المقاهي الشعبية بطنجة .. فضاءات للفضفضة والتأمل تُلهم المبدعين

المقاهي الشعبية بطنجة .. فضاءات للفضفضة والتأمل تُلهم المبدعين
الخميس 8 نونبر 2018 - 03:00

ينهض أحد الزبائن متأففا ورافضا لمذاق فنجان القهوة الذي بدأ احتساءه للتو، مناديا على نادل المقهى طالبا منه تغييره بآخر، وهو الأمر الذي يتقبله النادل ببساطة متناهية تشير إلى تعوده على الأمر.

تعدّ هذه الحركة أمرا عاديا في أغلب المقاهي الشعبية بمدينة طنجة، حيث تعدّ الجودة، في القهوة والشاي خصوصا، أمرا شبه مقدّس، ولا يمكن أن يُفرض على الزبون مذاقٌ لا يستسيغه.

تضمّ مدينة طنجة مئات المقاهي التي تناسب مختلف شرائح المجتمع، وترضي كل الأذواق، إلى درجة أن صحيفة “الغارديان” صنفت مجموعة منها من بين أفضل 100 مقهى في العالم ضمن تقريرٍ حديثٍ أورده منبر إعلامي عربي لم يتسنّ لهسبريس التأكد من صحته رغم محاولات البحث الحثيثة.

لكن عموما، فإن المقاهي في طنجة لها تاريخ لا يستهان به، كما لا يستطيع زائر أن ينكر جودة ما تقدمه، سواء على مستوى الذوق وجودة الخدمة، أو على مستوى التصميم الهندسي لبعضها، ولعل الإقبال الكبير عليها يثبت ذلك.

يقول عبادة العمراني الأعرج، فاعل جمعوي، إن جوّ مدينة طنجة، المعتدل على مدار السنة، “يلعب دورا كبيرا في الإقبال الدائم على المقاهي وامتلائها بالزبائن”، مضيفا أن مسألة الذوق لدى ساكنة الشمال، مثل كل مواطني البحر الأبيض المتوسط، “تبقى لها الكلمة الفصل في إجبار المقاهي على الامتثال لمعيار الجودة”.

تتنوع مقاهي طنجة بشكل كبير، فهناك مقاهِ شعبية، وأخرى فاخرة، وثالثة في منزلة بين المنزلتين، إضافة إلى مقاهي المدينة العتيقة التي يبقى لها طابعها الخاص الذي يمزج بين البساطة والفخامة في آن واحد، وغالبيتها تراهن على الجودة كمعيار.

وقد أفرزت هذه الجودة المطلوبة بشدة مجموعة من المصطلحات التي أصبحت ناموسا من نواميس المقاهي، مثل “القهوة معصّرة”، “نصّ نصّ”، “أتاي بزبلو”.. إلخ.

لكن الجودة، في نظر مُحدّثنا عُبادة، لم تعد كما كانت بعد ظهور جيل جديد من المقاهي الفخمة جدا، “التي تقدم خدماتها بأسعار باهظة جدا وبجودة تقلّ يوما بعد يوم”، لكنها، في المقابل، تجمع شخصيات ومسؤولين ممن يفضلون الجلوس بعيدا عن الأعين المتلصصة، كما تعقد فيها صفقات بمختلف أنواعها، وللزبائن فيها مآرب أخرى.

يقول أحد زبائن مقهى فاخر لهسبريس: “فعلا الجودة هنا ليست على ما يرام، لكن انظر معي إلى هذا البحر الذي أمامنا، ألا يستحق مشهد الشمس وهي تغوص فيه أن أصبر على بعض الطعام أو الشراب الرديء؟”.

المقاهي المطلة على البحر أصبحت ملاذا لكثير من الأسر الطنجاوية التي تتجاوز غلاء الأسعار حبّا في مشهد البحر وصوت أمواجه وهي ترتطم بالصخور أو رمل الشاطئ.

وعموما، فإن المقاهي الشعبية تبقى الأكثر إقبالا نظرا لأسعارها المناسبة، ولتواجدها في قلب الأحياء الشعبية أو وسط المدينة، بحيث يسهل الوصول إليها، كما يمكن لزبائنها الجلوس بكل أريحية، سواء طلبوا مشروبا أو لا، ناهيك عن التزامها الشديد بعرض كل مباريات الليغا الإسبانية التي يعشقها الطنجاويون، دون زيادة في ثمن المشروبات.

الخدمات غير المباشرة التي تقدمها مقاهي طنجة تعد ولا تحصى، فهي الملاذ لمن ضاقت به الدنيا بما رحبت، حيث فيها يجدُ الأصدقاءَ الذين يمكن أن يسرّ لهم بما يريد، وبها يلوذ من طاف به الملل لممارسة لعبة “البارتشي” أو “الداما” أو “الدومينو”، ولمَ لا لقاء أحد السماسرة لإنهاء بيع أو شراء.

ولو كان لمقاهي طنجة أن تتحدث لقصّت روايات عن كتاب وفنانين كُثر مروا من هنا وألّفوا كتبا ورسموا لوحات وهم يجلسون داخلها أو على شرفاتها، بل إن الفنان “لويس إدواردو أوطي” أبدع أغنية بعنوان “مقهى الحافة”.

ولو كتب لها الحديث لروَتْ قصصا لا تنتهي من ثرثارات الزبائن الذين قدموا إليها، سواء من الدائمين أو العابرين؛ فالمقهى في طنجة ليس مكانا للجلوس فقط، بل فضاء للتواصل والفرجة والثقافة والفن والفضفضة، وحتى النميمة أحيانا!

‫تعليقات الزوار

5
  • Fasi
    الخميس 8 نونبر 2018 - 08:14

    Oui ç vraiment les Sales cafés au Tanger ç les plus belles au maroc

  • Said
    الخميس 8 نونبر 2018 - 10:37

    نهار الثقافة ديال القهاوي ديال 24 ساعة على طول الأسبوع تزول من المغرب و من عند العرب ككل سننافس الدول التي سبقتنا بمليارات السنين فهو المكان الذي نستهلك فيه اجمل ايام عمرنا بدون هدف الناس دارو القهاوي مرة في سيمانة ماشي نهار بطوله

  • احمد الصروخ
    الخميس 8 نونبر 2018 - 15:05

    غريب أمر المغاربة فهم لا يدخلون المقاهي بل يجلسون خارجها على الرصيف و ربما في الطريق العام لينتقدوا من يحتل الملك العام.

  • Foad
    الخميس 8 نونبر 2018 - 21:52

    المقاهي الشعبية ما هي الا مليأ بلاوصاخ والقذورات وقليت الحشمة وتناول المخدرات والقرقوبي أما الحافة الان ما هي إلا كذالك والي يريد أن يعرف كيف الامور هناك فعليه أن يزور المكان لا ثقافة ولا فن الفن الموجود هناك الميوعة وقليت الحياة

  • توفيق
    الجمعة 9 نونبر 2018 - 18:34

    ما يلاحظه رواد المقاهي الشعبية خصوصا المشهورة منها هو عدم النظافة والازبال المنتشرة تحت اقدام الزبون مع تجهيز جد بدائي. الزبون يجلس فقط للتمتع بالبحر ومذيق جبل طارق. ما يهم اصحاب هذه المقاهي هو الدرهم. اما المقاهي على طول الكرنيش فيجب مقاطعتها لان اثمنتها كانك في طوكيو.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب