سيرة "والآن أتحدث" -20- .. "الخمار عميل المخابرات الفرنسية"

سيرة "والآن أتحدث" -20- .. "الخمار عميل المخابرات الفرنسية"
الأحد 26 ماي 2019 - 06:00

بعد أسبوع من لقائي مع عباس لمساعدي في مدينة فاس، توصلت برسالة منه بواسطة أحد الأصدقاء يقول لي فيها: “لقد اتفقت معك على شراء حذاء، فلا تشتريه فإنه ليس على مقاسك إلا بعد أن أخبرك”.

بعد سفر المدني “لأعور” ذهبت عند محمد العمراني للتنسيق معه من أجل الذهاب عند مولاي أحمد الصقلي للحصول على المبلغ المالي الذي وعد به عباس لمساعدي لدعم المقاومة وقدره 2.000.000 فرنك. توجهت رفقة محمد العمراني إلى منزل مولاي أحمد الصقلي، صاحب سينما “شهرزاد”، في “بولو” وأخبرته بما قاله لي عباس لمساعدي، فأخرج شيكا وكتب فيه 200.000 فرنك وأراد أن يسلمه لي.

فقلت له: ليس هذا هو المبلغ الذي وعدت به عباس لمساعدي ورجال المقاومة؟ ولماذا تريد أن تعطيني شيكا فأنا لم أبع أو أشتر منك شيئا؟”.

فقال: “أنا من الوطنيين وقد تألمت لنفي محمد الخامس”.

فقلت له: “هو ملك ضحى بعرشه من أجل شعبه، فبماذا ضحيت أنت؟”.

في تلك اللحظة انفعل ورمى لي الشيك فتركته يسقط على الأرض.

وقلت له: “محاولتك هذه أعدها فخا تريد أن تنصبه لي”، وأضفت: “إن هؤلاء الفدائيين الذين يسترخصون حياتهم من أجل ملكهم ووطنهم في مذبح الفداء، ولم يتلقوا أية فتوى من العلماء أو الزعماء للقيام بواجبهم هذا، إنهم بكل عفوية يضحون من أجل تحرير وطنهم ليعيش فيه أمثالك أحرارا”.

فقال لي: “أنا في استطاعتي أن أسلمك: 100.000.000 فرنك حالا، ولكن بشرط أن أتلقى الأمر من المهدي بن بركة وعلال الفاسي وعمر بن عبد الجليل وعبد الرحيم بوعبيد”.

فسألته: “ومن أين ستأتي بهذه المائة مليون؟ هل هي مالك أم ماذا؟”.

فأجابني: “لن أعطيها من جيبي ولكنها الأموال التي تجمع باسم الكفاح، وأموال التجارة والعمارات التي يملكها الحزب بمدينة الدار البيضاء، وأنا المسؤول عن مالية الحزب وتجارته”.

فقلت له: “إذن ستبقى ننتظر منك هذه المائة مليون حتى تتلقى الأوامر من هؤلاء الزعماء، فلنترك هذا جانبا حتى نناقش الأمر معهم، لكننا اليوم نريد مساهمتك أنت شخصيا ومن مالك الخاص لدعم المقاومة، أو امنحنا الأموال التي تجمعونها باسم الكفاح”، فرفض، ودون أن أصافحه خرجنا من بيته.

وأخبرت عباس لمساعدي بما حدث فورا، وأرسلنا من حمل له رسالة تهديد واتهام بالخيانة، فماذا فعل مولاي أحمد الصقلي؟

هاجر إلى فرنسا ولم يقدم أي دعم للمقاومة وعاد بعد استقلال المغرب.

أنا لا أريد بهذا الكلام تعمد الإساءة ولكنها الحقيقة وشهادة للتاريخ، وبقيت المقاومة تتخبط في أزمتها المادية الخانقة، ومع كل هذا صمد رجالها ضد كل الأعاصير والهزات والتقلبات التي مرت بها حتى تحقق الاستقلال.

اللقاء الثاني بالخمار

بعد أسبوع من لقائي مع عباس لمساعدي في مدينة فاس، توصلت برسالة منه بواسطة أحد الأصدقاء يقول لي فيها: “لقد اتفقت معك على شراء حذاء، فلا تشتريه فإنه ليس على مقاسك إلا بعد أن أخبرك”، قرأت الرسالة ولم أفهم ما يقصده، لأنه كلفني بتنفيذ عدة مهام أخرى، ولم أعرف أيا منها أترك، والوقت ضيق ولا وقت للتفكير، واختلطت عليّ الأمور، وخصوصا أنني لم أتفق معه على إشارة ترمز لشراء الحذاء.

أهملت لغز الرسالة، وفي يوم 29 مارس 1955، أخذت زوجتي وطفلي الرضيع وسافرنا على متن القطار إلى مدينة فاس، وعند وصولنا جلست على مقعد قرب المحطة أنتظر من الساعة الواحدة إلى الساعة الثالثة زوالا ولكن “غيثه”، زوجة عباس لمساعدي، لم تحضر فتأكدت أنه التحق بالمنطقة الشمالية، فذهبت رفقة زوجتي وابني عند “الخمار” في منزل أصهاره بباب فتوح، فوجدته ينتظرني فرحب بنا واستضافنا وقضيت معه بقية اليوم في المنزل في أحاديث متواصلة، تكلم فيها كثيرا عن نفسه، وحدثني عن بداية علاقته بالمجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، التي ابتدأت يوم استدعاء الطلبة المغاربة الذين كانوا يدرسون بجامعة القاهرة لتناول طعام العشاء معه، فسأله عن مسقط رأسه، فأخبره بأنه من قبيلة البرانس بصنهاجة الظل بإقليم تازة، فسأله عن اسم والده وجده، فلما قال له والدي هو المهدي الميداوي، أعجب وقربه منه وقال له إن جدك كان من جملة المجاهدين الذين شاركوا معي في الحرب الريفية، وكان هذا هو السبب الذي جعل المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي يتدخل لدى السلطات المصرية لتسجيله بالكلية الحربية بالقاهرة، وإرساله إلى العراق لمواصلة تكوينه العسكري، وكيف تم اختياره بترشيح من المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي للسفر إلى المغرب من أجل تأسيس جيش التحرير، والإشراف على تدريب كوادره، وحدثني عن كثير من الأسرار العسكرية والمناورات الحربية وحرب العصابات، واستخلصت من معلوماته أنه رجل متمكن، قضيت الليل أنا وزوجتي وطفلي في ضيافة “الخمار”.

وفي صباح الغد، في جو ممطر، توجهت رفقة الخمار صوب حامة “مولاي يعقوب”، وفي الحافلة انشغلت باسترجاع ما لقنه لي عباس لمساعدي من أجل التعرف على الشخصين القادمين من “مرموشة”.

قال لي عباس لمساعدي يومها: “الساعة الثانية عشرة تجدك واقفا في أعلى السلالم في حامة مولاي يعقوب، وفي يدك نظارة عيون سوداء، ثم تأخذ منديلا وتتظاهر بتنظيف زجاجها به، سيتقدم منك شخص ملتح يلبس جلبابا مخططا باللونين الأبيض والأسود ويسألك: هل وصلت الساعة الثانية؟ في تلك اللحظة استخرج من جيبك قلم رصاص لونه أصفر، عندما يلمحه ذلك الشخص سيقول لك: هذا ما أبحث عنه، عندها تأكد أنه هو الشخص المقصود”.

وهذا ما حدث بالضبط، تم التعارف بيننا وبين أحمد الدخيسي وميمون أوعقا، وكان هذا اللقاء يقتصر على لحظات التعارف والتواصل، ثم افترقنا على أساس أن نلتقي بعد قليل في “لالة شافية”، فذهبا هما من طريق وسلكت أنا والخمار طريقا آخر.

في “لآلة شافية” جلسنا نحن الأربعة، وبعد الحوار والمناقشة، اتفق معهما الخمار على الترتيبات الأولية وحددوا موعدا ثانيا للقاء في مدينة فاس لمواصلة التخطيط ودراسة مشروع تأسيس جيش التحرير بجبال الأطلس المتوسط دراسة وافية. أما بالنسبة لي، فقد كانت مهمتي تنحصر في ربط الاتصال بينهم فقط، وافترقنا في “لالة شافية”.

عدت رفقة الخمار إلى منزل أصهاره، قضيت معه بقية النهار وسهرنا الليل في الحديث، ولكني لاحظت أنه في هذه المرة لم يكن يتكلم عن نفسه وإنما بدأ يوجه لي أسئلة مريبة، كنت أتهرب من الإجابة عليها ولم أدر لماذا؟ وحاول معرفة مقر سكناي في مدينة الدار البيضاء.

فقلت له: “أنا لا أتوفر على سكن قار لأنني أتنقل كثيرا”.

بعدها سألني: “أين يمكن أن أجدك إذا احتجت إليك؟”.

فأجبته: “إن مهمتي معك تنحصر فقط في أن أعرفك بأحمد الدخيسي، وميمون أو عقا”.

وبعد ذلك سألني عن اسمي الحقيقي.

فقلت له: “إن اسمي الحقيقي لن يفيدك في شيء، فنحن لنا في كل يوم اسم جديد، وعندما سأتكلف بتبليغك بشيء ما، فأنا الذي سأبحث عنك وسأعرف أين أجدك”.

بعد أن ودعني وذهبت للنوم، استغربت مع نفسي لماذا أخفيت عليه اسمي الحقيقي، ولم أكن معه صريحا على الرغم من أنني لم أشك في نواياه، ولا خطر ببالي اتهامه بالخيانة، ولم أتخذ أية احتياطات عندما رافقته.

أغلقت باب الغرفة وخلدت للنوم، وحوالي الساعة الواحدة ليلا أيقظني صراخ طفلي، ولما استيقظت وجدت نور الغرفة مضاء وبابها مفتوحا، ولكنني لم أكثرت للأمر لانشغالي أنا وزوجتي ببكاء الطفل فحملته حتى نام، فأغلقت في هذه المرة الغرفة بالمزلاج ونمنا.

في الصباح الباكر، غادرت منزل أصهار الخمار ولم أوقظه، لأنه سبق لي أن ودعته ليلا وأخبرته بأنني سأسافر باكرا.

*صحافي، باحث في تاريخ المقاومة المغربية، شاعر وزجال

[email protected]

‫تعليقات الزوار

4
  • سليمان
    الأحد 26 ماي 2019 - 08:57

    كل يحاول تقمص دور الوطني الحقيقي في اهمال تام جهل او تجاهل لبعض الوطنيين الحقيقيين…فقد كان هناك اناس ضحوا بمالهم الخاص من اجل الوطن ولا يعرفهم الكثير من الناس…في المقابل هناك اناس استفادوا من ادعاءهم الوطنية واختلاق الاحداث…من خلال قراءة المقال يتضح ان الكتب حاول اقصاء بعض الوطنيين بل تغيير الحقاءق…فهبد الكريم الخطابي كان يحارب الوطنيين ويهاجمهم ويحاصرهم،فقد قد يخوض المعارك لنصرة مستعمر على حساب مستعمر..اي انه كان يحارب الوطنيين ويحارب مستعمر من اجل استفادته من مستعمر اخر( اسبانيا فرنسا)…فقد حاول الكاتب تغيير الحقاءق التاريخية واقحام سيناروهات واشياء غامضة …الوطنيون يذكر اغلبهم بحذر ويختلق احداث لاثبات حقيقة اوهام و اشياء لا تمثل للحقيقة التاريخية…الكاتب يكتب مقاله بارتجالية وبنية غامضة تروم تجاهل قداسة الاحداث والتاريخ

  • مساوي هولند
    الأحد 26 ماي 2019 - 11:08

    سرد تاريخي يحمل تفاصيل دقيقة ولاسيما الخمار الذي سيتولى اغتيال عباس في تطوان.اتمنى أن تكون تتوفر عن نفس التفاصيل فيما يخص دور محمد بن عبد الكريم الخطابي ومنعم النجار وابراهيم السوداني النيلي واليوغزلافي ربان الباخرة دينا. ثم سرد الحقائق عن رجالات اكزناية في لقائهم لعباس وبونعيلات في تالة مغاشت ودور القايد امحمد ابلعيز ثلاثاء ازلاف والقايد علال ميضار .وفي انتظار سردكم عن بوضياف والقايد بوخروبة ليعلم المغاربة والجزائريين أن الريف كان محطة توزيع وتزويد جبهة التحرير الجزائرية بالسلاح عبر قبائل بني يزانسن ومن مستودعات في منازل سكان الريف للتذكير فقط إن الريف أكرم بوخروبة(الهواري ) ظن أنه كان يكرم الكريم ليكسبه ولكن اتضح انه اكرم اللئيم فتمردا.
    سارافقك في هذا السرد الى أن نصل إلى مثلث الموت أكنول وبريد تيزي وسلي وأتمنى أن تكون قد لقحت سردك التاريخي بوقائع وإعداد قتلى الجيش الفرنسي في هذا الموقع من أرشيف قصر دوركاي فرنسا.

  • سمير
    الأحد 26 ماي 2019 - 12:27

    ماذكرته عن عدم تلقي المقاومة مساعدات مالية شيء لايجب تعميمه، لدي معلومات مؤكدة أن أهل فاس ساعدوا المقاومة وكذلك حزب الاستقلال وبعلم من عباس رحمه الله. أتحدث عن منطقة تازة تحديدا وماكان يعرف بمثلث الموت لدى الفرنسيين.

  • nihilus
    الإثنين 27 ماي 2019 - 06:38

    Les amazigh sont les seuls qui, Le reste etaient monarchistes, ce qu'on appeal 3iyacha,qui ont Beni Le protectorat

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب