أزمة ضمير.. في أحزابنا

أزمة ضمير.. في أحزابنا
السبت 28 فبراير 2015 - 23:55

أحزابنا لا ترانا إلا قاصرين، ونحن نراها ملوثة في الشكل والمضمون..وهي لا تسأل عنا إلا في مواسم الانتخابات.. وعلى هذا الأساس تحسب حساباتها.. فنحن عندها مجرد أصوات قابلة للفرز.. وكائنات قابلة للاستغلال..ومن فينا لا يدلي بصوته، لأنه واع بالألاعيب، أو لأنه متقاعد، أو عجوز بدون تقاعد، أو معوق، أو مريض، أو مثقف، أو فنان، أو أو أو، هذا لا يجد له مكانا في حسابات هذه الأحزاب..

أحزابنا ما هي بأحزاب.. هي تسميات لأفاعيل تطغى عليها الأنانية، والفساد، والتآمر على الحقوق..طبعا، فيها أشخاص طيبون، أكفاء، نزهاء، وفيها أيضا كثير من غير هؤلاء..أحزابنا حولت الوطنية إلى شعار.. والدين إلى طقوس.. والعلاقات الإنسانية إلى مجرد تقاليد..ولا تستغل دعم الدولة لتأطير المواطنين وتنمية علاقات اجتماعية بناءة.. تستغل المال العمومي فقط لتحقيق مآرب خاصة..هي أحزاب يطغى عليها اقتصاد الريع..و”أم الوزارات” تعرفهم واحدا واحدا، حتى النخاع.. وتوزع عليهم “صكوكا” ذات ألوان وقامات متنوعة، وفي عمقها كلها تردد الخطاب المشترك الواحد..

وأمام التلفزيون تمارس “النقد”، و”العراك”، و”الفلكلور”، و”البهلوان”، وكل أنواع “الكلام البارد والساخن”، وكأن هذا هو ما يطلبه الناس.. والناس لا يطلبون شعارات.. ولا إيديولوجيات.. ولا كلاما معسولا.. ولا وعودا..يريدون أفعالا.. يريدون أن تتحسن الحياة اليومية.. وما عدا الملموس، فهذا مجرد افتراء.. مجرد وعود كاذبة..وأحزابنا بعيدة عن الناس.. وحتى الأمل فيها ما زال مجرد خيال.. كل الآمال في أحزابنا تبخرت.. وكل الأحزاب تناوبت على الحكم.. وليس فيها واحد يحظى بالثقة المطلوبة.. ولا حزب واحد قائم على قاعدة شعبية حقيقية..كلها تتعامل مع قضايا البسطاء بالمنطق التجاري..كلها غارقة في نفايات..

واليوم، وبعد أن فاحت الروائح الكريهة في كل الأصقاع، تراها تشتغل في إعادة تدوير النفايات.. ها هي تنتقل من النفايات إلى إعادة التدوير (Recyclage).. تدوير نفس النفايات.. كأن التاريخ ليس معلما.. وكأن الغد لن يحاسب قادة الأحزاب..ما زالت أحزابنا تستثمر في التلوث..لم تدخل بعد في مرحلة ما بعد التلوث..وإلى الآن، تواصل تسميم حياتنا اليومية أكثر فأكثر.. و”تستثمر” في الفقر.. وفي كل مظاهر الحاجة..ويبرز للعيان في كل ربوع البلد، تواطؤ مكشوف بين المال والسياسة.. هما يقرران مصير حياتنا اليومية.. ويرسمان خريطتنا إلى المستقبل..

ولا تسألن كيف يصل هذا السياسي أو ذك المستثمر إلى سدة القرار.. فما دام الاثنان يدا في يد، فبقية الناس في تصورهما مجرد راضخين، تابعين، لا كلمة لهم..إننا في خضم التبعية العمياء.. فلو كانت أحزابنا مستقلة، مبنية على استراتيجية هادفة للمصلحة العامة، لكان المال في خدمة الجميع، وليس فقط في خدمة كمشة من “بني آدم”..وهذا ما يفسر كون أحزابنا لا تؤطر المواطنين، ولا تعبأ بشؤونهم، ولا تلتفت إليهم إلا عندما تحتاجهم للصناديق.. وهذا سلوك غير طبيعي.. وهؤلاء “سياسيون” غير طبيعيين..والنتيجة واضحة، وهي أن مجتمعنا لا يحكم.. هو غير مشارك.. هو مجرد صاغر.. تابع..

ونبقى خلف أحزابنا الضالة جاثمين على ركام من أشكال وأنواع النفايات.. نفايات فكرية.. إعلامية.. إنتاجية..استهلاكية..نستيقظ على مزابل في كل مكان.. وفي أسطحنا مزابل.. وفي شوارعنا وودياننا وشواطئنا وعمق بحارنا وهوائنا نفايات..وسياستنا تخنقها لوبيات في الداخل والخارج.. مصالح تعرقل مجالسنا التي يقال “إنها منتخبة”.. وتعرقل حكومتنا التي يقال “إنها منبثقة من الصناديق”.. وتعرقل أحزابنا التي يقال “إنها من الشعب إلى الشعب”.. وتعرقل مدارسنا ومستشفياتنا وغيرها..

ومن يتواطأ مع لوبيات، لا يفكر إلا في إرضاء اللوبيات.. وهذه لا يهمها إلا قطف الثمار، وبالمجان..وهي تعيش بالمجان.. التغذية بالمجان.. الماء، الضوء، النقل، الهاتف، وغير هذه، كلها بالمجان.. وعندما تضطر لشراء البطاطس، فهي تشتريها بنفس ثمن الفقراء.. وتبقى رواتبها الخيالية، مع الإضافات، مكدسة في حسابات بنكية هنا وهناك.. بينما غالبية بنات وأبناء الشعب غارقة حتى النخاع في الحاجة الماسة.. هل هذه حياة طبيعية؟الجواب من المفروض أن يأتي من أحزابنا.. لكن هذه لا تتكلم في الأساسيات.. هي لا تحب الخوض في حاجيات المواطنين..إننا في أزمة حقيقية.. أزمة صنعتها أحزاب ما هي بأحزاب.. مجرد “كائنات” مصلحية انتهازية استهتارية تستنزف البلاد، وتعرقل مسار التنمية.. “كائنات” تناوبت على الحكم مثنى وثلاث ورباع وأكثر، وما أعطت لبلادنا إلا مزيدا من التضليل، والعبث..

أحزابنا عرقلة في طريقنا..وبوضوح: لا نستطيع أن نلتمس حلا من أحزاب هي نفسها صانعة المشكلة.. أحزابنا لا تريد الحلول.. تريد تعقيد الأمور كي تستفيد أكثر.. وكي تظل جاثمة على مواقع القرار..وهي لا تفهم أن العالم يتغير.. ولا تستوعب أن لا خيار لبلدنا إلا أن يتغير.. وأن التواطؤ بين المال والسياسة يجب أن ينتهي.. وأن المال يجب أن يكون تابعا لا متبوعا.. وأن السياسة يجب أن تحصل على استقلاليتها من “بؤر التلوث”..

ولا تفهم أن السياسة يجب أن تستنشق الهواء النقي.. وأن تعتني بالإنسان، وبالحياة الطبيعية..انتهى زمن “الحزب الواحد” الذي فرخ كثيرا من الأسماء، فجعلها في ظاهرها متعددة، وفي عمقها هي من صلب وعقلية الحزب الواحد..بلادنا لم تعد قادرة على الاستمرار بنفس العقلية المريضة..بلادنا بحاجة إلى فتح الأبواب.. والنوافذ.. ومعانقة كل الآفاق.. كل الحقوق والواجبات..

ولا يجوز الاستمرار في توظيف الإدارات العمومية لهذا الحزب أو ذاك.. ولا استغلال خزينة الدولة لإثراء فلان أو علان على حساب الخبز اليومي للبلد..انتهى كل هذا.. ومن يرى العكس، فهو لا يرى..

ويا بلدي، إلى الأمام..

[email protected]

‫تعليقات الزوار

7
  • مغربي
    الأحد 1 مارس 2015 - 14:33

    معركة الشعب المغربي الان ، يجب ان تكون ضد الاحزاب "السياسية" في المغرب
    لماذا ؟
    ــ هذه الاحزاب كان من المفترض بها أن تكون ممثلة لهموم الشعب، رافعت لمطالبه ، لكن على العكس من دلك أصبحت مدافعة منافحة عن مصالحها ومصالح أصحابها ومن يدور في فلكهم .
    ــ هذه الاحزاب كان من المفترض منها ان تكون رافعة للواء الديمقراطية و الكرامة و العدالة وكل القيم الأنسانية النبيلة ، بمعناها الحقيقي وليس بالشعارات والسجالات السياسية والبولميك التي لا طائل منها الكلام الفارغ الذي لا يغني ولا سمن من جوع على أرض الواقع ، لكنها لم تفعل ذلك على الاطلاق.
    ــ هذه الاحزاب تبث بالملموس الذي لا يدع مجال لشك أنها كلها متشابهة بدون إستتناء بدأ (باليساري أو الاسلامي أو الليبرالي …) الادارية او غير الادارية
    كلها متشابهة ليس في القنافد أملس .
    ــ تبث بالملموس أنها هي المعرقل الحقيقي لديمقراطية والعدالة في المغرب .
    وعليه يجب ان تكون معركة المغاربة ضد هذه الاحزاب ، على الاقل إذا لم نستطع مجابهة النظام يجب مقارعة الاحزاب حتى يتم إفراز نخبة حقيقة قادرة على مقارعة النظام و تحقيق العدالة و الكرامة والمساواة الحقيقية الملموسة

  • محند
    الأحد 1 مارس 2015 - 14:50

    تحية تقدير واحترام لكاتب المقال الذي يتوفر على الحاسة السادسة وهذه حكمة كبيرة لتشخيص الامراض الاجتماعية والاقصادية والسياسية وثم وصف الادوية للشفاء. اخي الكريم اني متفق معك في الرءية والفهم والتحليل والمنطق لكشف الحقاءق التي تؤدي الى الامراض المزمنة والبنيوية التي تعرقل صحة العقول والنفوس والاجساد سواء فيما يهم الانسان والحيوان والبيءة. نعم هناك ازمة ضمير وعقل وفكر وثقافة وسلوكات في اوساط زعماء الاحزاب ومن يدور في فلكهم وهم بدورهم يدورون في فلك من قام بتفريخهم كما اشار صاحب المقال. واني الخص هذا في العقلية والذهنية والفكر والثقافة والسلوكات المخزنية التي تبقى صالحة لكل زمان ولكل مكان ولا تتغير مع اصلاح الدساتير وتكوين الحكومات. وهذه الثقافة المخزنية تتجلى في تقديم الولاء الاعمى للرءساء والزعماء واصحاب القرار والاستفادة من الريع الاقتصادي والديني لمكافءة هذا الولاء. وفي الحكومات يتم توزيع الحقاءب على اساس الرضا ولا على اساس الكفاءة. هذه الثقافة تنتج انتهازيون ووصوليون ومنتفعون ومفسدون وهم خارج القانون. بالمقابل تجد شريحة كبيرة من المواطنين تعيش في بؤس الجهل والامية والفقر ومصيرهم في خطر

  • مشاكس
    الأحد 1 مارس 2015 - 15:09

    شكرًا أستاذ على هذا المقال الذي يشكل بحق لسان حال المواطن البسيط ، أنا شخصيا لست أدري ما هي القيمة المضافة التي تقدمها لنا الأحزاب ( العتيقة أو الحديثة ) … قد بصفني البعض بالأمي في الميدان السياسي ، و أنا أقر بذلك …

  • جريئ
    الأحد 1 مارس 2015 - 18:09

    اللوم ليس على الأحزاب ولا على الحكومة ولا على المخزن ولا على المستشارين وإنما اللوم كل اللوم على من بيده مقاليد هؤلاء جميعا، وبيده أن يضرب على يد كل من سولت له نفسه العبث بحقوق المغاربة، وبإمكانه أن يدخل التاريخ من بابه النظيف ولا أقول الواسع، بدل أن يطلق لهم العنان يفسدون في البلاد ويسرقون العباد، ولكن أعتقد أن المسكين هو الآخر مغلوب على أمره، وإلا فالطامة عظيمة …..

  • الرياحي
    الأحد 1 مارس 2015 - 19:00

    بعد التحية والتقدير ،وقفت على فكرتين أساسيتين عرضتها .
    – الأحزاب أصبحت جزءا من المشكل بل صلبه
    -التدوير recyclage نعم صدقت وقد ياخد هذا التدوير منحدرات وطبوع ومقالب احرى ملتوية مثلا : يفشلون في شيء وعوض تقديم الاستقالة او على الأقل الاعتراف بفشلهم يفتحون ورش اخر بنفس الهرج والوعود الكاذبة وهكذا دواليك.
    لنا في سياسة التعليم وفشلها العبرة والمثل هاهم الان عِوَض جلد نفسهم واعتذارهم يفتحون ورش الانجليزية الجديد بنفس التسويق السابق ونفس الحجج ونفس "السنطيحة" .ماذا فعل المثقفون ؟ انخرطوا في اللعبة وكتبوا المقالات والكتب وظهرت المعسكرات بين مؤيد ومناور ومعارض …
    الدورية recyclage هي في نظري فكرة جوهرية تديير الكلام والرجل يدير فكره كآلة حمقاء تماست خيوطها او كبرنامج معلوماتي لم يضع صاحبه له مسلك النهاية .تامل جيدا في الخطاب السياسي فهو مجرد طاحونة تنفخ فيها السياسة.يراهن سياسيونا على النسيان والسذاجة .اصبحت السياسة وسيلة للاسترزاق تورث وتورث أباً عن جد ونحن نتفرجون ،احيانا تضحكون وغالبا ما نبكون

  • LASFAR
    الأحد 1 مارس 2015 - 22:49

    une mosaique de partis politique. Il n'ya pas 36 manière de gérer les affaires du peuble. Nous espérons qu'un jour les partis politiques soient consolidés pour avoir un sens avec une identité une idéologie un réferentiel clair et légitime. ceci évidement avec la condition de l'existence de la volonté et la bonne foie de développer le pays dans le bon sens et pour le bien du peuple qui ne comprend pas encore le bien fondé de cette anarchie de ces structures parasitaires qui naissent surtout suite des scissions générées par des conflits personnels entre soidisant les leaders du parti. Cette panoplie de partis pèse lourdement sur le budget de l'Etat et sur le peuple. Nous espérons que les locataires perpétuel des postes au niveau des partis ou autre donnent la chance à de nouvelles compétences pour apporter un sang nouveau à ces structures qui demeurent jusqu'alors des vaches à lait. Mais que peut on faire lorsqu'on sait que quoi qu'on fasse c'est comme si on avait rien fait

  • AntiYa
    الإثنين 2 مارس 2015 - 08:31

    Mais, si l'on sait d'ordre déjà que ce que nous faisons est en vain dans une structure de racaille, on peut se demander sur l'utilité de nos actes de citoyenneté. Quand on n'arrive pas à faire la différence entre les idéologies de référence des partis qui sont sur la scène marocaine alors on a le droit de ne pas se mêler à la politique des grotesques. Pourquoi les écouter dans leurs assemblés ou dans leurs sorties clownesques si l'on sait qu'ils jouent une mauvaise pièce de théâtre ? Pourquoi doit-on aller voter pour participer au remplissage de la poche d'un mandaté ignorant que j'estime méprisable ? S'il y a des défenseurs des valeurs humaines, ils devront être capables de travailler bénévolement l'intérêt général ! On doit oeuvrer pour que le parlement ne perçoive aucun rond du contribuable. fin

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 4

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية