سطوة المؤامرة

سطوة المؤامرة
الأحد 12 غشت 2018 - 12:18

لا صوت ولا حديث يعلو على الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، سواء على طاولات المقاهي أو على مقاعد الطاكسيات أو على كراسي الحافلات العمومية. الكل مشغول ومنشغل بما جاء فيه وما قيل عنه وفيه من تأويل، سواء كبُر شأنه أو صغُرت منزلته، كان موظفا أو مستخدما أو تاجرا أو نجارا أو بحارا أو رجل إشهار، جلهم يخوض في قضايا هذا الخطاب.

وبما أن بعض المواطنين لديهم قابلية واستعداد نفسي لقبول وتقبل الخرافات والأساطير، كما قال مالك بن نبي في كتابه “مشكلة الثقافة”، فإن هؤلاء تجدهم دائما يؤمنون حد الاعتقاد القلبي ويصدقون حد اليقين العقلي أن هناك دولة عميقة، لكنها في رأيي عقيمة، تتآمر على الوطن ومواطنيه. العجيب والغريب والمريب أنهم لا يستثنون حتى ذواتهم كعنصر من المتآمِرين والمتآمرين عليهم.

وبعد أن تسمع لشروحهم وتنصت لتفسيراتهم بالسؤال عن الأسباب التي تدعو دولة عميقة بمخزنها وخازن معلوماتها للتآمر عليهم وعلى وطنهم، يرق قلبك تجاههم وتشفق على التعليم الذي أوصلهم إلى الدرك الأسفل المعرفي، وحتى لا أترك بعضهم، خصوصا صديقي الذي يشتغل في إصلاح الهواتف، قلت له فلنبدأ بتفكيك المصطلح وتحرير مفهوم المؤامرة كما تفعل أنت بتفكيك الهواتف النقالة، وافق دون أن ينبس بكلمة لكن بالإشارة برفع رأسه من أسفل إلى فوق وكررها ثلاث مرات.

حدثته أن الإنسان، ربما أي إنسان، الذي يقع في فخ التفكير ويسقط في شَرَكِ الفكر التآمري يجانب الصواب تفكرا وتفكيرا. يستهلها بالوقوع فيما يصطلح عليه بالمآزق والمعضلات المفتعلة والمزيفة التي تختزل وتختصر فقط في خياري أو بديلي ال “مع” أو ال “ضد”. إما أن تكون مشجعا للوداد أو أنك ضد فريق الوداد الذي يشجعونه، إما أن تكون “وطنيا” أو أن تُنعَت بأنك عدمي خائن وعميل حقير، بالرغم من وجود وتواجد حلول محتملة وبدائل ممكنة يتم تغييبها وتجاهلها. ثم يردفها بذلك الشعور يأن العالم كله ضدك ويتحالف للتآمر عليك، وهذا الشعور باعثه عدم توفر ووفرة المعلومات الصحيحة والواضحة. أما دافعه فيرجع إلى حالة التوتر والضغوطات النفسية القاسية بجميع أشكالها، مع اختصار البدائل واختزال الحلول في ذلك المنطق المريض إما ال “مع” أو ال “ضد”.

يشتغل تفكير هذا الإنسان بمنطق أن كل سلوك أو قول أو فعل يقوم به الإنسان الآخر له دافع أوحد هو إلحاق الشر بأخلاقه والضرر بمصالحه وبأمته، بل إن بعضهم قد يميل ويدخل في مرحلة اليقين بأن العالم بأكمله يتآمر عليه ويتحالف ضده، يكون من نتائج ذلك الخوف والرعب الكبير من هؤلاء المتحالفين المتآمرين، والرغبة الكبرى في الاعتصام بجماعة الحلفاء أو في الالتحاق والانتماء بجماعة الأصدقاء لتتحول المشكلة من تحالف وتآمر فلان إلى مؤامرة أكبر تجمع علان، بل وقد تمتد إلى الدولة والأحزاب، لنصبح تحت حكم وتحكم منطق الفريقين بشقيه المتآمرين والمتآمر عليهم.

ويُتبعها بالوصول إلى نقطة الميل لشرح وتفسير كل شيء من فعل ولفظ وكلمة، وقد يعتبر الصمت أو التعليق أو اتخاذ القرارات جزء لا يتجزأ من تفكير عقلاني هدفه تنفيذ منطق المؤامرة. وفي الغالب ما تقع بعض الوقائع على أرض الأحداث والواقع الداعمة للتفكير بمنطق المؤامرة ليتم تضخيمها ونفخها لتصبح ويا للغرابة وقائع فارقة. ليختمها بتعاظم مشاعر التآمر عند فريق يتصرف بشبه عدائية قد ترقى إلى عدوانية تجاه من يخالهم ويحسبهم من منظوره يتآمرون عليه، وهو ما يجد فيه الفريق الآخر باعثا ودافعا جد قوي للتعامل ومعاملة هؤلاء على أنهم هم فعلا المتآمرون. لتكتمل هنا دائرة التنظير للمؤامرة وتكون فاتحة لمؤامرات وهمية وربما عداءات حقيقية. وحتما سيخرج عليك بعض المواطنين معلقين بالقول: ألم نقل لكم ونحذركم؟ وهذا زعم لا يمكن نفي حقيقة وجود مؤامرات أحيانا، إن من يقع ضحية ويسقط فريسة لفكرة التآمر مرة، يعيش عمره يفاضل بين نوعية وأنواع المؤامرات.

صديقي اعترف بصحة منطق الأفكار والكلام حتى إنه ضرب لي مثالا أن صديقته المزعجة تستنطقه ولا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وسألت فيها وعلقت عليها، فكان كلما اتصلت به تطلب منه استخدام كاميرا فيديو للتأكد بأنه لا يكذب، وتنزعج أيضا كلما اشترى بذلة أو عطرا لأنها تظنه يخونها، وهذا نوع جديد لنظرية المؤامرة التي ترضاها لشخصك. وبما أن صديقي مل وتبرم وضجر فقد أصبح يقوم بعكس ما تطلب منه صديقته، وإذا سألوك عن نظرية المؤامرة، قل لهم من يعيش في القاع من الطبيعي أن يعتقد أن كل ما يسقط عليه من الأعلى يستهدفه.

أخيرا، لقد قال أومبرطو إيكو في كتابه “رقاص فوكو” حول نظرية المؤامرة بأن هناك مجتمعا سريا له فروع وشعب في أنحاء العالم يخطط لنشر شائعات بوجود نظرية مؤامرة شاملة والهدف إقناعك بتواجدها ووجودها، وأما أنا فأقول لك عزيزي القارئ بأن الأعياد، دينية أو وطنية أو كونية، هي عبارة عن مؤامرة لجعل أطفال يتامى وشباب عزاب يشعرون بأنهم وحدهم وسط قرابة 8 مليار إنسان.

الإنسانية هي الحل

‫تعليقات الزوار

1
  • صديقي وصديقته
    الأحد 12 غشت 2018 - 23:57

    " لا صوت ولا حديث يعلو على الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، سواء على طاولات المقاهي أو على مقاعد الطاكسيات أو على كراسي الحافلات العمومية. الكل مشغول ومنشغل بما جاء فيه وما قيل عنه وفيه من تأويل، سواء كبُر شأنه أو صغُرت منزلته، كان موظفا أو مستخدما أو تاجرا أو نجارا أو بحارا أو رجل إشهار، جلهم يخوض في قضايا هذا الخطاب"

    انعل الشيطان آسي هشام ،واش كنتي حاضر في جميع هذه الاماكن حتى تقول مثل هذا الكلام او هل كوّنْت مجموعات وفرق متعددة لتسترق السمع لجميع هذه الجحافل من المواطنين
    ما يفرض نفسه على المواطنين هو المصاريف الضخمة التي ستشن هجوما شرسا على جيوبهم بمناسبة عيد الاضحى والدخول المدرسي ناهيك عن معاناتهم اليومية في النقل وارتفاع الاسعار وإنتشار الجريمة

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج