في الحاجة الى تجديد النخب بالمغرب

في الحاجة الى تجديد النخب بالمغرب
الجمعة 31 أكتوبر 2014 - 22:50

شكلت الأزمة الاقتصادية التي ضربت المغرب بعيد سنة 1945 وخروج الاستعمار بالشكل الذي خرج به وما رافق ذلك من تطاحنات وتغييرات مست جل القطاعات الحيوية الى بروز طبقة سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة عرفت كيف تقتنص فرص التحولات وتتموقع في عالم مغربي كان يتشكل لتكنس الطبقة القديمة في ظرف قياسي بكل تجلياتها ،وهكذا برزت بسرعة أسماء شابة استطاعت طبع التاريخ المغربي بقرارات استراتيجية تجاوزت لحظتها بكثير لتتكيف المملكة لأربعة عقود مع تجاذبات تقسو أحيانا وتلين أخرى مع الأقطاب الجديدة لمغرب ما بعد الاستقلال في صراع السلطة والمال ،وشكلت شخصية الملك الحسن الثاني وقبضته القوية و تدافعات سنوات الرصاص والضغط الاقتصادي الرهيب لسنوات الثمانينات أهم ملامحه التي حفرت آثارها النفسية العميقة في وجدان كل مغربي .

وحينما خرجت تلك الجموع الشابة الغفيرة في مشهد مؤثر تبكي ملكا لم تعرف غيره كان الأمر أبعد من أن يفسر بسيكولوجية الجماهير ،بل اعترافا بقدرة الملك الراحل على قيادة سفينة المغرب وسط تحديات الايديولوجيات بأقنعتها المختلفة القومية العربية والاشتراكية والدينية والعسكرية الانقلابية في عالم اقليمي ودولي غير مريح ،ورغبة جامحة لاكتشاف عهد جديد بقيادة ملك شاب يدرك جيدا حجم التحديات الاجتماعية والصعوبات الاقتصادية التي تركها عهد والده ،بدت السنوات الأولى لحكم الملك محمد السادس أشبه بالحلم ،تنفيس حقيقي شمل كافة الميادين ،وكانت حرية التعبير والرأي أبرز تجلياته بأسماء صحفية شابة سرعان ما تشعبت أجندتها وعناوين اعلامية جديدة ،حيث أصبح واضحا أن المغرب متجه الى التصالح مع ماضيه ومستعد لدخول نادي الديمقراطيات الوطنية ،خصوصا بعد إعفاء الوزير النافذ ادريس البصري ومنظومته الأمنية والاقتصادية ،وتقدم طاقات جديدة لملء مقاعد الدولة العميقة .

تشبيب المؤسسة الملكية لم يرافقه على الجانب الاخر اية تغييرات محسوسة في هياكل المؤسسات السياسية والحزبية بحيث ظلت نفس الوجوه التي أعدت بشكل أو آخر تسيطر على المشهد الحزبي والنقابي والاداري يمينا ويسارا لحد الان ،نخب كانت نتاجا لوضع سابق في ألفية منتهية ،وهيئت لعلاج ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية اختفت حاليا ،لكن رغم فشلها البين في التلائم مع المتغيرات الجديدة الحالية فإنها عمدت الى خلق طبقاتها الداخلية وتحصينها لمواجهة أي اختراق ووقف كل ضغوط الاصلاح داخلها لحماية مصالحها الجشعة التي لم تنته بعد وتعميق تشابكها مع رجال الأعمال المؤثرين لتصبح لوبيات نافذة تحمي أهدافها الخاصة ،ولا يخلو أي حزب أو نقابة أو تجمع اداري او جمعوي من هذه الظاهرة بحيث تستحوذ زمرة محدودة من الاسماء على مشهده الداخلي لعقود بما فيها الحزب الممسك بالحكومة حاليا،ويكفي ملاحظة ما يعيشه الحزبان الرئيسان لما بعد الاستقلال من احتقان وتفتت وانقسام بل ومن السؤال عن الحاجة إليهما أصلا في مغرب اليوم ،وقد كشف الربيع العربي محدودية بل وانعدام تأثير هذه النخب الجامدة في التأثير على مجريات الاحداث بحيث اضطر أغلبها الى الصمت والاختباء لفقدان قدرته على توجيه القواعد،ولولا شجاعة الملك محمد السادس وحكمته في تدبير لحظة هادرة لكان المغرب الان دولة فاشلة .

المشهد الحالي زاخر بمجموعات سياسية جديدة وأطر شابة تنتظر دورها للمشاركة في الحياة السياسية والعامة المتقدمة حزبيا ونقابيا وجمعويا واداريا ،أو التأثير بفعالية في المجال الاقتصادي،لكنها لا تجد الأماكن الشاغرة للتقدم بفعل ركون المجموعات القديمة للجمود والاستقرار في مناصبها القيادية لدرجة تسوسها ونخرها من الداخل تحت عامل تقدم السن ،مما يخلق اختناقا مريرا في تفويت المسؤوليات لطاقات شابة واعدة قادرة على الخلق والابداع وتقديم الحلول، وفي نفس الوقت تسهيل عملية الانتقال بين الأجيال ،وقد وصل الاختناق حتى الان لجيلين كاملين : جيل الستينات وجيل السبعينات .

لقد وُجد النظام الديموقراطي بمختلف مؤسساته البرلمانية والتنفيذية والقضائية أصلا للمساعدة في عملية تغيير النخب بسلاسة دون الحاجة الى صدمات خارجية كالحروب او الاستعمار ،وبطريقة دورية لا تتعدى على الأكثر عشر سنوات ،ولنا في وصول ديفيد كاميرون لرئاسة الوزراء البريطانية أو تثبيت الشابة نجاة بلقاسم في منصب وزيرة التربية الوطنية بعد مسار سياسي قصير نسبيا نماذج لقدرة هذه المنظومة التداولية على بث دماء جديدة في شريان مؤسسات الدولة اذا كانت سليمة غير مسوسة ،لكن التزمت الايديولوجي ولوبيات المصالح الخاصة وتحالف السياسي مع الاقتصادي والديني وانتشار الرشوة والمحسوبية تجعل المؤسسات مشلولة ،وتساهم في فقد الشعب ثقته بنخبه السياسية والاقتصادية والثقافية،ويكفي ان نلاحظ ان مغاربة كثرا وخصوصا من الشباب يعتبرون أنفسهم غير معنيين بالسياسة وليسوا مع أي حزب كان ليبراليا او اشتراكيا او اسلاميا او اداريا .وغير خفي أن فقدان شهية الانغماس في العمل السياسي يصيب مفاصل الدولة بالتصلب والشلل ،ويمنح الفرصة لظهور التطرف الفكري والديني ،بل ويمتد ليشمل كل القطاعات الحكومية من صحة وتعليم وعدل وخدمات حرة،حيث تجد أن الموظفين اليوم مشغولون فقط بالتعويضات المادية ومطمئنون لعدم المحاسبة بدل هاجس المسؤولية والكفاءة في العمل .أما المشهد الثقافي فلم يعد هناك من يطرب الجمهور بإنتاجه الادبي والفكري،وباستثناء قلة لا تتجاوز أصابع اليد فإن الساحة الثقافية تبدو مهجورة من أهرامات فكرية وازنة تستطيع التأثير والتوجيه،ما يجعل شبابنا منغمس في السحابة الزرقاء بكل هشاشتها المفتوحة على كل الشبابيك .

إن عدم معالجة التسوس السياسي والاقتصادي والثقافي للنخبة لبتر الاجزاء التي استنفذت دورها وتوفير مكان لنخب بديلة سيعقد السير الطبيعي للمؤسسات الفاعلة،ويوفر أجواء مشحونة وعنيفة فيما يخص تبادل الادوار بين الاجيال ،وهي عملية جراحية جد دقيقة أضحت مطلوبة اليوم لمعالجة التحديات الجديدة للمملكة في ظل تشنج المسرح السياسي بكائنات سياسية غير كفئة انحدرت بالعمل السياسي لمستوى التنابز والشعبوية المنحطة ،وبوادر اختفاء الطبقة المتوسطة نتيجة حجم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عليها ،وتناقص الاهتمام الشعبي بالشأن العام، مع وضع اقليمي ودولي جد مضطرب .

وسيكون مفيدا للوطن تواجد نخب شابة مشاكسة لها معين اقتراحي شجاع ومفاجئ وغير متوقع عوض أصنام سياسية لا تتحرك إلا بعد تلقي الاشارات ،ألم تكن فكرة المسيرة الخضراء نفسها في بدايتها من بنات أفكار المرحوم بوعبيد ؟ ألم تساهم نخب الحسن الثاني الغير مروضة كليا في الدفع بالمسلسل الديموقراطي والاجتماعي بالمغرب الى مراتب آمنة وساعدت في امتصاص كثير من الهزات والارتدادات ؟ ألم تفشل تجربة الوافد الجديد في خلق نخبة جديدة نتيجة عجن ما لا يعجن : اليساري التائب مع الاعيان والتكنوقراط ؟ ألم تبد تجربة ظريف الاخيرة مثيرة للشفقة واللامبالاة بل وكونها فقط مطية للحى غير مشذبة حان وقت قطافها ؟ ألا يؤشر هذا لوصول النخب الموجودة على الساحة درجة الصفر السياسي ؟ ألا يمنح تسوس النخب الحالية الفرصة لظهور مجموعات الذئاب المنفردة التي تعمل بصمت ؟ أليس إذن من الضروري التفكير بفتح قنوات سريعة لبروز نخب شابة عوض الاستمرار في تعليف ورعاية طبقة سياسية برز تعفنها وتهافتها ومحدودية تأثيرها؟

‫تعليقات الزوار

1
  • هشام
    السبت 1 نونبر 2014 - 09:57

    ألم تساهم نخب الحسن الثاني الغير مروضة كليا في الدفع بالمسلسل الديموقراطي والاجتماعي بالمغرب الى مراتب آمنة وساعدت في امتصاص كثير من الهزات والارتدادات ؟ ألم تفشل تجربة الوافد الجديد في خلق نخبة جديدة نتيجة عجن ما لا يعجن : اليساري التائب مع الاعيان والتكنوقراط ؟ ألم تبد تجربة ظريف الاخيرة مثيرة للشفقة واللامبالاة بل وكونها فقط مطية للحى غير مشذبة حان وقت قطافها ؟ ألا يؤشر هذا لوصول النخب الموجودة على الساحة درجة الصفر السياسي ؟ ألا يمنح تسوس النخب الحالية الفرصة لظهور مجموعات الذئاب المنفردة التي تعمل بصمت ؟ أليس إذن من الضروري التفكير بفتح قنوات سريعة لبروز نخب شابة عوض الاستمرار في تعليف ورعاية طبقة سياسية برز تعفنها وتهافتها ومحدودية تأثيرها؟

    أسئلة في محلها لكن ما الحل ؟ تم بكيت انا كيف ماقال رويشة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة