دور اللغة في الخطاب السياسي

دور اللغة في الخطاب السياسي
السبت 6 أبريل 2019 - 11:41

إن تعبير أرسطو بأن “الإنسان حيوان سياسي” يعني أن كل خطاب أو نص هو خطاب سياسي في نهاية المطاف، فإذا كان الفعل السياسي هو عمل قصدي لتنظيم الحياة اليومية للأفراد والمجتمع، فإن ذلك يعني أن تفاصيل السلوك الإنساني هي في جوهرها سياسية، لكن لكل خطاب مركزه أو منظوره ومركز الخطاب السياسي هو السلطة، فإذا انتزعنا هذا المفهوم من الخطاب السياسي انهار.

يتميز الخطاب السياسي بأنه خطاب يقوم على عملية الإقناع للجهة الموجه لها الخطاب، ليوصل المخاطب إلى القبول والتسليم بالمصداقية والإيمان بالشرعية، من خلال العديد من الوسائل والطرق المدعمة بالحجج والبراهين، ويجب أن يوظف الخطاب السياسي الوسائل اللغوية والمنطقية الصحيحة، وجمل تعبيرية تتناسب مع طريقة التواصل مع الأفراد، ونبرة الصوت ولغة الجسد وذلك وفق ما يقتضيه السياق الخطابي، مع مراعاة أن تتناسب مع الموقف والمقام الذي يتم إلقاء الخطاب السياسي على أساسه. ويتم اللجوء له من قبل القوى السياسية لاكتساب السلطة.

ويشدد هابرماس الذي يعتبر علامة فارقة في الحياة الفلسفية الألمانية المعاصرة لأنه رائد الخطاب النقدي الفلسفي منه والسياسي على حد سواء، كما أنه الصوت الأكثر حضوراً وتأثيراً على الحياة الثقافية الألمانية منذ أكثر منذ خمسين عاما… على أن الفعل الديمقراطي التواصلي لا يستطيع أن يحصل على مشروعية حقيقية قائمة على سلطة العقل إلا في إطار خطاب نقدي خال من الإلزامات والقيود السلطوية. وهو يعلل ذلك بقوله: – الفعل التواصلي يمثل في الوضع المثالي خطاباً ناجحاً حتى في حالة انعدام أية ممارسة لا تستند إلى أي إجماع –

الخطاب السياسي كغيره من الإنتاجات العقلية والثقافية، تخضع لمؤثرات تاريخية وسوسيولوجية ومادية وما يميزه عن غيره من الخطابات هو الشعارات. و يتوجه إلى الأفراد المجتمعين داخل جماعة معينة لهم أهلية مناقشة السلطة متميزا بالطابع الجماعي.

لينتج في النهاية معرفة، هدفها تدبير العلاقات بين أفراد المجتمع. لكن إلى أي حد تتبلور هذه الأسس على أرض الواقع؟

لقد ركز أغلب الفلاسفة والمفكرين على اللغة ودورها في التواصل انطلاقا من أفلاطون وأرسطو وانتهاء بنعوم تشومسكي؛ فهي الأداة التي يستطيع بها السياسيون توجيه الجماهير والتأثير عليهم وتغييِر الرأي العام حول أي قضية، فهي تعتبر جهاز تحكم وسيطرة على العقل الجماعي للجماهير، وذلك من خلال اللعب بالمفردات وتركيبة الجمل؛ بل يمكن أيضا تأسيس مصطلحات جديدة في سبيل أن يتعايش معه المخاطب حسيا وذهنيا عن وعي، ليصبح دماغه بعد ذلك مبرمجاً على هذا المفهوم.

لكن نوعية ومضمون الخطاب السياسي اتجه طوعا لا إكراها إلى مفردات لم تكن موجودة في القاموس السياسي، وظل الخطاب السياسي ملتفا حول شخصيات ورموز، وكلمات وعبارات، بلغة تكون أحياناً بعيدة عن إدراك المواطن البسيط.

إن من خصائص الخطاب السياسي مضمون الخطاب: يجب أن يهم قضايا المواطنين أو الأحزاب.

مصدر الخطاب: وهم الذين يرسمون السياسات ويخططون لها ويناقشونها ويصدرونها

وسائل انتشاره: وهي وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة فالخطاب يؤثر إذا انتشر عبر وسائل الإعلام المرئية أو السمعية أو مواقع التواصل الاجتماعي.

ليصل بذلك إلى اكبر عدد من المشاهدين أو المتلقين، لتوجه الرسالة السياسية، وهذه الرسائل قد تتحول إلى شعارات و تصبح متداولة بين الناس.

المتلقي: وهو إما أن يكون نخبويا يقابل بالدراسة والتحليل والتأويل من طرف هذه النخب، وإما أن يكون من عامة الشعب حيث يستمع إلى الخطاب ويتداوله، وقد يقتنع به بسبب الدعاية دون نقد أو دراسة.

من المفيد ألا نتطلع إلى الخطاب في شكله الظاهري، بل يجب أن ننظر بعمق إلى أبعاده وأهدافه. فتنوع الخطابات يأتي من تنوع الأهداف التي يريد الخطاب أن يحققها. وهكذا فإن الأداء الناجح للخطاب هو ما يريد أن يحققه مصدر الخطاب أكثر من كون الخطاب قد وضع في صيغة معينة.

ويرتكز الخطاب كما يرى أرسطو على ركائز ثلاث هي: أخلاقيات المجتمع (ethos)، محاكاة المشاعر الشعبية (pathos)، والمنطق (logos)، وهو ما يعني التشابك المرهق بين المنطق وقواعد اللغة وبين الصورة التي تركبها الاستعارات اللفظية (métaphore) والمجاز (métonymie) والجناس (analogie) في بنية الخطاب.

والخطاب في مدلوله اللغوي كما تركز عليه الدراسات الأدبية يجرنا نحو التواصل السياسي؛ وهو ما يستلزم مهارات الإبلاغ والإقناع، ليصبح المتلقي أيضا طرفا في إنتاج الخطاب. إن اللغة لا تعد نسقا تواصليا. إنها بخلاف ذلك نسق معبر عن الأفكار. يمكن بالطبع أن تستعمل للتواصل لكن التواصل ليس وظيفة للغة.

وما ميز الساحة السياسية في السنوات الأخيرة هو تغير أنماط الخطاب السياسي، ركز في جوهره على اللغة، والشكل، والأسلوب. رغم أن درجة الالتزام بقواعد اللغة لم تعد بدرجة الأهمية خصوصا في الخطاب السياسي، كما أصبحت أقل تشبثا بالقواعد التقليدية. ولعل ذلك تعبير عن غياب الإنتاج التقني من ناحية، وفقر الدراسات السياسية من ناحية أخرى.

“إن اللغة مغامرة و هذه المغامرة قد لا تكون مضمونة النتائج دائما نظرا لما قد يحف بتجربة التواصل اللغوي من بعض الغموض والالتباس الشيء الذي من شأنه أن يحول غائية اللغة من تحقيق للتواصل إلى إقصاء له”. هيدغر.

*طالب باحث في ماستر التواصل السياسي

‫تعليقات الزوار

3
  • احمد
    الثلاثاء 9 أبريل 2019 - 20:17

    عملية التواصل السياسي هو فعل عقلاني هادف ذو مضمون سياسي بخلفية سياسية وموجه لفاعلين سياسيين سواء داخل السلطة أو الرأي العام؟ وأي رسائل يحمل يسعى إلى تعميمها، “بما فيها استثمار الفضاء العمومي بحثا عن شرعية المكان وضمانا لمشاركة الجماهير، أو للحصول على مصداقية المطالب بما يشكل الضغط الكافي على السلطة السياسية للتجاوب معها

  • ميري
    الثلاثاء 9 أبريل 2019 - 21:39

    يعتبر مفهوم اللغة من بين أهم المفاهيم التي إنشغلت بها الفلسفة المعاصرة واللسانيات وكذلك بعض العلوم الإنسانية مثل علم النفس اللغوي وعلم الاجتماع، وهكذا فإن مقاربتنا لهذا المفهوم ستخضع لمقاربة فلسفية وأخرى علمية .

    I- من الدلالات إلى الإشكالية : أ- الدلالة العامة : في هذه الدلالة ترتبط اللغة بالكلام إذ يقول عامة الناس فلان يتكلم اللغة العربية أو الفرنسية… .

    إذا تمعنا في هذا التعريف لن نستطيع التمييز بين اللغة والكلام. فهل اللغة هي الكلام، أم تتجاوزه إلى أشياء أخرى ؟

    هذا ما سنعرفه من خلال دلالتين اللغوية والفلسفية . ب- الدلالة اللغوية : يقول إبن منضور عن اللغة "أصوات يعبر بها قوم عن أغراضه لنحلل هذا التعريف : – يحصر هذا التعريف اللغة في الأصوات وهذا يعين أن الأصوات كلام، الشيء الذي يجعل إبن منضور لايخرج عن الدلالة العامية التي تربط اللغة بالكلام.

    – إن إعتبار اللغة أصوات يجعلنا نطرح تساؤلين : – كيف يتواصل الحدواليك إذا إختزلنا اللغة في الكلام والصوت .؟

    – بمعنى آخر هل الأصوات هي الوسيلة الوحيدة للتواصل والتعبير ؟ (الحيوانات لها أصوات، فهل معنى هذا أن لها لغة ؟

  • ميري
    الأربعاء 10 أبريل 2019 - 08:34

    اعتمد ديكارت في دفاعه عن موقفه (أطروحته) هاته إعتمادا على منهجية إستدلالية أو حجاجية تنبني على المقارنة من الإنسان والحيوان فيها يتعلق بإشكالية اللغة، وقد قدم في هذا الإطار مجموعة من الأمثلة المدعمة والموضحة لأطروحته (كالصم والبكم والعقعق والببغاء) كما وظف الروابط المنطقية (هما – حنين وبالعكس ولكنها – أي في حين) والهدف من كل هذا هو الوصول إلى الخلاصة التالية وهي أن الكلام خاصية إنسانية فقط نظرا لإمتلاك الانسان للعقل.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين