اعتناء المتنبي بالصدق
من هو المتنبي :
هو أحد مفاخر العرب، وعظماء الشعر، اسمه أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، ولُقّب بأبي الطيب، ولد بالكوفة عام 303 هـ، ونظم الشعر في صباه، وهو بعمر تسعة أعوام .
وعُرف عنه حدة الذكاء والاجتهاد، ووصف بأنه نادرة زمانه وأجوبة عصره، فقد كان من أفصح الشعراء في وقته، وتجري الكلمات على لسانه كما يجري الماء على سطح أملس، يملك ناصية اللغة والبيان، ويبدع حتى في سبابه .
لم يكن اهتمام الشعراء بالصدق أقل من الشعر نفسه، خاصة ما قبل القرن الرابع الهجري، وكثيرًا ما يراعي الشاعر أصداء حاله وفعله في المجتمع، كما حرص المتنبي على إبعاد العيب والنقصان عنه:
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي
أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ
وهو ما يجعلهم في وعي دائم حول كل ما يراد من تنقيص وتقليص في شأنهم، لأن الحكم والقاضي آنذاك هو المجتمع ذاته، والمادة ما تصدر من قول وفعل. وقال المتنبي:
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ
وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ
انظر إلى اهتمام الشاعر باتهامات المجتمع والرد عليه من غير الاستهانة به
ولذا يظهر هذا الصدق في وصيته حيث قال:
إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً
فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ
يحث الشاعر هنا على عدم الالتفاف حول الصدق المصطنع وإن كان ظهور الناب من الليث ليس من الصناعة، ولكن ثمّ تشبيه ربما يرتقي إلى درجة الاستعارة أطلقه الشاعر من براعته .
ويصل الاعتناء بصدق ما يقول إلى موته بسبب بيت قاله. كان المتنبي رجلًا شديد الكبر حين قال:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم.
وحين قال أيضا :
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم.
وقد كان هذا البيت هو السبب في موته، وقيل إنه ادعى النبوة في صباه، وتبعه البعض، ولكنه عاد إلى رشده، ولهذا سمي بالمتنبي .
وكيفية موته أنه أثناء عودته إلى الكوفة مع ابنه محسّد، قابله جماعة من قطاع الطرق، تربصوا به، وكان زعيمهم يدعى فاتك ابن أبي جهل الأسدي، الذي أخطأ المتنبي وهجا ابن أخته ضبة في أمه، الأمر الذي جعل فاتك يقرر الانتقام منه، فأخذ معه رجاله وانتظره في الطريق، ولما مر المتنبي قاتله وقتل ابنه .
فلما أراد المتنبي أن يهزم، ويهرب، قال له غلامه مفلح: كيف تهرب وأنت القائل: الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم.
فقال له: قتلتني قتلك الله. وعاد المتنبي للقتال حتى قُتل.