الشاعر سرحان "يبتكر" أساليب جديدة في "التعديل الوراثي" للإنسان

الشاعر سرحان "يبتكر" أساليب جديدة في "التعديل الوراثي" للإنسان
الجمعة 29 مارس 2019 - 05:00

تابعت قبل مدّة، على إحدى القنوات التّلفزيّة، برنامجًا حول التغيُّرات التي طرأت على غذاء الإنسان في العقود الأخيرة. محور البرنامج كان حول دراسة كنديّة قديمة تَمَّ إجراؤها على الخضار والفواكه. وكان من نتائجها، على سبيل المثال والتلخيص، أنَّ القيمة الغذائيّة لحبّة خوخ سنة 1955 تضاهي نظيرتها لسِتٍّ وعشرين حبّة سنة 1993.

ولو قمنا بِتَحْيين هذا المثال، وقد مرّ عليه الآن ربع قرن، لفوجئنا بأنّ الحبّة تلكَ تساوي شجرةَ خوخٍ في عزّ موسمه، ولكان لدينا الدليل العلمي، الذي لا يُدحض، على وجود الثمرة التي تخفي الشجرة.

كنت سأعطي المثال بالجَزَر، لولا أنّ ارتفاع نسبة من يضعون نظّارات طبّية، ممّن استطاعوا إليها سبيلا طبعًا، يغني لا عن المثال فقط، وإنّما عن الدراسة أصلًا. والإشارة واضحة، هنا، إلى البصر فحسب، إذ لا علاقة للجزَر بمَدِّ البصيرة وجزْرها.

إنّ كثرة الأفواه هي ما وجّه العالم إلى إنتاج الوفرة لا الجودة. لذلك، فإنّ التعديل الوراثي، والزراعة المغطّاة، وطرق الرّي الحديثة، ومختبرات البحث الغذائي، وأساليب التسميد والتسمين، وحِيَل الحفظ، وأحابيل التّلفيف والتّلفيق… كلّ هذا وغيره بات ينحو منحى الإنتاج الذي يغذّي جوعَ الاستهلاك، لا صحّة المستهلك.

ليس عسيرًا على أحد الآن أن يُسقط نتائج تلك الدّراسة على غير الخضار والفواكه. ففي السّنوات الأخيرة وقف العالم أجمع على حقيقة أنّ بقرة عاقلة واحدة أحسن من قطيع مجنون، وأنّ دجاجة سليمة أفضل من حظيرة موبوءة… ولسوف يطول وقوفه، إذ ليست مثل هذه الحقائق المخيفة ما ينقص.

ولعلّ عبارة “خالي من الدّسم”، التي صارت تَسِمُ بعض المُعلّبات، ليست سوى النّزع الأول في احتضار الغذاء، سيليه ما يليه قبل أن تستتبّ الرفوف لمنزوع النفع، الذي سيغدو عزّ الطلب بوصفه أخفّ الأضرار.

وإذا كان هذا بعضٌ منْ حال النّبات والحيوان، بعد التَّدَخُّل في طَبيعَتيْهما، فكيف هو حال الإنسان الذي يتغذّى عليهما؟ وكيف حال غذائه غير المادّي، بعد أن طال العبث منه الخريطة الجينية للقيم، وانطفأت الكثير من مورِثاته المضيئة؟

معظمنا لا ينتظر جوابًا على هكذا أسئلة. فالآثار الماديّة لفساد الأطعمة صارت أوضح من أن يُشار إليها، إذ يكفي أنّ الإنسان الآن بات يشكو من أمراض أغرب بكثير من تلك التي كانت تودي بسلفه الغابر، ولا يكاد الطّب المعاصر يحاصر الواحد منها حتى يتفاجأ بما هو أشرس منه.

أمّا الآثار غير المادّية لإسفاف القِيَم، فيستحيل حصرها لِمَا لها من تداعيّات على كلّ مناحي الحياة. فلو كان الإنسان يحمل سِمَةً مكتوبةً على جبينه إسوةً ببعض المعلّبات، لكنّا كلّ لحظة وحين نصادف “الخالي من المروءة” و”الخالي من النزاهة” والأخلى منهما، ولكان “منزوع الإنسانيّة” ماركة مسجّلة تسعى بين ظهرانينا.

لقد انحدرت حبّة الإنسان أكثر بكثير ممّا فعلت حبّة الخوخ تلكَ، على أكثر من صعيد وعلى غير ما مستوى، ولسوف تظلّ تفعل في منحدر لا يبدو له من الحضيضِ حضيضٌ.

لحسن الحظ أنْ ليست هنالك دراسات عن الإنسان كتلك الدراسة الكنديّة، وإلّا كنّا نشهد الآن، بكلّ مرارة، كيف تتسع علبة ثِقاب لغابة كثيفة من أشباه الأنام.

‫تعليقات الزوار

12
  • رضوان
    الجمعة 29 مارس 2019 - 08:06

    كلام في منتهى الصلاحية…و لا أحد يجرؤ التدخل فيه عندنا أو بلورته… فقط البعض يقومون بالتلميح اليه…ولا احد يريد حمل المسؤولية…و العالة تزداد تفاقما. لأن في هدا الوقت الكل يريد فقط التظاهر بالعيش و نسيان كل المشاكل أو تناسيها …حتى لايقال عنه أنه سلبي أو يريد تحطيم معنويات الغير لأنهم يعرفون وبما انهم متحضرين اختارو طريق عدم لفت الانتباه … لانه لايوجد حل…وكانهم امام باب مغلق! وهدا كلام فارغ ! يجب أن يتحلى المرء بالشجاعة في قول الحق وتوعية الناس وانداك سنجد الحلول تدريجيا أما الاستهلاك المرضي و السترة فإنها تخدم فقط مصالح البانضية. انضروا ما يقع الآن في فرنسا …بين مطالبهم ..يريدون تقنين الحد الأقصى للمبيدات و التغييرات الجينية…كفى! والغريب أن التلاميذ هم من يقود الحملة…!!!

  • ahmad
    الجمعة 29 مارس 2019 - 08:57

    مادة رصينة لكاتب رصين
    شكرًا له
    وشكرًا لهيسبريس

  • فايزة
    الجمعة 29 مارس 2019 - 09:20

    موضوع في المستوى أعجني كثيرا
    فعلا لو أقيمت دراسة على طبيعة الانسان في زمننا الحالي وتركيبته لتفاجأنا أنه أصبح خالي من كثير من القيم الانسانية وكما قلتم منزوع الانسانية .
    تحياتي لكاتب المقال ولناشره

  • samari..samari
    الجمعة 29 مارس 2019 - 09:36

    الاستاذ الفاضل والشاعر الباقعة والكاتب النابغة (سرحان) دفعتني للتعليق بعد ان قرات ما خطت يمينك فلا شلت يمينك عجزت عن اقيم او اقول شيئا بعدك سوى ان موضوعك بجودة عالية ومركزة وخالية من الترقيع …احترم قلمك سيد سرحان….

  • نور الاشراق
    الجمعة 29 مارس 2019 - 09:39

    يبدوا ان القضية البشرية كوعي و حضارة وصلت الى القمة في عصر الاشراق و الان نحن في عصر التدهور نحو الاسفل. الصحة في تدهور، المعيشة في تدهور،النفسية ،العقلية،الاخلاق… ان الحرب العالمية الثالثة نعيشها دون ان ندرك ذلك.انها حرب نفسية. كل العالم اصبح كئيبا و يعاني الوحدة و العدمية، و السبب هو ان مجتمعا مادي يحاول اشباع (السعادة) ما هو روحي بماهو مادي (المال).
    الانسان لم يخلق ليعيش بين الجدران يسدد الديون و القروض و يعمل 80% من عمره ثم يموت و كأنه لم يكن.
    الانسان خلق ليكتشف الاسرار المدفونة في الوجود الانسان خلق ليبتكر،الانسان خلق بعقل عميق و نظر ثاقب ليرى ما وراء الاشياء،
    لكن الان اصبح حلم الانسان ان يقتني سيارة و شقة و يتزوج.و ذلك ليس حلما بل انه واجب بيولوجي حتا العصافير تبني عشا و تجلب انثى لتبيض فيه..
    نظرة بسيطة في السينما و اليوتوب و الشارع ستريك 99% مما يشغل الانسان المعاصر : الجنس،المال،الطعام،العنف،الفضائح،حياة المشاهير،السيارات،التفاهات.
    نحن في ذنب الحضارة، كان هناك قبل الانسان البدائي الهوموسابيان فصائل اكثر بدائية اسمهها: اكشوان اكنوان و نيبا و سينا و باطمة و هيفا

  • سرحان سرحان
    الجمعة 29 مارس 2019 - 10:27

    مقال رائع جداً انها الحقيقية المرعبة التي لا احدا يجرؤ على قولها مع إستثناء الدكتور الفايد رغم العراقيل التي يواجهها.لوبي شركات التغدية والأدوية لا يهمهم صحة الإنسان بقدر ما يهمهم الربح المادي…

  • آدم
    الجمعة 29 مارس 2019 - 10:28

    قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا.
    أيها الاخ الكريم: تفرس في "أحناكهم" وسترى عجبا عجابا !!!
    أما ما في بطونهم فأعجب .
    —–

    لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
    وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ
    وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ
    وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا .

    لقد تاه "إنسان" العصر وشقي ، لقد لبى وحقق تطلعات إبليس حتى صار "أبلس وأشطن" !
    صار يجتهد ويسارع في صناعة الأمراض ويرصد لها ميزانيات خيالية بالملايير
    حتى وصل إلى درجة:
    وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
    قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا
    قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى

  • شهد
    الجمعة 29 مارس 2019 - 10:35

    يا حبذا لو تكثر هسبريس من هذه المواد و المقالات التي اقل ما يمكن ان اقول عنها انها تنظف آذاننا و تنقيها موضوع مهم بلغة اهم

  • محسن
    الجمعة 29 مارس 2019 - 11:24

    اسلوب راق.فعلا الطريق من هنا تبدأ .لابأس بتحليل الجينات.ربما كانت علتنا فيروسا خبيتا اكتسب قوته من ضعفنا .ولعله يفتك بوعينا قبل كل شيء.

  • bahi
    الجمعة 29 مارس 2019 - 12:57

    حسب معلوماتي: يوجد ضمن جيناتنا جينات دخيلة اصلها جينات فيروسات سبق ان تعاملت مع الانسان و تم دسها ضمن جيناتنا.

  • رأي1
    الجمعة 29 مارس 2019 - 21:50

    اننا ندفع ضريبة عدم قدرتنا على التحكم في غرائزنا ورغباتنا.يوم كان الانسان يقتصر وجوده على اشباع حاجاته الضرورية وضمن حدود معقولة كان يشعر بنوع من السعادة وينام قرير العينين.يذكرني ذلك بتلك الشاعرة البدوية التي تمردت على حياة القصور وفضلت بساطة العيش.وقالت:لبيت تخفق الارياح فيه.. احب الي من قصر منيف.وأكل كسيرة وتقر عيني …احب الي من اكل الرغيف…حاجاتنا تطورت ورغباتنا تعددت وتناسلت على نحو جعل الواحد منا لا يعرف الراحة وسكينة الجسم وطمأنينة النفس.واعدادنا قد تزايدت وكان لا بد من تطوير وسائل واساليب الاشباع حتى ولو كان ذلك على حساب عافيتنا الجسمية والنفسية.لا تنتظر من البقر الطبيعي والدجاج البلدي ان يرضي هذا العدد الهائل من الافواه.

  • محمد بنعدي
    السبت 30 مارس 2019 - 09:27

    تحياتي الاخ سعد موضوع في الصميم ولو انه لازال من يحمل قيم المصداقية والنزاهة ولكن يعيش وحيدا ومعذبا

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب