"دفاتر تفكيك خطاب التطرف" .. الجهاد يلازم القلب واللسان والبيان

"دفاتر تفكيك خطاب التطرف" .. الجهاد يلازم القلب واللسان والبيان
الأربعاء 30 يناير 2019 - 00:00

كلّما حصد غدرُ “الانقِتَالِيِّين” أرواحا بريئة، يتجدّد التقاطب بين واسِمِي الإسلام بتوفير ظروف الغلوّ والتشدّد التي تمهّد للعنف العمَلي، وبين مُبرّئِي تلقّي الناس لهذا الدين جملة وتفصيلا، وإلقاء اللوم على قراءات “أفراد متطرّفين مستلبين”.

وفي سياق إنساني كِيلَت فيه للإسلام اتهامات عديدة، وأصبحت سِمَته الأساس في بعض المجالات التداولية، تزداد حاجة المؤمنين وغير المؤمنين إلى وقفات صادقة مع النفس، تفكّ عن الكثير من المفاهيم والتصوُّرات والاعتقادات ما شابها من قيود العادة، والانغلاق، والتسليم المقلِّد دون إعمال لواجب محاولة الفهم، ونعمة التفكير وأمر “استفتاء القلب”..

في خضمّ هذه التطوّرات أصدرت الرابطة المحمدية للعلماء دفاتر جديدة تروم “تفكيك خطاب التطرف”، وتخوض غمار وضع مفاهيم تُوُوطِئ على التسليم باستيعاب معانيها ونهاياتها المنطقية ما تيسّر من الزمن، على طاولة التشريح..

وفي سلسلة جديدة، تحاول جريدة هسبريس الإلكترونية قراءةَ “دفاتر تفكيك خطاب التطرف” من أجل تقديمها للجمهور العريض الذي تعنيه وتمسّ تصوّراته ورؤيته للعالم وعمله فيه، ومن أجل فتح باب النقاش حول مضامينها التي تهم كل الأطراف باختلاف تمَوقعاتهم السياسية والثقافية والعقدية؛ لأن مسألة العيش المشترك تتجاوز الأفراد والجماعات، لتمسّ وحدة المصير وطبيعة المستقبل الذي نريده.

مسار الجهاد

قال أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، إن الجهاد كما يُقرأ من سورتي “براءة” و”الأنفال”، “ليس جهادا بالسنان والسيف فقط كما يحاول البعض تصويره”، مضيفا أن المقصد الذي في السورتين “كلُّهُ سلمي بامتياز”، وأن الإعداد للقوة ورباط الخيل إنما للإرهاب عن العدوان، وثنيِ من ينوُونه عن الإقدام عليه بإظهار قدر من القوة يرهبهم من عواقبه.

وبعد التذكير، في دفتره الثالث المعنون بـ”في تفكيك مفهوم الجهاد”، بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عز وجل عنه”، ذَكَر العبادي أنه لا يمكن بدأ مسار الجهاد دون الجهاد الأول؛ أي “جهاد النفس حتى لا تبقى في غفلتها”، مضيفا أن المراد من وراء هذا الجهادِ هو جهادُ التساؤل وجهاد الانتباه، الذي يُبرعِمُ في النفس إرادة البحث عن أجوبة هذه التساؤلات.

وصنّف الكاتبُ الجهادَ أصنافا، أوّلُها ما ذُكِرَ من “جهاد النفس” عن بقائها في الذهول لكي تستيقظ، ثم “جهاد النفس حتى لا تبقى في حالة جمود” بتدريبها على التساؤل الذي سيؤدّي إلى “جهاد المكابدة”، للبحث عن الأجوبة، والذي سيؤدي بدوره إلى “جهاد إلزام النفس بالاستدامة على طلب العلم”، ثم “جهاد الموانع” التي تحول دون طلبه..

إعلان الجهاد مقصور على إمارة المؤمنين

يعدّد عبادي خمسة وثلاثين صنفا للجهاد، لا تكون ثلاثٌ منها إلا بإذن من “مؤسسة الإمامة العظمى”، التي يذكر أنها “منضبطة بضوابطها الشرعية، وإجماعَاتها الفرضية، ومتطلباتها الحكمية، ومصداقيتها التاريخية”، ولذا تكون لها الصلاحية الحصرية في إعلان الحرب، والإذن بالقيام بـ”الجهاد بالانتظام في البنيان المرصوص”، و”الجهاد بالحراك إلى الميدان المنصوص”، و”الجهاد بالقيام بالقتال المخصوص”.

صلاحية إعلان الحرب إذن، حسب الكاتب، مكفولة فقط لمؤسسة الإمامة العظمى الشرعية، مذكّرا بأن لهذه المُؤَسَّسة فِقْهُهَا المفصَّل الذي يحتاج إلى “اجتهادات مستأنفة لإعادة تجلية أحكامه ومقاصده، في ظل المقتضيات الضاغطة بهذا الصّدد في السياق المعاصر”.

وحُوِّلَ الجهاد الذي يحمل، حسب الدفتر، معاني “استفراغ الطاقة، وعدم الخوف في الله لومة لائم، والعمل لله حقّ عمله، وعبادته حق عبادته، ومجاهدة النفس والهوى”، عبر التاريخ الماضي والحاضر، إلى “أداة قتل في أيدي أهل المروق، هُوَ وسائر المفاهيم الكبرى في الإسلام”.

الجهاد من أجل السلام

يذكّر دفتر “في تفكيك مفهوم الجهاد” بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رأس الأمر الإسلام..وذروة سنامه الجهاد”، ليستنتج أن الجهاد حالة مصاحبة للإنسان في كل أحواله، وأنه حسب كمال درجة جهاد الإنسان تعظُمُ منزلته عند الله؛ فيكون ملازما للقلب، واللسان، وما يصدر عن الإنسان من بيان، “وحين يقعُ التهديد بالأذى والضّرر يُفرض الدفاع عن الأرواح، وحقن الدماء بكل الوسائل المتاحة لمنع من عنده نية العدوان من إمضاء عدوانه”، مستشهدا بآيات من مطلع سورة التوبة ليبيِّن أن “المشرِكين الذين يُصِرُّون على شِركهم وإشاعَتِه، ويُصرّون على أَذى المسلمين وعدم احترام العهود والعقود، يُبرِئون المسلمين بسلوكهم هذا من مراعاة ذمتهم، بخلاف المشركين الذين عاهدوا ووفّوا”.

من يصرّون على الأذى والتجييش، حسب عبادي، تتجلَّى وظيفة الآيات، التي ترد في مطلع سورة التوبة، في ردِّهِم عن غيِّهم وثنيهم عن أذاهم، أو إقامة الحجة عليهم وتبرئة ذِمَّة المسلمين إزاءهم، مضيفا أن “من أقامهم الله تعالى بريادة نبيه عليه السلام لبناء هذا الدين في بعده التطبيقي، وبعده التنزيلي، شكَّلوا طائفة لا بد أن تحمي ذاتها، وتحمي هذا البناء..”. ومن هنا يمكن فهم تغيير منظومة العلائق في الإسلام، فرغم أن العلائق الدموية، التي كان يرتكز عليها المجتمع قبله، فيها واجب صلة الأرحام فإنَّها “عُزّزت بالمُكَوِّن العقدي، مع إعطائه من الأهمية والأولوية ما يضمن رفع بناء المجتمع الجديد الناشئ على أمتن الأسس”، وحتى لا يكون “سلخ الأعمار” إلا مع “من يتم معه التعاضد لرفع معمار الرحمة والفضل”.

والجهاد في صنف من أصنافه، حسب الكاتب، غرضه “إرهاب من يكنّون في أنفسهم عزائم العدوان، حتى يعدلوا عن هذه العزائم، فتُفسَخَ”، وهنا يكون “السلم هو المطلب الجوهري”، مصداقا لآية: “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكّل على الله”، حتى لو “كنت تعلم أن عندهم إرادة مخالفتك”. وبالتالي فإن “التسلّح هو أساسا لثني المعتدين، حتى يستقرّ السِّلم، وتتيسّر شروطه”، ويكونَ الإبداع، والترقي، ورؤيةُ ثمرات العمل بهَاديات الوحي بالتأسيس عليه. وهذا حسب الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء “بناء واضح لمقتضيات إثبات وإقرار الأمن والسلم في المجتمعات لتكون مجتمعات العدل والرحمة والفضل والخير..أما إذا أصر أهل العدوان على عدوانهم فإنهم يجدون أمامهم من القوّة الفعليّة، والاستعداد للتضحية والاستماتة فيها ما يصدّ عدوانهم، ويجعلهم يضربون ألف حساب قبل اعتزام العدوان على أهل الإيمان”، حسب تعبيره.

‫تعليقات الزوار

12
  • احمد امين
    الأربعاء 30 يناير 2019 - 00:09

    اتسايل لمادا الارهاب لا ياتي من ناس الامارات و قطر و سلطنة عمان…….
    لمادا فقط من الدول المغاربية.. السبب هو الفقر و الصراع علي التروة و السلطة….
    يجب تفعيل الديموقراطية و العدل و المساواة، و التربية و التعليم…. لبناا مجتمع طبيعي…
    فمجتمعنا المغربي اصبح مخيف، العنف، المضاربة، القتل، السحر، النصب، الحسد، الحقد…
    اما فقهااأ الرابطة المحمدية، فهم مستفيدون مرتزقة، منافقون، متل حزب بنكيران. كبنكيران و مااأ العينين في باريس..
    يجب تفعيل الديموقراطية و التربية و التعليم

  • البجعدي
    الأربعاء 30 يناير 2019 - 00:26

    بالله عليكم لو كان لكل مغربي الحق في التعليم والشغل ، والسكن و الصحة والمعاش والعيش بكرامة هل سنسمع كلمة التطرف أو الإرهاب ؟؟؟؟؟ إذا هؤلاء اللدين يستولوا على ثروات هدا البلد هم من خلقوا التطرف والإرهاب

  • Almsali
    الأربعاء 30 يناير 2019 - 01:11

    التطرف لا يأتي من فراغ و انما يأتي عندما يحس الشخص أن ليس له قيمة داخل المجتمع.هنا نطرح السؤال كيف ينظر الشخص لنفسه و كيف ينظر إليه المجتمع غلبيتكم تعرف الجواب محكورين مهضومين فماذا تنتظر من هذا الشخص .أنا مقتنع تمام الاقتناع محاربة التطرف تبدء من جودة التعليم مرورا باستقلالية القضاء ختاما بالعمل الذي يضمن قوت يومه حينئذ لا داعي أن تلوم الخطاب الديني

  • ايمن
    الأربعاء 30 يناير 2019 - 03:58

    نصيحة لمن يريد أن يتناول هكذا مواضيع أن لا يتحامل على الدين وليبرز الحقائق كما هي فقط
    هل دين يسمح نبيه عليه الصلاة و السلام للنصارى بالصلاة في مسجده يمكن أن يدعو لقتلهم بل قد ورد الدليل بأن من قتل معاهدا مصيره نار جهنم

  • السنهوري
    الأربعاء 30 يناير 2019 - 06:28

    يعتبر الشباب كمجموعة ديمغرافية للمجتمع من بين الأكثر عرضة لانتشار التطرف. تدني نوعية الحياة عدم وجود أمن وظيفي ورفاهية مستقرة ؛ عدم قيام وزارة الشؤون الإسلامية بالدور المنوط بها والعيش في وهم الشعارات الجوفاء ، من قبيل المغرب بلد التسامح و……هي العوامل الرئيسية لتعرض بعض الشباب للمشاعر المتطرفة.وسهولة استقطابهم من الفكر المتطرف العابر للحدود مستغليين ظروف الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة والتفاوت بين الطبقي والجهوي ….

  • Ali
    الأربعاء 30 يناير 2019 - 09:44

    وأخيرا تكلم العلماء في أمر يهم الأمة! وددنا لو كان لهم تتبع يومي لحياة الناس لينيروا لنا الطريق ويجمعوا شمل الأمة على الخير والهداية والعدل والمساواة. إن غياب هؤلاء العلماء عن المشهد الواقعي للأمة، وفقدانهم لثقة الناس فيهم، وتفضيلهم الكراسي على قول الحق ولو كان مرا، هو إحدى الأسباب لظهور التطرف بمختلف اتجاهاته .وتجلياته.

  • ابن سينا
    الأربعاء 30 يناير 2019 - 09:50

    دائما في كل المواضيع المتعلقة بالإرهاب و التطرف يهاجم المداويخ الدولة يقولون بان التطرف سببه الفقر و جودة التعليم والسكن و الصحة و أنا من هذا المنبر أقول لكم تبا لكم و بأفكاركم العدمية يا عدميين هل رايتم ان الدولة قد منعت احدا من التعليم و رجوعا إلى الموضوع الفقر لا علاقة له بالتطرف مغاربة هولندا بلجيكا فرنسا اسبانيا انتقلوا إلى سوريا مع العلم في أروبا التعليم الصحة يا المداويخ التطرف موجود في كتب التراث يا شعب المداويخ انشري هسبرس

  • ندم
    الأربعاء 30 يناير 2019 - 10:20

    ا لاسلام يستهزا به في عقر داره وتنعت احكامه وشرائعه باشنع الاوصاف

    و الرابطة المحمدية للعلماء لم نسمع لها همسا ولا ركزا

    كيف تريدون للشباب ان يتق في ذفاتيركم او حتى ا ن ينظر فيها ?

    دافعوا عن دينه الصحيح حتى ياخذكم قدوة له ويقتدي بكم

  • خرافات
    الأربعاء 30 يناير 2019 - 11:51

    و انا اقرا تدليس الشيخ و محاولة اخفاءه حقيقة الجهاد او الارهاب خصوصا جهاد الطلب و الاعتداء علي الامنين و سبي و استعباد و اغتصاب النساء و الاطفال و باقي الكوارث .. تذكرت الشيخ الالباني حين اتي اليه اخوان للجزائر ليجيز لهم قتال التظام في التسعينات فقال لهم الالباني الجهاد ليس كله قتال بل يجب البدا بجهاد النفس و تعليم الشباب الخ .. و حين سئل الشيخ عن تركه للسياسة و عدم تدخله قال ترك السياسة من السياسة … بمعني از كتبه و تلاميذه و دروسه كانت لاعداد الناس فكريا ثم يقومون بما يقوم به السلفيون … اذا كنا نريد تحول المغرب لافغانستان فهؤلاء اصحاب اللحي سيقومون بذالك و زيادة علي اكمل وجه .

  • لتصحيح فقط
    الأربعاء 30 يناير 2019 - 12:53

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ورد في المقال سورة براءة هذه الكلمة جاءت في اول سورة التوبة هكذا ابتدات سورة التوبة بدون بسملة يعني ببسم الله الرحمان الرحيم و بدات ب براءة من الله.المرجو النشر و شكرا

  • مغربي ساكن فالمغرب
    الأربعاء 30 يناير 2019 - 13:29

    فقط أتسائل لماذا لا تقوم الدولة بمناظرات على المباشر مع العلماء المتهمين بنشر التطرف حتى يتبيّن للناس من هو الضال ومن هو المحق ؟! بدل إكتفاء الناس بمشاهدة تدخلات جهة وحيدة تصول وتجول دون خصم يحاججها ويدحض شبهاتها ! يتهمون الطرف الآخر بغسل عقول الشباب وهم أول من يغسل عقولهم عن طريق الإعلام و وزارة الأوقاف. أليس من الإنصاف أن تعطي لخصمك الكلمة كي يبين موقفه ويدلي بأدلته ؟!
    أوليست لوزارة الأوقاف علماء أكفاء لهذه المهمة ؟! ما نفع كل هاته المجالس العلمية والأئمة والمرشدين والمتفيقهين الذين تُصرَف رواتبهم من عائدات زراعة الكيف ؟! أم أنهم يعلمون جيدا أن الدولة ستخسر الرهان إذا ما أتيح للعلماء المتهمون بالتطرف حرية التعبير والكلام ؟!
    كل المنصفين يعلمون أن الدولة لو كانت متأكدة من الفوز أو حتى من التعادل لنظمت مناظرات على الهواء مباشرة لإظهار خطأ هؤلاء خصوصا وأن لديها كافة الوسائل لتحقيق ذلك عكس الطرف الآخر الذي ليست لديه أية إمكانيات، وحينها سيعلم الناس أهل الحق من أهل الضلالة كما سيعلمون من الذي يُفجر ويذبح وراء الستار ويتهم الآخرين لتحقيق الخطط الماسونية من أجل السيطرة على العقول ثم الجيوب.

  • محمد العروسي
    الخميس 31 يناير 2019 - 11:59

    لأول مرة اتعلم أن فعل قتل يمكن أن يتصرف إلى انفعال أي القتال. ماهذه البلادة أم أن لسان العرب عجز عن. هذا الصرف منذ خمسة عشر قرنا . . . ولله في جهل بعضهم فوائد ومصاب. . . .

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات