هذا الحاكم العربي وذاك الحاكم: سخرية الشعوب

هذا الحاكم العربي وذاك الحاكم: سخرية الشعوب
الأحد 18 فبراير 2018 - 23:18

الحمد لله أن لنا في الوطن العربي خنازير قليلة ونادرة، حتى لا يدعي البعض مثلي أن حاكماً عربياً مارس الجنس مع خنزير في شبابه كما فعل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون كما أخبرت صحافته. فالحاكم العربي “من أهل الورع والتدين وحسن السبيل، لم يكذب على شعبه يوماً ولم يعجب بجوع شعبه نهاراً ولم يعبث بأرزاقه ويهربها ليلا، فهو صانع للمعجزات ولا ينازعه أحد في الحكم وفي الكرسي”.

نحمد الله أن حكامنا لا يشبهون ذاك الذي مارس ذلك الفعل المشين والقبيح ولم تستطع صحف المعارضة وصحف المهجر رغم شراستها أن تنبش في تاريخه وتأتي بِما أتت به تلك الصحف من موبيقات وأعمال يندى لها الجبين.

فالحُكم مراتب ودول، ديفيد كاميرون يركب القطار ليصل إلى أعماله وحدث ذات مرة أن لَبِس جورباً ممزقا وتم تصويره من طرف صحافي وافتضح أمره. ماذا ندون في التاريخ والأمم تسخر منا أن أحد حكامنا نزل عن صهوة فرسه ولبس جورباً ممزقا وركب القطار ليصل إلى مقر عمله، أليس هذا الأمر تبخيساً للحاكم العربي وهو الرجل ذو الحسب والنسب.

كيف ينزل الحاكم العربي من التاج والصولجان ويخالط العامة وروائحهم الكريهة وازدحامهم، ألم يصفهم ابن خلدون بـ”العامة والغوغاء والدهماء؟”، أيُّ مرتبة تبقى للحاكم العربي بعد أن يخالط العوام في وسائل النقل العامة؟ فقد تكيف مزاجه على السيارات الفارهة والطائرات العملاقة المطلية بالذهب المرصع.

أتعجب من حكام هولندا ووزرائها كيف يركبون الدرجات الهوائية ليبلغوا وزاراتهم!!! وكيف يسابقون الوقت.. تخيلوا معي فقط أن حاكما عربيا بضخامته يركب دراجة هوائية ويذهب بها إلى عمله، أليست سُبة لن تمحى من جبين هذه الأمة التي تحب السؤدد والعلياء في كل شيء؟

وأستغرب من ديفيد كاميرون كيف يحقر نفسه كثيراً وهو يشد يد ابنته ويوصلها على قدميه حتى المدرسة، ما رأت العرب بأقسامها فعلاً مشيناً مثل هذا، أيعقل أن الحاكم العربي بجلال قدره وصولجانه وأبهته يشد بيده اليمنى ابنه ويقوده إلى المدرسة العمومية؟ فذاك ضرب من ضروب الخيال، فللحاكم العربي طقوسه الخاصة ولباسه الخاص، ولأبنائه المدرسة الخاصة والأساتذة الخواص. سبحان الله على هذه المقارنة التي تقارن بين الرعاع وبين أسيادهم. فهل ذكر التاريخ العربي بطوله عن حاكم يعيش الفقر والحرمان والكبت؟!!!!

ديفيد كاميرون بنفسه يسكن شقة صغيرة رفقة أولاده وزوجته، مثله مثل رئيس البارغواي الذي له سيارة قديمة جداً ويلبس بذلة قديمة ويقطع طماطمه وأزهاره بنفسه. تخيلوا، فقط مجرد خيال، أن يحدث ولو بعد مليون عام أن حاكما عربيا سكن شقة من شقق السكن الاقتصادي، وأنه سكنها لمدة أسبوع وفي الليلة الأولى سمع من الجدار الموالي لشقته كلما يحدث من تنهيدات وزفير وطلوع وهبوط… وسمع في الصباح صراخ الأم والعيال، أليس الأمر مربكاً بعض الشيء وأمر لم يتعوّد عليه الحاكم العربي الذي تربى في القصور الفسيحة والصالات والغرف الطويلة والعريضة؟ هل عرفتم شعوره وهو يبيت لمجرد ليلة واحدة، طعم الكبرياء الذي يخدش محياه؟ بالله عليكم لا تسخروا من كريم ولد وفي فمه ملعقة من ذهب.

وكم من مرة تأخذني الدهشة وأنا أرى ذاك الرئيس الأسمر أوباما وهو يحمل بين يديه كتاباً في كل مرة في حله وترحاله، ماذا لو تأبط الحاكم العربي كتاباً في النازلة والطالعة وفي الغدو والترحال، ولأننا شعوب تحب حكامها سنقلده في حمل الكتب ونصبح من الأمم التي يحمل كل فرد من أفرادها كتاباً في يده، أليست مسخرة أن نحمل الكتب ونحن أمة اقرأ التي تعودت على الجهل والأمية والتضبيع وتعايشنا مع الكبت والحرمان والحاجة؟ كيف سنشعر ونحن نغير من تقاليدنا المجيدة في البؤس والفقر واللاقراءة؟

لا تقولوا بأن يجوع الحاكم العربي لليلة واحدة، ماذا سنقول لأمريكا وأوروبا، أن حكامنا جربوا الجوع والعطش؟ وكيف ستكون أحاسيسهم المجهضة…؟

ليس المطلوب من الحاكم العربي أن يكون ذكياً جداً ويفهم في السياسة والمجتمع ويخطط لمستقبل الأمة، فهذا عبء ثقيل تنوء بحمله الجبال، فالحاكم متخصص في هواية زينة القصور وصرف العملات وجوائز اختيار ملكات الجمال والفوز بها في كل مسابقة حتى وإن استدعى الأمر الخصام بين الأشقاء.

فالحاكم العربي يفعل ما يشاء وما أراد، في قلب الليل وفي واضحة النهار، فهو الحاكم فينا واعتدنا على ذلك آلاف السنين.

لماذا تأخذنا الحمية والمقارنة، فلا مجال للمقارنة بين ذاك وبين هذا، فالفرق شاسع والبون عظيم ولا تسألوا عن أشياء تضيعون فيها وقت الرعية، فهو المالك لكل شيء، يفعل كل شيء متى يشاء وبإيماءة منه… وذلك أضعف الإيمان.

‫تعليقات الزوار

3
  • أمين صادق
    الإثنين 19 فبراير 2018 - 02:19

    استمتعت بقراءة المقال هذا المساء.. وضحكت بعض الضحك الذي يشبه البكاء.. خشيت أن يكون قد لمحني موظفو الإصغاء.. فيخبروا الحاكم بأني فرحت بما قاله الرعاع فيه والغوغاء.. وأني تطاولت بضحكي المر على خليفة السماء… لكني ما لبثت أن هدأ روعي وعاد إلي الصفاء.. بعدما وجدتني منعزلا في ركن بعيدا عن أعين الرقباء.. حتى إني ألفيت نفسي وحيدا أعلق دون القراء.. فتوجست من جديد وخفت أن يعلقني القضاء.. بتهمة لم يشاركني فيها رواد هذا الفضاء…

  • زينون الرواقي
    الإثنين 19 فبراير 2018 - 11:05

    مقال جميل غير أن كلمة الحاكم تشوش على الاذهان بعض الشيء فلا نعرف ان كان المقصود الملوك أو روساء الحكومات ، ان كان المراد وصف أبهة الملوك فالأجدر هنا مقارنتهم مع الملكة إليزابيث التي تقيم في مجرتها البعيدة عن عامة الشعب البريطاني وهنا وجب الانتباه الى ان أمراءنا وحكامنا استلهموا منها ومن اُسلوب عيشها وصرامة بروتوكولها ما هم عليه الان .. وان كان المقصود الوزراء ورؤساء الحكومات وهذا ما يوازي منصب ديفيد كامرون فالصراحة تقتضي الاعتراف بأننا نتقاسم وأياهم عفونة الوضع .. إن استقلوا الحافلة أو امتطوا الدراجة أو نزلوا الى الاسواق وخالطوا العامة واحتسوا البيصارة راينا في ذلك شعبوية وتمثيلا سمجا وتصنعا وتسولآ للشعبية .. وان ابتعدوا عن هذا كله واعتكفوا في أبراجهم المخملية أصابهم من نيرانا أضعاف ما يصيبهم في الحالة الاولى .. نحن من نطرد المتواضع من صفوفنا ثم نتحامل عليه متى ابتعد .. نحن شعوب جبلت على تقديس المتعالي الغامض والقاسي وتحقير واستصغار من نراه لا يختلف عنا .. نحن من اخترع " ما ضصرش عليك بنادم " ضسّر الكلب يلحس لك فمك " فطبقها علينا حكامنا بالحرف ولا اعتقد أمثلة كهذه توجد في إنجلترا

  • مواطن غيور
    الإثنين 19 فبراير 2018 - 12:10

    أولا تحية إجلال وتقدير واحترام لصاحب المقال إنه يجسد واقعنا المر مع حكامنا فكلمة حكام تعنى الملوك وأبناء الملوك والرؤساء وأبناء الرؤساء والوزراء وأبنائهم والأثرياء وأبنائهم الحكام العرب نحن من صنعناهم فكما تكونوا يولى عليكم حكامنا زرعوا فينا الخوف والفقر والمرض والجهل والأمية والتخلف حتى يسيطروا علينا ويسوقوننا كالقطيع فشتان بين حاكم عربى وحاكم غربى الحاكم العربى يحكم شعبه بالقهر والإستعباد والإذلال والحديد والنار أما الحاكم الغربى فإنه يحبه شعبه لأنه صادق وليس كذاب ووفى وليس خائن يحبه ليس خوفا أو تصنعا أو مجاملة … الحاكم العربى لا يهمه شعبه أكثر مما تهمه مصلحته وكرسيه وملأ جيبه الحاكم العربى مستبد طاغية متكبر ماكر الحاكم العربى يزرع الخوف والرعب فى قلب المواطن الخوف من المقدم إلى أعلى هرم فى السلطة … أنشرى ياهسبريس مشكورة رغم أن كلامى قاسيا بعض الشئ لكن هذه هى الحقيقة المرة …

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب