بين حرية التظاهر ومعاداة السامية .. ألمانيا في موقف محرج

بين حرية التظاهر ومعاداة السامية .. ألمانيا في موقف محرج
الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 15:30

صور ومقاطع فيديو التُقطت لمتظاهرين في ألمانيا يحرقون نجمة داوود وشعارات ضد اليهود بعد قرار ترامب. سلوك خلق مخاوف كبيرة في ألمانيا، التي ترفض بحكم ماضيها الأليم، انتهاك إحدى قيمها الأساسية: معاداة السامية وكراهية اليهود.

بعد أيامٍ من انتقادها لاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، سارعت الحكومة الألمانية لانتقاد مجموعة من السلوكيات التي ظهرت في المظاهرات المنظمة مؤخراً بأكثر من مدينة ألمانية احتجاجاً على قرار ترامب، خاصة ما يتعلّق بإحراق أعلام إسرائيل وترديد شعارات مُعادية لليهود، إذ اعتبرت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، أن هذه السلوكيات تدخل في إطار “معاداة السامية وكراهية الأجانب”.

ولا ترغب ألمانيا، التي لها مسؤولية تاريخية خاصة إزاء اليهود، أن تشهد مدنها أشكال احتجاج تتجاوز انتقاد خطط ترامب إلى تحريض على كراهية اليهود والإسرائيليين، خاصة وأن القانون الألماني يجرّم معاداة السامية. لذلك كانت ميركل واضحة عندما قالت إن ما يجري في القدس لا يبرّر هذه الأفعال، وهو ما أكده المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبرت، عندما قال إن استعراض كراهية اليهود في المدن الألمانية أمر “مخجل ومشين”، مذكراً بكون حرية الاحتجاج السلمي في بلده لا تعني التحريض أو العنف.

مواقف متطابقة

كان هناك شبه إجماع في ألمانيا على رفض خطوة ترامب، إذ تشدّد الحكومة على أن موقفها من النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي هو التفاوض في إطار حلّ الدولتين وفق قرارات الأمم المتحدة، وهو ما ظهر في أكثر من تصريح رسمي من ميركل وشخصيات ألمانية أخرى كرئيس حزب الخضر جيم أوزديمير الذي قال إن ترامب يَقبل من خلال قراره حدوث تصعيد للصراع مجدداً.

غير أن المظاهرات الأخيرة وضعت الحكومة الألمانية في موقف مُحرج، خاصة وأن القانون الألماني لا ينصّ صراحة على تجريم إحراق الأعلام إلّا في سياقات معيّنة تحت تهمة “إهانة رمز وطني لدولة أجنبية”. لذلك تُجري الشرطة الألمانية تحقيقات حول المظاهرات التي نظمت في الآونة الأخيرة، كما تعتزم تشديد مراقبتها لأيّ مظاهرات قادمة تفاديا لتكرار الأفعال ذاتها.

التنديد بإحراق الأعلام الإسرائيلية يشارك فيه أكثر من طرف، فسوسن شبلي، السياسية الألمانية البارزة ذات الأصول الفلسطينية، قالت إن على المسلمين أن “يرفعوا صوتهم عالياً حين يتعرّض اليهود للتهديد، تماماً كما يتوقع المسلمون أن يتعاطف معهم الآخرون عندما يتعرّضون للتمييز”. كما صرّح أيمن مزيك، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أن من يدعو إلى العنف ضد اليهود “يتسبب بأذىً كبير ويُعاكس توجهات الإسلام الذي يناهض العنصرية”.

إينس بول رئيسة التحرير بمؤسسة DW أكدت أن ألمانيا تعلّمت من حقبة الديكتاتورية النازية خطر إسكات المنتقدين وحظر الاحتجاجات، لذلك فالدولة تسمح بانتقاد حكومة ميركل، وبالاحتجاج أمام السفارة الأمريكية ضد خطط ترامب. لكن التاريخ الألماني، تُردف بول في مقال لها، يُلزم بعدم السماح بكل شيء، خاصة وأن “ألمانيا مسؤولة عن مقتل ما لا يقل عن ستة ملايين يهودي”. وتضيف بول أنه لا يمكن التفاوض حول قواعد أساسية في المجتمع الألماني، ومن ذلك رفض معاداة السامية، لافتة أن حرق أعلام إسرائيل أمر غير مقبول أبداً، شأنه شأن إحراق أعلام دول أخرى، بغض النظر عن مدى رغبة الشخص في انتقاد حكومات كل بلد منها.

حرق أعلام إسرائيل أدى إلى مطالب بجعل هذا السلوك مخالفاً للقانون. وهو ما دعا إليه رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، يوزيف شوستر، عندما قال إن من يقوم بهذا السلوك “يشكّك أو ينكر حق إسرائيل في الوجود، وبالتالي فهو يصطدم بحدود حرية التظاهر”. ونادى المتحدث بإدخال تغييرات قانونية حتى يتم حظر أيّ مظاهرات معادية للسامية أو أن يتم تفكيكها بشكل سريع.

معاداة اليهود تضرّ بالقضية الفلسطيينة

من جانبه، فقد أكّد الناشط خالد الحمد، الذي عرف نفسه رئيساً للجالية الفلسطينية في ألمانيا، أنّ الدعوة التي وُجهت للجالية الفلسطيينة في ألمانيا للاحتجاج السلمي كانت على أساس التنديد بالقرار الأمريكي بما أنه “ينسف الأرضية الدولية لأيّ حل ممكن للقضية الفلسطيينة، ومن ذلك حلّ الدولتين الذي تسعى له أغلب القوى العالمية، عبر إقرار القدس الشرقية عاصمة لفلسطين”، يقول الحمد لـDW عربية، مستدركاً الحديث بأن الجالية الفلسطينية ترفض أيّ أسلوب آخر للاحتجاج يحوّل الصراع من صراع بين الفلسطينيين والمستوطنين إلى آخر ديني بين المسلمين واليهود والمسيحيين.

ويتابع الحمد: “نحن ضد الصهاينة ولسنا ضد اليهود والإسرائليين. لسنا ضد من يقبل بحق الفلسطينيين في أرضهم، كما أن لدينا الكثير من الأصدقاء اليهود، وكل شعار ضد اليهود يضرّ بقضيتنا”. أما فيما يخصّ إحراق الأعلام الإسرائيلية، فقد رّد الحمد أن الجالية الفلسطيينة تلتزم بالقوانين الأوروبية التي ترفض مثل هذه الأساليب، كما أن إحراق الأعلام أيا كانت دولها “لا يقدم شيئاً ولا يقنع أحداً، بل يؤلّب الرأي العام ضد المحتجين”. ويُبرز الحمد أن الفلسطينيين في ألمانيا يتوجهون إلى الرأي العام حتى يساندهم في قضيتهم وبالتالي فهم يرفضون أيّ سلوك يشوّش على احتجاجاتهم السلمية.

علاقة متشابكة مع الإسرائيليين والفلسطينيين

لا يمكن فهم الموقف الألماني الصارم من رفض أشكال معاداة السامية دون العودة إلى سياق العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل، فتصريح المتحدث باسم الحكومة الألمانية لم يكن مفاجئاً عندما أكد أنه لن يتم السماح بمعاداة السامية لأسباب متعددة منها “ارتباط ألمانيا الشديد بإسرائيل وبكافة معتنقي الديانة اليهودية” حسب تعبيره. العلاقة بين الطرفين قوية منذ عقود، وتعود بداياتها إلى عام 1952 عندما دفعت ألمانيا الاتحادية تعويضات بقيمة 3.5 مليار مارك لإسرائيل في إطار معاهدة لوكسومبروغ كتعويض لضحايا الهولوكوست. تطوّرت العلاقة بعد ذلك بإقامة علاقات دبلوماسية عام 1965، في فترة كان فيها الاستقطاب على أشده بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية التي زار رئيسها آنذاك فالتر أولبريخت القاهرة، حيث التقى بالرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.

بيد أن العلاقات بين إسرائيل وألمانيا تكتسي أبعادً إستراتيجية تشمل الجانب العسكري إذ قدمت برلين دعما عسكريا سخياً لإسرائيل تمثل في الحصول على أسلحة ومعدات متطورة. وقد سبق لجريدة البرلمان الأسبوعية الألمانية أن كشفت عام 2005 أن الدولتين تعاونتا في تطوير الأسلحة وبيعها، تقدري قيمتها بمئات ملايين الدولارات، كما ذكرت الجريدة أن هذا التعاون العسكري اعتمد أحيانا طرقاً غير رسمية.

غير أنه رغم دفاع ألمانيا الدائم عن أمن إسرائيل، إلا أن ذلك لم يثن برلين من اتخاذ مواقف نقدية من سياسات الاستيطان الإسرائيلية، إذ دافعت عن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، كما موّلت عددا من المشاريع في الأراضي الفلسطيينة بملايين اليوروهات لأجل تحسين شروط العيش ودعم قطاعات حيوية كالتعليم والزراعة وإحداث فرص العمل. وقد وقع توتر بين ألمانيا وإسرائيل قبل أشهر عندما رفضت تل أبيب استقبال وزير الخارجية الألماني بسبب إصرار هذا الأخير لقاء منظمات حقوقية تنتقد إسرائيل.

وعلى الصعيد الشعبي، يظهر تباينٌ في عقلية الألمان والإسرائيليين لطبيعة العلاقة بينهما، إذ يقول الكسندر كوداشيف، رئيس تحرير سابق بـ DW، في مقال له:” الإسرائيليون يُقدّرون الألمان، بينما يقدّر الألمان الإسرائيليين بشكل أقل بسبب نزاع الشرق الأوسط. إذ يتعاطف عدد كبير من الألمان بشكل مدهش مع الفلسطينيين، حيث يرونهم ضحية لإسرائيل، ما يُصعب فهم العلاقة بين إسرائيل وألمانيا”.

*ينشر بموجب اتفاقية شراكة مع DW عربية

‫تعليقات الزوار

14
  • Ibrahim
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 15:49

    الابتزاز لمعاداة السامية هو تكتيك صهيوني، الجميع يعرف ذلك.

  • Mika
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 15:56

    هناك فرق كبير بين التضاهر السلمي الذي يخوله القانون الاوروبي بصفة عامة و مضاهرات يتم فيها حرق علم بلد ما أو الصراخ بموت مواطنين بسبب دينهم.
    ألمانيا ترخص كل المظاهرات السلمية بما فيه مظاهرات اليمين الراديكالي المتطرف.
    تنعدم عندنا ثقافة المظاهرات السلمية لان ثقافتنا في حرية التعبير عن الرأي و الديموقراطية ضعيفة جدا.
    و شكرًا

  • maghribi
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 16:07

    ليس الحل في حرق شرويطة بها نجمة داوود كما تسمونها او شعارات التي اكل عليها الدهر او استنجاد بالمانيا او بريطانيا او… الحل الوحيد هي على جميع الدول الاسلامية ان كانت اسلامية حقا استنجاد بالله الواحد القهار الذي لاينام وقطع جميع العلاقات مع اسرائيل مدة سنة وسترون النتيجة.

  • driss canada
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 16:13

    العرب في أي حدث يقع نجدهم أينما كانوا لا يفلحون الا في الهيْلالة الخاوية والتي لاتنفع ولاتضر.فمشكل القدس لا يحل الا ان كان هناك تماسك بين جميع الدول العربية الاسلامية فيما بينها.ليتجندوا ويهبون تحت كلمة واحدة لتحرير القدس وكل المستعمرات العربية من يد الاستعمار الغاشم بدل من هدا الخنوع والإدلال والتبعية. فمادام جل حكام العرب الا من رحم ربي تابعين لأمريكا والغرب تبعية مطلقة حتى في السياية. فسيبقى مصير الأمة العربية مرهون بين فك كماشة هده الدول الكبرى المستبدة و المسيطرة على العالم عامة والشعوب العربية خاصة.

  • عبده
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 16:14

    للتدكير فقط , ضحايا النازية في الحرب العالمية الثانية من اليهود لم يتجاوز المليون وبضع الاف حسب اصدق التحقيقات الاحصائية .اما الستة ملايين فهم من الضحايا الروس
    ولكن الصهاينة وضعوا اساطير لاستمالة الدول لمساعدتهم على بناء دولة .

  • harrokki
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 16:27

    Les pays chrétiens qui prétendent l'honnêteté doivent reconnaître l'état de la Palestine sinon ils sont pire que les juifs

  • Omar33
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 16:30

    N'importe quoi la haine du juif ne sert à rien

  • إدريس أبو أمين المغربي
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 16:39

    نحن ضد الكراهية و نبد العنف و ضد الاستعمار المستفز الماكرين الذي تنهجه إسرائيل ضد الفلسطينيين العزل و حرق العلم الإسرائيلي ضد القوات الاسرائيلية التي تمارس جميع أشكال العنف و التعذيب ضد الفلسطينيين و مما زاد في الطين بلة هو الصهيوني العنصري اترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل و أشعل نار الفتنة ليس فقط في فلسطين و إنما في العالم الإسلامي

  • gtx
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 16:55

    معاداة صهيونية, لكن نار حين تشتعل تحرق الاخضر و اليابس. ملعون من ايقض الفتنة Trump

  • ZAMAN.
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 17:28

    الصهاينة معادون للعرب والمسلمين. حركة بسيطة تتمثل في حرق قطعة قماش تمثل علمهم المشؤوم زعزعت حكومة ألمانيا.أما قتل الأطفال والشباب والنساء والشيوخ وهدم المنازل وحرق الأشجار المقدسة..الزيتون..الفلسطينية لم يثير انتباه ألمانيا او غيرها من الدول المتملقة لبني اسرائيل على رأسهم ترامب.

  • anir
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 18:00

    ما تجهله المانيا واوروبا هو انه عندما يكون هؤلاء الا سلاميين في في وضع القوة سوف لن تسلم من شرهم لا اليهود ولا المسيحين وكل من يخالفهم العقيدة وهذا ما يعرفه ثرامب جيدا .

  • hassia
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 19:00

    غير أن المظاهرات الأخيرة وضعت الحكومة الألمانية في موقف مُحرج، خاصة وأن القانون الألماني لا ينصّ صراحة على تجريم إحراق الأعلام إلّا في سياقات معيّنة تحت تهمة "إهانة رمز وطني لدولة أجنبية"إن كانت الراية ملكا للمحتج

  • العيب فينا
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 19:56

    الحل هو الرجوع إلى تعاليم ديننا الحنيف لأنه كلما ابتعدنا عن ديننا كلنا سلط علينا الله سبحانه وتعالى المصائب . إذا فالعيب فينا وليس في إسرائيل . يجب البداية بإصلاح أنفسنا الأول وعائلتنا الصغيرة والكبيرة اي المجتمع .

  • السامية؟!؟!
    الأربعاء 13 دجنبر 2017 - 20:06

    الصهيونية المتوحشة -التي تقتل الأطفال و النساء و الشيوخ والعزل من أبناء و رجال فلسطين – مغلفة بغلاف السامية …

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس