"أضار نوامان" .. مدرسة للتعليم العتيق والعصري تنفتح على الفتيات

"أضار نوامان" .. مدرسة للتعليم العتيق والعصري تنفتح على الفتيات
الأحد 14 أبريل 2019 - 17:00

تُعد المدارس العلمية العتيقة بجهة سوس ماسة قلاعا حصينة للعلم والمعرفة الدينية والدنيوية، وفضاءات مارست، ولا تزال تمارس وظائفها في تحصين القيم، وحماية الأخلاق، والحفاظ على خصوصيات الهوية، وتعميق الارتباط بكل ما هو أصيل. وتنتشر هذه المؤسسات بربوع سوس، وتتوزع بين السهل والجبل، غير أنها تشترك في مجموعة من الخصائص، جعلتها محط عناية واهتمام.

وقد شكلت المدارس العلمية العتيقة ذاكرة حية وشاهدا تاريخيا اختزن، ولا يزال، سلسلة من المحطات التي صنعها وعاشها عدد من العلماء والفقهاء الذين سطع نجم بعضهم، وتجاوزت شهرتهم مجال مدرستهم الضيق نحو آفاق جهوية ووطنية. كما قامت هذه المؤسسات العلمية والتعليمية الأصيلة بوظائف عدة، تربوية تعليمية، وأخرى وطنية واجتماعية.

وتتجلى الوظيفة التربوية والتعليمية في الدور الذي لعبته المدارس العلمية العتيقة في الحفاظ على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتأصيل القيم الأخلاقية النبيلة، بالإضافة إلى الحفاظ على الوحدة المذهبية للأمة، المتمثلة في المذهب المالكي، فضلا عن مساهمتها الأصيلة في نشر اللغة، كما استطاع المغاربة، بفضلها، حفظ كتاب الله بمختلف الروايات، وازدهرت العلوم والمعارف الإسلامية في مختلف جهات المملكة، وأصبح للتعليم العتيق دور كبير في الدفاع عن العقيدة ونشر تعاليم الدين الإسلامي، وتوحيد الأمة، والمحافظة على الهوية والأصالة، ومقاومة الزيغ الفكري والعقدي.

أما الوظيفة الأخرى فتتجسد في البعدين الوطني والاجتماعي لهذه المؤسسات، التي نشأت وترعرعت بفضل رعاية الأفراد والجماعات لها في كثير من مناطق سوس، ومساهمة القبائل والتجمعات السكنية في بنائها والسهر على شؤون شيوخها، والنهوض بحاجيات طلبتها، نظرا لما جبل عليه أهل المنطقة من حب العلم والعلماء، فساهمت هذه المدارس في الدفاع عن استقلال البلاد ووحدتها وكرامتها.

وشكلت المدارس العلمية العتيقة عاملا مساهما في التوحيد ورص الصفوف ونصرة القضايا الوطنية المصيرية، إذ عُرف عن كثير من فقهاء وشيوخ هذه المؤسسات مواقف وطنية مشرفة، خصوصا إبان الغزو الفرنسي من خلال رفض الاحتلال والدعوة إلى مقاومته بشتى الوسائل، فضلا عن اعتبارها عنصرا ساعد بشكل كبير في إشاعة ثقافة التضامن والتسامح والاعتدال والوسطية داخل المجتمع، ونشر الوعي حول الحفاظ على استقرار البلد، والذود عن وحدته الترابية والتشبث برموزه.

ورغم التطور الذي عرفته مناهج التعليم في المغرب، لم يخفت إشعاع التعليم العتيق الذي يعنى بحفظ القرآن وصون السنة وبلورة الاجتهاد، بل تم تكسير حاجز إتاحة الفرصة للطلبة الذكور فقط، فأضحى للفتيات نصيب من التعلم بالمدارس العتيقة، حيث أصبحت مدرسة “أضار وامان”، بضواحي إقليم تارودانت، نموذجا لانفتاح مؤسسات التعليم العتيق على الجنسين، لدراسة العلوم الدينية والشرعية، إلى جانب حفظ القرآن وتفسيره، ومختلف المواد الأخرى كالرياضيات واللغات، فأحدثت بذلك خلخلة في البنية التقليدية المعروفة.

بسفوح جبال الأطلس الصغير تجند فاعلون جمعويون ومحسنون ومؤسسات الدولة من أجل إحياء صرح المدرسة العتيقة “أضار وامان”، بجماعة تزمورت، عبر توفير كل الظروف المناسبة من أجل متابعة أزيد من 80 طالبة وأكثر من 200 طالب دراستهم في العلوم الشرعية والعصرية، وفق نظام تربوي وإداري محكم، جعل المؤسسة تنفرد بخصوصية تعليم الفتيات، الذي شكل مشهدا جديدا بسوس لم تألفه المدارس العتيقة.

وفي تصريح لهسبريس، قال محمد بنتاجر، أستاذ جامعي مهتم بالشأن الديني، إن مدرسة “أضار نوامان” العتيقة “معلمة دينية كبيرة بمواصفات حديثة، تحترم الشروط الضرورية، عبر هندستها ومكونات مرافقها، والأبرز في كل ذلك إحداث دار للطالبة توفر الإيواء والتغذية لهن، وهي تجربة متميزة بسوس، تم إخراجها إلى حيّز الوجود بفضل مجهودات الجمعيات المحلية والمحسنين والسلطات الوصية”.

وأضاف أن هذه المؤسسة “كسّرت حاجز التصاق تدريس العلوم الشرعية في المدارس العتيقة بالرجال، مُحدثة طفرة في هذا النموذج التربوي العريق. كما يُميزها، بالإضافة إلى ذلك، توافد فتيات من دول إفريقيا جنوب الصحراء من أجل متابعة هذا النوع من التعليم بهذه المؤسسة العتيقة ذات المقومات الجديدة، والتي تفتح كل الآفاق لخريجيها، بعد أن يكونوا قد نالوا مختلف العلوم الشرعية والعصرية، أي التعلم العتيق والعصري”.

وأشار بنتاجر إلى أن مشهد “عشرات طالبات العلم بالتعليم العتيق في “أضار نوامان” لم يكن مألوفا في المدارس العتيقة، على الأقل بسوس، وهن يخلقن بذلك لحظات ربانية روحية، تخطف الأبصار والعقول، وفي ذلك رسالة قوية من المؤسسة العتيقة، بكونها أعلنت انفتاحها على المجتمع، وأن نساء المنطقة، مثل رجالها، ينهلن بدورهن من العلوم الدينية بفضاء المدرسة العتيقة، من غير تمييز أو إقصاء لها، بل أبانت الطالبات عن علو كعبهن، بحصولهن على رتب متقدمة خلال امتحانات السنة الماضية في مختلف الأسلاك والعلوم”.

“خصوصية التحاق الفتيات بمؤسسات التعليم الديني العتيق/ الحديث، والآفاق الواعدة الذي يوفره، تندرج ضمن استراتيجية الوزارة الوصية، التي تروم إصلاح هذا التعليم ومراجعة برامجه ومناهجه، واتخاذ كافة التدابير والإجراءات والقرارات الكفيلة بتحقيق تأهيل أمثل يمكنه من الاندماج في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، والاستفادة من المكتسبات التربوية التي يتمتع بها التعليم العمومي العصري، إلى جانب تحصين التعليم العتيق، والحفاظ على خصوصيته وعلى إشعاعه الثقافي والعلمي، ولن يزيده إقبال العنصر النسوي إلا مزيدا من التحصين ورحابة الآفاق”، يقول بنتاجر.

هي إذن مدرسة عتيقة وعصرية في الآن ذاته، تميزت بتشكيل هويتها الجديدة، أُسُّها منح الفرصة لفتيات المنطقة الجبلية بتارودانت، إلى جانب ذكورها، في دراسة العلوم الشرعية والفقهية، وكذا العلوم العصرية واللغات، متيحة للجميع آفاقا واعدة بعد التخرج. لكن ذلك لم يكن ليتحقّق إلا بفضل سواعد أبناء المنطقة، من فاعلين جمعويين وساكنة وسلطات إقليمية ومحلية وتربوية ودينية، أجمعت كلها على أن تبقى “أضار نوامان” مؤسسة عريقة يفوح منها عبق تاريخ غابر، مع لعبها أدوارا جديدة، أبرزها تعليم الفتيات.

‫تعليقات الزوار

17
  • Mouatene
    الأحد 14 أبريل 2019 - 17:10

    يجب الاهتمام بالعلوم على ارض الواقع ,لننظر الى انسايت كيف نزلت على كوكب المريخ ,وننظر الى اجهزت ليريم سكانير كيف تعطي دقة الاورام ووووووووو

  • عادل
    الأحد 14 أبريل 2019 - 17:14

    ولكن الفتيات لا يدرسهن الرجال، ففي سوس مدرسات للتعليم العتيق بإمكانهن تعليم بنات سوس، حذاري….

  • Ahmed
    الأحد 14 أبريل 2019 - 17:25

    En plus de la pédophilie, il va y avoir des surprises si cela n'existait déjà. On a besoin d'enseignement à la hauteur: Math, Sciences BARAKA 3LINA MEN ADDINE. On connait hamdullah notre islam

  • شوبوكشي
    الأحد 14 أبريل 2019 - 18:13

    ومالهم لابسين الحمر بحال إلا محكومين بالاعدام

  • عبد الرحيم شارو
    الأحد 14 أبريل 2019 - 18:20

    ما اجمل هذا التعليم الرائع والجيد
    والذي ينتج لنا أجيالا صالحة ومصلحة
    ينتج لنا انسانا ذا أخلاق عالية
    ينتج لنا فئة نقية تقية
    ينتج لنا علماء وعالمات
    علماء تتأسف على موتهم كل المخلوقات حتى الحيتان في البحر
    علماء يخشون الله تعالى سرا وعلانية
    علماء يبلغون رسالة الانبياء والرسل
    والعلماء هم ورثة الأنبياء

  • هشام
    الأحد 14 أبريل 2019 - 18:37

    تساهم هده المدرسة كغيرها من المدارس العتيقة في تكوين عدد كبير من التلاميد والتلميدات في مجالات مختلفة أهمها الشريعة وهي بالتالي تلعب دورا محوريا في هدا المجال

  • Mouatina
    الأحد 14 أبريل 2019 - 18:42

    إلى التعليق واحد (Mouatene):
    المركبة إنسايت ما عليك الا ان تراها في التلفزة لان الدولة هي التي يمكن لها ان تشجع العلوم الفيزيائية و الفضائية و تبني مختبرات للتجارب، لكن للأسف المخزن دي نعمتك ليس سوى عبد مامور من الغرب البلد ليس مستقل يا عم! هل رأيت بلدا علمانيا عربيا تقدم؟ لا يا عم كلهم كلاب للعرب،
    الرجوع للأصل فضيلة، هذه المدارس تعلم للبنات مباديء الدين لهل و عسى تكون البنات واعيات فلا يضحك عليها الدءاب و يرموها بعد قضاء الغرض،
    أما السكانير و الراديو و آلات الجراحة و مستشفيات في المستوى فهذا من واجب سيدك المخزن ان يوفره، يكفي عشر ما اكتنزه في ابناك سويسرا و فرنسا لينشىء مستشفى جامعي في كل مدينة و مستوصف كبير في كل قرية و معامل للأدوية لكن أمك فرنسا لن تتركنا نتقدم باستتناء ان ترسل أليماً مبشرين بحداثة علمانية جنسية خمرية الحادية و نهبية هدا ما كان يا عم!!!!

  • حسين العمراني
    الأحد 14 أبريل 2019 - 18:42

    التعليم العتيق تابع لوزارة الاوقاف تديره عبر المندوبيات الجهوية والاقليمية ويسير كل مدرسة ( مسجد ) مدير ووهو فقيه المسجد ولا يعرف في تدبير المؤسسات التعليمة شيئا.
    والاساتذة الين يدرسون في هذه المدارس هم متعاقدون مع الوزارة تجدد عقودهم تلقائيا ولا يتقاضون الا اجورا زهيدة لا تتعدى ثلاثة الاف درهم ولا يتقاضونها بصفة منتظمة ولا يتمتعون بالترقيات ولا بالزيادة في الاجور
    وهم خاضعون صامتون خوفا من تعسف المدير والمندوب ولا يستطيعون المطالبة بحقوقهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  • Mohamed
    الأحد 14 أبريل 2019 - 18:59

    يجب النهوض بالتعليم والاهتمام بالبحث العلمي وكفى من هذه الاسطوانة اللتي مر عليها 1400سنة وهي مازالت تشتغل .بدون نتيجة مادام مجتمعاتنا في اسفل قائمة المجتمعات المتقدمة نتيجة الغش والنفاق والنهب وووو.

    الا من رحم الله

  • البجعدي
    الأحد 14 أبريل 2019 - 20:53

    نجد تعليقات الجهلاء وتعليقات الصلييين المخترقون موقعنا لشتم ديننا الحنيف 1) هل الدول العلمانية مثل رومانيا نجحت ؟؟؟ 2) كيف تقدم الغرب ؟؟ تخيلوا مثلا فرنسا ! لولا نهب مستعمراتها لما كانت مثل رومانيا

  • راغبة في الالتحاق بالمدرسة
    الأحد 14 أبريل 2019 - 22:30

    المرجو مدنا بالشروط اللازمة للالتحاق بهذه المدرسة وهاتف اوعنوان احد المسؤولين عنها وشكرا

  • مواطن حر
    الأحد 14 أبريل 2019 - 23:17

    الى صاحب التعليق رقم 1:
    لم تقرأ المقال و حكمت بحكم قيمة لا غير ربما لان لديك نظرة مسبقة …إقرأ هذه العبارة التي جاءت في هذا المقال (حيث أصبحت مدرسة "أضار وامان"، بضواحي إقليم تارودانت، نموذجا لانفتاح مؤسسات التعليم العتيق على الجنسين، لدراسة العلوم الدينية والشرعية، إلى جانب حفظ القرآن وتفسيره، ومختلف المواد الأخرى كالرياضيات واللغات…) ثم لكل مقام مقال فهذه الفتيات و هؤلاء الفتيان اختصوا في هذا التعليم بغربة منهم ،و في الاخير إما سيتابعون العلوم الشرعية أو غيرها و هناك آخرون -وهم الاكثرية- منخرطون في دوائر التعليم العصري الرسمي و هكذا …اين المشكل اذن ؟
    انه المشكل يكمن فقط في دماغك للأسف و معذرة !

  • ناصح
    الأحد 14 أبريل 2019 - 23:54

    يا ليتهم يدرسون الكتاب و السنة و كتب العلم الأخرى مثل مصطلح الحديث و الأصول إلخ..المشكل في المغرب يقرؤون ابن عاشر و الألفية و شيء من الفقه المالكي و البردة و الهمزية و المساكين بهذه لا يملكون إلا الشيء القليل و لا يفهمون القرآن و لا السنة…كأنه تجهيل الطلبة و عدم فتح الأبواب لهم ليتفقهوا في دينهم. يبقون مساكين ابن عاشر ابن عاشر حتى الموت…!!!!

    لو أخذوا مثلا حفظ القرآن و الأجرومية و الأربعين نووية بشرح محدث و يقرؤون كتاب في مطلح الحديث و القواعد الفقهية لعبد ثم كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ثم البلاغة و الصرف و أصول التفسير ثم نزهة النظر و هكذا يتدرجون حتى يصبحون طلبة العلم متمكنين و ليس مقلدين لابن عاشر إلى الأبد و إن أخطأ…يعني نريد أن يصبحوا طلبة علم حقيقة. و بالله التوفيق.

  • bdou@
    الإثنين 15 أبريل 2019 - 00:54

    في عصر الأنترنت حفظ القرآن الكريم لا يحتاج لفقيه يدرس الفتيان أو الفتيات، يمكن لأي واحد أن يحفظ من المصحف أو من مصحف الأنترنت، ثم يختار أي مقرئ على النت ليستمع إليه ليتعلم أصول القراءة.

  • ام سلمى
    الإثنين 15 أبريل 2019 - 06:04

    إنه فعلا شئ يثلج الصدر.ولكن حبذا لو قامت النساء بتدريس الفتيات.

  • hmido
    الإثنين 15 أبريل 2019 - 08:19

    انها جلسة تذكرني بأيام الدراسة بالمساجد التي رافقها الضرب و الخشونة التي عمت مساجدنا كيف نحارب الأمية بهاته الطريقة لمادا لا نعطي لشبابنا الحاصل على إجازات الفرصة مساعدة الناس التي لم تعطى لهم الفرصة للدراسة في نفس الوقت نحارب الأمية و نخلق فرص شغل لان التربية و التعليم هي أساس تقدم الأمم .

  • 11راغبة في الالتحاق بالمدرسة
    الإثنين 15 أبريل 2019 - 12:20

    يكفي ان تذهبي الى محطة النقل بتارودانت وتسالي عن اضار نوامان وحينذاك تسالين المسيرين للمدرسة.بالتوفيق

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس