شقير: الدولة تتأرجح بين مقاومة تحريفات الدين واختلافات المذهب

شقير: الدولة تتأرجح بين مقاومة تحريفات الدين واختلافات المذهب
الخميس 14 دجنبر 2017 - 06:00

قام الفاتحون العرب بدور أساسيّ في نشر الدين الإسلامي بوصفه عقيدة دينية وسياسية تقوم بالأساس على فكرة التوحيد. إن الدعوة الإسلامية لم تكن فقط دعوة للإيمان بوحدانية الله؛ بل كانت دعوة تهدف إلى خلق “أمة واحدة منسجمة تؤمن بالله الواحد وترتبط بمصير مشترك تتجاوز بذلك التعددية القبلية وتعدد مراكز السلطة”.

لذا فتجاوب المغاربة مع هذه الدعوة لم يكن بسبب قوة “سيف الفتح” فقط؛ بل أيضا لأن المفاهيم التي تتمحور عليها هذه الدعوة كانت تتلاءم مع الاتجاه التطوري، الذي كان ينحوه المغاربة نحو التوحد وخلق أمة متماسكة.

ولتحقيق هذا الهدف، تم اللجوء إلى مقاومة التحريفات والاختلافات الدينية:

أولا: مقاومة التحريفات الدينية

بالرغم من انتشار الإسلام في مختلف أنحاء البلاد، فإن مبادئه لم تكن تطبق بشكل موحد، إذ إن العادات المحلية لكل منطقة كانت تؤثر تأثيرا كبيرا في كيفية تطبيقه. وقد قامت الإمارات السياسية بحماية هذه العادات الدينية؛ وهو ما يفسر ظهور بعض الكتب الدينية التي كانت تستلهم بعض سور ومضامين القرآن. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى الكتاب الذي وضعه يونس البرغواطي، والذي أصبح بمثابة (قرآن للإمارة).

وفي هذا يقول البكري : “كان يونس شرب دواء الحفظ، فلقن كل ما سمع وطلب علم النجوم والكهانة والجان ونظر في الكلام (… ) فنزل بين هؤلاء القوم من زنانة. فلما رأى جهلهم استوطن بلدهم وكان يخبرهم بأشياء قبل كونها مما تدل عليه النجوم عندهم فتكون على ما يقول أو قريبا منه فعظم عندهم فلما رأى ذلك منهم… أظهر ديانته ودعا إلى نبوته… وكانوا يقرأون نصف قرآنهم في وقوفهم ونصفه في ركوعهم ويقولون في تسليمهم بالبربرية الله فوقنا لم يغب عنه شيء في الأرض ولا في السماء.

كما تضمن هذا (القرآن) عدة سور، على شاكلة سور القرآن الكريم تحدد أداء الفرائض الدينية وتنظيم الشعائر وكذا تحدد طبيعة العقوبات والحدود التي يجب إيقاعها بالمخالفين. فمن تعاليم صالح إباحة الزواج بالنساء بدون حدود، والطلاق بدون حدود، وتحريم التزويج ببنت العم، وقتل السارق بالإقرار والبينة ورجم الزاني ونفي الكاذب، والقاتل تؤخذ منه دية مائة من البقر.

وعلى غرار يونس البرغواطي، ظهر نبي غمارة حاميم في منطقة غمارة الذي وضع هو أيضا (قرآنا) لقومه يحدد فيه فرائض الدين وشعائره. وفي هذا يخبرنا البكري بما يلي:

“قرب نكور بلد غمارة قام بها نبيا الصفع أبو محمد حاميم بن من الله من حريز بن عمر بن جفوال بن وزروال الملقب بالمفتري. وببلاد مجكسة جبل حاميم المنسوب إليه قرب تيطاوان؛ بحيث شرع الصلاة صلاتين عند طلوع الشمس وعند غروبها ووضع لهم قرآنا بلسانهم فمما ترجم منه بعد تهليل يهللونه: حللني من الذنوب يامن يحل البصر ينظر في الدنيا، حلني من الذنوب يامن أخرج موسى من البحر، ومنه، أمنت بحاميم وبأبي خلف وآمن رأسي وعقلي وما أكنه صدري وما أحاط به دمي ولحمي، وآمنت (بتانفيت) وهي عمة حاميم… وكانت ساحرة وكانت لحاميم أخت اسمها دجو وكانت ساحرة كاهنة من أجمل الناس يستغاث بها عند كل كرب”..

وقد فرض عليهم صوم يوم الخميس كله وصوم يوم الأربعاء إلى الظهر، فمن أكل فيهما غرم خمسة أثوار، ووضع لجميعهم صوم 27 يوما من رمضان وأبقى فرض صوم 3 أيام والفطر الرابع وجعل عيدهم في الثاني من الفطر، وفرض زكاتهم العشر من كل شيء وأسقط عنهم الحج والطهر والوضوء، وأحل لهم لحم الخنزير وحرم عليهم الحوت حتى يذكى والبيض من جميع الطير.

وبالإضافة إلى هذه التحريفات الدينية كانت هناك بعض القبائل التي حافظت على (وثنيتها) مثل بعض القبائل التي كانت مستقرة بجبال الأطلس الكبير والتي كانت تعبد الكبش وتتستر عند دخول الأسواق.

وأمام هذه التحريفات، شن المرابطون حملة شعواء على كل هذه البدع ومجاهدة معتنقيها. وهكذا، ركز المرابطون على برغواطة كأقوى دولة طائفية آنذاك، فقد أوصى شيخ المالكية بالقيروان أبو عمران الفاسي الملثمين بجهاد برغواطة؛ كما أن عبد الله بن ياسين كان على علم تام بأحوال برغواطة. لذا، فقد انحصرت جهود الملثمين في محاصرة برغواطة وقتالهم بلا هوادة. كما قام المرابطون أيضا بالقضاء على مختلف التحريفات الدينية الأخرى وملاحقة معتنقيها.

ثانيا: مقاومة الاختلافات الدينية

عرف المغرب انتشار ديانات أخرى إلى جانب انتشار الإسلام، وخاصة الديانة المسيحية والديانة اليهودية؛ فقد انتشرت المسيحية، خصوصا بعد نهاية الوجود الروماني، إذ تشكلت عدة إمارات مسيحية، أو ما كان يسميها الفاتحون العرب (الروم) كإمارة يوليان في الشمال وإمارة الكوشيين بالجنوب بمنطقة درعة. كما كانت توجد أيضا إمارات يهودية كإمارة زاكورة التي تكونت مابين القرن السابع والثامن الميلادي.

وقد بقيت هذه الإمارة قوية ومتماسكة إلى أن سقطت تحت ضربات الملثمين الذين استولوا على عاصمتها زاكورة.

وبهذا استطاع المرابطون أن يضعوا اللبنات الأساسية (لإسلام سني مالكي) الذي أصبح مذهبا سياسيا للدولة. وقد تجلى ذلك على الخصوص من خلال الرموز السياسية التي اعتمدها المرابطون، وبالأخص النقود التي كانت تتداول في عهدهم. وهكذا كان الدينار المرابطي يحمل العبارة التالية: “ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهم في الآخرة من الخاسرين”.

وقد تابع الموحدون السياسة الدينية ذاتها في تقعيدهم لمذهب الدولة، حيث كانوا أكثر تشددا في فرض هذا المذهب؛ وهو ما دفعهم إلى القضاء على مختلف الجيوب المسيحية أو اليهودية التي بقيت موجودة في بعض مناطق المغرب.

وقد أثمرت هذه السياسة الدينية المتشددة عن فرض الدين الإسلامي السني كدين للدولة بدون منازع. وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال تبني المصحف العثماني ضمن المراسيم السياسية للدولة. وبالتالي، فقد كان تبني المصحف العثماني من طرف الأمراء الموحدين له دلالة سياسية كبيرة تحيل تاريخيا إلى عملية (جمع القرآن) من لدن الخليفة عثمان في إطار بداية توحيد الدولة الإسلامية بالمدينة.

وفي هذا يشير حركات إلى ما يلي:

“كان بقرطبة ثم بجامعها الأعظم المشهور مصحف المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ذكر ذلك جماعة من المؤرخين منهم ابن بشكوال وغيره، وكان ذلك المصحف الكريم متداولا عند بني أمية وأهل الأندلس، واستمر بقرطبة إلى دولة الموحدين فنقله عبد المؤمن إلى مراكش (…) . قال ابن بشكوال: أخرج المصحف العثماني من قرطبة وغرب منها، وكان بجامعها الأعظم ليلة السبت الحادي عشر من شوال سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة في أيام أبي محمد عبد المؤمن بن علي وبأمره، وهذا أحد المصاحف الأربعة التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار: مكة، والبصرة، والكوفة والشام.

وقال ابن رشيد في رحلته: وصل إلى عبد المؤمن ابناه السيد أبو سعيد، وأبو يعقوب من الأندلس وفي صحبتهما مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو الإمام الذي لم يختلف فيه مختلف، فتلقى وصوله بالإجلال والإعظام، وبودر إليه بما يجب من التبجيل والإكرام . وكان في وصوله ذلك من عظيم العناية وباهر الكرامة ما هو معتبر لأولى الألباب (…).

ثم عزم عبد المؤمن على تعظيم المصحف الكريم وشرع في انتخاب كسوته واختيار حلتيه، فحشر الصناع المتقنين ممن كان بالحضرة وسائر بلاد المغرب والأندلس، فاجتمع لذلك حذاق كل صناعة من المهندسين والصواغين والنظامين والحلاقين والنقاشين والمرصعين والنجارين والزواقين والرسامين والمجلدين وعرفاء البنائين، لم يبق من يوصف ببراعة، أو ينسب إلى الحذق في صناعة، إلا أحضر للعمل فيه، والاشتغال بمعنى من معانيه.

وبالجملة، فقد صنعت له أغشية بعضها من السندس، وبعضها من الذهب والفضة، ورصع ذلك بأنواع اليواقيت وأصناف الأحجار الغريبة النوع والشكل العديمة المثال. واتخذ للغشاء محملا بديعا مما يناسب ذلك في غرابة الصنعة، وبداعة الصبغة. واتخذ للمحمل كرسيا على شاكلته، تم اتخذ للجميع تابوتا يصان فيه على ذلك المنوال (…).

ونهض عبد المؤمن … لزيارة روضة المهدي بمدينة تينمل، فأقام بها بقية شعبان ومعظم رمضان، وحمل في صحبته المصحف العثماني في التابوت المذكور (…). ولم يزل الموحدون يعتنون بهذا المصحف الكريم ويحملونه في أسفارهم متبركين به كتابوت بني اسرائيل إلى أن حمله منهم السعيد الملقب بالمعتضد بالله حين توجه إلى تلمسان آخر سنة خمس وأربعين وستمائة، فقتل السعيد قريبا من تلمسان ووقع النهب في الخزائن(…) ونهب المصحف على يد بعض تجار أزمور (…)..

وقد استرده أبو الحسن المريني من خزانة ملوك بني عبد الواد، فكان يتبرك به ويحمله في أسفاره إلى أن أصيب في وقعة طريف وحصل في بلاد البرتقال، لكنه استرده من جديد. (…) لكن عند عودته من تونس إلى المغرب غرقت مراكبه بما فيها من ركاب ونفائس ومن جملتها المصحف العثماني فكان ذلك آخر العهد به”.

‫تعليقات الزوار

9
  • الانتقائية في الدين
    الخميس 14 دجنبر 2017 - 07:53

    الانتقائية و المصلحية حتى في الدين. هناك ديانات خارجة عن الاسلام مقبولة ببلدنا في حين ان مداهب اسلامية مرفوضة. ولهدا اعطى المفكرون الاروبيون الحل في كون ان للدين مكان مخصص ومحدود لان رجل الدين غير منتخب من الشعب، كما راى نفس المفكرين ان مكان السياسة معروف ومحدد بالقوانين والاعراف والسياسيين اناس اتوا من خلال الانتخابات ويدبرون الشؤون العامة حسب القوانيين التي صوت عليها ممثلوا الشعب

  • احمد
    الخميس 14 دجنبر 2017 - 07:53

    كل ما جاء به الاسلام لمحاربة الجهل والشرك والبدع واستعمال العقيدة لأغراض سياسية والاغتناء المادي وكثرة المذاهب فإننا لاسف نعيشه اليوم فلماذا نعيب عن المسيحية واليهودية العيب فينا وليس في الآخرين ،أين الدين الذي جاء به محمد ص الله عليه وسلم ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!

  • Ali de Perpignan
    الخميس 14 دجنبر 2017 - 08:26

    J'ai lu avec interet cet article, que je trouve très interessant, et dans ce couac de l'éxistance ou non d'une vie apès la mort, puisque c'est en fin la finnalité de ce sujet. quoiqu'il en soit notre religion ou notre parti.
    Je voudrais rappeler aux sceptiques et aux athés, qui ne croient pas en l'existance de dieu, un simple calcul mathematique, Le philosophe français Blaise pascal l'avait signalé, sous ce qu'on apelle " Le Pari de Pascal "
    il dit qu'on na tout a y gagner en croyant en dieu, puisque la raison ne peux le demontrer formelement, et c'est pour ça d'ailleurs qu'il y'a des differences, sinon on serait tous croyants et fini close.
    Donc Pascal dit : Si il y'a une vie après la mort, on a tout a y gagner en croyant en dieu, et s'il n y'a pas de vie apès la mort, on ne perd pas grand chose, de toute façon la croyance ne vous empeche pas de vivre sainement votre vie. on lui repondu on dois croire par profit alors, il a repondu, peut etre" " en forgeant qu'on devient forgeron

  • كمال
    الخميس 14 دجنبر 2017 - 09:09

    هناك كتب تاريخية و صحف ووثائق و .. لا تحصى و لا تعد في كل متاحيف و خزانات العالم حول الحدث التاريخي فتح كريستف كلومبوس لامريكا و الذي بالكاد لم يمر عليه سوى بضع قرون .
    حاليا كل علماء الاثار هم بصدد غربلة كل هذا الثرات التاريخي العظيم و السبب هو ان علماء الاثار هذا العصر وجدوا ان هناك تناقضات كبيرة بين ما تتداوله هذه الكتب و المتاحف و الاتارات المادية التي حصلوا عليها بطريقة علمية حديثة

  • marocain
    الخميس 14 دجنبر 2017 - 09:10

    الإسلام هو تَتِمةٌ للديانات التي أُرسِل من أجل نشرها كل الأنبياء الذين جاء في كُتُبهِم و صُحُفِهم قبل إِخفائها و تحريفِها من طرَفِ رجال الدين المُزيَّفين مدعومين بِالأكاسِرَة و القَياصِرة، الإجماع على توحيد الله وَحْدَه الذي لا ولَدَ و لا شريك لهُ و إِسلام كلِّ عبدٍ وجْهَهُ و قلْبَهُ لله الذي خَلَقهُ و أكْرَمَهُ.اُلخَلَلُ في البشر الذين لم يَلْتَزِموا بكُلِّ الأوامر و التَّعْليمات أو حرَّفوها قصْد أغراضٍ مادِّيةٍ أو سياسِية.

  • اﻷحمدي
    الخميس 14 دجنبر 2017 - 09:49

    السلام
    أصحاب المال في منطقة ما يختارون وصفة دينية يمكن تطبيقها وقبولها من قبل أهل هذه المنطقة حتى يتسنى لهم الحفاظ على مصالحهم الاقتصادية و هذا لن يكون بالضرورة ما أراده خالق الكون كدين

  • مصطفى الجماهيري
    الخميس 14 دجنبر 2017 - 11:40

    ان التغير الإجتماعي يقابله الوحدة فهل كان حكام المغرب يحققون وحدة منفتحة أو وحدة منغلقة؟ من هنا وجب على الباحث ان يعتمد على علم الاجتماع الفلسفي وفلسفة التاريخ عسى ان ندرك التاريخ من خلال البعد الاجتماعي.

  • LAVOISIER
    الخميس 14 دجنبر 2017 - 15:38

    RIEN NE SE PERD
    RIEN NE SE CREE
    TOUT SE TRANSFORME

    selon le philosofe grec ANAXAGORE

    Rien ne nait ni perit,mais des choses deja existantes
    se combinent ,puis se separent de nouveau

  • المجيب
    الخميس 14 دجنبر 2017 - 16:52

    اعجبتني طريقة الحكي في المقال. كاننا نتابع مقابلة حامية الوطيس على ملكية المصحف الكريم: " نهض عبد المومن…حمل في صحبته المصحف العثماني…لم يزل الموحدون يحملون المصحف في اسفارهم…الى ان حمله السعيد…توجه السعيد الى تلمسان…قتل السعيد ونهب المصحف…استرده ابو الحسن المريني…حمله في اسفاره…اصيب في وقعة طريف بالبرتغال…استرده من جديد…كان عائدا من تونس…غرقت المراكب…ضاع المصحف العثماني…( صفر الراوي نهاية اللقاء)…كان ذلك آخر العهد به.( لا نعرف متى كانت مقابلة الاياب).

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 6

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال