عندما تسقط التكنولوجيا في يد من يجهلها !!!...

عندما تسقط التكنولوجيا في يد من يجهلها !!!...
الأحد 18 نونبر 2018 - 13:10

When technology falls into the hands of the ignorant-

لا أحد ينكر بأن للهواتف الذكية مزايا كثيرة وقد لا تحصى، بحكم أن مجالات استخدامها في توسع وتطور مطرد. ومما لا شك فيه أيضا أن الهواتف الذكية يمكن أن تساهم -وبشكل لافت- في تطوير دائرة المعرفة لدى الفرد وتنمية قدراته الفكرية ومهاراته أيضا إن هو أحسن استخدامها وكان على وعي تام بالمجالات أو المناحي المضرة اللصيقة بها، وكذلك الأضرار النفسية والمادية التي يمكن أن تحصل في حال أساء استخدامها.

التكنولوجيا والأمية:

قد يتبادر إلى الذهن بأن المقصود هنا هو الجهل بكيفية استخدام التكنولوجيا أو عدم الإلمام بحيثياتها، ولكن المقصود في حقيقة الأمر هو الجهل بالمغزى والهدف من اقتناء تلك التكنولوجيا كالهواتف الذكية مثلا. فقد أصبح الكل مشغول وعلى غرة بإرسال الرسائل إلى كم هائل من الناس(حتى وإن لم يطلع على فحواها أو يقرأ مضمونها) ليس في إطار التبادل المعرفي كما جرت به العادة في الأمم المتقدمة حضاريا، ولكن من باب الفضول فقط أو البلادة إن صح التعبير. كما أصبح كثيرون يقومون بتفعيل خاصية التسجيل السمعي أو المرئي، فيرسلون مقاطع فيديو ومقاطع سمعية لها علاقة بحياة الناس الخاصة، وقد تكون مخلة بالأخلاق العامة أحيانا أو تخدش رداء الحياء بين الأفراد والأسر، بل تتسبب في تفكيك أسر بأكملها أحيانا أو تسيء لعلاقات اجتماعية، بل قد تتسبب في قلب حياة آخرين رأسا على عقب.

وقد يتساءل المرء أحيانا عن الدوافع أو الأسباب وراء تلك الأعمال المشينة فلا يجد لذلك جوابا سوى “تفشي الأمية” في المجتمع فعلا، وإلا فما الذي يجنيه أولئك الجهلة من هتك ونشر أعراض الناس؟!!! علما بأن ديننا الحنيف قد نهى عن ذلك وشدد عليه في مواطن عدة سواء في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة. يقول ربنا جل وعلى في محكم تنزيله: }إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{ (سورة النور، آية 19 )، وقال سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم: ” لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم”. فما الذي يجنيه أولئك من نشر غسيل بيوت الناس وخصوصياتهم؟ ما الفائدة من فضح خصوصيات الأفراد والأسر على رؤوس الخلائق؟ ما الذي يجنيه هؤلاء من قذف المحصنات وتشويه سمعة الشرفاء من أبناء وبنات ومسؤولي وطنهم؟!!!…إنه الجهل بالأخلاق والمبادئ والدين لا محالة…

فإن كان يطلق على مفهوم الأمية الإلكترونية، “الأمية الحديثة” تمييزاً لها عن الأمية الأبجدية، التي تعني عدم القدرة على القراءة والكتابة، فهنالك فإنه إلى جانب ذلك نجد اليوم “الأمية الأخلاقية” التي يمكن إضافتها إلى ذلك الصنف من الأمية، والتي يقوم صاحبها بهتك أعراض الناس من باب التسلية أو الإحساس بنشوة الابتكار البليد وهو في حقيقة الأمر يغرق في وحل ذنوب تقترفها يديه من خلال جهاز هاتفه الذي يجهل ماهيته والهدف من صنعه!!!…

الأضرار الناجمة عن سوء استخدام التكنولوجيا الحديثة:

أدت التطورات المتسارعة في مجالي العلم والتكنولوجيا إلى بروز مفاهيم ومجالات عديدة جديدة تجاوزت المصطلح التقليدي للأمية كما قلنا سابقا، إلى تعريف الأمي في بعض البلدان بأنه ذلك الشخص الذي لا يجيد التعامل مع الحاسب الآلي على سبيل المثال، غير أننا أصبحنا نصادف أنواعا عدة من الأمية اليوم، بما فيها ما يسمى بــ”أمية المتعلمين”، وهي المتعلقة بأولئك الأشخاص الحاصلين على شهادات تعليم عام، أو وربما تعليم عالي أو جامعي، ولكنهم مع ذلك لا يجيدون قواعد القراءة والكتابة الصحيحتين كما ينبغي مقارنة بأشخاص تجاوزوا هذه المرحلة. وهناك كما قلنا سابقا ما يسمى بـ “الأمية الإلكترونية”، ويقصد بها غياب المعارف والمهارات الأساسية للتعامل مع الآلات والأجهزة الالكترونية والهواتف الذكية والمخترعات الحديثة وفي مقدمتها الحاسب الآلي. وبالإضافة إلى تلك الفئة، هنالك شريحة واسعة من الأفراد الذين لا يمكن تصنيفهم بالأميين لأنهم يعرفون القراءة والكتابة، لكن مستواهم قد يكون ضعيفا جدا مما يجعلهم يعتمدون على الكتابة باللغة العامية “الدارجة” أو الإسهاب في استخدام خاصية التسجيل الصوتي أو السمعي البصري مما يعزز استفحال نشر الجهل والخرافات والخزعبلات التي لا صحة لها.

ومما لا شك فيه أن سوء استخدام التكنولوجيا الحديثة والهواتف الذكية له انعكاسات سلبية على سلامة وأخلاق المجتمع، ويكرس الجهل بين الناس، ويشيع المنكر والجريمة، كما أن لسوء الاستخدام هذا أضرارا على الأطفال وعلى مردوديتهم في المدارس والمؤسسات التعليمية. فنتمنى جميعا أن يحاسب كل فرد نفسه ويكف عن نشر ما لا يليق بمجتمعنا المحافظ، وأن نتعاون في ما بيننا كي نتعايش جميعا في بيئة ومجتمع متكامل يحسن استخدام التكنولوجيا وينتفع بها، مجتمع تكون شوارعه نظيفة ومرافق وفضاء مدارسه نظيفة وجذابة وخالية من جميع الشوائب والموبقات، فضاء يسعد التلاميذ والطلاب وينمي فيهم روح المثابرة والتنافس الشريف والنزيه والمحبة، ويعزز فيهم روح الانتماء والافتخار بالهوية والمواطنة ومحبة فعل الخير والإحسان ونشر الفكر والمعرفة…

“أكعاون ربي”

والله ولي التوفيق،،،

*خبير دولي في مجال التربية والتعليم، مستشار

[email protected]

‫تعليقات الزوار

2
  • Omar
    الأحد 18 نونبر 2018 - 15:58

    السلام عليكم دكتور موضوع في الصميم يعالج ظاهرة خطيرة على المجتمع العربي ويكشف الاختلالات التي تشوب التطور العلمي والفكري للأفراد والشعوب ونتمنى من المسؤولين إخراج قانون جزري لمعاقبة كل من يشوه سمعة الأخر عبر تصوير .والسلام.

  • اشرف
    الأحد 18 نونبر 2018 - 19:28

    ااتكنولوجيا سلاح دو حدين..موضوع موفق دكتور حياك الله

صوت وصورة
المودني تخلف أغلالو
الإثنين 25 مارس 2024 - 16:31

المودني تخلف أغلالو

صوت وصورة
شبكة "أكديطال" تتوسع
الإثنين 25 مارس 2024 - 16:15

شبكة "أكديطال" تتوسع

صوت وصورة
ما لم يحك | الحسن الثاني واليهود المغاربة
الإثنين 25 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | الحسن الثاني واليهود المغاربة

صوت وصورة
لقاء أخنوش بوفد من الكونغرس
الإثنين 25 مارس 2024 - 14:41

لقاء أخنوش بوفد من الكونغرس

صوت وصورة
مبادرة إفطار صائم بالعيون
الإثنين 25 مارس 2024 - 13:40 2

مبادرة إفطار صائم بالعيون

صوت وصورة
تشجيع الشباب على المشاريع الفلاحية
الإثنين 25 مارس 2024 - 12:11 1

تشجيع الشباب على المشاريع الفلاحية