عيد "تفاسكا" بسوس .. عادات متجذرة وموسم الهجرة إلى "تمازيرت"

عيد "تفاسكا" بسوس .. عادات متجذرة وموسم الهجرة إلى "تمازيرت"
الإثنين 12 غشت 2019 - 04:50

هي واحدة من المناسبات الدينية، التي تحظى بقدسية خاصة لدى عامة المسلمين في كافة أرجاء المعمور. إنه عيد الأضحى، الذي يكتسي التهييء له، إلى جانب طقوسه وعاداته، أهمية بارزة لدى المغاربة. ولا تُستثنى مناطق سوس والجنوب من هذه العادات، التي تنفرد بمظاهر احتفالية، بعضها ضارب في عمق الثقافة السوسية المحلية.

أجواء عيد الأضحى بسوس قد تبرز انطلاقا من المدن المغربية، حيث يُقيم “سواسة” لممارسة أنشطتهم الاقتصادية، حيث تعج الطرقات ومحطات الحافلات وسيارات الأجرة بهؤلاء، في رحلة العودة إلى “تمازيرت” في هذه الأيام. وقد يلحظ المرء أن أغلب المحلات التجارية تغلق أبوابها إلى ما بعد عيد الأضحى بأيام، والسبب أن “سواسة” هبوا جميعا إلى مناطقهم الأصلية بقرى وأرياف سوس.

ويخلق العيد، عيد “ن تفاسكا”، كما يطلق عليه أهل سوس، كثيرا من الأجواء الاستثنائية، التي لا تبرز إلا في أيام “العواشر” المرتبطة بعيد الأضحى، فتنشط الحركة الاقتصادية بالأسواق اليومية، وتتحول المناطق السوسية من أرياف شبه مهجورة إلى قرى تدبّ فيها الحركة. كما تصير ملتقى لأبنائها، الذين غالبا ما يعتبرون أيام عيد الأضحى عطلة سنوية بالنسبة إليهم. ولهذه المناسبة هنا بسوس عادات تسبق العيد وأخرى أثناءه وبعده، وإن طرأت تغييرات على ذلك، فلا يزال بعضها يُقاوم عوامل الانقراض.

في تصريح لهسبريس، اعتبر خالد ألعيوض، أستاذ باحث في التراث، أن “عيد الأضحى بسوس يعتبر شعيرة دينية، تختلف مظاهر الاستعداد والاحتفال بها من منطقة إلى أخرى، حسب الخصوصيات المحلية، ولكن الجميع يتهيأ لتطبيق هذه الشعيرة، التي تدخل ضمن الأعياد الدينية المعروفة، وذات الأهمية الكبرى لدى عامة المسلمين”.

وعن بعض مظاهر التغيير التي طرأت على احتفالات سكان سوس بعيد الأضحى، يقول خالد ألعيوض: “سابقا، كانت المجتمعات السوسية قروية، تعتمد على الزراعة وتربية الماشية. وبالتالي، كل الأسر، بدون استثناء، لا تقتني أضحية العيد، بل تربيها ضمن القطيع، سواء تعلق الأمر بـ”كسابة” صغار أو كبار. لكن بفعل ظاهرة الهجرة الداخلية، بدأت المدن وهوامشها تتسع. لكن ظل الوافدون يحملون عقلية الفلاح، وبالتالي كان العيد بالنسبة إليهم أمرا لا بد من الاستعداد له مبكرا”.

وأوضح العيوض أن “سكان المدن يقتنون الأضحية أشهرا قبل حلول موعد العيد، ويضعونها خلال تلك المدة في أسطح المنازل، وقد استمرّت هذه الأشياء حتى الأمس القريب، وإن كانت لا تزال مستمرة ببعض هوامش المدن، لكن اليوم، انتقلنا من المنازل المستقلة بطوابق إلى العمارات، خصوصا مع مجيء السكن الاجتماعي، الذي يستحيل فيه حضور الأنشطة سالفة الذكر، لكن ظهرت أشياء موازية، أفرزتها خصوصية المجتمع المغربي، القادر على التكيّف مع الواقع”.

“في المدن نجد دكاكين يمكن أن تُستعمل بشكل موسمي، فخلال رمضان تعد بها كل ما يرتبط به، وفي عيد الأضحى تصبح فضاء لبيع الأضاحي، فتكون قريبة من المواطنين، الذين صار بإمكانهم إبقاء أضاحيهم بالمكان نفسه حتى يوم العيد، أو نجد شباب الحي يكترون خيمات كبيرة، تُخصص لحراسة الأضاحي إلى حين حلول العيد، مقابل ثمن رمزي، فيبقى بذلك “الحولي” قريبا من مقر السكن ومؤمنا عليه. وتنطوي هذه العملية الموسمية على نشاط مدر للدخل لفائدة أبناء “الحومة”، كما تفكّ هاجس غياب أماكن الاحتفاظ بالأضحية في تلك العمارات”، يورد ألعيوض.

فضاءات عرض الأضاحي هي الأخرى شهدت تغيرات. يقول الباحث ذاته إن “الاقتناء يكون في الأسواق الأسبوعية المعروفة. ولكن اليوم، نجد أسواقا يومية تنظمها الجماعات الترابية، وهي متخصصة في بيع الأضاحي، وهو نظام جديد بدأ بالظهور في السنوات القليلة الماضية، مما يوفر للمواطن إمكانية الاقتناء حتى في آخر لحظة، دون تنقله إلى الأسواق البعيدة، وهي خدمات للقرب تتغيرّ مع الظروف، وتدخل ضمن الطقوس والعادات المرافقة للاستعدادات لعيد الأضحى”.

ولا تختلف طقوس عيد الأضحى بسوس كثيرا عن بقية مناطق المغرب، سواء من حيث الاستيقاظ باكرا، والتزين بأحسن اللباس، وأداء صلاة العيد، قبل أن تنطلق عملية الذبح وما يرافقها من تفنن في إعداد الوجبات المتنوعة، وتبادل الزيارات العائلية، التي تُبرز بعد التلاحم بين الأسر، إلى جانب نشاط ممتهني الجزارة وبعض الحرف الموسمية كشيّ الرؤوس، وطقوس الفرجة كـ”بوجلود” بسوس. لكن هناك بعض الطقوس التي بدأت في طور الانقراض، كإعداد “الكرداس” و”القديد”. ورغم وجود الثلاجات، لا يزال بعض الناس يفضلون هذه الأمور، لما تنطوي عليه من نوستالجيا وحنين إلى الزمن الجميل في الجنوب المغربي”.

ووجه الباحث ألعيوض رسائل إلى المسؤولين، حيث قال في هذا الصدد: “اليوم تعيش مدننا تغييرات، لكن لا بد من الانتباه إلى بعض الأشياء، حيث لا يجب أن نحارب الظاهر، بل علينا تأطيرها، بإشراك المجتمع المدني في الاستعداد للعيد وتنظيم عملية جمع النفايات المرتبطة به. كما أن عمليات حراسة الأضاحي يجب أن تؤطر وتنظم لكونها من الخدمات الجليلة المقدمة إلى السكان، إلى جانب عمليات الشيّ، التي يجب تنظيمها بعيدا عن العشوائية والفوضى، وعلى مدارس الهندسة الانفتاح على الثقافات المغربية، ودراسة المجتمع، لكونه يحتاج إلى المنزل الذي يخدم انتظاراته، ففي كل عمارة، مثلا، يجب استحضار أننا داخل بيئة لا تزال حياة جماعية، والأعياد الدينية يُحتفل بها سنويا، فمثلا يمكن التخطيط قبلا لإنشاء فضاء للأضاحي والذبح والمناسبات العائلية، على غرار باقي المرافق التي نجدها داخل هذه التجمعات”.

وعن هجرة أبناء سوس من المدن المغربية صوب قراهم وبواديهم، قال عادل أداسكو، فاعل جمعوي، في تصريح لهسبريس، إن “مناسبة عيد الأضحی هي موسم لهجرة أبناء سوس إلی الجنوب، حيث تعرف المدن الكبری، كالدار البيضاء والرباط وسلا ومكناس وفاس والقنيطرة، إقفال جميع المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي، التي تعود مِلكيّتها إلى أهْل الجنوب، وبالضبط “سْوَاسة” كما تنعتنا ساكنة بقية المدن المغربية”.

“بمجرد اقتراب عيد الأضحى يغادر السوسيون المدن الكبری، ويعُودون إلى بلداتهم الأصليّة لقضاء أيام العيد رفقة عائلتهم، لكون التجّار، خاصة أصحاب محلات التغذية، يعتبرون أيام عيد الأضحى عُطلتهم السنوية. في مقابل ذلك تعرف بقية مدن المغرب فراغا تخلفه هجرة السوسيين إلى بلداتهم الأصلية، لتعود الحياة إلی قری سوس النائيّة، التي ما فَتئ أهلها يهْجرونها إلى المُدن، بحثا عن لقمة العيش وحياة أفضل لأبنائهم، خاصّة مع توالي سنوات الجفاف، حتّى إنّ كثيرا من البلدات في سوس أصبحتْ خاويةَ على عروشها، ولا تعود فيها الحياة إلا في فترة عيد الأضحى، التي تستغلها جمعيات المنطقة لإقامة أنشطة ثقافية وترفيهية وفنية ورياضية وجمعوية، إلی جانب مناسبات الأعراس والمعروفات”، يضيف المتحدّث.

واستطرد أداسكو قائلا إن “حُلول عيد الأضحى والأيام التي تَليهِ يسبب فراغا كبيرا للنشاط التجاري داخل المدن الكبری، حيث تغلق المحلات التجاريّة والمطاعم وبعض المقاهي، ومعظم العائلات السوسية التي تقطن بالمُدن تفضل قضاء أيام عيد الأضحى في بلدتها الأصليّة، نظرا إلى الجو الحميمي الذي تتم فيه طقوس الاحتفاء بالعيد في “تمازيرت”، حيث يجتمع معظم أفراد الأسر ويؤدون تلك العادات في فضاءات القرية”.

وعلاقة بموسم هجرة “سواسة” إلى “تمازيرت”، أوضح الفاعل الجمعوي ذاته أن “الكل يعلم أن تجار سوس يعتبرون منذ عقود طويلة قوة اقتصادية هامة بالنسبة إلى التجارة. كما أن العائلات القادمة من سوس، والتي تُشغّل يداً عاملة مُهمّة في التجارة، لها وزْن ثقيل على المستوى الاقتصادي في المدن الكبرى، وتتربع على عرش التجارة، وهذا ما يجعلها تترك فراغا كبيرا وتغيرا في مشهد الأحياء والدروب والأزقة بعد أن يغلق أصحاب الدكاكين الأبواب ويتجهون نحو البوادي الأمازيغية، التي لها نكهة خاصّة، حيث تقاليد الجماعة لا تزال حية، فضلا عما يرافق الاحتفال بالعيد من ممارسات فنية خاصة مثل أحواش وبيلماون (بوجلود)، وهو ما يضفي على عيد الأضحی بسوس نكهة أمازيغية خاصة”.

‫تعليقات الزوار

18
  • saghrou
    الإثنين 12 غشت 2019 - 06:11

    Chez Imazighn il s'appelle Tafaska et chez les pays de Sahel Tabaski z

  • alpha
    الإثنين 12 غشت 2019 - 06:26

    et oui c'est ça la dure réalité puisque l'ensemble du pays est considéré comme une association de "bienfaisance" puisque le moteur principal de cette "manne" financière ce sont "justement" ces multinationales alors si vous avez vu le vidéo concernant la "lutte" contre la prolifération du sanglier orchestré par des associations et les "campagnards" en toute naïveté menacent de ramper vers la "ville" mais ce qui est caché et le non dit c'est qu' on vous leurre en vous faisant croire que vous êtes dans une situation de "confort" alors que la réalité est tout autre comme pour "trouble jeu" des "inconnus" et ce que je vous dit là ce n'est pas des fabulations d'esprit où chose de telle sorte mais c'est une réalité et tôt ou tard vous serez rattrapé par une dette et là vaut mieux ne pas effrayer les gens en les laissant à leur vacuité

  • صطوف
    الإثنين 12 غشت 2019 - 06:28

    tafaska عيد الأضحى عند سواسة و tabaski عيد الأضحى عند الأفارقة جنوب الصحراء

  • عيد الأضحى المبارك
    الإثنين 12 غشت 2019 - 08:59

    كذلك ينبغي نقل اجواء عيد الاضحى المبارك في مناطق الشاوية دكالة بني خيران وعبدة ال شمرو الغرب، عيد مبارك سعيد عليهم.

  • عمر
    الإثنين 12 غشت 2019 - 09:08

    ثقافة سوس كلها اصلها أفريقيا جنوب الصحراء خاصة الموسيقى ايقاعاتها تشبه إيقاعات النيجر و مالي و بوركينا فاسو.

  • مغربي
    الإثنين 12 غشت 2019 - 09:17

    Tafaska اعني تتاف اسكيون عندها قرون…

  • Agrzam
    الإثنين 12 غشت 2019 - 09:20

    اهله الله باليمن والبركات على كل المسلمين في مشارق الارض ومغاربها اللهم تقبل منا جميعا صالح الاعمال…

  • Abder
    الإثنين 12 غشت 2019 - 09:30

    Aid al adha est une fête religieuse universelle, ce qui est endémique dans cette fête est le bonheur sentie par tous le monde malgré la multitude des pauvres qui s'imposent auxquels ont doit aide bienfaisance et solidarité sur tous les plans

  • abdo agadir
    الإثنين 12 غشت 2019 - 09:59

    أزول فللاون أيمازيغن أنا احتللام العيدنون أمباركي ..السلام عليكم وعيدكم مبارك سعيد أهله الله علينا وعلى جميع المغاربة قاطبة !

  • محمود ربيع
    الإثنين 12 غشت 2019 - 10:06

    غ العيد نتفسكا ار تمقيرن ميدن غ تمزيرت فرحن سينكراسن اويند الرجا سدار ايدارسن ،سكرن صلة الرحم ،،،،زرين المصالح نتمزيرت كين افوس غ فوس،،،

  • AJAGHJA
    الإثنين 12 غشت 2019 - 10:16

    chez nous a Souss, on dit Anfaska pour rigoler un petit peu, les chleuh vont comprendre. Tanmirt

  • ERRIFI
    الإثنين 12 غشت 2019 - 13:37

    فی الحقیقة لانشم راٸحة العید فی سوس نشم سوی العنصریة والحقد والحسد والکراهیة بالعکس ان سواسة فی الداخل معززین مکرمین محترمین من جمیع شراٸح الشعب المغربی حتی ابناء الصحراء لیسلموا من هذهالعنصریة والکراهیة

  • Me again
    الإثنين 12 غشت 2019 - 13:41

    نفس الشيء بالنسبة لسكان عبدة و الشياظمة و دكالة و الغرب و الرحامنة و غيرها الذين يشتغلون في معامل تصبير السمك و المنتوجات الغذائية و في البناء و معامل serre أي فلاحة الخضراوات، رغم ان بعضهم استقروا و اصبحوا سواسة مثل العرب الوافدين من بلاد العرب و الذين اصبحوا مغاربة و أمازيغ بحكم ان الأرض امازيغية… الحمد لله ان المغاربة بدوءوا يسترجعون هويتهم الحقيقية و يهتمون بثقافتهم الأمازيغية رغم الحصار و التعريب و الوهابية…
    تفسكا تمباركيت! عيد مبارك سعيد!

  • Ighdmoui
    الإثنين 12 غشت 2019 - 14:37

    اصل كلمة تافسكا من الكلمة الا ثينية sacrifice اي الاضحية اوالقربان وقد الي الأمازيغية كغيرها من الكلمات الخبز agroum اسنوس اورتي والانسان بفطرته يتقرب الي الله كل دين بطريقته

  • محمد
    الإثنين 12 غشت 2019 - 14:38

    شكرا هسبريس علی طرحها مثل هده المواضيع الثقافية من حياة المغاربة خاصة وأننا نعيش في بلاد الغربة، كما نشكر الأخ عادل أداسكو علی ما قاله عن عادات وطقوس إسوسين والدي وضعنا وسط أجواء الاحتفاء بعيد الأضحی بقری سوس
    أخوكم محمد مقيم بالدنمارك

  • jamal
    الإثنين 12 غشت 2019 - 16:25

    العيد نون امباركي ايت تمازيرت انا غنتلام.

  • Moumine مؤمن
    الإثنين 12 غشت 2019 - 17:15

    كلمة "تفاسكا" تستعمل فقط من طرف أمازيغ سوس أما عرب سوس يقولون: "العيد الكبير" أو "عيد الأضحى" ولا يقولون أبدا "تفاسكا"

  • SOUSSI
    الجمعة 23 غشت 2019 - 00:12

    2 – alpha
    wallah , je n'ai rien compris de votre commentaire

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب