"وطاء الحمّام" بشفشاون .. ساحة تشهد على التّاريخ والرّموز

"وطاء الحمّام" بشفشاون .. ساحة تشهد على التّاريخ والرّموز
الأحد 27 ماي 2018 - 08:45

كانت ساحة “وطاء الحمّام” بشفشاون، نسبة إلى حمّام مجاور لها، منذ مطر بعيد ومنذ كل الفصول، تحرس الأزل وتنصهر في ذكريات وأحلام ورغبات، كاشفة للزوّار من كل الأصقاع عن تحفة جغرافية فريدة، فيها تصبّ الشّمس نورها صوب رموز الجهاد والتصوف والحضارة والثقافة والامتدادات الإنسانية..

“وطاء الحمّام” ثنائية الاسم والمعنى، تفتح أبواب قلبها في هدوء عابر مملوء بالصّمت أحيانا والصّخب أحيانا أخرى… فلننصت إلى هذا المكان وهو يبوح ببعض تفاصيله القديمة على ألسنة من عاشوا أو عايشوا بعض حيثياته وتجلياته.

“وطاء الحمّام”.. ساحة المرايا المتداخلة

يصرح علي الريسوني، مؤرخ مدينة شفشاون، بأن ساحة “وطاء الحمّام” شهدت حركة تاريخ المدينة منذ أن خرجت من رحم منطقة جبالة في ولادة باركتها الطبيعة وزغردت في لحظاتها المبتسمة عذارى تقيات صالحات.

وتحيط بالساحة رموز روحية ودينية ممثلة في المسجد الأعظم، الزاوية القادرية، الزاوية العلمية، زاوية أبي الحسن علي النوازلي، الزاوية الناصرية وزاوية محمد بن الحسن بن ريسون.

وفي جانب الجهاد والمقاومة في هذا الفضاء الذي لا تحده الرؤية، يضيف المتحدث بالقول: “يمكن الإشارة إلى ذلك من خلال القصبة بأبراجها العالية ودار المخزن المفضية إلى السجن المعد أصلا للغزاة البرتغال ومن بعدهم الإسبان.. كما ترتكز مميزات هذه الساحة التي تحمل اسم حمّام تقليدي علق ماؤه بذاكرة الإنسان بالنظافة والطهارة. ذلك الحمّام البلدي الذي أهداه أحد السلاطين للأحباس العامة، حيث يتوضأ المواطن الشفشاوني ويغتسل، فيخرج نظيفا في جسده كما نظفته العبادة في قلبه ووجدانه”.

وزاد المؤرخ نفسه بأن الساحة كانت ولا تزال مركزاً تجاريا واقتصاديا، نظرا لوجود العديد من الدكاكين والمقاهي والفنادق والمطاعم؛ وهو ما يمنحها وظيفتها المتوخاة في التنمية السياحية والرواج الاقتصادي. وبالموازاة مع ذلك، فقد شكلت الساحة ببعدها الكوني مجالا احتضن العلم والثقافة والتربية، إذ يتجلى ذلك في بقايا المدرسة الأهلية التي تجاور الزاوية القادرية، حيث شهدت هذه المدرسة أنشطة في التربية والتوجيه وتلقين المعرفة منذ الثلاثينيات إلى ما بعد الاستقلال.. فضلا عن البناية التقليدية المجاورة للمسجد الأعظم، حيث مأوى الطلبة ناهيك عن وجود مكتبة للمطالعة (مقهى زيطان حاليا).

ومن جانب آخر، كانت الساحة محطة أساسية للفعل الوطني عبر مختلف تمظهراته، حيث كانت مكانا لجموع انتظمت في مظاهر عصرية تهلل وتكبر مطالبة بالحرية والكرامة والاستقلال، واستمرت الساحة فضاءً يحتشد فيه أبناء المدينة في الكثير من المناسبات.

وعلى المستوى الشعبي، يستطرد علي الريسوني بأن الساحة كانت ملتقى الجماهير الغفيرة التي تلفي في هذا المكان مبتغاها وتستنشق رياح المحبة وبالتالي تتعانق في كل شبر منها الآمال والأحلام والمشاعر الطيبة . وفي الأعياد والمناسبات المختلفة، كانت تستقبل الساحة زيارة قبيلة الأخماس وعودة الحجاج ومواسم ذكرى المولد النبوي الشريف ومرور العرسان، حيث كانت الطبول تقرع والرايات ترفع على الأكتاف، وعرفت كذلك احتضان جنازات عالم وقور أو إنسان بسيط أو ناسك ذاكر.. إضافة إلى حضور الحايك الأبيض والجلباب الصوفي والعمامة التي تغطي هامات فضلاء الناس وأحذية “البلغة” التي صنعتها أيدي الحرفيين البسطاء.

ساحة “وطاء الحمّام” فضاء الشّعب

وعلى صعيد آخر، أكد العربي زيان، صانع تقليدي وأحد الوجوه التي عايشت بعض تجليات المكان في حديثه عن ذاكرة ساحة “وطاء الحمّام”، أنه عند دخول الإسبان إلى مدينة شفشاون قاموا بإعداد حديقة صغيرة بها محاطة بسياج تنبثق من وسطها شجرة الشوح الشامخة، كما أنهم قاموا ببناء أماكن للجلوس مرصعة بحجر “تافزة ” المجلوب من الغابة، إذ كان الكثير من الشيوخ يرتادونها مفترشين المكان في انتظار أذان المغرب أو العشاء، كما بدأ الإسبان يزاولون بهذه الساحة الكثير من الأنشطة التجارية مثل: بيع الكبريت والغاسول والغاز باللتر. وأمام جنبات أدراج المسجد الأعظم كان يتم بيع الحبوب.

وواصل الصانع التقليدي سالف الذكر: “بعد ذلك تم افتتاح سوق بالساحة، بعدما كان يقام بمكان مجاور “دبنة المخزن ” يومي الاثنين والجمعة، بحيث أصبح يقام يوم الخميس فقط حتى لا يتم التشويش على المصلين الذين كانوا يحجون بكثافة إلى المسجد الأعظم، ثم ليصبح بعد ذلك يومي الاثنين والخميس كما هو متعارف عليه بين أهل المدينة”.

وشهدت جهة الخضّارين بجوار الساحة وجود عدد من الجزارين بالمدينة: كولد علي، الهاشمي الشركي، علي بن زاينة، الهاشمي أبجيو والسفياني، فضلا عن أن الساحة عرفت تقديم طقوس “الحلقة” من قبل شخص يدعى الشيخ محمد من أصل ريفي، إذ كان يقوم بسرد حكايات شيقة حول تاريخ المغرب ويقدم قصائد ملحّنة على آلة “الكنبري”، كما كانت توجد بالساحة حانة الإسباني بيدرو فريندا لبيع الخمور وشركة “لا أونيون” الإسبانية التي كانت تتجه خطوطها نحو مدينة تطوان.

وتحتفظ ساحة “وطاء الحمّام” بلحظات موشومة وبأبعادها المتشابكة، حيث شهدت تنظيم حفلات وطنية عديدة وكانت مكانا يتجمع فيه الناس لقراءة “اللاّطيفْ” أثناء المواقف البطولية التي عاشها المغرب أيام الاستعمار.. إضافة إلى أن الإسبان كانوا يحتفلون برأس السنة الميلادية بها، يختم كلامه العربي زيان.

هي “وطاء الحمّام” الهوية والذاكرة والتلاحم الإنساني المتعدد، تستحق أن تحلق أكثر وأكثر؛ لأنها ببساطة الساحة التي بصمت ذاكرة الجميع والتي نتمنى أن تعود إلى سياقها الجمالي الآسر، بعيدا عن فوضى الأيام وتقلبات الأزمان.

‫تعليقات الزوار

16
  • mad
    الأحد 27 ماي 2018 - 10:00

    جميل ما. قاله كاتب المقال عن هذه المدينة الجميلة
    الا انه لم يسميها باسمها الاصلى الذي تعرف بها
    مند القدم عند سكانها وعند كافة المغاربة الا وهو
    اشاون الدي زادوه لام التعربف فاصبح الشاون
    ولكن اليوم اصبح شفشاون وهذا ليس الا تحريف
    لاسم هذه المدينة المعروفة بنوع من المعز الجيد والممتاز وسميت ب اشاون كلمة امازيغية تعني
    كرون العتروس.
    فبعض الاعلاميين المغاربة ليبينوا مستوى ثقافتهم
    ابوا الا ان يسموا في مقالاتهم في بعص الصحف
    المكتوبة بعض الفواكهباسماء شرقية مثل الدلاح سموه البطيخ الاحمر وحب الملوك سموه الكرز
    وغدا سيسمون. الكركاع عين الجمل كما يسمى
    في سوريا ولبنان ازير سموه الازير الى غير ذلك من الاسماء
    وهكذا يساهمون في طمس جزء من الثقافة المغربية
    فلربما سيعيدون النظر في تصرفاتهم هذه.

  • مغربنا الرائع
    الأحد 27 ماي 2018 - 11:23

    مدينة رائعة وجميلة تسر الزائرين تستحق اﻹهتمام من المسؤولين لما لها من دور في إنتعاش الحركة السياحية ببلدنا الحبيب. ساحة وطا حمام تذكر الزائر بالنمط الأندلسي العريق الذي إمتزج فيه العربي باﻹفرنجي في أبهى حلل الحضارة اﻹنسانية.

  • انا بورجوازي أصلح لا أغير.
    الأحد 27 ماي 2018 - 11:59

    *واعتبر فرانز فانون في كتابه " معذبو الأرص" أن الأحزاب السياسية البورجوازية تستبعد فكرة العنف بل تخشى العنف، هي عنيفة في أقوالها معتدلة في مواقفها، لا يزيد نشاطها على مقالات وخطب تتحدث عن حقوق الإنسان وتقرير المصير، ولذا فهذه الأحزاب لا تدعو إلى العنف لأنها لا تهدف إلى قلب الأوضاع التي أنشأها الاستعمار رأسا على عقب، ولا تطمع في أكثر من استلام مقاليد الحكم من يد المستعمر، كل ما تريده هو أن تفاوض المستعمر وتنتهي معه إلى تسوية.
    *منقول من مقال لجريدة هسبريس ليومه الأحد 5/27.

  • كازاوي
    الأحد 27 ماي 2018 - 12:20

    هذه الساحة زرتها السنة الماضية وسأزورها هذه السنة إن شاء الله

  • Abir
    الأحد 27 ماي 2018 - 12:26

    شفشاون مدينة تاريخية وحضارية بامتياز وأخت الأندلس يجب العناية والاهتمام بها

  • قديسة الجبل
    الأحد 27 ماي 2018 - 12:41

    تتميز شفشاون ببعد تاريخي كبير يحتاج الى نفض الغبار عنه وابرازه

  • تمزيرت
    الأحد 27 ماي 2018 - 12:47

    نحن لسنا عرباً يا أخي و إننا أمازيغ …نحن سكان شمال إفريقيا و لسنا قحطانيين أو نجديين، فعلاً نعتز بلغة القرآن و نبجلها و نعطيها حقها كما فعل أجدادنا عبر تاريخنا الحافل. لكننا لن نقبل :
    ١) طمس هويتنا الأمازيغية بأعتبارها السائدة.
    ٢) أعتبار المغرب بلداً عربيا من الناحية العرقية أو ماشابه ذلك
    ٣) أستغلالنا و ترهيبنا بأستعمال الدين الذي هو رحمة كما قال الخالق على لسان محمد صلى الله عليه و سلم ٤) عدم الإستخفاف بالأمازيغ و الأمازيغية لأن العرب كعرق بالمغرب لا تتجاوز نسبتهم ٥٪؜ من مجموع ٤٠ مليون.

  • الشمال الشمال
    الأحد 27 ماي 2018 - 13:06

    ساحة تاريخية يجب تنظيمها وتخليصها من كثرة الكراسي والباشات التي تشوهها ووضع تصور يراعي مكانة هذه الساحة.

  • بيضاوي
    الأحد 27 ماي 2018 - 13:34

    ازور شفشاون من حين لاخر واجلس لتناول بعض الوجبات بهذه الساحة واطالب من هذا المنبر عدم الزيادة في الاسعار على السواح

  • متهكمة
    الأحد 27 ماي 2018 - 14:38

    انت بربري او امازيغي واقصائي ايضا ،المغرب بلد متعدج الاعراق ،والجانب العربي هو الجانب الطاغي ،وانا من ساكنة المغرب الكبير وعربية الاصل واحترم جميع مكونات الشعب المغربي واحارب الاقصاءيين امثالك ،حتى موضوع المقال بعيد عن العرقية والطائفية

  • سعيد
    الأحد 27 ماي 2018 - 14:38

    هذه الساحة في الماضي كانت افضل مما هي عليه اليوم فالصور تنطق بالبساطة وحسن التنظيم . شفشاون حاليا اصبحت شوارعها كلها محتلة بالسلع والتشوهات واذا بقيت على هذه الحال ستضيع المدينة !!!!!!!

  • Said
    الأحد 27 ماي 2018 - 15:01

    J'ai visité la place. Les plats servis sont trop maigres et sans goût. Ils doivent s'améliorer à ce niveau. C'est frustrant.

  • khalid nador
    الأحد 27 ماي 2018 - 15:16

    la premiere photo, vous l'avez pas remarqué pe, montre clairement les vrais maitres et les sous maitres…ou plutot qui defile pour le compte de qui….

  • Pour rectifier
    الأحد 27 ماي 2018 - 16:39

    Achaouen est une ville ghomarienne (ghomara Amazigh s +_arabises) avec quelques familles d'origine andalouse ,mais elle même d'origine Amazigh. La darija des chaounis est d'ailleurs pleine de mots Amazigh s comme par ex :ibaouen=fèves.asallas =qd il fait nuit.chebbar =prendre …etc
    Chaouen je t'aime..

  • احد الزوار
    الأحد 27 ماي 2018 - 16:52

    في كل مرة اتردد على الشاون ازور هذه الساحة. شكرا هسبريس على هذه المعلومات المفيدة

  • Abdos
    السبت 28 شتنبر 2019 - 21:16

    بصراحة الشاون. لوحة فنية تستحق الزيارة لونه الزرق يجعلك تبحر فعالم لا منتهي

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات