داء ثقافة الرداءة والقبح

داء ثقافة الرداءة والقبح
السبت 1 شتنبر 2018 - 16:49

في برامجها، إن كانت لها فعلا برامج، تطرح الأحزاب المغربية، صاحبة الأيمان منها كما صاحبة الأيسار، مجرد تصورات لا ترقى إلى أفكار بهدف الإصلاح في أبعاده الثلاثة، بدءا بالبعد الاقتصادي، بالقطع مع الريع والتملص والتهرب الضريبي، ثم يليه البعد الاجتماعي، بالزيادة في فرص العمل وتقليص الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأثرياء والنفاذ إلى مرافق الصحة والعدل والسكن وغيرها، ويُختتم بالبعد السياسي، في شقيه الدستوري والقانوني. إصلاحات مازالت وستبقى حبرا على ورق وربما قد لا تتعدى الشفتين، وبهذا يفقد الإصلاح مغزى غاياته ويفتقد التغيير معنى أهدافه.

وهنا السؤال المفروض طرحه: من يضمن للإنسان المغربي، أي مغربي، حقه في عدم حصاره ومحاصرته بكل هذه الرداءة والقبح اللذين تراهما أنى يممت نظرك ولحظك ومن يحمي حقه في الثقافة على الجمال والتربية على كل ما هو جميل في الوسط والبيئة اللذين يحيطان به؟

إن الاقتراحات كبيرة والمبادرات الفعلية والإجرائية صغيرة بالرغم من تركيز جل بنودها على الجانب السياسي وتركز معظم تفصيلاتها وتفاصيلها على الناحية الاقتصادية.

ولأنني كإنسان مغربي يعشق الجمال كل ما استطعت إليه سبيلا، وأعرف أن الجمال هو واحد من أهم فروع الفلسفة بالإضافة إلى الأخلاق والمنطق والميتافيزيقا، ألاحظ غيابا تاما لبرنامج “الإصلاح البيئي” وهناك تعمد مقصود لتغييب ثقافة الاهتمام بالجمال بشرا أو شجرا أو حجرا، ونقص حاد في اللمسة الجمالية بداية بمشروع تهيئة الشريط الساحلي الذي يبدأ من مسجد الحسن الثاني حتى موروكو مول، بل ويتمدد لجميع أمور معاشنا اليومي، وبكل ما يحيط من حولنا من بيئة عمرانية مثل العمارات والفيلات والبيوت والساحات والشوارع والأزقة والمناطق التي تعاني الهشاشة والفقر “الكاريانات”، أي إننا أصبنا بما يسمى “ثقافة الرداءة والقبح” مثل ابتلائنا بأي مشكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية.

“ثقافة الرداءة والقبح” أفرزت وأنتجت لنا أنواعا وأصنافا من التلوث البيئي تقوم بإيذاء الإنسان المغربي وتصيب حقوقه الدستورية والقانونية في مقتل، كالتلوث البصرى الناتج تارة عن تنافر ألوان الطلاء بالواجهات وأخرى من التفاوت الصارخ في عدد طبقات مباني المنازل والعمارات، يضاف عليها وإليها تناثر وانتشار الأزبال والقاذورات وفضلات الحيوانات في الأزقة والشوارع، شوارع مليئة بأعمدة إعلانات تجدها كذلك ملصقة على واجهات المنازل، وسطوح بيوت مليئة بالمتلاشيات المنزلية، وملصقات على الطرامواي والحافلات العمومية تفتقد إلى التنظيم والنظام والتناغم والانسجام دون نسيان عوادم وسائل المواصلات، والأدخنة المنبعثة من معامل الصناعات، والتلوث السمعي كضجيج المنبهات والاستعمال الفوضوي والاستخدام العشوائي للميكروفونات في المساجد والجوامع وفي الأعراس والمآتم، وضجيج الباعة المتجولين.

“ثقافة الرداءة والقبح” أصبحت سائدة ومترسخة في الذهنية الشعبية، وهنا أعني أن “الرداءة والقبح” أصبحا ثقافة شبه مجتمعية، التعود على غياب المساحات الخضراء والعيش في محيط غير نظيف وبيئة غير نقية ليس خطرا، بل إن التعود على “الرداءة والقبح” هو الخطر الحقيقي لأنه يلغي ببساطة إحساسنا بوجود مشكلة في انتظار حل لها.

الدولة والحكومة والأحزاب أو المجتمع المدني بجمعياته وجمعوييه شعوبا وقبائل لم تترسخ بعد في عقولهم وعقلياتهم ووجدانهم ومشاعرهم أهمية وضرورة تذوق ثقافة الجمال، مازالوا يعتبرون ثقافة الجمال والهدوء والنظافة والنقاء وتحقيق التناغم مجرد أمور وأشياء ثانوية ونوعا من الترف الفكري والرفاهية الحياتية، وأن الأمور الرئيسية هي توفير الشغل والسكن والصحة والعدل.

بعض المغاربة يحسب أننا قمنا باستيراد مشاكل ومشكلات التلوث البيئي وثقافة التربية على الجمال من بلاد الغرب الذي وكأنه وجد حلا لكل الأساسيات لمواطنيه. لدينا كتابة الدولة في البيئة والمجلس الوطني للبيئة وللأسف ليس لدينا لا سياسة ولا عقلية بيئية.

مازال موضوع الاهتمام بجمال وإصلاح البيئة يثير الاهتمام نظريا فقط، لكنه لا يشغل حيزا رئيسيا من فلسفة التنمية والتطوير والإصلاح. قد يقرأ المسؤول، أي مسؤول، توصيات وبدائل عديدة عن ضرورة وجود لمسة ولو صغيرة من الجمال في بيئة محيطة، وربما قد تنال إعجابه ويكيل لها المدح والثناء، لكن البيت والشارع والبيئة المغربية رواية أخرى مناقضة، لأن الأفراد المغاربة لا يتحملون هذه المسؤولية المحورية التي هدفها حماية أطفالهم وطفولتهم. فهم يلبسونهم الملابس ويطعمونهم ويرسلونهم إلى المدارس ويعتنون بهم عند المرض، لكن لا يفعلون شيئا لجعل مستقبلهم قابلا للعيش؟

أخيرا، كان الحديث في الماضي عن الإنسان في الطبيعة، ولأن الإنسان هو مرض الأرض كما يقول نيتشه، فقد أصبح اليوم الحديث عن الإنسان ضد الطبيعة، هذا الكائن الحيواني، كما يقول آرني مايلز، الوحيد الذي يبدع كل صباح وبطريقة جديدة ومتجددة في إنتاج أدوات تدمير شروط بقائه وبقاء الشركاء الآخرين فوق وتحت الأرض. حق الإنسان في الحياة، أي حياة شريطة كونها صحية ونقية وجميلة، هو أسمى الحقوق وإن حاصرتها الضوضاء والرداءة والتلوث والقبح.

الإنسانية هي الحل.

‫تعليقات الزوار

1
  • cosmos
    السبت 1 شتنبر 2018 - 21:41

    ا نا اراقب من بعيد ولانني في بيئة نظيفة اودوا ان اعطي انطباعي على القبح في بيئته انطلاقا من مقالك الكامل والشامل
    ان التربية بكل انواعها نتوارثها من جيل الى جيل جامدة حيث لاتجديد فيها ولا ابداع مما يجعل المعقد يزيد شراسة في التعقد والقبح
    الانسان المغربي ضحية التربية التي يتوارتها اعمى دون استخدام العقل والابداع
    مقرر اجباري في هذا الاتجاه يحد من الكارثة

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات