...أصنام في السياسة!

...أصنام في السياسة!
الخميس 4 أكتوبر 2018 - 14:16

تعتبر السلطة السياسية الهيئة التي تلتزم بحماية المواطنين والدفاع عن مصالحهم وحاجياتهم الاقتصادية والاجتماعية…فإذا حدث وغاب هذا التعاقد بين الطرفين وأصبح الفرد يطالب بحقه في التطبيب والتدريس والسكن والحرية الفردية إلى غيرها من المطالب اليومية التي يحتاجها داخل المجتمع، فلا غاية من وجود سلطة سياسية ومؤسسات تدعي الدفاع عن المواطن وهي تدافع عن مصالحها الخاصة والحزبية.

تسلسلت الأحداث وأصبحنا نتناساها واحدة تلوى الأخرى…نقاش “2 فرانك”، إضراب الأطباء والأساتذة والممرضين، صندوق التقاعد، استيراد النفايات من ايطاليا، المرحومة مي فاتحة، المرحوم محسن فكري، الحراك الذي عُرف بـ”حراك الريف”… إلى غيرها من وقائع اهتز إثرها المجتمع المغربي قاطبة لكنه مضى قدما وأصبحت ماضٍ لا يتذكره إلا العشرات!.

وإن كنا اليوم نشهد بكل أسف موت الشابة حياة إثر إصابتها بطلقة نارية من طرف البحرية الملكية لحظة محاولتها الهجرة نحو الديار الإسبانية رُفقة العديد من الشباب والشابات الذين سئموا من مستوى عيشهم داخل هذا الوطن، وفكروا في الهرب بعيدا آملين بغدٍ أفضل، فهذا يستدعي منا الوقوف والتوقف لاستيعاب الأمر. رحم الله الفقيدة وأسكنها فسيح جناته.

عادة ما كانت الهجرة تستدرج الأشخاص الذين لم يلجوا المدارس قط وغير الحاصلين على شواهد عليا ومن لا يملكون من التكوين والمعرفة شيئا للتضحية بحياتهم في أعالي البحار؛ أما اليوم فإننا نفقد شبابنا المثقف وخريجي المعاهد العليا والجامعات والنخبة التي نأمل منها تنوير الآخرين!..هنا يجب أن ندق ناقوس الخطر. ثروة الوطن تكمن في شبابه وشاباته وأطره العليا والمتمدرسين من أجل إحداث الإصلاح والتغيير وصناعة نخب الغد. طالب اليوم هو وزير ومسؤول المستقبل إذا سنحت له الفرصة لذلك. وهنا نستدعي دور المؤسسات الحزبية في تحقيق ما يتوجب عليها فعله من تأطير، تكوين ومواكبة. وتحقيق المقومات الأساسية التي يفترض أن يسعى إليها المجتمع، والتي تتمثل في أربع نقط أساسية وهي :

المساواة، أي أن تسود في المجتمع قواعد ونظم قانونية تتسم بالعمومية وتنطبق على جميع الأفراد على حد سواء، بغض النظر عن اختلافاتهم في العرق أو في الدين أو في المستوى الاجتماعي، وأن يكون تولي المناصب العامة قائما على الكفاية والتفوق والقدرة على الإنجاز وليس على اعتبارات ضيقة أخرى مثل القرابة والنسب والعلاقات الشخصية.

التمايز، بمعنى الفصل بين الأدوار الاجتماعية وكذلك بين المؤسسات وتقسيم العمل من أجل التكامل…

القدرة، أي ضرورة توافر القدرات ليس فقط على إزالة الانقسامات ومعالجة التوترات في المجتمع، وإنما أيضا على الاستجابة للمطالب الشعبية بالمشاركة والعدالة التوزيعية المرتبطة بالمساواة. وكذلك القدرة على الإبداع والتكيف في مواجهة التغيرات المستمرة التي يمر بها المغرب والسياق الدولي المرتبط به.

صناعة الأمل، بمعنى أن تفي الأحزاب بالوعود التي تعطيها للمواطنين أثناء حملاتها الانتخابية وتنزيل المشاريع التي توهم بها الأفراد على الواقع، فيصبح الوفاء بالوعد واجبا، لأنه سيعيد الثقة بين الطرفين وسيعطي المواطن أملا في الغد ويجعله متفائلا لا يعرف البؤس والتشاؤم.

لو أن الأحزاب السياسية فرزت نخبا قادرة على التغيير وتحسين مستوى عيش المواطن واشتغلت بضمير ونكران الذات عوض نكران الواجب لكنا تجنبنا العديد من الكوارث التي أصبحت وصمة عار في مسار التنمية والإصلاح. وفي وقت يطالب جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاباته الأخيرة بتشبيب النخب وإعطاء الفرصة للشباب في مختلف الميادين نجد أمينا عاما يرشح نفسه للمرة الألف على رأس حزبه وهو يناهز 80 ربيعا، ومكاتب سياسية مكونة جلها من شيوخ ومنظمات شبابية يتصارع عليها ذوو الأربعين سنة؛ ما أدى إلى خلق أزمة المشاركة لدى الشباب والابتعاد عن الإسهام في الحياة العامة للبلاد. الأمر لم يعد بالسهل وأصبحنا نحس بالاحتقان والركود في جل الميادين وعلى جميع الأصعدة. فكما ذكر فريديريك نيشته في مقولته الشهيرة: “الإنسانية قد عاشت، حتى الآن، على عبادة الأصنام: أصنام في الأخلاق، أصنام في السياسة وأصنام في الفلسفة”، وهذا ما نعيشه اليوم مع أصنامنا السياسية، مع أحزابنا السياسية عفوا!.

‫تعليقات الزوار

4
  • أمين البصري
    الخميس 4 أكتوبر 2018 - 20:02

    مقال ممتاز سيدة صوفيا، وأضيف إلى مقولة نيتشه، مقولة نابليون بونابرت الذي قال: "الغباء في السياسة ليس عائقا". والغريب أن القيادات الحزبية التي تتمسك بقيادة الأحزاب السياسية لولايات غير محدودة تدعي أنها ليبرالية التوجه، والحال أنها تتبنى نفس العقلية الاستبدادية الشيوعية لجوزيف ستالين وماو تسي تونغ وفيديل كاسترو وعقلية الزعماء الديكتاتوريين أمثال موبوتو سيسي سيكو والجنرال فرانكو والجنرال بينوشي والعقيد معمر القذافي والجنرال تشاوسيسكو وغيرهم.

  • ع.س المملكة
    الجمعة 5 أكتوبر 2018 - 19:10

    لربما انهم ضنوا بحالهم كأعلام ( أصنام ) ثيولوجية الزمان لنفس المكان ونسو من أن (بقئَ الحال من المحال ) فهنيأً لمن وصل وحقق فكرة بما وعد فالوعد كالدين إن وصل وجب عليه سداده … وحمقاً لمن وصل وكأنهُ لم يصل وخيّب في البقاين آماله.
    ‬فصدق الشاعر عندما قال‮:‬
    فكم أنت تنهي‮ ‬ولا تنتهي
    وتسمع وعظا ولا تسمع
    فيا حجر الشحذ حتى متى
    تسن الحديد ولا تقطع

  • طارق نصراوي
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 19:58

    مقال جامع شامل ..
    هذا ما نحتاجه باحزابنا شباب شغوف ووطني

  • عثمان شريف
    السبت 17 نونبر 2018 - 08:20

    إن ما فقده الشاب المغربى هو الامل الذي يعد بذرة الحياة واساس التطلع الى المستقبل
    يبدو مع هؤلاء الحكام والمستبدون الذي ابتلانا بهم الزمن ان الشاب المغربي لم يعد يفكر في فقره (تفقيره ) لان هذا اصبح مسلما، لكن لن يقبل ان تهان كرامة ابنائه واحفاده، لذلك يذهب من بلاد المسلمين في اتجاه بلاد الدولة المدنية المواطناتية الانسانية
    اسف ايتها الباحثة، ولكن لن نغير شيئا الا بتغيير كل اشكال الاستبداد في هذه الارض غير السعيدة.
    #وجهة نظر#

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين