الدراما المغربية خارج تصنيف "ماروك ميتري" الأخير

الدراما المغربية خارج تصنيف "ماروك ميتري" الأخير
الخميس 19 أبريل 2018 - 19:33

بعيدا عن النقد الإيديولوجي لموضوع الفن السينمائي والمسلسلات التلفزيونية، وبعيدا عن مناوشات اليمين واليسار، وبعيدا عن مناوشات المحافظة والتحرر، وبعيدا عن نظافته أو هبوطه، وبين التزامه أو تحلله من كل الأزرار.. بعيدا عن كل هذا وغيره، نتساءل حول موقع الدراما المغربية في التقرير الأخير لـ”ماروك ميتري”، مقارنة بالدراما التركية.

ثم ما الجدوى من سهام النقد الموجهة نحو الدراما التركية من قبل بعض الأقلام، فهل نلوم أنفسنا أم نرمي الكرة في مرمى غيرنا؟.

نعيب زماننا والعيب فينا ** ما لزماننا عيب سوانا

الدراما التركية، سواء الخيالية منها، كالسلسلة التي تجاوزت حلقاتها الألف منذ مدة، وعمرت لسنوات، ولا أفق يبدو لنقطة نهايتها، ما خول لها الإشراف على تربية أجيال بشخوصها، وأحداثها الدرامية يتفاعل معها البسطاء من مختلف الأعمار، وعلى الخصوص أهالينا بالقرى النائية والأحياء الهامشية. والكارثة أن الأطفال بالمدارس تجدهم لا يميزون بين اللام وعكاز الأعمى، لكن بمجرد أن تفتح لهم المجال بخصوص هذه السلسلة تنحل عقد ألسنتهم، لتتطرق للتفاصيل المملة كسلسلة “سامحيني” التي استحوذت إحدى حلقاتها على ثمانية ملايين مشاهد مغربي، حول تعلق هذا بزوجة ذاك من العائلة الأخرى، وعشق هذه لذاك، وانتحار هذا بسبب حرمانه من تلك، وإنجاب هذا الطفل من زوج أخرى.. وهكذا دواليك..دوامة لا تنتهي، ما جعلها حسب بعض الدراسات تدخل ضمن الروافد المزودة لنسبة الطلاق ببلادنا؛ فضلا عما تروج له من تقاليد وعادات تهم أفراحهم وأتراحهم، وطريقة لبسهم وعادات موائدهم. كل ذلك طبعا على حساب خصوصياتنا المجتمعية.

وكذا مسلسل “حب أعمى”، 5.6 ملايين مشاهد، الذي يحكي قصة حب مستحيلة، وسلسلة ” أمهات وبنات” بأكثر من 5 ملايين مشاهد؛ فما الذي تبقى للبرامج الوطنية على اختلافها؟

والطامة التي قصمت ظهر البعير لما تمت دبلجة هذه الأعمال إلى العامية المغربية، لسبب لا يخفى على عين أبسط متتبع. إنه مرتبط أساسا بضمان أكبر عدد من المشاهدة. فالتنافس على أشده حول مساحات الإشهار على القنوات الرئيسية، للترويج لسلعهم ولبضائعهم في وقت الذروة.

اليوم انضافت إلى هذه المسلسلات سلسلة تركية أخرى، هذه المرة تاريخية، (قيامة أرطغل) تتناول تأسيس الدولة العثمانية، بتقنيات عالية الجودة، تنافس كبريات الأستديوهات العالمية في فن التصوير والسيناريو والإخراج، واستطاعت أن تستقطب فئات عريضة من المجتمع المغربي والعربي عموما؛ ورصدت لها ميزانية ضخمة، واحتضنتها مؤسسة الرئاسة التركية نفسها، لدورها في تصالح المواطن التركي مع ذاته، وربطه بهويته، والاعتزاز بتاريخه وقوميته، مع الترويج لها خارج تركيا.. عشرات المحطات بأكثر من بلد، تعرضها على شاشاتها.

غريب أمرنا وعجيب، ففي وقت تنزل حكومتنا بكل ثقلها لمحاصرة السلع التركية برفع التكلفة الجمركية، بسبب اكتساحها للسوق المغربية، بوفرة منتجاتها، وبجودة نسبية، وبأثمان في متناول الطبقات الشعبية، هي تركيا نفسها التي نفتح لمنتجها الفني أبواب قنواتنا ونوافذها على مصراعيها، لتفعل فعلها في المجتمع بكل فئاته.

المغرب بلاد تاريخها بالقرون، حافل بالأحداث الكبرى، وصلت في مراحل تاريخية معينة جنوبا إلى تخوم السودان، وشمالا إلى شبه الجزيرة الإيبرية، حيث ظلت لثمانية قرون الفاعل الرئيسي في مجريات أحداثها الكبرى، وشرقا إلى بلاد الجزائر، واستعصت على الإيالة العثمانية التي دان لها كثير من العرب والعجم، في قمة قوتها بلغت تونس والجزائر، وتحطم توسعها على صخرة الحدود المغربية…بلاد بهذا الزخم التاريخي بتعاقب إمبراطوريات عظيمة، وبانتصاراتها في معارك شهيرة، كمعركة الزلاقة بقيادة يوسف بن تاشفين، ووادي المخازن التي فقدت فيها الإمبراطورية البرتغالية بقيادة سيبستيان سيادتها وملكها وجيشها، ومعركة الأرك بقيادة السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي ضد ملك قشتالة ألفونسو الثامن، وأنوال في الريف بقيادة الأمير عبد الكريم الخطابي، وغير هذا كثير؛ كالمسيرة الخضراء في العصر الحديث، والتي لوحدها يمكن على ضوئها إخراج أكثر من سلسلة ابتداء من الإعلان عنها من قبل الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله إلى الدعوة لسد قوسها مرورا بالنفير الذي سادها إلى الحماسة منقطعة النظير، والتي ساهم فيها الفن بشكل كبير، إلى مشاركة كافة فئات المجتمع بذكوره وإناثه، إلى الانطلاق في نظام وانتظام، إلى اختراق الأسلاك الشائكة، والسجود شكرا لله، إلى إنزال العلم الاسباني ورفع العلم المغربي تحت أزيز الطائرات الحربية الإسبانية، مسلحين بالمصاحف والأعلام المغربية، إلى تحرك حكام الجزائر بكل ثقلهم لعرقلة تنظيمها ولجوئهم إلى الانتقام من المغاربة يوم عيد الأضحى لما عمدوا إلى ترحيل 350 ألف مغربي بعدد المشاركين في المسيرة الخضراء السلمية، لا تزال قضيتهم تتفاعل إلى يومنا هذا، وغيرها مما ارتبط بها..

ألا يمكن أن يشكل هذا الحدث لوحده مادة خصبة لإنتاج أكثر من فلم ومسلسل؟ وطبعا ليست الانتصارات وحدها التي يتم اعتمادها في الإنتاج الدرامي، بل أيضا الانكسارات التاريخية، ولنا فيها نصيب كغيرنا من الأمم، كإيسلي مثلا التي كانت ضد فرنسا، بسبب مساندة السلطان المولى عبد الرحمان للمقاومة الجزائرية واحتضان الأمير عبد القادر، ومعركة تطوان ضد الإسبان، وغيرها… فهل بلاد بهذا التاريخ الحافل تحتاج إلى الاقتيات على دراما غيرها، مصرية كانت أو مكسيكية أو برازيلية في وقت سابق، إلى التركية اليوم؟ بلاد طول سواحلها البحرية يبلغ 3500 كلم، بما تزخر به البيئة البحرية من عادات وتقاليد وطقوس تتعلق بالصيد، وحكايات الأهالي مع البحر في عز هيجانه أو في فترة هدوئه لا تنتهي، وخروج الصيادين بالشهور في إطار رحلات صيد حافلة بالمغامرات… ألا يمكن استثمار كل هذا وغيره في إنتاج دراما مغربية، نزاحم بها غيرنا كتفا لكتف، بدل أفلام “هز يا وز” بميزانيات خيالية؟.

بلاد فيها من التنوع الطبيعي ما قل نظيره على وجه الكرة الأرضية، وتعدد ثقافي (عربي – إسلامي، وأمازيغي، وصحراوي) وغني بروافده الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، في انصهار تام وتلاحم كافة مقوماتها، مع ما تزخر به من غنى تراثي، غناء ورقصا وطقوس احتفالية وعلاقات اجتماعية متميزة، ألا يمكن لهذه المعطيات وغيرها، لو وجدت الفنان المبدع، والغيور على ثقافة وطنه وهويته، أن ينتج أفلاما ومسلسلات تشبهنا، وتعبر عن آلامنا، وتعكس فنيا آمالنا، من شأنها أن تغنينا عن بضاعة غيرنا؟.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 4

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال