تلك الغيوم التي تلوح في الأفق القريب من سماء المغرب، ولا تلبث تزداد في الانتشار والتوسع. إذ مند حلول الربيع العربي، الذي لم يكن إلا ضرورة حتمية لما وقع وحصل. ابتدأت تلك الغيوم شيئا فشيئا في التشكل، وصارت بمرور الوقت قاتمة سوداء، تحمل بين ثناياها بردا ومطرا.
ففي الريف غيمة وفي الجنوب غيمة وعلى البحر طفت غيمات.. انتشرت لتغطي كل شبر من أرض وسماء المغرب.. فأن يصل الأمر إلى حد مواجهة البحر المخيف والمهول، والمغامرة بالنفس بحثا ونوالا لحياة كريمة مقتدرة، فذلك يعني فقدان الثقة في النفس، وحلول القنوط واليأس. أما عن أصحابنا، أولئك الذين أسندت إليهم المسؤولية، فقد تبيّن أن لا همّ يعنيهم إلا همّ أحزابهم وعائلاتهم وأقربائهم، والاجتهاد في تلبية ما حرموا منه في صغرهم، حتى وإن تعلق الأمر بنزواتهم. وها هم الآن، بعدما أصبحت ظروفهم مواتية، تجردوا وتنازلوا عن مبادئهم تحقيقا لنزواتهم ورغباتهم.
ومن خلال رؤية متواضعة بسيطة، يبدو أن هناك تهاونا واستكانة في التعامل مع مثل هذه القضايا. إذ ليس هناك من بشارة أو بوادر قادرة على جعل “المطر” وشيك النزول، أن يتوقف أو يصير بدل ذلك غيثا.
وعلى سبيل ذكر لفظ “المطر”، لا بد من توضيح مقصده ومعناه هنا، في ارتباطه بنفس الموضوع. ذلك أن هناك خلطا وإساءة لغوية في تقدير كيفية استعمالاته التعبيرية.إذ أن الأغلب الأعم يجعله مرادفا للغيث، بينما الأمر مختلف تماما، كالاختلاف الحاصل في إساءة تقدير ما وقع وحصل.
فالمطر، كفعل ومصدر، في معناه الصحيح لدى العرب (على الأقل المتقدمة منهم)، يختلف عما يعنيه الغيث عندهم. إذ نجد لدى علماء اللغة (كما هو مشار إليه في كتاب “بنية العقل العربي” للجابري) أن العرب استعملوا لفظة “مطر” للتعبير عن سوء عاقبة السيئ من الأعمال. وهذا ما نلمسه بشكل واضح ومفهوم في تعبير بعض آيات القرآن الحكيم في قصص الأقوام الذين أصابتهم الأمطار، خاصة أن القرآن جاء بلسان العرب. بينما الغيث وجد للتعبير عن ري الأرض ونزول الرحمة بعد القنط.
وعطفا ومثالا على ذلك، فقد مرت من فوق كل هذه الأرض أمم كثيرة، استوطنت واستمرت في الزمان لمدد طويلة. لكن بفعل أمراض طول الزمان وما ينتج عنها من تشكل غيوم مطيرة، فقد أمطرت، ولم يتبق منها بعد ذلك إلا ما يذكر. هذا الانمحاء وهذا الزوال له أسباب كثيرة ومتعددة، منها ما جاء محضا، ومنها ما أتى حكما، لأن النتيجة غالبا ما تكون جزاء وفاقا. فإن كانت المقدمة صحيحة كانت النتيجة صحيحة، أما إن كانت النتيجة خاطئة فبالضرورة ستكون المقدمة خاطئة. وأما السند في ذلك فهو المنطق الاستدلالي الأرسطي.
نفس الأمر موجود في التاريخ القريب من عصرنا. بيد أن النهايات مختلفة. أمم حالها كان لا يختلف كثيرا عن حالنا. إذ كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تغدو سرابا وذكرى. لكن بفعل الرغبة الغريزية في البقاء استنهضت من تحت الرماد. وبدل الاستكانة والانتظار قامت بما يلزم، ونفضت عن نفسها فضلات الزمن الغابر، وجعلت الرعايا والعبيد إخوة مواطنين.
لكن وكما أن السنونو لا تأتي بالربيع، فالأحزاب السياسية في بلدنا لا تأتي بالمبادئ والثبات على اليقين، ولا الحفاظ على الهمة والاستقامة، ولا القدرة على تحمل المسؤولية، على الأقل في العصر الراهن.
فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين