المثالية والواقعية في الصداقة والسياسة

المثالية والواقعية في الصداقة والسياسة
الأحد 22 يوليوز 2018 - 08:43

عالم الصداقة كعالم السياسة متنوع ومنزلقاته كثيرة؛ لذا يجب التعامل مع من تعتبرهم أصدقاء بحذر حتى لا يتم طعنك من الخلف كما تتعامل بحذر مع السياسة التي يقال عنها إنها لا تعرف صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، بل مصالح دائمة، ومن يشتغل فيها قد يرتقي إلى أعلى المواقع وقد تؤدي به إلى مهاوي الردى.

لا نروم من مقالنا هذا الحديث عن الصداقة كظاهرة إنسانية اجتماعية أو عن السياسة بمجالها التخصصي الدقيق، بل عن العلاقة بين الصداقة والسياسة، أو بشكل أوضح هل يمكن إقامة صداقة سياسية منفصلة عن الصداقة الإنسانية الاجتماعية أو العكس؟ وهل الإعجاب والتوافق في المواقف السياسية يؤدي إلى صداقة إنسانية اجتماعية؟ وما هو مفهوم الصداقة وضروبها؟

نسمع كثيرا شخصا يشتكي من خيانة صديق أو تفاجئه بسلوك اجتماعي أو سياسي صادم وغير متوقع من شخص يعتبره صديقا، وفي كثير من الحالات، فإن المشتكين أو المصدومين من خيانة الأصدقاء يتميزون بشخصية اجتماعية رومانسية في علاقاتهم الاجتماعية ورؤية مثالية طهرية للحياة السياسية، هذه الرومانسية والمثالية إن تجاوزت حدها تكون متعبة لصاحبها حيث سيجد واقع الحياة الاجتماعية والسياسية يتعارض مع مبتغاه، مما قد يُوصله إلى حالة احباط واغتراب، ومتعبة لأصدقائه حيث اختلافهم معه قد يعرضهم من طرفه لتهمة الخيانة.

كما في عالم السياسة، هكذا هي المثالية والواقعية في عالم الصداقة. الأشخاص المثاليون والنرجسيون سيعانون في علاقاتهم الاجتماعية كما سيعانون في حياتهم السياسية، هؤلاء ما كانوا ليصدمهم الواقع لو تحلوا ببعض الواقعية واطلعوا على واقع العلاقات الاجتماعية بين الأفراد وعلى تاريخ العلاقات الدولية وتجارب الشعوب وتقلبات الأحداث وقصص الأولين، كقصة يوليوس قيصر في القرن الأول قبل الميلاد عندما خانه صديقه الوفي بروتوس وقال يوليوس قيصر مقولته الشهيرة “حتى أنت يا بروتس”، ووقائع كثيرة غيرها.

القول بعلاقات صداقة بين دولتين لا يعني أن تفرط إحداهما بمصالحها القومية من أجل الدولة الصديقة، الأمر نفسه ينطبق على علاقات الصداقة السياسية بين الأشخاص، فتوافق أشخاص عدة في الرؤية والمواقف السياسية لا يؤسس بالضرورة لعلاقة صداقة إنسانية اجتماعية، مثلا توافق أبناء الحزب الواحد في الرؤية والموقف وحتى في خندق النضال، لا يؤسس بالضرورة لصداقة اجتماعية بين أبناء الحزب؛ فالصداقة التي تقوم على هذا الأساس فقط لا تدوم حيث تخضع لتقلبات السياسة، وأحيانا يكون العداء بين المنتمين للحزب نفسه أو الأيدولوجيا ذاتها أشد ضراوة مما هو مع الذين يخالفونهم الرأي والعقيدة.

لذا، كما في علاقات الدول، فأيضا في بعض مراحل العلاقة في الصداقات السياسية للأفراد، قد تتصادم المصالح وتنتقل من الصداقة إلى الفتور، وربما العداء.

وبالعودة إلى مفهوم وضروب الصداقة، فإن الصداقة كعلاقة إنسانية اجتماعية مفهوم ملتبس؛ حيث تتداخل مشاعر الحب والإعجاب مع أحاسيس بالراحة النفسية تجاه شخص ما مع علاقات الزمالة مع المصالح والحاجة المشتركة الخ. ومما نسمعه ونشاهده من تجارب الآخرين، يمكن تصنيف الصداقات كما يلي:

1. الصديق الخل الوفي، وهي أرقى أنواع الصداقة حيث لا تحكمها المصالح أو التوافق السياسي، وفيها يضحي الصديق من أجل صديقه، وهذا النوع من الأصدقاء يستمر صديقا حتى لو تخلى عنك الآخرون، ويٌقال إن هذه الصداقة نادرة.

2. صديق زمالة العمل، تختلف الزمالة عن الصداقة، ولكن المشاركة في نفس العمل والمكان لفترة من الوقت قد تؤدي إلى اكتشاف جوانب من شخصية الزميل يمكن أن تؤسس لصداقة تدوم بعد العمل.

3. الصديق المتعالي أو الصداقة الفوقية، حيث بعض الأشخاص من الطبقات أو النخب العليا يعنيهم أن يؤسسوا “صداقات” مع أشخاص أدنى منهم للظهور أمام الناس بأنهم متواضعون وشعبيون، إلا أن هذه الصداقة مخادعة حيث يتعامل الأولون باستعلاء مع الآخرين، وهو شكل من أشكال النفاق.

4. الصديق طالب القُرب، وهذه الصداقة عكس الأولى حيث يسعى البعض إلى التقرب من ذوي المناصب ووجهاء القوم والزعم بأنهم أصدقاء، وذلك كشكل من أشكال الحماية ولإيهام أنفسهم وذويهم بأنهم أيضا كِبار ومهمون.

5. الصديق المُخبر، وهو الذي يسعى إلى التقرب من بعض الشخصيات والتظاهر بصداقتهم من خلال بعض القواسم المشتركة أو بالنفاق والتزلف لكسب ثقتهم والحصول على معلومات لصالح طرف ثالث يكلفه بهذه المهمة.

6. صديق المصادفة أو الصداقة العابرة، وهي مؤقتة وقد تؤسِس لصداقة دائمة، وتحدث أثناء السفر أو في مؤتمر أو بعد مشكلة عابرة.

7. “صُحبة الكأس”، فهناك أشخاص يختلفون في ما بينهم في مشاربهم السياسية والاجتماعية ولكن تزول كل الاختلافات في جلسات خاصة في بار أو مقهى أو في البيت، وهذه الصداقة قد تكون عابرة وعمرها بعمر جلسة الكأس وقد تؤسِس لصداقة دائمة.

8. صداقة السجن، ويقال إنها من أقوى الصداقات، وخصوصا عندما تمتد زمالة الزنزانة الواحدة لفترة طويلة.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

3
  • hamidoo
    الأحد 22 يوليوز 2018 - 09:25

    هذا المقال ينطبق على المجتمعات المتخلفة التي تتخبط في الجهل
    هذه المجتعات حتما يكون حاكمها دكتاتور يستعمل الديماغوجية ربما قد يفلح هذا الحاكم في تاهيل المجتمع الجاهل اذا استعمل سلتطه في التعليم ولو كان عن طريق الخطئ وهذا قليل ما يحدث
    السياسة في المجتمعات الواعية بوجودها لا تتناقض مع حرية الفرد وحرية المجتمع يعبر على طموحاته بدون خوف وبدون تراجع عن مواقفه
    اذا السياسة نعمة المجتمعات المتحررة ونقمة على الشعوب الجاهلة التي لا تعرف ما معنى التحرر لذا اتوماتكيا يكون اذكاهم مستبد يحق له التحكم فيهم كالدواب

  • Smithf846
    الأحد 22 يوليوز 2018 - 11:22

    you use disallowed a designer to make the style? Superb vocation! dagaakdedffgbbab

  • ياسين الحديدي
    الإثنين 23 يوليوز 2018 - 11:09

    تحية للدكتور ابراهيم المحترم

    كتبت وحللت مفهوم الصداقة علي مستوي الدول والافراد الدول اقرار عام المصالح تتحكم الافراد اندثرت تقريبا اصبحت وباء تجلب لك وجع الراس واصبحت الصعوبة ان اجد اويجد الاخر صداقة امينة وصادقة لوجه الله تحول الجميع تقريبا الي العلاقات القائمة علي المصالح حتي في الاسرة الواحدة من الصعوبة ان تقرر الصديق في هذا الزمن الصعب ومن الصعب ان تعرف من الذي يودك فعلا ون ظاهره حب وداخله حقد وكره بوركت علي هذا المقال الجميل في زمن ينهش بعضنا البعض من اجل ان يحيي ويموت الغير والعودة الي بيت شعر ابافراس الحمداني اذا مت ظمأنا فلانزل القطر تحياتي من كركوك العراق الي المغرب الدار البيضاء وساكنيها وكل اهلها ومدنها

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 5

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال