عندما أشهر الوزاني "سيف النقد" على الفساد السياسي في المغرب

عندما أشهر الوزاني "سيف النقد" على الفساد السياسي في المغرب
الخميس 21 مارس 2019 - 15:00

6/4

على غرار ربط الوزاني مسألة الحصول على الاستقلال بمسألة إقامة نظام ديمقراطي، ربط أيضا بين إرساء نظام ديمقراطي حقيقي وبين القضاء على كل أشكال الفساد السياسي داخل البلاد.

وبهذا الصدد، كتب ما يلي: “وبالإضافة إلى العيوب الأساسية التي تنطوي عليها الهيئة الناخبة المغربية وهي عيوب لا يستطيع أن يصلحها القانون وحده؛ بل تحتاج إلى التربية المثلى وحنكة التجارب وطول الممارسة توجد عيوب أخرى لا تقل عنها فسادا وخطورة، وهي عيوب الأوضاع العامة في المغرب من اجتماعية وخلقية، سياسية –حكومة وحزبية- واقتصادية؛ فجميع هذه الأوضاع السيئة تشكل ما سميناه مرارا بالفساد الداخلي الذي يتفاقم شره، ويشتد خطره مع الأيام والليالي، فكيف يمكن مع هذا أن يقوم صرح الديمقراطية عاليا في بلادنا المنكودة الحظ، لأنها منكوبة على يد أهلها قبل أعدائها؟

وهل يرجى مع الفساد خير وصلاح؟ وعلى فرض أن المغرب قد زود أو قد يزود بدستور يكون المثل الأعلى في بابه؟ فهل يمكن أن يظفر هذا الدستور بالحياة في ميدان التطبيق الكامل السليم؟ إن أي عاقل لا يستطيع أن يتصور شيئا من هذا مطلقا، لأن الفساد والصلاح لا يمكن أن يلتقيا في مواءمة ويقترنا في توأمة… ومن هنا، يتضح لنا جليا أن المسألة في بلادنا ليست مسألة دستور، ولا مسألة انتخابات وما بعدها بل هي مسألة قضاء على الفساد أولا، وإصلاح الأوضاع ثانيا”.

الرشوة وفساد الحكم والسياسة

اعتبر الوزاني أن من بين أهم مظاهر الفساد السياسي التي يمكن أن تقوض نظام الحكم بالمغرب هي آفة الرشوة التي استفحلت في نظره في كيان الدولة والمجتمع، حيث كتب بهذا الصدد أن “المغرب – بكل أسف – من البلاد التي ابتليت بالرشوة وتكاثر فيها الرشاة والمرتشون، خصوصا في عهد الاستقلال الذي اندست فيه كثير من عناصر السوء في الوظائف العامة ن وانحطت فيه مستويات الأخلاق والمعاملات واشتد فيه التنافس على الثراء غير المشروع…”.

وقد أرجه الوزاني انتشار هذه الآفة السياسية ليس في عدم وجود قوانين وتشريعات لمحاربة هذه الظاهرة؛ بل لبقاء هذه القوانين “حبرا على ورق وغياب الإرادة السياسية التي تنعكس من خلال عدم إعطاء المسؤولين الأولوية لمحاربة هذا الداء السياسي.

وبهذا الصدد، كتب بأن “الشرور والأخطار لا تحتاج إلى فضحها والتشهير بها في الخارج ليسرع المسؤولون إلى الاهتمام بالبحث عن المتعاطين لها، أو المتلبسين بها لمعاقبتهم إداريا وقانونيا؛ بل يجب أن تجعل مشكلة الرشوة ضمن المشاكل الأولى والمهمة التي يعني بها المسؤولون، لأنها فساد عظيم لا يصلح معه حكم، ولا تستقيم سياسة، فكلما أثرت الرشوة في الحكم والسياسة خرجت بهما عن الجادة المثلى، وطبعتهما على الانحراف عن القوانيـن، وعلى الإخلال بالأنظمة، وهونت عليها إهدار حقوق المواطنين والتضحية بمصالحهم المشروعة”.

ولمحاربة هذه الآفة، أشار الوزاني إلى ضرورة اتخاذ بعض الإجراءات الإدارية؛ من خلال “العمل بجد وباستمرار لتطبيق القوانين والأحكام والقضاء على الرشوة بمنتهى الشدة والصرامة وعلى جميع الراشين والمرتشين كبارهم وصغارهم، وتشديد البحث والرقابة على جميع الإدارات بدون استثناء لكشف جرائم الارتشاء… وإفساح المجال إداريا لشكاوى جميع المواطنين الذين تعرقل مصالحهم، وتمنع عنهم حقوقهم من الموظفين العاملين بهذه التصرفات لانتزاع الرشوة منهم طوعا أو كرها، وإعادة النظر في الإطارات لتطهيرها من عناصر الارتشاء ومن العناصر التي تحوم حولها شبهات التلاعب بحقوق وبمصالح المواطنين، والقيام بالإصلاح الإداري على أساس يضمن إسناد الوظائف العامة للعناصر التي تتوفر فيها جميع شروط النزاهة، والعفة، والاستقامة مما تتطلبه واجبات ومسؤوليات الوظيفة العمومية”؛ غير أن محاربة الرشوة لا تقتصر، في نظر الوزاني، على الدولة فقط بل هي مسؤولية المجتمع أيضا، حيث يرى بأنه “إذا كانت مقاومة الرشوة من طرف المسؤولين من آكد الأشياء، فإنها كذلك أول ما يفرضه الواجب على المواطنين الذين من بينهم يوجد الراشون ولو لم يوجد في الحكام مرتشون . لهذا نرى أن تحارب الرشوة في المجتمع والدولة معا”.

تبذير المال العام وغياب الحكم الرشيد

لاحظ الوزاني أنه من بين المظاهر الكبرى للفساد الداخلي بالنظام المغربي هو تبذير المال العام الذي يطال مختلف دواليب الدولة وإدارتها والمؤسسات التابعة لها. ويتجسد هذا الإشراف والتبذير من خلال:

ـ كثرة الوظائف والموظفين،

ـ استنزاف الأطر الأجنبية للميزانيات،

الإكثار من الحفلات والمآدب والتنقلات والرحلات في الداخل والخارج،

ـ لعبث بأموال وأملاك الدولة،

ـ المبالغات في المصاريف والسمسرات.

ويضيف الوزاني بأن مظاهر هذا التبذير لم تؤد فقط إلى إهدار أموال الدولة؛ بل أيضا إلى خلق شريحة اجتماعية اغتنت من خلال التلاعب بممتلكات الدولة وإثراء غير المشروع، وكذا “احتكار الثروات في أيدي الحكام والمحظوظين”. ومما ساعد على استفحال هذه الظاهرة عدة عوامل من أهمها: غياب نظام مالي ضرائبي معقلن، وعدم التوفر على حكم صالح سواء على الصعيد الحكومي أو النيابي، وانعدام أساليب للمتابعة والمراقبة المالية الفعالية.

وفي هذا السياق، أكد الوزاني على ما يلي: “وغني عن البيان أن ميدان المالية هو أحد الميادين التي يتجلى فيها الفساد بصورة بارزة يتجسم فيها شره المستطير، وكلما ذكرنا فساد المالية العامة تصورنا سياسة الإسراف والتبذير التي سارت عليها الحكومات في عهد الاستقلال بدون استثناء، وقد كان هم تلك السياسة جلب أكثر ما يمكن من الأموال بالحق أو الباطل وعدم الاعتدال والاقتصاد في المصاريف والنفقات العامة هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإن المالية العامة، سواء منها ما جني من الشعب عن طريق نظام الضرائب المباشرة أو ما جلب من المداخيل القومية أو أخذ من المصادر الخارجية قد كانت وما فتئت عرضة لما لا يخطر ببال من أنواع الإتلاف، وأساليب الاختلاس من طرف بعض الموظفين الذين لم يتورعوا في الماضي، ولا يتورعون في الحاضر في خيانة الواجب والعهد والأمانة وغير خفي أن من وسائل إتلاف الأموال العامة عدم صرفها فيما هو ضروري، وأكيد، ونافع.

ومما ساعد على الفساد في ميدان المالية بصفة عامة، نظام الضرائب والجباية بصفة خاصة، وعدم توفر البلاد في عهد الاستقلال على حكم صالح سواء على الصعيد القومي الحكومي منه والنيابي أو على الصعيد الشعبي عن طريق المجالس التمثيلية والمنظمات الجماهيرية ذات الكفاءة والصلاحية لأداء واجبها في المراقبة والمحاسبة”.

ولمعالجة هذا الوضع، آمن الوزاني إيمانا شديدا بأن الفساد الذي ينخر بنية الحكم بالمغرب يمكن أن تتم معالجة انحرافاته والحد من تأثيراته السياسية من خلال الإصلاح. وهكذا، طرح الوزاني ثلاثة إجراءات سياسية لإصلاح الحكم تتمثل في: ديمقراطية حقة، والانقلاب من أعلى، وتعددية حزبية.

‫تعليقات الزوار

11
  • سلام الصويري
    الخميس 21 مارس 2019 - 15:17

    كان ولا زال الفساد السياسي كمنظومة قاءمة بذاتها وطريقة للحكم والتحكم في غياب دولة الحق والقانون وهي حقيقة وواقع في هذا البلد والنتيجة تدمير مستقبل البلد وانهيار كل أمل في التقدم والعيش الكريم

  • عبدالله
    الخميس 21 مارس 2019 - 15:33

    الفساد هو ثقافة ناتجة عن التربية ، محاربة الفساد تبدأ من الأسرة النواة والمدرسة والمجتمع إضافة إلى وسائل الإعلام، استقلالية القضاء في إرساء القانون ، لأن المشكل في الأساس هو العقل والتفكر ، حصوصا في هذا الوقت الذي يعاني منه العالم والعالم العربي من أزمة عقل .

  • شامة
    الخميس 21 مارس 2019 - 15:39

    من حكموا البلاد بالطغيان وعلى جثت شهداء سوق الأربعاء وباب الخوخة بفاس هم من اوصلوا البلاد الى ما وجدناه نحن الصغار شباب اليوم فهم من قننوا الرشوة وبنوا الثروات بها وهم جعلوا البلاد تتخلف سنوات عدة بسياسة الاحتكار والمحسوبية والصراعات المفتعلة والكذب وسوء التدبير
    وهم اليوم من يتلونون تحت يافطات أحزاب أخرى
    بعد ان سلموا المشعل لابنائهم خريجي المدارس الأجنبية وقد حرموا برامجها ولغتها على أبناء العامة حتى يضمنوا استمرارية الوجود

  • Massinisa
    الخميس 21 مارس 2019 - 16:29

    لنكن صادقين. اليوم هناك رقم اخضر لمحاربة الرشوة و الكل يقول ان الرشوة مستفحلة. ترى كم من تبليغ تم تسجيله ؟ هذا يعني ان المواطن منخرط و يتحمل المسوءولية في الفساد. لان ما سيقضي على هذه الظاهرة هو انعدام الثقة بين الراشي و المرتشي و ما دامت التقة قاءمة فالفساد قاءم.

  • الحسن العبد بن محمد الحياني
    الخميس 21 مارس 2019 - 16:56

    كلمة باطل يراد بها ولها حق يروج لها منذ القدم في المغرب لعبت لعبها بشكل سلبي خطير في كل الأوساط،ألا وهي:" دير علاش تولي وما تخلي للوليدات مراك ما يبقوا عالة على حد وتصيب علاش ترحم!! "؛أظن بأن كل مغربي يتقلد أي منصب كان إلا ويعمل كل ما في وسعه للظفر بما يكفيه من هميزات على حساب الشعب بلا حياء بلا حشمة بلا خوف من الله؛وهذا ما يسمى في الثقافة الشعبية ب" دواير الزمن "؛انعدام الأمن والثقة في الله والخوف من المجهول ومن مصير الأسرة بعد الرحيل إلى جانب عوامل أخرى تجعل الكثير من الأطر يقبلون على الفساد بكل أنواعه بلاوازع ضمير؛ للحد من هذا الفساد كثير من الناس يلحون على ضرورة خلق لجن عالية صادقة ومخلص لله وللوطن خاصة بالمراقبة اليومية في كل القطاعات مع الجزر الكلي بعقوبة كل مختلس فاسد بأقصى العقوبات؛فالحكمة من قطع يدي السارق هي وضع حد للسرقة كيفما كان شكلها باليد أو بالحاسوب؛ من كبير أو من صغير؛بالطبع تبقى سيادة القانون وأن يسري على الجميع هي الشكل الوحيد لتحقيق الديمقراطية الحقة والقضاء على الفساد والمفسدين بخذ الحق واعط الواجب؛ بمعنى التاعربيت :" هاك وأرى ومن يفرط يكرط "؛ونبينا عليه السلام..

  • مسلم
    الخميس 21 مارس 2019 - 17:02

    عندما ببدأ يضهر مرض بجسم نعالجه بالوقاية و أدوية وعندما يزمن فبالعمليات و وعندما تموت الأعضاء فالبتر وعندما لا نستطيع حيلة فنتضر الموت و نموت بينما ننتضر الموت عسى أن يحيينا الله …فإن كان الفاسد يخاف أن يزجر فمن يزجر

  • حلاوة بيه العنتبلي
    الخميس 21 مارس 2019 - 17:23

    كل هدا الفساد والريع مند الاستقلال الى يومنا هدا. ولا شئ تغير. دار لقمان على حالها .

  • achouri
    الخميس 21 مارس 2019 - 18:29

    OUI mais la corruption a vaincu si bien qu ON LUI ACCODE LA PLACE QU LUI REFUSIT ma apres sa more drole d appat aux citoyen naif. lisez au mois LES MEMOIRES de ce grand homme mais helas non hypocrite non aalem mais certainement mesulman correcte avec Dieu

  • Mohamed
    الخميس 21 مارس 2019 - 18:57

    هل الفساد مرتبط بمشكل الصحراء؟
    من جانب اخر هل الفساد مرتبط بفقر المغرب ؟
    حلل وناقش، المدة ساعتان.
    حظ سعيد للجميع

  • ايت واعش
    الخميس 21 مارس 2019 - 20:20

    اضن ان وصف الوضع في هذه الفقرة…كانه تنبأ بها
    الداخلي بالنظام المغربي هو تبذير المال العام الذي يطال مختلف دواليب الدولة وإدارتها والمؤسسات التابعة لها. ويتجسد هذا الإشراف والتبذير من خلال:

    ـ كثرة الوظائف والموظفين،

    ـ استنزاف الأطر الأجنبية للميزانيات،

    الإكثار من الحفلات والمآدب والتنقلات والرحلات في الداخل والخارج،

    ـ لعبث بأموال وأملاك الدولة،

    ـ المبالغات في المصاريف والسمسرات.

    ويضيف الوزاني بأن مظاهر هذا التبذير لم تؤد فقط إلى إهدار أموال الدولة؛ بل أيضا إلى خلق شريحة اجتماعية اغتنت من خلال التلاعب بممتلكات الدولة وإثراء غير المشروع، وكذا "احتكار الثروات في أيدي الحكام والمحظوظين". ومما ساعد على استفحال هذه الظاهرة عدة عوامل من أهمها: غياب نظام مالي ضرائبي معقلن، وعدم التوفر على حكم صالح سواء على الصعيد الحكومي أو النيابي، وانعدام أساليب للمتابعة والمراقبة المالية الفعالية.

  • محمد بلحسن
    الجمعة 22 مارس 2019 - 05:38

    فعلا سيدي كاتب المقال "يتضح لنا جليا أن المسألة في بلادنا ليست مسألة دستور، ولا مسألة انتخابات وما بعدها بل هي مسألة قضاء على الفساد أولا، وإصلاح الأوضاع ثانيا" كما قال المرحوم محمد بلحسن الوزاني في منتصف القرن 20 و ها هو محمد بلحسن السوسي (نسبة لمكان الولادة), كاتب هذا التعليق, لشاهد أن المشكل العويص لازال قائما في القرن 21 و بوثيرة مختلفة تصاعدية منذ 14 مارس 1998, مباشرة بعد تعيين حكومة التناوب السياسي التوافقي بوجود حزب الاستقلال على رأس أم وزارات الصفقات العمومية و المقالع ومأذونيات النقل الطرقي و السككي … و بطريقة مختلفة بشكل جدري و في خفاء مدروس منذ يناير 2012 بوصول حزب لمؤسسيه و لقادته و المتعاطفين معه الحق في تهميش القوانين التي تركها لهم حزب الاستقلال من بينها:
    – تطبيق قانون المسطرة الجنائية 11-35 في الشق المتعلق بتقادم الجرائم المالية في 15 سنة فقط بدل من 20 مدة. لم يعطوا الاهتمام للشكايات المتعلقة بجرائم مالية مهددة بالتقادم.
    – إخراج النصوص التنظيمية الواردة في القانون 55.05 لـ 19 مايو 2011 يسمح للموظف بمزاولة بصفة مهنية نشاط حر أو تابع للقطاع الخاص يدر عليه دخلا مقنن.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات