على بعد ملمتر واحد .. الفصل الأخير

على بعد ملمتر واحد .. الفصل الأخير
الأربعاء 28 يونيو 2017 - 19:15

كان حفلا بسيطا أنيقا. لم يكن هناك الكثير من الحضور. فقط موظفو المتحف الأمريكي وصديقا خالد المهدي ومنير، وبضع صحافيين. ألجمت المفاجأة في بادئ الأمر لسان خالد فصمت عن الكلام المباح. يومئ برأسه شاكرا عاجزا عن الكلام بينما يصفق له الجميع إذ يدخل باب المتحف، بينما يتسلى البعض بتفجير بالونات ومفرقعات على سبيل الترحيب..

من وسط الوجوه يطل وجه نحيل باسمٌ بعيون سوداء ينحرف سواد إحداها نحو اليسار.. وجه الزهرة. يصعق خالد.

– أأنت وراء كل هذا؟

– ومن غيري؟ في كل الأحوال كان لابد لأحد أن يخبرهم بالحقيقة كاملة.. من المجحف حقا ألا يعلم أحد بالتضحيات التي بذلت من أجل اللوحة ومن أجل طنجة..

– ما فعلتهُ لأ ُحــْــمد..

– مثالية جميلة.. وأعرف أنك ما كنت لتفعل ذلك يوما.. أنا قمت بالمهمة بدلا عنك لأعفيك مما لن تفكر فيه أصلا!

– لا أدري أأتفاجأ من الحفل أم من وجودك هنا؟

– لقد حضرت قبلك بثلاثة أيام، وجئت المتحف كي أحكي لهم كل القصة.. أما الاحتفاء بك فكان اقتراحا منهم لا مني بصراحة..

– اعتقدت أنها كانت آخر مرة أراك فيها يوم أوصلتك بعد أن…

– توقف.. لا تنكأ جرحا بدأ يندملْ.

كانت هناك كعكعة في وسط المائدة المستطيلة كتب عليها “زهرليزا 1952- 2017”.

– ماذا تقصدون بالتاريخين؟

– إنهما تاريخي ولادة الزهرة.. الأول سنة َ رُسمت، والثاني سنة َ وُلدت من جديد بعد أن أعدتـَها.

يلقي مدير المتحف كلمة قصيرة يسرد فيها تاريخ لوحة زهرليزا وحكاية خالد معها قبل أن يمنح الكلمة لخالد. يتفاجأ الأخير. يتنحنح.

– شكرا لله.. شكرا لطنجة.. شكرا لكم..

فقط ثلاث جمل قبل أن يشير بيده للجميع أن واصلوا الاحتفال.. لقد قلت ما لديّ.

لقد كان خالد صادقا في عدم رغبته في الفخر بما فعله من أجل طنجة. لقد قدمت له طنجة أشياء كثيرة لا يمثل ما فعله عُشرها في نظره.

تقول له الزهرة:

– هناك جديد في موضوع التحقيق مع عصابة بلجيكا..

– صحيح؟ آتيني آخر الأخبار.. لقد لقيتُ من لهفتي نصبا.

– لقد حصلت هدى على البراءة..

– هل أنت جادّة ؟

– نعم.. لقد وجدت تفاصيل قضيتها في جريدة محلية غير واسعة الانتشار.. .. واضح جدا أنها داهية.. محاميها طالب من الدكتور برنار والعصابة أن يأتوا ببرهانهم إن كانوا صادقين.. فالبينة على من ادعى. لكن واضح جدا أنه لم يكن لديهم سوى الكلام وبضع رسائل غامضة المحتوى لا تستطيع أن تمسك من خلالها بشيء. في آخر المطاف وجدوا أن شراء حقيبة سفر كهدية ليس جريمة يعاقب عليها القانون فأطلق سراحها..

– لا بأس.. هذا أفضل.. لا أحب أن يعيش أحد نصف ما عشته في السجن، خصوصا لو كان أنثى..

– لا زال في القلب شيءٌ من هدى؟

– ثقي أنني لا أعاني من متلازمة “ستوكهولم”. صحيح أنني لا أكرهها ولا أرغب في الانتقام منها، خصوصا بعد أن رأيت ما رأيت من الحياة.. لكن هذا لا يعني أن في القلب أيّ مشاعر نحوها.. كما لا يعني ألا نقوم بالتسلية التالية..

– وما هي هذه التسلية؟

يجر خالد الزهرة من يدها ثم ينادي أحد الصحافيين قائلا:

– اسمع.. سأخصك بحكايتي الكاملة لنشرها بشكل حصري لكن بشرط..

– شروطك أوامر..

– أن تزين تقريرك بهذه الصورة التي ستلتقط لي الآن أنا والزهرة..

– كلامٌ لا يُردّ..

يقف خالد والزهرة وبينهما، في الخلف، تبدو لوحة زهرليزا.. يبتسمان. يضغط الصحافي زر التصوير.

تسأل الزهرة:

– لماذا بالضبط هذه الحركة؟

– سنرسل هذا التقرير كاملا لعزيزتنا هدى بعد أن نحصل على عنوانها.. عدم الحقد لا يعني عدم التشفي..

– يالك من عابث..

المهدي يخبر خالد أنه سيعود للعمل في المتحف بعد اعتذار وطلب من الإدارة. ينتهي الحفل. يغادر الجميع. يقصد خالد والزهرة مقهى “الحافة” المطل على البحر.. الأمواج تغني سمفونية سعيدة كانت قد نسيت إيقاعها ذاتَ حزن. شمسُ صيفِ طنجة تلوح بيدها مودعة تاركة زمام الأمر لـــليلها الصاخب.

خالد والزهرة صامتان يتأملان المشهد. يقولان آلاف الكلمات ولا يُسمع حسيسها. يتحدثان ولا يحركان شفاههما. صمتهما يثرثر بينما قلوبهما تعلن ميلاد حبّ طاهر نقي تحضنه طنجتهما..

خالد، أخيرا، يبدأ في ذهنه بكتابة أولى كلمات روايته القادمة:

شعرة واحدة.. ثانية واحدة.. حركة بسيطة.. كل هذه التفاصيل التي لا نلقي لها بالا، قد يكون لها – أحيانا كثيرة – تأثير كبير على حياتنا.. بل قد تغير حيواتنا إلى الأبد، وبشكل كامل. ترددّ على بعد ملمتر واحد قد يحول دفة مركب الحياة إلى اتجاه لم نكن نعلمه.. (النهـــــــــــــاية).

لقراءة الفصل السابق: مفاجأة تنتظر خالد في طنجة !

*روائي مغربي | [email protected]

‫تعليقات الزوار

25
  • محمد أيت بريم
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 19:29

    والله العظيم كنت أكثر شوقا لنهاية القصة،إلا أنه في نفس الوقت يحز في نفسي إنتهائها عشنا معكم رمضان بشوق و متعة،قصة رائعة ولا تشعر معها بالملل.شكرا للكاتب ستيتو و شكر خاص للهسبريس كما نرجو منكم أن تتحفنا بقصة أخرى و شكرا.
    تحياتي

  • منى
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 19:36

    تابعت القصة منذ بدايتها، انها رواية جميلة جدااا واتمنى ان تصبح فلما في يوم من الايام

  • laaroussi
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 19:52

    نهاية جميلة تحوي نفحة حب ومشاعر وهاجة لطالما كان بطلنا خالد في حاجة لها, فكانت الزهرة بلسما شاف له وجاءت في الوقت المناسب لترمم جروحه.
    اخي الكاتب لك شكر خاص على هذا العمل الرائع والذي يستحق التنويه والاحترام, ونأمل ان تنشر هسبريس الرواية الثانية والتي ذكرت في السطور الاخيرة. متمنياتي لك بالتوفيق ودمت في امان الله.

  • wafae españa
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 20:02

    قصة في غاية الروعة .بدايتها جميلة ونهايتها اجمل .فعلا استمتعت بها طيلة شهر رمضان الكريم.شكرا جزيلا .وعيد مبارك سعيد للجميع

  • rachid chbihi
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 20:32

    عشنا معكم احلى اللحظات و اكثرها تشوقا
    شكرا للكاتب و شكرا لهسبرس

  • latifa
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 20:50

    قصة جدا راءعة لا تحس معها باي ملل اتمنى ان تتحفنا هسبريس بقصة اخرى شكرا للكاتب

  • Aziz Aziz
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 21:02

    شكرا، شكرا، شكرا،، امتعتنا بهذه القصة ، ولا نريدها ان تنتهي،،،انك رائع والله،

  • slaoui
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 21:45

    on a passer de bon moment de lecture durand ce ramadan.ceSt un vrai plaires .merci et bonne continuation.

  • mekiko
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 21:50

    قصة أكتر من رائعة شكرا عبد الواحد

  • حلا
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 22:08

    يويويويووووووو هكذا تكون النهاية السعيدة اتممت القراءة بزغرودة فاجئت الحضور الذي يقاسمني الغرفة ورايت تعابير وجوههم المستغربة المتسائل قبل ان اسمع حماقتي وقيلا فكان الجواب قهقهة خفيفة قبل ان اقول ربما ولكنها النهاية نهاية رواية خالد وزهرة التي افرحتني كما تمنيتها تماما ضحك الجميع وقالوا الله يستر قولي امين

  • Said abou roaa
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 22:22

    اشكر الكاتب استيتو على هذه القصة رائعة جدا التي اتحفتنا في شهر رمضان المبارك. و اشكر كذلك جريدتنا هسبريس التي لا ولها ما عرفنا الكاتب ولا القصة.من هذا منبر اشكر larroussiو حلا الذين كانوا يتابعان القصة كل شهر رمضان. فكنت دائما اقرأ التعليقات مرسلة من جميع القراء .وشكرا مرة أخرى لهسبريس ننتظر القصة الثانيةللكاتب و المهندس ابن طنجة. ..ستيتو

  • Roufix
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 22:56

    السي عبدالواحد،قصة رائعة تفوح بعبق طنجاوي اصيل،احتراماتي.

  • Bel
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 23:37

    Merci pour la superbe histoire. Très bien écrite. Bonne continuation.

  • العربي
    الأربعاء 28 يونيو 2017 - 23:56

    قصة ممتعة حقا تابعتها بشغف كبير . شكراً جزيلا

  • Khalil
    الخميس 29 يونيو 2017 - 00:22

    Merci infiniment pour votre histoire que j'ai suivi depuis le début de ramadan. C'est devenu pour moi un rendez-vous journaliers. Je salue aussi hespress pour nous avoir concocté cette histoire et j'espère qu'elle continuera à encourager les éditions des auteurs marocains. Stitou un grand respect poir ta créativité et écriture brillante.

  • محمد المشيشي سنغافورة
    الخميس 29 يونيو 2017 - 00:36

    قصة أكثر من رائعة. واصل أخي استيتو إتحافنا بجديدك. شكرًا جزيلا لك ولكل من ساهم من قريب أو من بعيد في نشر هذا النوع الأدبي الشيق.

  • فيصل
    الخميس 29 يونيو 2017 - 02:39

    فعلا قصة رائعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى،شكرا للكاتب عبد الواحد و شكرا هسبريس لم استطع صبرا خلال قرائتي في الاسبوع الأول من رمضان فبحثت و طلبت نسخة من القصة فانهيت قرائتها في يوم واحد.ننتظر المزيد.عيد سعيد

  • tanjawi moghtarib
    الخميس 29 يونيو 2017 - 03:03

    المرة المقبلة التي أزور فيها مدينتي سأقوم بزيارة للمتحف لأمريكي لألقي نضرة على الزهرليزا الطنجاوية. لقد شوقتني ياأخي لرؤيتها. مسيرة موفقة تابع.

  • سعاد
    الخميس 29 يونيو 2017 - 05:36

    فعلا قصة رائعة مشوقةتابعت احداثها طيلة شهر رمضان اتحفنا بها الكاتب عبد الواحد استيتو عشناها وكانها جزء منها انتظر نا باقي الحلقات بصبر ا شكرا هسبريس على النشر ننتظر روايتك الثانية ايها الكاتب الراءع.

  • هند
    الخميس 29 يونيو 2017 - 09:03

    رواية جد رائعة قرأتها يوما بعد يوم و شاركت اصدقائي في قراءتها و التمتع بها. …شكرا للكاتب و نتمنى المزيد.

  • مصطفى بو
    الخميس 29 يونيو 2017 - 15:44

    شكرا للكاتب على هذه القصة الرائعة و شكرا خاص للهسبريس على النشر و شكرا ايضا لحلا على تعليقاتك الرائعة التي اعتبرتها جزءا من القصة

  • حلا
    الجمعة 30 يونيو 2017 - 04:14

    شكرا جزيلا لكل من تريث والقى نظرة على تعليقاتي وقرأها.اخجلتموني والله.والآن سأعيد قراءة الرواية بهدوء بعد أن حصلت على نسخة منها واعدك يا كاتبنا العزيز أن اكون من قراء إصداراتك الأوفياء.وأتمنى من جريدتنا ان تستمر في نشر الروايات وتجعلها نافذة دائمة وليست رمضانية فقط لتعرفنا على أدبائنا وانتاجاتهم الرائعة المجهولة.

  • Shanghai 上海
    السبت 1 يوليوز 2017 - 15:54

    Chokrane chokrane bzaaaaaf
    On aimerai bien avoir Une presentation de l ecrivain sans hespress on l aural Jamais connu
    Il faut l encourage
    Merci beaucoup encore une fois
    Mr stitou tahiyati lakom

  • حلا
    الأربعاء 1 نونبر 2017 - 01:39

    النسخة التي حصلت عليها بعد ان كلفت شخصا باقتنائها ليست رواية على بعد مليمتر واحد بل رواية أخرى.

  • بنت الرباط
    الخميس 28 ماي 2020 - 05:18

    وقرأتها كاملة في ليلة واحدة.!!!لا اهتم ان قرأ أحدهم تعليقي ام لا. المهم ان اشكر الكاتب وهسبريس على امتاعنا والاحتفاظ بالرواية لكل من يبحث عنها هنا

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 7

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس