مشبال: "إلى الأمام" تربط التغيير بالعنف الثوري وحرب العصابات

مشبال: "إلى الأمام" تربط التغيير بالعنف الثوري وحرب العصابات
الأحد 20 ماي 2018 - 08:00

تستضيف هسبريس، من خلال هذه السلسلة من الحوارات، المعتقل السياسي السابق محمد الأمين مشبال، الذي حكم عليه بـ20 سنة، في إطار محاكمة الدار البيضاء لسنة 1977، التي حوكم فيها 139 من النشطاء السياسيين المنتمين إلى تنظيمات ماركسية لينينية، كانت تروم تغيير النظام القائم بالعنف، وإقامة نظام جمهوري على غرار أنظمة “الديمقراطيات الشعبية”، التي كانت قائمة في أوروبا الشرقية وبلدان أخرى من قبيل كوبا والفيتنام.

في هذه الحلقات يحكي محمد الأمين مشبال تجربة استغرقت 14 سنة، ابتداء من خطواته في منظمة “إلى الأمام”، مرورا بتجربة التعذيب والانهيارات في المعتقل الرهيب مولاي الشريف والمحاكمة، وصولا إلى الصراعات السياسية داخل السجن، وتفاصيل الحياة اليومية داخل أسوار السجن.

وبقدر ما تنقل لنا هذه الحلقات حجم المعاناة الإنسانية، فهي في الآن نفسه تكشف جوانب مهمة من تاريخ المغرب الراهن التي ما زالت في حاجة إلى البحث والتمحيص.

ما هي الأطروحات الأساسية لمنظمة “إلى الأمام”، التي بررت بها وجودها؟

يمكن القول إن الأطروحات الأساسية للمنظمة كانت عبارة عن خلطة لمقولات وتصورات بلورها لينين في كتابه “ما العمل”، و”الدولة والثورة”، وكتابات ماوتسي تونغ، المتمثلة في “الديمقراطية الجديدة”، و”رُب شرارة أحرقت سهلا”، و”التحليل الطبقي للمجتمع الصيني”.. إلخ، وبعض كتابات ماركس وإنجلز، أهمها “البيان الشيوعي”، و”أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة”.

من هنا أتت الأطروحات الأساسية للمنظمة في تصورها للثورة بالمغرب وللنظام المقبل. إذ انطلقت من المفهوم الذي كان سائدا ومنتشرا إعلاميا آنذاك، والمسمى بـ”الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية”، هذا المفهوم انطلق فيه الرفاق اعتمادا على بعض كتابات ماوتسي تونغ، خصوصا منها “الديمقراطية الجديدة”.

وإجمالا تطرح تلك النظريات أن أجهزة الدولة مجرد أداة للطبقة السائدة، التي تملك وسائل الإنتاج، والتي تعمل على الحفاظ على مصالحها وامتيازاتها بشتى الوسائل. وبما أن الطبقات المستضعفة، خصوصا البروليتاريا، التي لا تملك سوى قوة عملها، فإن خلاصها لا يمكن تحققه إلا بالقضاء على الطبقة البورجوازية، وجعل وسائل الإنتاج ملكية عامة. وأضافت في السياق نفسه أن الديمقراطية البورجوازية أو الليبرالية لا تعدو أن تكون خدعة للطبقات المستضعفة.

وانطلاقا من ذلك “التحليل”، اعتبرت المنظمة، وعموم الحركة الماركسية -اللينينية المغربية، أنه يتعين- كخطوة أولى- بناء “حزب الطبقة العاملة”، والتحالف مع الفلاحين الفقراء لإنجاز “الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية”.

في السياق نفسه قدمت المنظمة “تحليلا” للتركيبة الاجتماعية والطبقية للمجتمع المغربي، وهو عبارة عن استنساخ لما كتبه ماوتسي تونغ تحت عنوان “التحليل الطبقي للمجتمع الصيني”، فقسمت المجتمع المغربي إلى طبقة “الكومبرادوريين” المرتبطة بالتصدير وبالإمبريالية، وطبقة ثانية تتمثل في البرجوازية الوسطى، خاصة في المدن، فيما تتكون الطبقة الثالثة من البرجوازية الصغرى كالفلاحين الصغار وأصحاب الحرف والتجار والموظفين. أما الطبقة الرابعة، التي تحدث عنها “التحليل الطبقي” للمنظمة، فهي طبقة البروليتاريا، وهي التي تشتغل في السكك الحديدية والنقل البحري والنسيج إلى غير ذلك. وهي، حسب النظرية الماركسية، الأجدر بقيادة الثورة، بتحالف مع الفلاحين الفقراء، لكونها لا تمتلك سوى “قوة عملها”، وبذلك ليست لديها ما تخسره .

ووفاء منها للتنظيرات الثورية السائدة في ذلك الوقت، استنتجت المنظمة أنه لا يمكن أن يكون هناك تغيير اجتماعي أو سياسي في البلاد بدون عنف ثوري، واعتبرت أن دعوة الأحزاب التقدمية آنذاك إلى إصلاحات تدريجية في ظل الاستقرار، أو ما يسمى بالنضال الديمقراطي، “طرح برجوازي صغير وإصلاحي منبوذ”. ورأت أن البديل الثوري يكمن في حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد بغية تغيير موازين القوى من خلال حرب العصابات وقواعد حمراء متحركة تحظى بمساندة شعبية، خصوصا في البوادي.

لماذا كان التركيز على مسألة العنف بتلك الحدة في أدبيات الحركات اليسارية آنذاك؟

مع فجر الاستقلال انطلقت حرب “الإخوة الأعداء” داخل الحركة الوطنية، حيث ما زالت دار ابريشة بتطوان شاهدة على التعذيب والقتل الذي مارسه حزب الاستقلال (بما في ذلك جناحه الراديكالي الذي سيؤسس لاحقا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) ضد المناضلين الشوريين. كما تم اغتيال مناضلين من منظمة “الهلال الأسود”، المقربة من الحزب الشيوعي المغربي، بغية فرض نظام الحزب الوحيد بالقوة. كما عاش المغرب فصولا من العنف الدموي ضد التلاميذ والجماهير عموما في أحداث البيضاء لـ23 مارس 1965، وكذا ضد المناضلين الاتحاديين فيما سمي بـ”مؤامرة يوليوز 1963″، وقابلتها محاولات للقيام بعمليات مسلحة ضد النظام بلغت أوجها في أحداث مولاي بوعزة في 3مارس 1973.

لماذا كل هذا؟

لأن العنف كان الثقافة السياسية السائدة في تدبير الخلافات السياسية بالمغرب، ولأن جوهر الصراع كان بين الحركة الوطنية، أو على الأقل بعض مكوناتها، يتمحور حول الاستيلاء على السلطة، أما النضال من أجل الإصلاح التدريجي، أو إقامة الديمقراطية، فكان مذموما ومرفوضا لديها.

بطبيعة الحال تربى مؤسسو اليسار الراديكالي في ذلك المناخ السياسي، كما كان تأثرهم قويا بالتجارب التي كانت منتشرة آنذاك، كالتجربة الفيتنامية، التي كانت رائدة في حرب التحرير الشعبية، التي امتدت عبر مرحلتين أساسيتين، الأولى ضد الاستعمار الفرنسي، وانتهت بالمعركة الشهيرة ديان بيان فو، والثانية ضد الأمريكيين وحلفائهم في الجنوب، وانتهت بهزيمة هؤلاء سنة 1975، ناهيك عن الثورة الكوبية، والثورة الصينية، التي انتهت باستيلاء الشيوعيين على الحكم سنة 1949.. إلخ .

ولا ننسى أنه خلال بداية سبعينيات القرن الماضي انتقلت بعض المجموعات اليسارية المتطرفة الصغيرة من التنظير إلى العمل الإرهابي، كما هو الشأن بالنسبة إلى الألوية الحمراء في إيطاليا ومجموعة بادر مينهوف بألمانيا والجيش الأحمر الياباني.

وبصفة عامة يمكننا القول إن الخيط الرابط بين تلك التجارب يكمن في مرجعيتها الإيديولوجية، التي اعتبرت أن الطبقة البرجوازية لن تتخلى عن مصالحها وامتيازاتها بشكل سلمي وبدون مقاومة .

وماذا عن هيكلة التنظيم؟

استنسخت المنظمة بناءها التنظيمي من التصور اللينيني للتنظيم المتضمن في كتاب لينين ذائع الصيت “ما العمل؟”، الذي حدد فيه ثلاثة مستويات للتنظيم: منظمة المحترفين الثوريين، والمنظمات شبه الجماهيرية، ثم المنظمات الجماهيرية.

انطلاقا من ذلك سعت “إلى الأمام” إلى بناء ما يسمى بمنظمة “المحترفين الثوريين”، المشكلة من فئة راكمت خبرة لابأس بها في العمل السياسي والتنظيمي، ولها تكوين إيديولوجي لابأس به، بالإضافة إلى اطلاعها العميق على وثائق المنظمة، ويكون هؤلاء “المحترفون الثوريون” متفرغين للعمل النضالي.

وفضلا عن منظمة “المحترفين الثوريين”، كانت هناك منظمات شبه جماهيرية متكونة من اللجان الأساسية واللجان والحلقات التابعة للمنظمة، وفي الوقت نفسه تضم متعاطفين، وتقوم بدور الوسيط في نقل الأفكار والدعاية لمواقف المنظمة واستقطاب المناضلين، ثم المنظمات الجماهيرية المكونة من النقابات والجمعيات.

بعد أن حسمتم أمر الانضمام “إلى الأمام”، ماذا كان برنامج عملكم؟

في نهاية الموسم الدراسي لسنة 1973 فكرنا ضمن اللجنة الأساسية في تنظيم مظاهرة لإحياء ذكرى هزيمة 5 يونيو، فاتصلت بالمرحوم الأستاذ توفيق السعدي، الذي كان ممثلا لحركة “فتح” بتطوان، وطلبت منه العلم الفلسطيني بدعوى استعماله في مسرحية.

ومساء الخامس من شهر يونيو انطلقنا في المظاهرة من أمام باب السجن المدني، ثم عبرنا “باب النوادر” حتى وصلنا إلى حي العيون.

كم كان عددكم؟

حوالي 50 فردا، أغلبهم من التنظيم والمتعاطفين معه. وكانت الشعارات التي رفعناها تدور في مجملها حول القضية الفلسطينية، حيث كنا نرى الثورة المغربية جزءا لا يتجزأ من الثورة العربية، كما كانت تلك الشعارات إدانة للرجعية العربية والصهيونية الإمبريالية.

ومع انطلاق العطلة المدرسية أخبرنا عبد العزيز الطريبق، في بداية فصل الصيف، أن المنظمة أصدرت توجيها بعنوان “لا للعطلة البرجوازية”، مما اضطررت إلى إلغاء فكرة السفر إلى شاطئ “الجبهة”، مرورا بواد لاو مشيا على الأقدام، وهي الفكرة التي اقترحها أحد الأصدقاء وسعدت بها كثيرا لأنها مغامرة طريفة، خصوصا في فصل الصيف الذي كنا ننتظره بفارغ الصبر.

وبعد أن منعتنا المنظمة من السفر خارج تطوان بقينا نعقد الاجتماعات باستمرار، تارة بمنزل الطريبق، وتارة أخرى في أحضان الطبيعة، حيث كنا نقرأ ونناقش المقالات المتضمنة في نشرة “إلى الأمام” وبعض المؤلفات الكلاسيكية الماركسية مثل كتاب “الدولة والثورة ” للينين، الذي استخلصت منه آنذاك بأن بروز الدولة في المجتمعات الإنسانية ارتبط بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وبأن المجتمع الشيوعي سيؤدي إلى اضمحلال الدولة وسيادة المساواة المطلقة. بقينا ذلك الصيف الحار نتتبع وقائع محاكمة الرفاق الذين كانوا يحاكمون بالدار البيضاء، وكان الملل قد بدأ يتسرب إلى نفوسنا، لكننا لم نجرؤ على التمرد.

وفي يوم من أيام هذا الصيف، التقى أحمد الطريبق، وهو أحد أعضاء اللجنة الأساسية، بفتاة فرنسية طلبت منه أن يرافقها في جولتها بالمغرب لمدة أسبوع كامل. رحب أحمد بهذا الطلب، متناسيا شعار المنظمة “لا للعطلة البرجوازية”، لكن بعد عودته طلبت منه المنظمة أن يقدم نقدا ذاتيا، وعاتبته أشد العتاب لأنه لم يستطع أن يتخلص من سيطرة “الفكر البرجوازي الصغير”.

‫تعليقات الزوار

6
  • la démocratie,le salut
    الأحد 20 ماي 2018 - 08:40

    la dictature du prolétariat appliquée par les partis communistes en russie ,en chine ont enfanté des milliards qui dirigent aujourd'hui la russie et la chine avec une main de fer,
    les extrémistes marocains de l'époque ont confondu les pauvretés vécues par eux avec le recours à la violence pour déranger le régime ,ces extrémistes avaient parmi eux des types violents qui se disaient avoir la vérité ,
    les premiers bacheliers au nombre de quelques centaines venus à rabat se sont retrouvés délaissés devant la nouvelle vie,alors ils ont commencé à écouter les extrémistes,
    les chefs des extrémistes sont devenus des commis du makhzen hauts placés ,les têtus ont perdu leur avenir comme leur passé,
    aujourd'hui les obscurantistes islamistes font la même chose que les extrémistes de gauche,les uns au gouvernement avec des réformes anti populaires,les autres rejetés car violents,
    toutes les tendances politiques ont échoué devant le makhzen car ils sont anti démocratiques,

  • mach bal
    الأحد 20 ماي 2018 - 10:54

    لعب الاطفال . تنظيمات ماركسية لينينية، كانت تروم تغيير النظام القائم بالعنف، وإقامة نظام جمهوري على غرار أنظمة "الديمقراطيات الشعبية"

    مش بال يخطط مع خمسين فار بال انقلاب عن الملكية من تطوان

    ولينا دراري صغار كما قال الملك الحسن الثاني

  • Abdellatif
    الأحد 20 ماي 2018 - 11:03

    la plupart de illa ammam d'hier sont devenus des collabos du regime d'aujourd'hui

  • mre
    الأحد 20 ماي 2018 - 11:23

    من محاولة قلب النظام الى خدام النظام. هدا دليل على ما كان سيقومون به في حالة وصلوا للسلطة. گاليك اختفاء الدولة بعد ظهور المجتمع الشيوعي.

  • mouna
    الأحد 20 ماي 2018 - 12:34

    المغرب بلاد اسلامية ترحم باهلها , في اوروبا امثال هذا يطلق عليه الرصاص ويطوى ملفه .

    اشد حرب لحدالان هي حرب الانجليز ضد الماركسيون , ولم اعرف تاريخا قتل فيه و علقوا في القناطر مثل ما فعله الغرب .

  • الملاحظ الوضوعي
    الأحد 20 ماي 2018 - 16:01

    يحسب للسيد الأمين مشبال أنه لحد الآن لم ينجر إلى الإغراق في الجزئيات الشخصية والتفاصيل الهامشية. بل تطرق لجوانب فكرية وسياسية في تجربة حركة "إلى الأمام". نأمل أن يستمر في التركيز على هذه الجوانب، التي ستكون مفيدة لمن يسعى إلى الدراسة أو الاطلاع الجدي
    لذا كان على مشبال أن يبتعد أكثر عن اختزال التجربة في كونها عمدت إلى استنساخ تجارب معينة في العالم. فالمقولة اللينينية نفسها " التحليل الملموس للواقع الملوموس" كانت متداولة ضمن الفكر اليساري، وإذا كانت التحاليل الطبقية اليسارية وافقت تحاليل في تجارب أخرى مثل الثورة الصينية، فذالك لم يكن من قبيل الاستنساخ. مع ذلك يبقى مشبال محقا إلى حد ما.
    أيضا، حسنا فعل مشبال حين قدم نظرة موجزة عن ملابسات الصراع السياسي في المغرب لكونها كانت تتسم بالعنف. لقد كان القمع الطبقي والسياسي سيد الموقف، ليس فقط إزاء العمل السياسي، والإعلامي. بل كان متربصا بالعمل النقابي والحركة الطلابية، وقد اتسمت نفس الفترة بإضرابات طويلة الأمد في المناجم والتعليم و السكك الحديدية، وعرف المغرب انتفاضات فلاحية، ناهيك عن القمع الذي ووجهت به انتفاضة 23 مارس 1965

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب