بالأمس كان الحلاّج والسهروردي والمهدي.. واليوم خاشقجي

بالأمس كان الحلاّج والسهروردي والمهدي.. واليوم خاشقجي
الإثنين 29 أكتوبر 2018 - 14:45

بلغ الحديث عن قضية اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي مبلغا، حتى طغى “بقوته “على كل الأحداث والقضايا الأخرى الجارية بالعالم. الجزيرة الإخبارية التابعة لدولة قطر، بتأثيرها الإعلامي، عربيا ودوليا، باتت مثلها مثل مختلف وسائل الإعلام، لا تفوت صغيرة وكبيرة عن هذه القضية إلا وأذاعتها، تحت تغطية شاملة آناء الليل والنهار. الشيء الذي جعل القلوب أو “البعض منها” تبلغ الحناجر، والأيدي توضع على الأفئدة خوفا وهلع مما قد تؤول إليه الأوضاع، بناء على نتيجة البحث والتحقيق في ملابسات الاختفاء “التصفية”.

وما تداولته وسائل الإعلام من أخبار بخصوص هذه القضية، يفيد بتعدّد الأسباب والدوافع الكامنة وراء هذا الاختفاء. لكن الراجح عندها بشكل أكبر ينحصر في آرائه المنتقدة لسياسة بلده، العربية السعودية.

ومهما يكن من ترجيح وأسباب ودوافع لهذا التفضيل والتضخيم، فإن الأهم أنها أعادت مرة أخرى طرح القضية المسكوت عنها، تلك المتعلقة بحرية الرأي والتعبير. فكانت كحجر كبير ألقي في البركة التي أسنت قبل زمن طويل، فتحركت المجاري، واستعادت الأذهان قضايا أخرى مشابهة، بعضها فكّت طلاسمه، وبعضها ما زالت عالقة بين السماء والأرض روحه.

في الأمس البعيد، كان كلّما ذكر الحلاج، إلا وذكرت معه تهمة الهرطقة والتجديف (التهمة التي باتت تعرف اليوم بزعزعة الاستقرار والتآمر على أمن الوطن)، فدفع حياته ثمنا لأفكاره وآرائه التي لم تجد من يسبر غورها ويفهم كنهها. أما اليوم، فكلما ذكر اسم الحلاج إلا واقترن بالتصوف والزهد والتعبد. الشيء نفسه حدث مع شهاب الدين السهروردي، الذي عاش زمن صلاح الدين الأيوبي. ولئن كان صلاح الدين الأيوبي مثلما قيل لنا، عرف الطريق إلى تحرير القدس، فإنه لم يفلح في معرفة التعامل مع تحرير العقل والفكر. وكما سجّل له التاريخ الأولى، فإنه لم ينس أن يسجل عليه الثانية. وما بين الأولى والثانية بون وفرق كبير. هذا فقط نزر قليل من أمثلة كثيرة، سواء في هذا العصر أو العصور الأخرى المتقدمة.

إن هذا التضييق على حرية الرأي والتعبير الذي تعرفه الدول العربية خاصة، له تأصيل. لم يكن وليد اليوم أو الأمس القريب، بل له امتداد حتى قبل بداية تاريخ الإسلام. فتوارث جيلا عن جيل، مثلما توارثت كراسي الحكم والملك، حتى وصل إلى هذا العصر. سبب ذلك على ما يبدو، ترجيح المصالح الخاصة عن المصلحة العامة.

لمّا أتى النبي محمد عليه السلام بأفكار وآراء تختلف وتنتقد ما كان يسير عليه الناس آنذاك، تمت المقارعة في البداية بالحجة والدليل. لكن حينما لم يسعفهم ذلك، قابلوه بما هو أكبر، فشدّ الخناق وصارت حروب طويلة، وباقي القصة معروف ومعلوم لدى الخصوص والعموم، كما هي معلومة أيضا الدوافع التي كانت وراء ذلك كله.إذ كانت في سبيل حماية مصالحهم الخاصة، التي تحميها معتقداتهم. وهذا ما يحصل اليوم بالضبط. وإلا ما الحاجة وما الداعي إلى لجم أفواه الناس، بل وإزهاق الأرواح، إلا لأنهم يعبّرون عن آرائهم التي قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة.

فمن المؤسف، إذن، أن نجد اليوم، ترسانة من القوانين الجنائية تتصدى للرأي والتعبير، بدل إيجاد بدائل تنتهج مناهج التعامل بالحوار. ومن المؤسف أكثر، أن يصل الأمر إلى معاقبة الناس بالحبس وأخذ الأرواح وتيتيم الأطفال، بتهمة التعبير عن الأفكار والرأي. ومن سخرية الجغرافية، أن نجد هذه الدول تجاور دولا قدّست العقل والفكر، فوصلت بذلك إلى أعلى مراتب التحضّر والرقي.

لكن ومهما يكن من أمر، فإن التاريخ يدوّن ويسجل. والتاريخ أكبر محكمة عادلة على وجه الأرض. وها هم الآن، أولئك الضحايا، “الأبطال”، يذكرون بمفردهم من دون جلاّديهم ومن عاش بعصرهم، وكأنهم وحدهم من حيا الحياة. ومن يدري فقد يأتي يوم يصير فيه خاشقجي ملهما ومزارا للحجاج والمريدين، وبدل خاشقجي واحد، سيصبح العدد أكثر بكثير.

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 24

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات