاد الوطني.

فالملف اليوم موضوع ليس على عاتق المشرعين والحكومة فقط، ولكن يقع كذلك على عاتق الرأسمال الوطني الذي عليه أن يساهم بدوره في تنزيل هذا الميثاق والمساهمة الفكرية والعملية لإنجاحه بحس وطني.

كما طرح جلالة الملك من جهة أخرى موضوعا لا يقل أهمية عن الملفات السابقة، وهو ميثاق اللاتركيز الإداري، فهذا الملف يتطلب جهدا تشريعيا وإداريا، حتى يكون رافعا لمشروع الجهوية المتقدمة، و حسن تدبير الجماعات وباقي المؤسسات الترابية وغير الترابية أثناء إدارة الشأن العام، بل آنذاك سيعطي المدلول الحقيقي لذلك المبدأ الدستوري الذي نردده كثيرا والكامن في ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وإذا كان الشباب من بين القضايا التي طرحها جلالة الملك في خطاب العرش، فإنه ربطها بدور الأحزاب للاهتمام بهذه الشريحة، من خلال إعادة النظر في تعاملها مع الشباب وقضاياه، بتأهيلهم بعيدا عن منطق الريع والمحسوبية، وإعطاءهم الفرصة للمساهمة في النقاش السياسي والمجتمعي، وذلك لخلق أطر كفأة تكون في مستوى الائتمان على المستقبل وعلى إدارة الشأن العام مستقبلا.

إن الخطاب حمل مجموعة من القضايا والأفكار، ستكون لا محالة إطارا لنقاش برلماني جدي، ومواضيع هامة تقتضي التحليل والإبداع أثناء التنزيل، من خلال نقاش سياسي ومؤسساتي، واضح ومسؤول، نزيه ومبتكر يساهم فيه الجميع، وذلك كله يخلق لدينا آمالا كبيرة في أن يكون فاتحة خير لقرارات كبرى، تعيد لهذا البلد طمأنينته وانسجامه، وتعزز من قدرته على تجاوز الأزمات، وما اختيار مدينة الحسيمة لتوجيه هذا الخطاب إلا بشارة خير لنتائج فعالة مستقبلا، قد تعيد الفرحة في القريب إلى قلوب الكثيرين من أهلها بناء على نقد ذاتي اعتبره جلالة الملك فضيلة وظاهرة صحية. لذلك فهذا الخطاب بما وضعه من تحديات كبرى، وما حمله من آمال عريضة لا يمكن أن يوصف من حيث موضوعه وموقع إلقائه إلا بخطاب المسؤولية، مسؤولية الجميع.

‫تعليقات الزوار

3
  • M. KACEMI
    الأربعاء 1 غشت 2018 - 00:40

    ".,.فكان أحسن جواب لمن كان بالأمس من موقعه الحكومي ينكر وجود أزمة أصلا."
    آسف أستاذي ومع احترامي لك، إلا أني أرى أن كلامك هذا لا يتناغم مع روح خطاب العرش الذي دعا إلى الترفع عن واقع تصفية الحسابات ما بين الأحزاب والذهاب عوض ذلك سويا نحو خدمة الوطن وقضاياه
    أنا لا أدافع عن الطرف الآخر، فقد يقوم بنفس الشيء. أنا فقط أتأسف لكون خدمتنا كمجتمع ليست بعد الهاحس الأكبر لأحزابنا

  • موحند
    الأربعاء 1 غشت 2018 - 09:09

    خطاب الملك لم يأتي بجديد.
    الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يتخبط فيها الشعب المغربي معروفة وأسباب الأزمات كذالك معروفة والحلول للخروج من تلك الأزمات كذالك معروفة. ولكن المسؤولون في جميع المؤسسات ليست لديهم إرادة حقيقية للتغيير ولا يتحملو مسؤوليتهم الدستورية والأخلاقية والتاريخية. وفي حالة إثبات عدم تحمل المسؤولية أو فساد أو اختلاس أموال عمومية من طرف المسؤولين لا يخضعون للمحاسبة وهذا ما حدث مع خالد عليوة وهذا هو المشكل العويص. القضاء يحكم فقط على نشطاء حراك الريف وزاكورة وجرادة والحقوقيون والصحفيون والمحامون. وهل هذا يثلج الصدر؟ إضافة إلى هذا متى سيقطع الأحزاب مع الانتظارية وسلوك القاصرين؟
    اين افكاركم وبرامجكم لحل الازمات ومشاكل الشعب؟ لماذا تركتم الأزمة في الحسيمة وجرادة تكبر لتصل إلى الأحكام القضائية الظالمة؟ وكفى من النفاق وتحملو مسؤوليتكم لان التاريخ لا يرحم.

  • ع الجوهري
    الخميس 2 غشت 2018 - 16:45

    وهل هناك سياسي مغربي له صدر ساخن فكلكم صدوركم مثلجة و بمذاق الفراولة نحن المواطنين هم من صدورهم وصلت لدرجات حرارة مرتفعة جدا بسبب ازدواجية التسيير المهم السي وهبي مبروك عليك الثلج les glacens

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب