الحجاب والعفة وحراس الفضيلة وأشياء أخرى..

الحجاب والعفة وحراس الفضيلة وأشياء أخرى..
السبت 12 يناير 2019 - 10:00

مازلنا نناقش الحجاب والجلباب واللحية، ومازلنا نرصد بأعيننا-بكل عنف- حرية الآخرين في اللباس والتنقل والتفكير. لم يعد يعنينا أن نسائل حرياتنا أبدا ونُحيطها بكل الأسئلة اللازمة، بل صار همنا أن نتتبع أجساد الناس، هي هل عريضة أم لا؟ هل هي جميلة أم لا؟ هل هي فاتنة أم لا؟ هل بها أي تغيير أم ماذا حدث لها؟ كل هذا صار الأهم.

مؤسفٌ جدا أننا نعيش في مجتمع يُصنفك انطلاقا من لباسك، فإذا وضعتِ حجابا غطيت به شعرك فأنت امرأة عفيفة ومحترَمة، وإذا أزلته فأنت متمردة وقحة، لا تريدين الانصياع لتعاليم الإسلام، أما إذا لم تكوني ترتدينه فأنت في قاموسيهم سافرة، وربما فاجرة وفاسقة. المهم أنك لن تنالي “بركتهم” لأنهم حراس الفضيلة، وحراس الأخلاق و”العفة” ومالكو رضا الله تعالى.

مُناسبة هذا الكلام هو انتشار صورة من دون حجاب منسوبة إلى البرلمانية أمينة ماء العينين، المنتمية إلى حزب ذي مرجعية إسلامية، حزب سياسي نعرفُ جميعا أن أعضاءه ناضلوا في الثمانينيات في صفوف الجماعة الإسلامية وقبلها في الشبيبة الإسلامية، واليوم هم أنفسهم قيادات معروفة يتواجدون في الحزب كما في حركة التوحيد والإصلاح.

كل ما حدث أعاد إلى الواجهة النقاش الأزلي حول الحريات الفردية، لكنه أعاد أيضا ازدواجية الخطاب الديني للحركات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة. وهذا أيضا نقاش صحي ومهم، لكن الأول أكثر أهمية، لأن الجو العام الذي يحترمُ ويصون حقوق الإنسان لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن احترام خصوصيات الأفراد وحرياتهم الفردية.

صحيح أن حركة التوحيد والإصلاح كانت تواكب حملات دعوية خاصة بالصلاة والصيام والتفوق الدراسي والعفة أيضا، لكن الفكرة التي يجب أن تستوقفنا هي حدود “الدعوة إلى الله”، وقبلها دواعي هذه الحملة، لأن العفة مثلا لم تُقترن أبدا بالمرأة ولا بحجابها ولا بجسدها فقط، العفة هي قيمة كونية لا تخضع لمنطق تنصيف النوع الاجتماعي ولا أي شيء، هي تعني ببساطة أن يكف كل منا عن ارتكاب “المحرمات”، والغش والكذب والسرقة والرشوة وإيذاء الآخر من المحرمات التي يجب أن ننتبه إليها بحذر.

الآن لا يهمني الخوض في هذه التفاصيل المعروفة، ولا شرح بعض المفاهيم، غير أنني أجد في شعار “حجابي عفتي” الذي يتكرر في كل مرة تقزيما لمفهوم العفة وسقوطا دائما في ربط ممارسة بعض الحريات بـ”الخروج” عن الدين، بل بنوع من الكفر والانحلال الأخلاقي. والذين يقولون إن الحجاب موجب للعفة وعدمه مجلبة للفساد عليهم أن يبرروا قولهم بمعطيات وأرقام واضحة، يقدموا لنا إحصاء أنجزوه لنعرف عدد وقائع الفحشاء والمنكر التي حدثت في الفضاءات التي تتواجد فيها النساء غير المحجبات.

مؤخرا نزعت الكثير من صديقاتي الحجاب، وأغلبهن كبروا في محيط الحركة الإسلامية والجلسات الدينية والتربوية، غير أن رأيهم بعد شهور من التفكير والمراجعات الفكرية والثقافية وحتى الدينية كان مُختلفا، فأزلن الحجاب ليتركن لشعورهن الجميلة الحرية “المسلوبة”.

لكن الذي صدمني هو تعليقات التكفير والسب والشتم بعد نشر صورهن على موقع “فيسبوك”، فبالنسبة إليهن الأمر هو اختيار فردي حر، ولكن الطرف الآخر كان له رأي آخر، والكثير من التعليقات اختارت رفض الصورة “بدون حجاب”. كما لو أن صديقاتي كُنّ يحتجبنَ للناس، كما لو كُنّ يعشن لهم ومن أجلهم فقط.

متى يعرفُ الناس أن حرياتنا خط أحمر، لا يجوز لأحد اقتحامه، وأن علاقاتنا الدينية ومستوى تديننا والتزامنا هو أمر خاص، خاص جدا، لا يجوز اقتحامه وتجاوزه حتى باسم “الدعوة إلى الله”. ولا حق لأي شخص أن يتيح لنفسه الفرصة ليوزع الأحكام على الناس ويعطيهم بطاقات “الجنة” أو”النار” و”الملتزم” أو “الكافر”، و”العفيفة” أو”الفاسقة”.

متى يُدرك الناس أن اللباس لا يعكس أخلاق الشخص الحقيقية ونياته أيضا، وأن المبدأ بلغة أخرى هو أن «L’habit ne fait pas le moine»، فلا يحق لأي أحد أن يتدخل في ما لا يعنيه، وأن يربط ارتداء الحجاب بالطهر والصدق والهداية والاستقامة، ونزع الحجاب بالضلال والفساد والكفر.

ولم أسلم أنا الأخرى من حراس الفضيلة ومالكي مفاتيح أبواب الجنة الذين اتهموني بالضلال والانحراف الأخلاقي لمجرد أنني اخترت وضع حجابي بلفّة تعجبني وتليق بي، تُظهر بعضا من خصلات شعري، ولمجرد أنني أطور نفسي في كل وقت، أدرس وأقرأ الكتب وأسافر، وأسلك طريق النجاح والتفوق، فاستباحوا عرضي وكرامتي.

سألتني ذات يوم صديقة تاهت في طرح الكثير من الأسئلة الوجودية والفلسفية حول رأيي في نزع الحجاب، وقد كانت تتردد هي الأخرى من أجل اتخاذ القرار، فقلتُ لها إن ثمن الصراحة والصدق مع الذات يُكلف كثيرا، خاصة في مجتمع يملؤه المنافقون والانتهازيون، هؤلاء الذين يعيشون بأقنعة كثيرة وشخصيات مُزدوجة، هؤلاء الذين يُرسلون صورا إباحية للفتيات على فايسبوك ويتحرشون بهن، ويُمارسون الوصاية على قرار أخواتهم، ويفرضون عليهن الحجاب ويسلبون حريتهن في وضعه أو نزعه، باسم “الفضيلة” و”العفة”.

ولكن هذا لا يعني أن نستسلم لهم، ونترك لهم الفرص ليجهزوا على حرياتنا، لأننا في النهاية يجب أن نكون نحن أو لا نكون. هذه هي الحقيقة الثابتة التي يجب أن نحاول الوصول إليها ما استطعنا.

أما عن قيمة الإنسان فلا تحددها قطعة قماش أو جلباب أو لحية، ولا يحددها “الآخر”، نحن من يظفرُ بها بنجاحنا، بتعاوننا، بإخلاصنا، بعدم غشنا، بصدقنا، بحبنا، بانتصارنا لقضايا حقوق الإنسان بدون أي تجزيء، وهذه هي أنبل قيم العفة وأرقاها.

فلا يحشر أي منا أنفه في حياة الناس..وبلغتنا الدارجة: كل واحد يديها فسوق راسو.

*طالبة صحافية

[email protected]

‫تعليقات الزوار

8
  • Fee Spirit
    السبت 12 يناير 2019 - 14:17

    أختاه:انا مغربية حرة لا اعتبر نفسي عورة وصوتي ليس عورة ولا ناقضة وضوء ولا اكثر حطب جهنم ولا ملك يمين ولست غنيمة حرب ولا سبية ,جسدي وشعري ملكي انا اتساءل لماذا من يتوجب فيه انه خالق للمجرات يركز على جسدي ?لماذا خصلة شعراو ساق تتشمس لتتمتع بفيتامين Dمن الشمس تغضب خالق الكون ولا يزعجه منظر طفل جائع متشرد ما هذا التركيز المرضي على الحواجب والكعب العالي والعطر لم يتركوا عضوا من جسد المرأة الا وافتوا فيه المضحك هو الوعيد وزرع الخوف وترهيب النساء بجهنم والشواياتالضخمة وكل فنون السادية والتعديب والتعبان الاقرع فقط لانها لم تغطي شعرها حتى الطفلة والزوجة الميتة لم تسلما من كبتهم شخصيا البس ما اشاء حسب فصول السنة واعتبر الدين مسألة شخصية وهو فقط افكار يجب ان تبنى على الاقناع والمنطق وليس الترهيب والتخويف ومن حقي ان اجادل واسأل وارفض المشكلة في العقول المتعفنة بموروث ديني مريض ومتخلف مليء بالكبت والهوس الجنسي

  • Dr Dina Anwer
    السبت 12 يناير 2019 - 15:42

    لستُ مضطرةً لطاعة رجالٍ لم أختر وصايتهم علي..

    و لستُ مُضطرةً لمُسايسةِ مجتمعٍ نشأت فيه رغماً عنِّي

    ليس من حق أحد أن يُحاسبنا بتقاليد تسجننا .. و أعرافٍ تُسلِّعُنا و تشريعاتٍ تظلمنا و تسلبنا حقوقنا و إرادتنا و إستقلاليتنا
    أجساد النساء التي تنازعتم على ملكيتها أكثر مما تنازعت عليها صاحباتها …

    أجساد النساء التي أفرغتم عليها عقدكم و ذكوريتكم و شهواتكم المستعرة … حتى نجّستموها بفكركم العفِن و دنَّستُم قدسيتها بإرتباط كل المفاهيم المتدنية في خيالاتكم الملوثة بجسد المرأة ..

    المرأة .. و المرأة فقط .. هي من تملك حق تقرير حياتها و معاملة جسدها على النحو الذي يُرضِيها و يُعبِّرُ عنها ..

    لن تستقيموا على درب التطور الإنساني .. إلا بالثورة على مفاهيم تسليع الجسد .. إلا بتحرير جسد المرأة من إرتباطه بالدنس و العهر و الرذيلة و الفسق و الفجور .. و كل تلك المسميات التي تنم عن وضاعةِ قائلها و دناءة ِ من يستعملها في مفرداته ..

    و لتذهب تقاليدكم و أعرافكم و عاداتكم و مواريثكم إلى الجحيم ..

  • Mr Nostik
    السبت 12 يناير 2019 - 16:46

    حين يكون "الفولار" حرية شخصية فهو حرية شخصية، وحين يكون برنامجا إنتخابيا فهو برنامج إنتخابي. فلا يجوز الخلط.
    حين تكون الصلاة حرية دينية فهي حرية دينية، وحين تكون ملصقا دعائيا فهي ملصق دعائي. فلا يجوز الخلط.
    حين يكون التدين حقا من حقوق الإنسان فهو حق من حقوق الإنسان، وحين يكون وسيلة للسلطة أو المال فهو ماركوتينغ وبروباغاندا و business is business

  • med
    السبت 12 يناير 2019 - 21:44

    فعلا الحرية هي ملك للجميع شريطة احترام الخصوصيات الفردية التي تتماشى مع القيم والاعراف والعادات فالتدين السليم والجميل هو الذي يتماشى وينسجم مع الحريات الكونية وحقوق الانسان فالاختلاف في الطبائع والاذواق شيء طبيعي يحبه الله تعالى

  • اسكاون سعيد
    الإثنين 14 يناير 2019 - 15:08

    بعض الناس يريدون أن يصنعوا من لا شيئ قضية ذات بال، فالإسلام أمر المرأة أن تضع حجابها طاعة له، وإذا أزالته فحاسبها هو الله تعالى وهذا أمر يخص المراة التي تختار الإسلام دينا لها.وأما من يختار القيم الكونية وقيم الإلحاد والعلمنة الشاملة فالحجاب لا يعنيها من قريب أو من بعيد. فلتلبس ما تريد وانتهى الكلام

  • sifao
    الثلاثاء 15 يناير 2019 - 09:33

    ياسيدتي ، من البؤس جعل الحجاب موضوعا للأخذ والرد ، لو احتفظ بتعريفه الاصلي "قطعة قماش" لما اثار انتباه احد ، فلا اعرف معنى ان يفرض الاخ او الاب ارتداء الحجاب على اخته او ابنته ويرمي غير المتحجبة بكل اوصاف الخلاعة…؟ الصدق ، الامانة ، الاخاء ، العفة ،…كلها قيم نبيلة يتشاركها الانسان في كل ربوع العالم وليست محصورة عند قوم من دون غيره ، لكن هذه القيم النبيلة سلوكات ترافق الانسان في حياته اليومية ، في الشارع ، في مقر العمل ، في المدرسة…كنمط تفكير وعيش تتجسد في العلاقات الاجتماعية ، لكن ، الاسلاميين جعلوا من الحجاب رمزا علامة فارقة لهذه القيم ، حاملة الحجاب هي كل تلك القيم وغيرها هي عكسها ، فمن الطبيعي ان يتساءل المرء عندما تُغتصب تلك القاعدة من طرف واضعيها ، واضعوا هذه القاعدة هم من اثاروا الانتباه الى هندسة جسد المرأة ، والدليل ان الشعوب المتحررة من هذه الافكار التقليدية لا يكترثون لتمظهراته لانها جزء من حياتهم اليومية ، اصبحت جمالية الجسد جزء من ثقافتهم ، ينال الاعجاب وليس الاستهتار، الله لم يخلق فضيحة وندم عليها وطالب من حراس فضائله سترها؟؟؟

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 7

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس