قراءة تحليلية في مرتكزات ومقتضيات قانون المالية لسنة 2019

قراءة تحليلية في مرتكزات ومقتضيات قانون المالية لسنة 2019
الجمعة 25 يناير 2019 - 16:12

صدر يوم الجمعة 21 دجنبر2018 بالجريدة الرسمية قانون المالية رقم80.18 للسنة المالية 2019، وهو قانون يتميز بقدر كبير من الأهمية والراهنية لكونه الإطار العام لسياسة الحكومة على المسارين الاقتصادي والاجتماعي ويعكس طبيعة اختياراتها الاقتصادية والمالية وكإجابة على انتظارات وتطلعات مجموعة من فئات الشعب المغربي في مختلف المجالات.

ويروم هذا القانون المتضمن في 59 مادة، وبحسب ما جاء في المذكرة التأطيرية لـ 13 غشت 2018، تحقيق أربع أولويات، ترتكز حول:

أولا: إعطاء الأولوية للسياسات الاجتماعية من خلال التركيز على الصحة والتعليم والتشغيل، وبرامج الحماية الاجتماعية، والإسراع في إنجاح الحوار الاجتماعي ودعم القدرة الشرائية للمواطنين.

ثانيا: مواصلة الأوراش الكبرى، والاستراتيجيات القطاعية لتوفير ظروف الإقلاع الاقتصادي ودعم الاستثمار والمقاولة.

ثالثا: مواصلة الإصلاحات الكبرى،

رابعا: الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية أو لم يصدر الأمر بتنفيذه.

وفيما يخص فرضيات هذا القانون ومؤشراته الماكرو اقتصادية ،يتوقع تحقيق:

معدل نمو في حدود 3,2 بالمائة؛

تحقيق محصول زراعي يصل ل 70 مليون قنطار؛

حصر نسبة عجز الميزانية في 3 بالمائة؛

سعر البترول في 68 دولار للبرميل.

ويأتي في ظل سياق وطني ودولي يتميز بتعاظم مطالب المواطنين المغاربة الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك بـ:

إطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؛

بداية العمل بمخطط الصحة 2025؛

أجرأة المخطط الوطني لإنعاش الشغل؛

ارتفاع تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو المغرب –حسب مذكرة لمكتب الصرف حول المؤشرات الأولية للمبادلات الخارجية لسنة 2018 -الى 33,5 مليار درهم في سنة 2018 بـ 28,6 في المائة مقارنة بسنة 2017؛

تراجع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج سنة 2018 مسجلة تراجعا بنسبة 1,7 في المائة مقارنة بسنة ؛2017

استقطاب قطاع السياحة لأزيد من 12 مليون سائح خلال سنة 2018، بارتفاع بلغ 8 في المائة؛

اعلان الحكومة الشروع في تنزيل المقاربة الجديدة لتدبير المشاريع الاستثمارية العمومية؛

اعتماد مرسوم رقم 2.17.618 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري؛

اصدار القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار…

ودوليا بتوقعات ب:

انخفاض نسبة النمو لدى الشريك الرئيسي للمغرب الاتحاد الأوربي من %2 سنة 2018 إلى %1.9 سنة 2019؛

تراجع المبادلات التجارية العالمية من %2.4 سنة 2018 إلى %4 سنة 2019؛

توقعات بتراجع الاقتصاد العالمي إلى %3.5 سنة 2019(مع مجموعة من الاقتصاديين يرون في أن أي نسبة تفوق 3 بالمائة فهي تشير إلى انتعاش اقتصادي في العالم بينما إذا ماقلت النسبة عن 3 بالمائة فأن ذلك يعني كساد في الاقتصادات الرئيسية)؛

توجه الأسعار العالمية للنفط نحو الانخفاض.

وقد تميزت بداية السنة المالية 2019بدخول أحكام المواد 5 و47 (د) و48 (الفقرة الأخيرة) من القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية حيز التطبيق (فاتح يناير 2019)، وهي المتعلقة باعتماد البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات، حيث نجد في هذا الصدد المادة الخامسة من نفس القانون التنظيمي تشير الى ان” إعداد قانون المالية للسنة استنادا إلى برمجة ميزانياتية لثلاث سنوات. وتحين هذه كل سنة لملاءمتها مع تطور الظرفية المالية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد…”.

وهذا مع ضرورة التذكير بحيثية أساسية في ذات الموضوع، ألا وهي صدور منشور رئيس الحكومة رقم 5-2018 بتاريخ 22 مارس 2018 يتعلق بالبرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات2019-2021.

وعلى ضوء ما ذكر، ودون الخوض أكثر في هذه المقدمات والسمات العامة لقانون المالية لسنة 2019 -والتي كانت عبارة عن محاولة لوضع هذا القانون في إطاره العام ومدى تفاعله مع محيطه الوطني والدولي-نأتي الى تقديم قراءة في توجهات ومقتضيات ومضامين هذا القانون وطرح جملة من الملاحظات والأفكار، مع اثارة ملاحظة أولية كون هذه القراءة تحليلية هي جزئية، نظرا لصعوبة تحليل جميع الجوانب المرتبطة لقانون المالية السنوي.

ولعل اول ما يمكن تسجيله ونحن بصدد هذا الموضوع، وبعد قراءة دقيقة ،هي تلك الملاحظة المتعلقة بالشكل العام للوثيقة ،اذ لن نجافي الموضوعية اذا قلنا أن تحرير وصياغة قانون المالية لسنة 2019 لا يختلف كثيرا عن تحرير وصياغة ومحتوى قوانين المالية لسنتي 2017و 2018 واستعادة لما ورد فيها مع بعض التغيرات ،بحيث يظل العنوان الابرز هو الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية الكبرى(اعتماد سياسة التوازن التقليديorthodoxie budgétaireالتي تهتم بالتوازن المالي على حساب التوازنات الاجتماعية وتحقيق التوازن بين متطلبات الاصلاح وضرورات العدالة الاجتماعية) ، وهو الأمر الذي يدل على عجز الحكومة الحالية في إعطاء نفس جديد لقانون المالية السنوي2019 الذي يعتبر وثيقة تؤطر التوجه العام للسياسة الاجتماعية والاقتصادية والمالية للحكومة خلال سنة مالية.

والحالة هذه، يحق لنا ان نتساءل: الى أي مدى حاولت الحكومة من خلال هذا القانون استحضار الأوضاع الاقتصادية العامة التي يعرفها المغرب، وحاجات المالية العمومية إلى مصادر تمويل جديدة من شأنها المساهمة في ترجمة البرنامج الحكومي على أرض الواقع.

الملاحظة الثانية التي يمكن إبداؤها: تتعلق بتغييب المسألة الاجتماعية في شموليتها، ذلك أن الحكومة تبنت مقاربة قطاعية تفتقد إلى النظرة الشمولية في بعديها الأفقي والعمودي (قطاع التعليم، قطاع الصحة)

الملاحظة الثالثة: تتعلق بنسبة النمو المتوقعة من خلال القانون والمحددة في 3,2 بالمائة، ذلك انه وعلى الرغم من ضعف هذه النسبة، نجد توقعات تفيد بصعوبة تحقيقها هي نفسها.

وفي هذا الصدد، تشير تقديرات المندوبية السامية للتخطيط من خلال وثيقتها الاخيرة حول” الميزانية الاقتصادية التوقعية لسنة 2019″ الى إن معدل نمو الاقتصاد المغربي لن يتعدى 2.9 في المائة خلال الموسم الحالي، بانخفاض طفيف عن السنة الماضية.

ويعاضد هذا التوقع، ما جاء في بلاغ سابق لبنك المغرب عقب اجتماعه الفصلي الثالث برسم سنة2018 (الثلاثاء 25 شتنبر 2018)، توقعات بتراجع نمو الاقتصاد الوطني من 4,1 %في 2017 إلى 3,5 %في2018 و3,1 %في 2019.

وزيادة على تضارب الأرقام والمعطيات فيما يخص نسب النمو المتوقعة، ليس هناك من داع للتذكير بأن نسبة النمو المتوقعة خلال السنة المالية 2019، لا ترتقي الى حجم التحديات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة، ولا الا ما تضمنه البرنامج الحكومي 2017-،2021، الذي حددت الحكومة من خلاله لنفسها كطموح اللحاق بـ «نادي الدول الصاعدة» (الذي يتطلب ديمومة نسبة نمو تصل الى 7 بالمائة على خلال خمسة عشر سنة على الاقل)، وهو ما يقلص بالتبعية من هامش التحرك الحكومي.

الملاحظة الرابعة: حول اعتزم الحكومة اقتراض 76.2 مليار درهم لسد حاجيات تمويل الخزينة العامة، وذلك على شكل ديون متوسطة وطويلة الأجل، عوض 68 مليار درهم المسجلة خلال 2018، أي بزيادة معدلها 12.06 في المائة، وهو ما يعني استمرار مسلسل تفاقم معدل الدين العمومي الإجمالي، الذي حسب ما جاء في ” الميزانية الاقتصادية التوقعية لسنة 2019″للمندوبية السامية للتخطيط، انتقل من 82 في المائة سنة 2017 إلى 82.2 في المائة سنة 2018، قبل أن يستقر في 82.5 في المائة سنة 2019 وهو ما يعكس من جهة، عجز الحكومة عن إيجاد موارد للميزانية غير موارد الاقتراض خاصة في ظل ضعف القدرات التصديرية للاقتصاد المغربي وفي ظل انعدام مشاريع تنموية يمكن أن تدفع العجلة الاقتصادية وأن تزيد من نسب النمو، ومن جهة ثانية غياب أي تصور حقيقي حول التدبير اليقظ للمديونية ،التي تعد من الإشكاليات المؤرقة والشائكة التي تعاني المالية العمومية بالمغرب.

الملاحظة الخامسة: على الرغم من تضمن قانون المالية لسنة 2019 لمجموعة من التدابير الضريبية والإعفاءات الجبائية وغيرها (إعفاء العربات المستعملة في النقل المزدوج المرخص لها بوجه القانون التي يقل أو يساوي مجموع وزنها مع الحمولة أو الحد الأقصى لوزنها مع الحمولة المجرورة 3000 كيلوغراما من الضريبة الخصوصية السنوية على المركبات ،منح الملزمين بأداء الضريبة على الدخل برسم الدخول العقارية اختيار نظام التحصيل المناسب لهم، إلغاء الديون المستحقة لفائدة الدولة الموضوعة قيد التحصيل قبل فاتح يناير 2000 والتي تساوي أو تقل عن أو تبقى منها مبلغ خمسين ألف درهم إلى غاية 31 ديسمبر2018بموجب المادة التاسعة،…)،الا ان ذلك لا يمنع من تسجيل استمرار الحكومة في اعتبار الجباية وسيلة لتوفير الموارد المالية للخزينة دون تطوير بدائل خارجها او محاولة ابتكار حلول تمويلية اخرى للخزينة(يتوقع ارتفاع مداخيل الضريبة على الدخل والشركات حلال السنة المالية 2019) ، أي غياب أي نية لدى الحكومة في إعادة النظر في المنظومة الجبائية في سبيل تدعيم الموارد الذاتية وتحقيق العدالة الجبائية وتطبيق توصيات المناظرة الوطنية حول الجبايات سنة 2013.

الملاحظة السادسة: تخص قضية البطالة والتشغيل التي تظل في قلب المفارقات الكبرى للنموذج التنموي المغربي، حيث نجد المادة 34من قانون المالية، تتحدث عن إحداث 25572 منصب مالي برسم الميزانية العامة، اغلبها عبارة ترقيات داخلية وتوظيفات في السلاليم الدنيا وتوظيفات خاصة بوزارة الداخلية، مع العلم انه وحسب ما جاء في تقرير الموارد البشرية المرفق سابقا بمشروع قانون المالية لسنة 2019، يتوقع أن يصل عدد الموظفين الذين ستتم احالتهم على التقاعد برسم سنة 2018 حوالي 14.081.

الملاحظة السابعة: للتقليل من نسبة العجز في الميزانية العامة ارتفعت سنة 2018الى 3.8 في المائة، لجأت الحكومة من خلال قانون المالية 2019 الى طرح بعض مؤسسات الدولة للخوصصة لتغطية هذا العجز (إدراج كل من شركة استغلال المحطة الحرارية لتاهدارت وفندق المامونية في لائحة الشركات التي ستتم خوصصتها)، وفي هذا الصدد تمت بلورة القانون رقم 91.18 بتغيير وتتميم القانون رقم 39.89 المأذون بموجبه بتحويل منشآت عامة إلى القطاع الخاص.

ومن هنا وجب السؤال: هل الحكومة استنفذت كل الحلول لكي تلجا مرة اخرى لعملية الخوصصة؟

الملاحظة الثامنة: مضمونها ثبات مبلغ الاعتمادات الموجهة للاستثمار العمومي كما كان عليه الحال في سنة 2018، أي 195 مليار درهم، وتتوزع كمايلي:

الميزانية العامة: 77.5 مليار درهم؛

المؤسسات والمقاولات العمومية :99مليار درهم؛

الجماعات الترابية: 18.5 مليار رهم.

ختاما، واختصارا لمجموعة من الافكار والملاحظات والاستنتاجات، نشير الى ما يلي:

المتمعن في أحكام قانون المالية الثالث في عهد الحكومة الحالية، يلاحظ دون عناء هيمنة الموارد الضريبية على موارد الميزانية العامة المتوقعة برسم سنة 2019؛

هشاشة التوازنات الماكرو اقتصادية وضعف التوقعات الخاصة بالنمو وهو ما يثيل علامة استفهام حول ما إذا كان الامر يتعلق بخطأ اقتصادي منهجي في تقدير التوقعات او محاولة للنفخ في الارقام؛

محاولة تضليل الرأي العام بالقول بتخصيص اعتمادات مالية أكبر لقطاعي الصحة والتعليم وهي في اغلبها تندرج ضمن ميزانية التسيير وليس التجهيز الخاصة بالقطاعين؛

إن ربط الرهانات والتوقعات التي ينبني عليها قانون المالية لسنة 2019 بالإنجازات المحققة إلى اليوم، تعتبر منهجية قمينة بتمكينها من قراءة موضوعية لتوقعات وأهداف هذا القانون لذلك نرى أن أي قراءة متأنية في مراميه تمر بالضرورة عبر قراءة دقيقة في منجزات السنة الماضية؛

الواقع الموضوعي للنموذج التنموي المغربي في الوقت الراهن والتحديات التي تفرضها الظرفية الداخلية والمحيط الدولي يفرضان على الحكومة واستشرافا للمستقبل العمل على القيام بنقلة نوعية في المسار التنموي، قوامها تغيير جوهري يتطلب الانطلاق من المبادئ المؤطرة التالية:

إعادة النظر في النموذج الاقتصادي المتبع وفق رؤية شمولية، تكون من جهة واضحة ومحددة تتكامل مع السياسات المالية والنقدية ومن جهة أخرى تستهدف تحقيق التوازن بين دينامية الاستثمار والنمو؛

المواطن المغربي غاية التنمية؛

العدالة الاجتماعية والمجالية ومعالجة الاختلالات الاجتماعية والحد من الفوارق غاية التنمية؛

البحث عن النجاعة والفعالية؛

نهج سياسية إرادية تروم تحقيق مستوى نمو اقتصادي مولد لفرص الشغل باعتبار الأخير كأحد أشكال الحماية الاجتماعية وعنوانا للكرامة الإنسانية ومن الحقوق الأساسية الاقتصادية والاجتماعية؛

ملاءمة تدخلات الدولة مع تحديات الانفتاح والتنافسية؛

تقوية استهلاك الأسر الذي يشكل أحد أبرز محركات النمو؛

عقلنة مجموعة من النفقات ومنها النفقات الجبائية التي تعتبر “ثقبا أسود” يمتص حوالي 30 مليار درهم سنويا من ميزانية الدولة.

*باحث في التدبير الإداري والمالي

[email protected]

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة