اللغة العربية.. في مواجهة سيكولوجيتنا المهزومة

اللغة العربية.. في مواجهة سيكولوجيتنا المهزومة
الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 08:17

“اللغة العربية لغة أدبية عظيمة جدا ويجب تعلمها، ولا ينبغي أن يقتصر ذلك على من هم من أصول مغاربية أو من بلدان ناطقة بالعربية ” [1]. هذا ليس كلاماً أو تصريحًا لأحد مسؤولينا العرب، بل هو لوزير التعليم الفرنسي، أدلى به لأحدى القنوات الفرنسة، داعما بذلك تقريرا صدر عن معهد “مونتين” للدارسات والبحوث، اقترح تعزيز تعليم اللغة العربية في المدارس وجعل دورها لا ينحسر فقط في المساجد. في حين يحجم الكثير من مسؤولينا ويتعالون عن التحدث بها للإعلام وفي المحافل الدولية، وأحيانا حتى في الأمم المتحدة التي تعتبر اللغة العربية إحدى لغاتها المعتمدة.

في الوقت الذي تتوالى فيه مثل هذه التقارير الدولية، خاصة في الدول الأوربية، بشأن إدماج اللغة العربية في أسلاك التعليم في هذه البلدان والاهتمام بها لدواعي اقتصادية وأمنية وسياسية وغيرها. كتقرير صادر عن المجلس الثقافي البريطاني، صنف اللغة العربية في المرتبة الثانية بعد الإسبانية، كلغة أجنبية أكثر أهمية لمستقبل البريطانيين. ودعا إلى دمجها في التعليم الأساسي للأطفال البريطانيين [2]. في المقابل، نجد في الدول العربية من يشن حروبا لا تنتهي ضد هذه اللغة مستهدفا وجودها وعمقها الثقافي والحضاري.

في المغرب -على غرار مجموعة من الدول العربية- الذي يعتبر دستوره اللغة العربية لغة رسمية وجب الحفاظ عليها وتطويرها، هناك نقاش متجدد حول دمج العامية في مناهج التدريس لضرورة بيداغوجية وسيكولوجية تساعد الطفل على الاندماج في العملية التعليمية بشكل أفضل كما يدعي أصحاب هذا التوجه. يصل الأمر أحيانا إلى المطالبة بالاستغناء عن هذه اللغة وإحلال مكانها العامية إلى جانب اللغات الأجنبية بدعوى أنها لا تساير التطور العلمي والثقافي والتكنولوجي السريع في العالم. وكأن باقي لغات العالم تتطور ذاتيا بدون انخراط أهلها في تطويرها وجعلها قادرة على مواكبة المتغيرات العالمية في شتى المجالات! .

أيضا هناك من يتوقع لها مصيرا مشابها لمصير اللغة اللاتينية التي تقاعدت من وضائف طالما كانت تضطلع بها، وبات استعمالها لا يكاد يتجاوز الكنائس والمناسبات الدينية وبالتالي الإسراع إلى إيجاد بديل لها. تتشابه اللغات في النشأة والأفول ولعل تطور اللهجات المحلية في أروبا واستعمالها من طرف كتاب ومثقفين في نصوصهم الأدبية ومقالاتهم وأعمالهم البحثية وفي تواصلهم.. أدى بشكل تدريجي إلى وضع اللغة اللاتينية التي كانت سائدة في شتى المجالات العلمية والتفافية وغيرها على الرف. اللغة العربية الفصحى نشأت على أنقاض مجموعة من اللغات القديمة وعلى رأسها اللغة الأرمية. كما ذهب إلى ذلك محمود عباس العقاد في كتابه: “الثقافة العربية أسبق من ثقافة اليونان والعبريين”، وقد اعتبر الثقافة العربية أقدم حتى من الثقافة اليونانية والعبرانية خلافا لما كان سائدا من قبل.

ازدهرت اللغة العربية شعرا وأدبا قبل مجيء الإسلام ولعل في الشعر الجاهلي ما يؤكد ذلك. ثم احتلت مكانة مرموقة مع بزوغ فجر الإسلام والتطور الحضاري والثقافي الذي عرفته الأمة الإسلامية حيت سطع نجم مجموعة كبيرة من العلماء والأدباء والمفكرين في ميادين علمية ومعرفية عديدة. مما جعل منها لغة يتهافت على تعلمها، والنهل مما يكتب بها، كثير من العلماء الأجانب. مع انحسار وتراجع دور المسلمين في العالم وخضوع معظم البلدان العربية والإسلامية للاحتلال الأجنبي، همشت اللغة العربية وأصبحت في الكثير من البلدان العربية لغة ثانوية بحكم الواقع، في حين حظيت اللغات الأجنبية (لغات الاحتلال) بمكانة مرموقة جعلت منها لغة الاقتصاد وعالم المال والتعليم خاصة المستويات العليا منه…

في اعتقادنا، الوضع الذي تعاني منه اللغة العربية لا يختلف كثيرا عن الوضع العام الذي يعاني منه وطننا العربي؛ تخبط هائل في السياسات العامة وغياب رؤية استراتيجية واضحة تخرجنا من مستنقع التخلف الذي بات ساستنا يقنعوننا تصريحًا او تلميحًا أنه قدرنا المحتوم. الأمر ذاته ينطبق على سياساتنا اللغوية؛ من لغة قائمة بذاتها بلغت من الغنى والتنوع كمًا هائلا إلى لهجة نريدها لغة مستقبلية غير مكثرتين بالكلفة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الهائلة التي قد تترتب عن هذا المسار، إضافة إلى المجهود الجبار الذي قد يواكب هذه العملية؛ من بحث وتقعيد لغوي وقوامس وترجمة.. ربما لا لشيء فقط هي سيكولوجيتنا المهزومة تدعونا إلى التخلص من إرثنا الحضاري عبر التجني على اللغة العربية وربطها بانحطاطنا المزمن؟

اللغة العربية لها تاريخ عريق وثقافة خصبة. كتبت بها علوم كثيرة؛ من جبر وطب وغير ذلك، واستطاعت الاستمرار لقرون في وقت اختفت فيه لغات كثيرة. ثم إن ارتباطها بالإسلام وبتاريخه، جعلها تحتل مكانة متميزة في وجدان المسلمين خاصة العرب منهم، فأصبحوا يدافعون عنها بشكل عفوي رغم أنها ليست لغة تواصلهم اليومي. مما يستدعي الانكباب على تحسين طرق ومناهج تدريسها لتصير أكثر نجاعة وليس الدخول في متاهة لغوية نحن في غنى عنها…

في تصورنا، لا يجب إهمال اللغة العربية والدفع ببديل لها لأسباب في ظاهرها لغوية بيداغوجية وفي باطنها أيديولوجية وسياسية. الحفاظ على اللغة العربية لا يعني بالضرورة إهمال اللغات الوطنية الأخرى أو اللغات الأجنبية، بقدر ما يعني الانكباب على صياغة استراتيجية لغوية وطنية متكاملة بعيدا عن التوظيف السياسي والأيديولوجي لنظريات علم اللسانيات وغيره من العلوم الإنسانية.

مراجع:

[1] الجزيرة، ”وزير التعليم الفرنسي يعد بتعزيز تعليم اللغة العربية،”. http://www.aljazeera.net

[2] إ. عزام، ”دراسة استشرافية توصي بتدريس اللغة العربية لأطفال بريطانيا،” https://www.hespress.com/international/95132.html

‫تعليقات الزوار

9
  • عمر
    الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 09:08

    أَيُّ إنجازٍ لَديكُمْ ؟
    هل من الصَّعبِ على القِرْدِ
    إذا ما مَلكَ المِدْفَعَ
    أن يَقْتلَ فِيلا ؟ !
    ما افتخارُ اللِّص بالسَّلبِ
    وما مِيزَهُ من يَلبُدُ بالدَّربِ
    ليغتَال القَتيلا ؟!
    احمِلوا أَسْلِحَةَ الذُّلِّ وولُّوا
    لتَرَوا
    كيفَ نُحيلُ الذُّلَّ بالأحجار عِزّاً
    وَنُذِلُّ المستحيلا

    أحمد مطر

  • يونس
    الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 09:32

    الفرنكوفونية قفاز فرانسا الناعم

    فرانسا بالموازاة مع الضغوط السياسية التعديلية بسياسة العصا فهي أيضا وظفت الجزرة في سياسة حريرية ناعمة فزرعت المراكز الثقافية الفرنسية في المدن الكبرى في طابع ظاهره – تبادل – ثقافي و في باطني سعي لاستقطاب و مجازاة و تكوين جيل الحوكمة المستقبلي و ايقونات بعض المجتمع المدني ، كما انها من خلال هذه المراكز تسربت إلى بعض الجمعيات و التظاهرات زيادة في التغلغل داخل المجتمع …

    منجي باكير

  • بوزوبع
    الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 12:15

    رذائل الرد

    يصل الرد في القرآن (سورة النحل: و منكم من يرد الى ارذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا) الى اقصى درجات الانحطاط في عمر الانسان او شيخوخته كعقوبة الله لبعض الناس فبدلا من الموت يتحول الانسان الى جسم منحط و عقل خرف او ما نسميه اليوم بمرض التزهايمر بعد تدهور خلايا الدماغ في عمر متقدم و هذا يعنى و وفق القرآن ان الخرف ليس مرضا بل عقوبة الله للانسان على الارض و لكنه و من ناحية اخرى يبشر زكريا بولد في سورة مريم رغم انه في اقصى شيخوخته (لقد بلغت من الكبر عتيا) و السبب هو الميراث فقط (يرثني و يرث من ال يعقوب).

    جمشيد إبراهيم

  • خالد د الزرع
    الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 12:18

    الطريق نحو الاصلاح الحقيقي

    حالنا يرثى له في كافة الجوانب ، والقادم لا يبشر بالخير مطلقا في ظل كل المعطيات المتاحة ، ومن ينتظر التغير من إي طرف عليه إن يعيد حساباته ألف مرة ، والأفضل أن نترك كثرة الكلام ورمي الاتهامات للآخرين والقيل والقائل ولماذا المرجعية لم تفتي والسياسيين لم يفعلوا أو يشرعوا ، ونبقى في هذه الدوامة ليأتي اليوم الذي يكون وضعنا في علم الملكوت كيف سيكون . .

    ماهر ضياء محيي الدين

  • saccco
    الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 12:38

    لا يمكن نكران ان اللغة العربية من بين اللغات التي أنتجت بعضا من اعظم واجمل وارق ما كتب في تاريخ البشرية ومن يطّلع على تاريخ الادب المكتوب باللغة العربية لا يمكنه الا ان يقف بإجلال كبير امام اشعار المتنبي والتوحيدي وابي نواس وغيرهم حتى قيل ان ابدع ما انتجه العرب هي اللغة العربية لكن واقع اليوم يجعل المرء يستشعر ان هذه اللغة تعرف إضمحلالا وتقوقعا كبير وهي مهددة بالضياع لحساب اللهجات المحلية واللغات العالمية الاكثر انتشارا،فاللغة العربية اليوم تعاني من اثار الزمن واضحت عجوزة لا ينفع معها مساحيق التجميل والتبجيل
    والمفارقة المهولة هي ان من يعتبرون انفسهم حماة اللغة العربية هم من يعرضونها الى الهلاك والموت البطيء برفض التطوير والتغيير،فمن يُعتبرون حماة الضاد جعلوا من اللغة العربية اللغة الوحيدة التي لم تتطور قواعدها الاساسية ونحوها وصرفها مند 14 قرن بل بذلوا كل الجهود لتحنيطها والحفاظ على نقائها ووطهرانيتها
    فاللغة الانجليزية او الفرنسية هي لغات جديدة لا يتجاوز عمرها 6 قرون لكنها عرفت تغييرات هامة ونفس الشيء للغات القديمة كالصينية والعبرية عرفت تغيرات هامة بحيث يصعب فهم نصوصها القديمة

  • saccco
    الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 13:33

    كيف لهذه اللغة التي يريد الناطقون بها وخصوصا من يعتبرون انفسهم حماة الضاد تحنيطها وعدم لمس قواعدها الاساسية التي اكل عليها الدهر،كيف يستطيعون احياءها بهذه "السيكولوجية المهزومة"وإحياء قدرتها على مسايرة
    مظاهر التطور وسرعة أيقاع الحياة المعاصرة وسعف الناس للتعبير عن حياتهم اليومية في وقت اصبح الوصول الى المعلومة والى المعاني باسرع وقت ممكن
    كيف يمكن مواجهة نفور الشباب المتزايد امام صعوبة فهمهم لقواعد اللغة العربية المعقدة التي لم تعد قادرة على مسايرة المتطلبات اللغوية اللازمة للتعبير عن النفس
    فهناك علاقة متوازية بين تطور اللغة وتطور تقدم المجتمعات الانسانية ،فكلما تطورت اللغة كلما زاد تفاهم الناس وتزايدت نسبة نجاحهم في تطوير حياتهم ومعيشتهم اليومية والعكس صحيح
    فتطوير اللغة العربية بل إحداث ثورة كوبرنيكية في قواعدها وتراكيبها وصرفها ومفرداتها هو ما تحتاجه لضمان بقاءها في زمن العولمة وتقنيات التواصل التي ستؤدي لا محالة الى هيمنة لغوية وإنكماش اللغات الاخرى
    والا سنظل نحتفي بلغة وهي في طريق الانكماش وربما لقدر الله اندثارها وستصبح لغة محصورة على المختصين والفقهاء وقراءة القرأن

  • الشريك
    السبت 13 أكتوبر 2018 - 02:17

    هناك من يسعى للقضاء على اللغة العربية كي تنسى الناس على الفهم بهذه اللغة. وقصدهم هو مس القرآن.

  • هواجس
    السبت 13 أكتوبر 2018 - 09:13

    "اللغة العربية لغة أدبية عظيمة جدا ويجب تعلمها، ولا ينبغي أن يقتصر ذلك على من هم من أصول مغاربية أو من بلدان ناطقة بالعربية " [1]. هذا ليس كلاماً أو تصريحًا لأحد مسؤولينا العرب، بل هو لوزير التعليم الفرنسي…." لو كان هذا الكلام لمسؤول عربي لما كان له اي وقع او معنى ، لكن بما انه لفرنسي فهو يرقى الى مستوى اعلى قد يضاهي او يفوق نص قطعي ، كلام صادر عن الهة الارض يجب الاخذ به والتمعن فيه بكل دقة وعناية،،،، ولا اعرف لماذا لم تعلن فرنسا تدريس العربية في مدارسها بصفة اجبارية ، انه تصريح "الغرب" الذي نكرهه حينا ونعشقه الى اليتم احيانا اخرى،،،

  • Jalal
    الإثنين 15 أكتوبر 2018 - 08:44

    Un article intéressant. Vraiment c' est notre psychologie qui ne pousse à attaquer notre . ..langue arabe

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين