لِمَاذَا أَخْفَقْنَا بِالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَنَهَضَ بِهَا سِوَانَا؟!

لِمَاذَا أَخْفَقْنَا بِالدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وَنَهَضَ بِهَا سِوَانَا؟!
الخميس 13 فبراير 2020 - 18:52

أتساءل دائما عن هذه الديمقراطية التي يطبل لها الساسة، والمسؤولون، والجمعويون، والمفكرون، وسائر المتساقطين على كراسي المسؤوليات؛ هل حققت لنا نهوضا؟ وهل غيرت فينا مواقع التشكيلات البشرية في سلم المسؤوليات؟ وهل نجحت في إضافة الوجوه التي ظلت تصرخ في الدهاليز ضد الفساد، والاستبداد، وظلت تتشوف إلى مواقع القرار لتغير الأوضاع، وتزيح المؤبَّدين من أصحاب الرسوم المُرَسَّمة للكراسي إياها، وتُنَزِّل شيئا مما ظلت تصدعنا به وهي على الأرائك المريحة للمعارضة؟. هل هذه الديمقراطية التي يتمسح بها الجميع، نجحت عندنا في المغرب، بعد جيل من التغني بالانتقال الديمقراطي، وحالة الولوج إلى نادي الديمقراطيات العتيدة التي غيرت العالم، والمغرب على أعتابها، كتلميذ نجيب يَسْتَحِثُّ الخطى نحو تحقيق الازدهار والرقي الإنساني والاجتماعي والانتخابي؟. هل فعلا نحن صادقون حينما نتوسل بالديمقراطية للتغيير، واعتلاء المناصب والتداول حولها؟ أم هي شكليات للتمويه، وذر الرماد في العيون، والضحك على الذقون؟ .

حال المغرب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والانتخابية، هي الوحيدة التي تنبئنا بمدى صدق نوايانا في التغيير والإصلاح، وحب الوطن. فلا شيء تغير، رغم ورود وجوه كانت تصدعنا بأنها الأقدر على التغيير، وتحرير الوطن من الفساد، والتلاعب، وعتق المواطنين من شرنقة الفقر، والهشاشة، والحاجة.

نفس الوجوه تتكرر على كراسي المسؤوليات، وإن لم تكن، فوجوه على مَهْيَعِها تسير، ولا تستطيع أن تفعل أحسن، ولا أن تغير أكثر. فليس بالإمكان خير مما كان(!)، هكذا يقول من سُقِط في أيديهم، بعد أن كُشِف الغطاء، وأضحت الأبصار حديدا، وظهر- فعلا وحقا- أنه ليس، ولن يكون، بالإمكان خير مما كان !.

أجل، لن يكون بالإمكان خير مما كان. مادامت نفس الوجوه تتكرر علينا في مناصب المسؤولويات لولايات متتابعة، وإن وقع أن أخطأت ولاية، فلاستجماع الأنفاس، وإعداد العدة، للرجوع من جديد، ولا يفك ارتباطها بالكرسي إلا أن “يتفكرها الموت”، أو يخونها الجسد بعد أن يضعف أو يخور. عدا ذلك، يبقى السباق نحو القمة ديْدنٌ يتكرر حدَّ الإدمان؛ فلا ينفع معه علاج، ولا يصلح معه فِطام.

فلنُسَمِّ هذا التسابق نحو القمة ما نشاء، إلا أن نسميه صراعا ديمقراطيا. فالديمقراطية من هذا الهوس المسيل للعاب التسلط والقيادة بريئة، ومُبرَّءة. لأنها، بكل بساطة، آلية للتداول النافع والمفيد على المسؤوليات، قبل أن تكون شيئا آخر. وهذا الهوس التسابقي عندنا، لا أخلاق له، ولا قيم تؤطره، فهو من التسبب الذي لا يعير اهتماما لقيمة الأخلاق أَأُسِّسَ عليها مساره، أم خَرَق وضعها الانساني التعاقدي الذي أبرمه مع الناخبين والناخبات.

فأصحاب الهوس الانتخابي، الذين يركبون الديمقراطية للوصول إلى مآربهم، لايهمهم احترام نزاهة الصراع من أجل القمة، فالمهم عندهم هو الوصول ولا شيء غير الوصول. فالغاية، عندهم، تبرر الوسيلة. فمادامت غايتهم “شريفة”، فلا يهم أتُوُسِّل بها من الطريق الصحيحة، أم سُلِك من أجلها سوى ذلك. المهم عند هؤلاء هو الرجوع إلى “البزولة” لمواصلة الحلب، إلى ما لا نهاية. وقد تسمع الواحد منهم، قُبيل يوم الحسم، يخطب في الناس أنه في المسؤولية زاهد، وأنه قد تصدق في ولايته، أو ولاياته السابقة، بما يجب وأكثر مما يجب، وأنه قد حان الأوان لترك السفينة للوجوه الجديدة، تواصل المسير، وتأخذ المشعل، ووو… وما أن يُنهي خطبته العصماء، حتى يهرع إلى مكاتب الترشيح ليودع ترشيحه، ويشرع في تجييش مريديه للتصويت عليه. فـإن اعتُرِض عليه بما صرح، قال: عفوا، أنا لا أريد أن أترك الكرسي فارغا يعتليه كل من هب ودب، فتضيع المصالح، ويعاني المواطن،… هكذا!!. بعد أن كان بالأمس القريب يدفع في اتجاه ترك الكرسي للدماء الجديدة؛ خدمة للصالح العام، ومساهمة في ترسيخ ثقافة الاعتراف، وآلية التداول النافع على السلطة، وووو….. لكن يبقى الكلام في واد، وما تكنه الصدور في واد !!.

بمثل هذه الديمقراطية تُعتلى الكراسي، وتُسير الشؤون، وتدبر الملفات. وبمثل هذه الديمقراطية تتكرر نفس الأخطاء، ونفس التراجعات، ونفس الإخفاقات. وبمثل هذه الديمقراطية تستمر نفس المرفوضات، ونفس المعاناة، وفي مقابلها نفس المُمانعات، ونفس الاحتجاجات. فيعيد التاريخ نفسه مع نفس الوجوه، ونفس الخطط، ونفس الاستراتيجيات، بنفس العقليات التي دعا الملك، في ذات خطاب، إلى ضرورة تغييرها، واعتبرها العائق الأكبر أمام نجاح أي نموذج تنموي ينهض بالبلد، ويرقى بالإنسان.

إن الديمقراطية، بمفهومها الآنف، لا يمكن أن تنجح في تشكيل قيادة كفأة ( أقصد قيادة جماعية) وذات مؤهلات مُجَدِّدَة وبانيَة، حتى تحتكم إلى أغلبية عالمة بشروط القيادة الناجحة وأدوات التغيير والإصلاح الملائمة لواقعها المعيش.. مُتَخَلِّصَة من تأثير البهرجة والصراخ والتباكي على أطلال “المصلحة العامة” !. لأجل ذلك، نجحت الديمقراطية في الغرب في نصب هذه القيادات، وتمكنت من اقتحام عقبة التغيير. لأنها، بكل بساطة، احتكمت إلى أغلبيات عالمة، مثقفة، ذات رؤى وتصورات مُؤسِّسة، غير خاضعة لخطابات الوعود، ومؤمنة بدورها المكفول في المراقبة والمحاسبة إذا شذ المسؤول عن الجادة، وأخلف الوعد، وانحرف عن الطريق!. أما الديمقراطية في مجتمعاتنا فستظل تُخَرِّج لنا قيادات “كرطونية”، و”دكاكين” سياسية ونقابية وجمعوية،… أَبَدَ الدهر، ما احتكمت إلى أغلبية “أمية”- متعلمة أوغير متعلمة- لا قيمة لصوتها المبحوح، في النقد والمحاسبة، تعطي صوتها الغالي بدون ثمن، لكل ناعق وزاعق، فتورد على الكراسي نفس الوجوه؛ تكرر نفس الأخطاء، وتعيد إنتاج نفس الإخفاقات.

لأجل هذا، أخفقنا بالديمقراطية ونهض بها سوانا.. !

دمتم على وطن.. !!

‫تعليقات الزوار

1
  • mouha
    الخميس 13 فبراير 2020 - 23:19

    اشكر الكاتب على هذا المقال الجريء ،حقيقة منذ الاستقلال و نحن نسمع هذه الاسطوانة المشروخة 《الديمقراطية 》نفس الوجوه ونفس الشعارات حتى اصبحنا نعاني من التخمة في استهلاك الشعارات ناهيك عن النمادج التنموية. كل هذا يبقى حبر على ورق ،في نظري مشكلة المغرب هي الدولة العميقة التي تتحكم في كل شيء .ما عساني ان اقول هو ان دار لقمان لازالت على حالها .

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 1

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج