لماذا نحن أقل تسامحا مع من لا يصوم رمضان؟

لماذا نحن أقل تسامحا مع من لا يصوم رمضان؟
الثلاثاء 30 أبريل 2019 - 12:28

مع حلول شهر الصيام يعود الملف الذي يخص من يوصفون “بمفطري رمضان” إلى الواجهة، بالرغم من أن الوصف السابق لا يعني هذه الشريحة من المجتمع في شيء لأنهم ينظرون إلى ظاهرة خروجهم عن ثقافة الأغلبية نظرة أخرى، وهذا من حقهم، وبالتالي فالمفروض في الجماعة أن تحاول تفهم الحالات التي ترفض تسليم عقولها لمنطق الأغلبية لأننا اليوم نعيش في عالم يتغير بسرعة رهيبة، مما يجعل من الحريات الفردية حتمية لم تعد أصلا قابلة للنقاش ومسلمة ينبغي تقبلها بمفهومها الكوني على اعتبار أنها وردت في مواثيق فوق وطنية (Supranational) اقترحها وكتبها مفوضون قانونيون دوليون من أجل حل الكثير من المشاكل الإنسانية وليس التسبب فيها.

في البداية لا بد من الإشارة إلى أن هذا الموضوع لا يخص بالضرورة بعض المسلمين السابقين الذين اختاروا شخصيا الانتماء إلى ديانات أخرى أو فضلوا عيش حياة لا دينية، لأنه فعلا يوجد الكثير من المسلمين الذين يفهمون المعتقد الإسلامي بطريقة أخرى غير الطريقة التقليدية التي يتمسك بها ربما أكثر من ثلثي معتنقيه في هذا العالم، فكما أنه يوجد الكثير من المسلمين الذين لا يواظبون على طقوس الصلاة والتردد على المساجد هناك أيضا مسلمون يفضلون عدم صيام شهر رمضان لأنهم ببساطة غير مقتنعين بذلك ولكل منهم فهمه الخاص للإسلام وتصوره الشخصي لأهمية طقوس العبادات أو عدمها، والظاهرة الاجتماعية الغريبة عندنا في المغرب هي أن عموم الإخوة المواطنين المغاربة غير متعودين على أن يتكلم معهم شخص باللهجة المغربية ويخبرهم بأنه “غير مسلم” أو أنه “مسلم ولكنه لا يصوم رمضان”.

ولهذا السبب فإنني شخصيا أعتبر أن هجرة ما يقارب نصف مليون يهودي مغربي إلى خارج الوطن كانت أكبر خسارة إنسانية عرفها المغرب في القرن العشرين، لأنه لو بقي إخواننا المواطنون اليهود المغاربة فوق أرض المغرب، الذين أصبح عددهم اليوم يقارب المليون إنسان، لكان عموم إخوانهم المسلمين متعودون على رؤية شخص يتكلم معهم باللهجة المغربية ويلبس اللباس التقليدي المغربي ويقول لهم بالعامية إنه “غير مسلم” أو إنه “غير معني بشهر رمضان”، هذا دون أن ننسى الدور الكبير الذي كان من الممكن أن يلعبه المواطنون اليهود المغاربة في المساهمة في تنمية بلدهم باعتبار أنهم معروفون إلى جانب إخوانهم المسلمين بوطنيتهم وحبهم لبلدهم، كما كان تواجدهم سيعزز من إغناء التنوع الثقافي الذي نفتخر به من البحر الأبيض المتوسط حتى الحدود مع موريتانيا.

بغض النظر عن ما سبق ذكره وعن الأسباب الفلسفية أو الفكرية التي تجعل من الفرد يختلف في نمط حياته عن الغير، فلا بد من أن نلاحظ جميعا الحرج الذي يبدو على وجه أي شخص لا يصوم رمضان حتى لأسباب يمكن اعتبارها شرعية من وجهة نظر إسلامية، حيث يلجأ في الغالب إلى الاختباء والابتعاد عن الأماكن العامة تجنبا لممارسته حقه الطبيعي في الأكل والشرب أمام الصائمين، وهنا لا بد أن نطرح سؤالا واقعيا وهو: لماذا لا يخجل بعض الصائمين قهريا من التفوه بعبارات السب والشتم من ألفاظ الكلام الساقط في الأسواق والأماكن العامة؟ ولماذا يتسامح الصائمون مع رؤية من يتبول في الشارع العام أو يلقي الأزبال أو يدخل في مشاجرات نهار رمضان مع الآخرين ولا يتقبلون أحيانا رؤية أشخاص يمارسون حقهم الطبيعي في الأكل والشرب حتى وإن كان ذلك لأسباب شرعية من وجهة نظر المعتقد الإسلامي؟ الجواب عن هذا السؤال يحتاج فعلا إلى ما يكفي من دراسات فينومينولوجية يقوم بها باحثون موضوعيون.

لقد تابعنا باهتمام في السنوات القليلة الماضية انضمام المملكة المغربية إلى تجمع الاتحاد الإفريقي، وما يهمنا كعلاقة بموضوع هذه المقالة بالإضافة إلى إمكانية التحاقنا أيضا بالمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (CEDEAO)، هو أن هذه التكتلات الاقتصادية في شكلها السياسية في مضمونها تستنبط من النجاحات التي حققها الاتحاد الأوروبي الكثير من برامجها، يعني أن المؤسسات التي ستنشئها هذه الاتحادات في وقت لاحق والقوانين التي سيتوافق عليها مشرعوها ستكون ملزمة أيضا للمغرب.

ولهذا، فإننا سنخرج من المفهوم الكلاسيكي للمواطن المغربي الذي يعتبر أمام مؤسسات الدولة مسلما بالضرورة، إلى مفهوم جديد ستمنحه له المواطنة الإفريقية بما فيها من حقوق تتعلق بحرية تنقل الأفراد ورؤوس الأموال، خصوصا عندما سنصل إلى مرحلة جواز السفر الإفريقي الذي سيجعل من حق المواطن الإفريقي النيجيري المسيحي مثلا أن يأتي للعيش في المغرب وبناء كنيسته واكتسابه أوتوماتيكيا لكل الحقوق التي يضمنها المغرب لمواطنيه، لأن البرلمان الإفريقي سيصوت في وقت لاحق في إطار المواطنة الإفريقية على حرية المعتقد بمفهومها الكوني، على اعتبار أن هذا الأمر سيكون هو الحل الوحيد نظرا لأن ساكنة هذه القارة تنتمي للكثير من المعتقدات والاثنيات، وهذا ما سيجعلنا في المغرب نتقبل كل المستجدات بلا تحفظ في إطار خياراتنا الاستراتيجية التي لا رجعة فيها، ولا خوف على المعتقد الإسلامي في هذا الإطار لأن القوانين الأوروبية على سبيل المثال التي تضمن للمهاجرين المسلمين حقوقهم في الدول المستقبلة هي نفسها التي ستضمن للمسلم الإفريقي ما يكفي من سبل العيش الكريم داخل القارة الإفريقية بمختلف دولها وتجمعاتها الإقليمية.

‫تعليقات الزوار

6
  • Fassi
    الثلاثاء 30 أبريل 2019 - 21:16

    ألا تعلم أيها الكاتب أن بعض اليهود والنصارى أكثر احتراما للدين الإسلامي من بعض الذين يفترض فيهم أنهم مسلمين، مثل رئيسة وزراء نيوزيلندة التي عندما أرادت دخول مسجد المسلمين سترت شهرها احتراما لهذا المكان المقدس لدى المسلمين.
    والمغاربة يقدرون صوم رمضان لأنه من أركان الإسلام 5 ويأتي بعد الصلاة، لذلك فهم لا يتساهلون مع مفطري نهار رمضان لكونه يأتي مرة في السنة ولأن الاسلام يدعو من ابتلي بشيء من الكبائر أن يستتر حتى لا تعم الفاحشة.
    يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.) (سورة النور الآية 19)

  • مغربي
    الأربعاء 1 ماي 2019 - 15:22

    الآية واضحة ". ..والذين يطيقونه فدية طعام.." أي أن الإفطار مباح حتى للذين يمتلكون القدرة على الصوم مع أداء الفدية لكن الفقهاء تمكنوا من تحويل " يطيقونه " إلى "لا يطيقونه " ورفضوا بذلك شريعتهم الخاصة!

  • sifao
    الجمعة 3 ماي 2019 - 10:34

    لماذا نحن أقل تسامحا مع من لا يصوم رمضان ؟
    هذا العنوان يلخص نظرة المتدين الى غيره ، التسامح يعني تنازل المظلوم عن حقه للظالم ، في هذه الحالة يعتبر الصائم نفسه صاحب حق والمفطر صاحب باطل ، واذا ما حدث ان غض الصائم الطرف عن المفطر فان ذلك تنازلا منه عن حقه لصالح غيره ، التشبث بالحق يعني منعه من الافطار وزجره اذا اقدم على ذلك ، هذا هو الانطباع السائد لدى عامة الصائمين ، يعتبرون الافطار استفزازا لهم وهضم لحقهم ، فالتسامح ليس هو المصطلح الانسب للتعبير عن التعددية والاختلاف ، لانه مرهون بموقف المتسامح الذي قد يتغير في اية لحظة لسبب من الاسباب ، على الصائم ان يدرك انه لا يستطيع ارغام غيره على الصيام ، لان الايمان عقيدة قبل ان يكون عبادة واولى شروط الايمان هي النية ، فاذا نويت اني لست صائما فان عدم تناولي للاكل والشرب طول اليوم لن يُلغي تلك النية او يصححها رغما عني ، من هنا نفهم معنى "ان ابتليم فاستتروا" اي ان الاسلام دين مظاهر ، قائم على فرض سلوك خارجي عام بغض النظر عن الاقتناع به ، لذلك ، الصائم لا يهمه مدى اعتقادك واقتناعك بصحة ما تقوم به وانما ان تتقيد بالمظهر العام ، ان تظهر كأنك صائم

  • مولاي الديني الخزرجي
    السبت 4 ماي 2019 - 12:34

    اامسلمون لايتسامحون مع المجاهرين وذلك لأن الإسلام هو دين السلطة السياسية وبه تتحكم و تبسط سلطتها على المسلمين. ولذلك تخشى على سلطتها و تحكمها إحكاما والمسلمون جميعا هم حراسها ، إذ كل من تجرٱ على الدين يعد مارقا على السلطة و غير معتبر للسلطة والدين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإسلام يعد دينا قائما على المظهر أساسا. والمسلمون يحاسبون بعصهم بعضا انطلاق من المظهر ولا يهمهم ما يقع في الخفاء. ولهذا ظل الحرص على المظهر في الإسلام شيئا ضروريا.
    وبذلك يعد المحافظة على المظهر حجر الزاوية: وكل طقس من الطقوس التي تقام في السر لا يعتد بها.

  • le respect
    الأحد 5 ماي 2019 - 09:05

    pour éviter des réactions désagréables ,le non jeûneur doit s'abstenir de se montrer en train de boire ou de manger devant les marocains qui observent le ramadan,le respect de l'islam observé par l'écrasante majorité des marocains doit être de règle ,
    tu n'es pas croyant,ça te regarde,tu n'as pas à le montrer ,c'est personnel
    alors évitons les querelles inutiles

  • Anas Assaid
    الأحد 5 ماي 2019 - 13:41

    en rapport avec le commentaire 5, je dois signaler que les personnes qui ont une mentalité semblable à la tienne sont responsables de la réalité désastreuse du ,
    .monde arabo-musulman aujourd'hui
    car même dans les pays occidentaux beaucoup de personnes issues de l’émigration essayent de consommer leurs nourritures loi des gens qui les
    connaissent

    et soit certain que le changement des mentalités archaïques reste une introduction primordiale pour un changement jouissif et souhaitable

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30

احتجاج أساتذة موقوفين