الزاوية الأمغارية .. معلمة تاريخية تشكو الإهمال في ضواحي مراكش

الزاوية الأمغارية .. معلمة تاريخية تشكو الإهمال في ضواحي مراكش
الأحد 11 نونبر 2018 - 16:00

خلال القرن العاشر الهجري انبرى رجل فاضل من بيت آل أمغار لنشر العلم والصلاح بناحية مراكش، فقام بتأسيس زاوية بتمصلوحت، بتشجيع من شيخه وأستاذه الكبير عبد الله الغزواني مول لقصور تلميذ عبد العزيز التباع تلميذ الإمام الجزولي. يتعلق الأمر بالعالم الصوفي عبد الله بن حسين الأمغاري.

ومنذ ذلك الزمن الغابر ظلت تمصلوحت نموذجا للمدن المغربية العتيقة، التي كانت يوما ما مزدهرة عمرانيا واقتصاديا وثقافيا، بمساكنها القديمة ذات الهندسة الرائعة بالرغم من بساطتها، وأزقتها الضيقة التي تصل جميع أحياء المدينة كشبكة عنكبوتية، ومحلاتها التجارية (السويقة) التي طواها النسيان، ومساجدها الشامخة التي تخرج منها عدد من العلماء والفقهاء والقراء.

تمصلوحت التي تضم ما يزيد عن 28.686 نسمة، حسب إحصاء 2014، والتي توجد بضواحي مدينة مراكش (20 كيلومترا)، تتميز بغناها الفلاحي وبمآثرها التاريخية ومشاريعها السياحية. كما تشتهر بصناعتها التقليدية، خصوصا الخزف و”الدرازة” والحياكة الأصيلة، بالإضافة إلى الزربية المصلوحية.. ورغم ذلك لا تزال جماعة قروية بإقليم الحوز، مما يدفع إلى طرح عدة أسئلة من قبيل: ألا يمكن استثمار الموروث الديني ليساهم في تنمية المنطقة؟ وبأي معنى يمكن أن تشكل العناية بالزاوية الأمغارية رافعة للسياحة الروحية؟ وهل القائمون على الشأن المحلي والسياحي لهم رؤية بهذا النوع من السياحة؟

السياحة الروحية

عملت تركيا وتونس وإسبانيا وغيرها من الدول السياحية على تنويع منتوجها السياحي، في السنوات الأخيرة، بعيدا عن السياحة الفولكلورية الكلاسيكية، التي شكلت العمود الفقري للسياحة بالمغرب، مما جعلها تشهد إقبالا كثيفا على مدنها ومعالمها الدينية من قبل زوار محليين وأجانب في الأعياد والمناسبات الدينية، فباتت مدينة القيروان برمزيتها التاريخية والحضارية قبلة للزوار. كما تشكل الزوايا الصوفية مصدر جذب لفئة من السياح وغيرهم من المريدين وأتباع هذه الطرق.

فهل يمكن الحديث عن سياحة روحية دينية في المغرب عامة ومراكش ونواحيها خاصة، قادرة على أن تكون بديلا للسياحة العادية أو مكملا لها أو عنصرا من عناصر تنويعها إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الإشعاع الحضاري الكبير لجامع ابن يوسف والكتبية والزاوية الأمغارية كأعرق مؤسسة صوفية تأسست بتمصلوحت في سياق دينامية الحركة الجزولية لإنعاش موات الأرض وإحياء الزراعة، بعد سنوات (تحديدا بين سنة 1520 وسنة 1524) عرف فيها المغرب أزمات طبيعية تمثلت في القحط والجفاف والهدر الديمغرافي، فكانت الأزمة هي المحدد الذي جعل منه عبد الله الغزواني عنوان مشروعه الصوفي.

في التأسيس كرامات

تأسست الزاوية المصلوحية بداية سنة 1529 م الموافق لـ930 هـ، بعد تعيين عبد الله بن احساين بإمارة من شيخه عبد الله الغزواني ومنحه حكم (كرامات) للحكم الرمزي، كطرد الطائر المؤذي، وكرامة حكم المرأة العاقر، يقول حسن المانوزي أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض، مضيفا أنه بعد أربعين سنة من مشيخة عبد الله بن حساين استطاع إصلاح 100 هكتار مسقية، وتنازلت القبائل عن الأراضي خدمة للزاوية، في خطوة سبقت العمران الأول لهذه المؤسسة الروحية ومكان إيواء مريديها وطلبتها والخماسين والمشتغلين في الأراضي الزراعية التابعة لها.

وتابع قائلا: “تطور عمران الزاوية في عهد ابنه مولاي أحمد الأمغاري، فتوسعت الزاوية المصلوحية في عمرانها، كما تزايد عدد الوافدين عليها، حيث أصبحت مشهورة بإطعام المحتاجين، خصوصا في مرحلة القحط”، مشيرا إلى “وجود نصوص تؤكد بأن عدد الزوار وصل إلى 1000 من الرجال والنساء”. وأضاف أنها “استمرت في التمدد الفلاحي والعمراني، في مرحلة أصبحت تعرف في الحوز بالدور الكبرى التي بدأ تشييدها من طرف رجال المخزن مثل باحماد، فظهرت العمارة الجديدة للزاوية، التي وضعت لبنتها الأولى في عهد الشيخ محمد بن سعيد الذي توفي سنة 1873” .

وأضاف حفيد الزاوية المصلوحية الأمغارية “غير أن ثورة العمران في الزاوية، التي شهدها عهد محمد بن سعيد المصلوحي (مولاي الحاج)، تميزت بتشييد إقامته على الطراز المعماري السلطاني المستوحى من الطراز الأندلسي، بمرافقها المختلفة وفضائها المتنوع وإقامات الضيوف وقباب السلاطين والحصون من الخارج. وقد تحولت هذه العمارة إلى عنوان لعظمة الشيخ المؤسس”.

ما سبق جعل الزاوية الأمغارية تعد من التراث المادي والعمراني والروحي لجماعة تمصلوحت، التي توجد على مشارف عاصمة السياحة، وتتوفر على طبيعة آسرة للتأمل في ملكوت الله، فهي على بعد أمتار من المناطق الجبلية والغابات الخلابة المنتشرة، مما جعلها في حاجة إلى عناية خاصة من طرف الدولة من أجل صيانتها وإعطائها المكانة التي يستحقها، يؤكد المانوزي، الذي طالب بإنقاذ هذا الموروث الحضاري، والحفاظ عليه من الاندثار، مضيفا أنه تحفة عمرانية وجزء من تاريخ الإنسانية العمراني.

الأحباس تمنعنا

“وضعنا بشراكة مع المجلس الإقليمي للحوز مخططا لإصلاح الزاوية، وجعلها منطقة جذب للسياحة الروحية، لكن رؤيتنا اصطدمت بتواجد مجموعة من المحلات التجارية المحاذية لها والتابعة لوزارة الأوقاف، والتي تشوه هذا المجال المحيط بهذه المؤسسة الروحية”، يقول عبد جليل قربال، رئيس المجلس الجماعي لتمصلوحت، لهسبريس، مضيفا أن “غلافا ماليا يقدر بـ300 مليون درهم خصص لهذا المشروع”، الذي سيمكن من جعل هذا الموقع الجغرافي يبدو في حلة جميلة وواضحا للعيان عند ولوج مدخل الجماعة.

وزاد قربال قائلا إن “هذه المحلات يمكن تحويلها من المنطقة المحاذية للزاوية إلى مجال جغرافي قريب من مقر الولي الصالح سيد الحاج وإبراهيم، لكن وزارة الأوقاف تعرقل كل محاولاتنا للإصلاح، وهذا سلوك يتناقض مع دعوة الملك محمد السادس كل الإدارات والمصالح لحل جميع مشاكلها، لكن الأوقاف لا تساعد على حل مشاكل العقار وكل ما يمكن أن يساعد على الرقي بجماعة تمصلوحت”.

مختصر الجواب

لم يسبق لنظارة الأوقاف بإقليم الحوز أن توصلت بأي طلب أو ملف في هذا الصدد للدراسة وإحالته على الإدارة المركزية للبت، يقول ملالي الحو، ناظر وزارة أحمد التوفيق بهذه المنطقة الجلية. وأضاف “يمكن لكل من المجلس الجماعي لتمصلوحت والمجلس الإقليمي بالمجال الترابي المذكور، اللذين سيشرفان على عملية إصلاح الزاوية الأمغارية، التنسيق مع إدارة النظارة، التي تظل يدها مفتوحة ومستعدة لكل عملية تفيد الجماعة وسكانها”.

‫تعليقات الزوار

8
  • علال كبور
    الأحد 11 نونبر 2018 - 16:18

    اكثر من ستين سنة من التدمير والاهمال ولم يبق لا البشر ولا الشجر ولا الحجر فقط رموز الفساد السياسي الانتخابي ورموز الفساد السلطوي هم من يظهر عليهم الثراء الفاحش في ضروف التسيب .
    فالبادية أفرغت من سكانها هربوا الى هوامش المدن كلاجءين فكيف للمعمار ان يصمد ؟؟

  • مسكينة
    الأحد 11 نونبر 2018 - 16:56

    مسكينة حتى هي حكروها تخرج إلى الشارع وتتظاهر تربح حتى هي عشرين سنة
    وللى تناشر سنة

  • الاصالة في تطور
    الأحد 11 نونبر 2018 - 17:01

    قال وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية قبل أسبوع أن المغرب فيه ما يزيد عن 3000 ضريح و زاوية سيتم الاعتناء بهم أي سيتم صرف أموال من أجل صيانتهم. السؤال هو ما هو دور هذه الأضرحة و ما دورها في الرقي بالإنسان المغربي ثقافيا و دينيا و اجتماعيا حتى تستفيد من دعم ميزانية الدولة؟

  • بن عمر
    الأحد 11 نونبر 2018 - 17:09

    اتمنى ان تسرع السلطات في الاعتناء بهذه المعلمة.
    لا يجب التهاون مع اهمال رموزنا المغربية الثقافية والدينية.
    كفانا فلولا الزوايا والتدين المغربي المنفتح والمعتدل والمتسامح لاغرقنا الشرق بنموذجه السلفي والوهابي المتشدد المتزمت الذي يعشق السواد والظلام والتقوقع والاقصاء وتدمير كل ما هو جميل.

  • فؤاد
    الأحد 11 نونبر 2018 - 21:01

    أضحكني صاحب التعليق رقم 2.
    صحيح ما قاله معلق رقم 3؛ ماذا استفاد الشعب والمواطن المغربي من وجود هذه الأضرحة والزوايا؟ الكل يعلم ما يمارس فيها من خروقات أخلاقية وفساد.
    سمعنا بوجود مصلحة تهتم بشؤون الأضرحة والزوايا، ماذا فعلت هذه المصلحة وما الذي قدمته واقعيا وبشكل ملموس كي يستفاد من هذه الزوايا وهذه الأضرحة ، أي ثقافة وأي سلوكات وأي روحانيات تستطيع أن تقدمها لنا هذه البنايات بالتعاون مع وزارة الأوقاف في شخص المصلحة المذكورة أعلاه كي ترتقي بسلوك الإنسان المغربي؟؟؟؟؟!!
    وهل هي في مستوى الكفاءة الثقافية و الأخلاقية للوصول لذلك؟؟؟؟

  • مغربي
    الأحد 11 نونبر 2018 - 21:40

    لعبت الزوايا دورا مهما فى نشر الاسلام الوسطى المعتدل ونشر القيم والاخلاق الكريمة والتكافل الاجتماعى ومقاومة الاستعمار والدفاع عن حوزة الوطن اهل الصوفية هم اناس يفضلون دائما ان يكونو فى الحضرة الالهية وبين يدي الباري سبحانه وتعالى وهم ابرياء ممن يقولون عنهم يروجون من الشعودة والخرفات وتقديس القبور هده افعال مشينة شجعها الاستعمار لتكريس التخلف

  • احمد
    الإثنين 12 نونبر 2018 - 06:38

    أنصح الجميع بقراءة كتاب مانع وجامع في هذا الصدد:
    حكم السنة والكتاب في الزوايا والثياب للعلامة العتيبي رحمه الله. شكرا

  • محب الزاوية الامغارية
    الإثنين 12 نونبر 2018 - 21:34

    انصح القراء الفضلاء بقراءة كتاب ماتع و جميل يؤرخ لأسرة آل أمغار الشريفة مستدلا على عراقة شرف هذه الاسرة بعدد كبير من الكتب و المخطوطات لكبار علماء المغرب و المشرق، يرجع اقدمها الى القرن الخامس الهجري ( و أخرى من القرن السادس، السابع و الثامن )، كما يسرد لمحات جميلة من تاريخ عدد من الدول المتعاقبة على المغرب، و يفصل الكتاب ( الموجود مجانا على شبكة الإنترنيت ) تفصيلا جميلا في تاريخ الامغاريين ، بفرع تمصلوحت. اسم الكتاب " الأشراف آل أمغار- تاريخ و مسار" من تأليف الباحثين الكريمين فؤاد لمغاري و مولاي الحسن الأزهري.

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس